اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

الثلاثاء، 22 مارس 2022

6-المحلى ابن حزم - المجلد الرابع/ تابع كتاب البيوع {من 1552 - مسألة - 1594)

المحلى ابن حزم - المجلد الرابع/ تابع كتاب البيوع

1552 - مسألة: وبيع المدبر، والمدبرة، حلال لغير ضرورة، ولغير دين لا كراهة في شيء من ذلك. ويبطل التدبير بالبيع، كما تبطل الوصية ببيع الموصى بعتقه، ولا فرق وهو قول الشافعي، وأبي سليمان.

وقال أحمد: يباع المدبر كما قلنا، ولا تباع المدبرة. وهذا تفريق لا برهان على صحته، وقال مالك: لا يباع المدبر، ولا المدبرة إلا في الدين فقط، فإن كان الدين قبل التدبير بيعا فيه في حياة سيدهما، وإن كان الدين بعد التدبير لم يباعا فيه في حياة المدبر، وبيعا فيه بعد موته، فإن لم يحمل الثلث المدبر، ولا دين هنالك: أعتق منه ما يحمل الثلث ورق سائره. قال: فإن بيع في الحياة بغير دين فأعتقه الذي اشتراه نفذ البيع وجاز. وهذه أقوال في غاية التناقض، ولئن كان بيعه حراما فما يحل بيعه لا في دين، ولا في غيره أعتق أو لم يعتق كما لا تباع أم الولد، ولا ينفذ بيعها وإن أعتقت ولئن كان بيعه حلالا فما يحرم متى شاء سيده بيعه. وما نعلم لهم في هذا التقسيم حجة لا من نص، ولا من رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي له وجه.

وقال أبو حنيفة: لا يباع المدبر لا في دين، ولا في غير دين لا في الحياة، ولا بعد الموت: وهو من الثلث، فإن لم يحمله الثلث استسعى في ثلثي قيمته وقال زفر: هو من رأس المال كأم الولد، وما نعلم لهم حجة أصلا، ولا متعلق لهم في قول الله تعالى: {أوفوا بالعقود}. أما المالكيون فأجازوا بيعه في مواضع قد ذكرناها فلم يفوا بالعقود. وأما الحنفيون فاستسعوه في ثلثي قيمته فلم يفوا بالعقود.

قال أبو محمد: واحتجوا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى: منها: خبر رواه عبد الباقي بن قانع عن موسى بن زكريا عن علي بن حرب عن عمرو بن عبد الجبار ثقة عن عمه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر عن النبي ﷺ: المدبر لا يباع، ولا يشترى وهو حر من الثلث. وهذا خبر موضوع؛ لأن عبد الباقي راوي كل بلية، وقد ترك حديثه، إذ ظهر فيه البلاء. ثم سائر من رواه إلى أيوب ظلمات بعضها فوق بعض، كلهم مجهولون، وعمرو بن عبد الجبار إن كان هو السنجاري فهو ضعيف وإن كان غيره فهو مجهول ثم لو صح لكان المالكيون قد خالفوه. وقد أجاز الحنفيون بيع المدبر في بعض الأحوال، وهو أنهم قالوا في عبد بين اثنين دبره أحدهما ثم أعتق الآخر نصيبه: فإن على الذي دبر نصيبه أن يضمن قيمة نصيب صاحبه الذي أعتق حصته وهذا بيع للمدبر فقد خالفوا هذا الخبر الموضوع مع احتجاجهم به. وإن العجب ليكثر ممن يرد حديث بيع المكاتب، وحديث المصراة، وحديث النهي عن بيع الكلب، مع صحة أسانيدها وانتشارها ثم يحتج بهذه الكذبة. وذكروا

ما روينا من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن رسول الله ﷺ باع خدمة المدبر وهذا مرسل، ولا حجة في مرسل ثم لو صح لكان حجة على الحنفيين والمالكيين، أنهم لا يرون بيع خدمة المدبر: ما لهم أثر غير ما ذكرنا. واحتجوا برواية عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في أولاد المدبرة: إذا مات سيدها ما نراهم إلا أحرارا، وولدها كذلك منها فكأنه عضو منها.

ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر، عن ابن شهاب، وربيعة، قالا جميعا: إن عائشة أم المؤمنين باعت مدبرة لها في الأعراب، فأخبر بذلك عمر فبعث في طلب الجارية فلم يجدها، فأرسل إلى عائشة فأخذ الثمن فاشترى به جارية فجعلها مكانها على تدبيرها.

ومن طريق وكيع أنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر أنه كره بيع المدبر هذا كل ما موهوا به عن الصحابة، رضي الله عنهم،، وكله لا حجة لهم فيه. أما خبر عمر: فساقط؛ لأن الزهري، وربيعة، لم يولدا إلا بعد موت عمر بخمس وثلاثين سنة وزيادة، فهو منقطع.

وأيضا: ففيه عبد الجبار بن عمر وهو ضعيف. ثم لو صح لكان هذا عليهم لا لهم لوجوه:

أولها أن أم المؤمنين قد خالفته في ذلك، فليس قوله حجة عليها، ولا أولى من قولها، وهذا تنازع، فالواجب عند التنازع الرد إلى القرآن، والسنة، وهما يبيحان بيع المدبر.

والثاني أنهم قد خالفوه؛ لأن فيه أنه قد أخذ الثمن فابتاع به جارية فجعلها مدبرة مكانها، ويعيذ الله أمير المؤمنين من هذا الحكم الفاسد، الظاهر العوار، إذ يحرم بيع مملوكة من أجل مملوكة أخرى بيعت لا يحل بيعها. ويلزم على هذا من باع حرا أن يبتاع بالثمن عبدا فيعتقه مكانه، وهذا خلاف قول الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}. وكيف إن ذهب الثمن أو لم توجد به رقبة أو وجدت به رقاب أو وجدت المبيعة بعد أن جعلت هذه الأخرى مدبرة مكانها، ولعل هذه تموت مملوكة، فكيف العمل أو لعلها تعيش وتموت المبيعة مملوكة فكيف العمل في هذا التخليط حاشا لله من هذا فبطل تعلقهم بقول عمر.

وأما خبر جابر: فلا متعلق لهم فيه أصلا، وإنما هو تمويه منهم مجرد؛ لأنه ليس فيه المنع من بيع المدبرة أصلا، وإنما فيه حكم ولدها إن عتقت هي فقط. ولو كان لهم حياء ما موهوا في الدين بمثل هذا، فكيف وقد جاء عن جابر خلاف قولهم

كما روينا من طريق ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: ولد المدبرة بمنزلتها يرقون برقها، ويعتقون بعتقها. وذكر ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وغيرهم، مثل قول ابن عمر فهذا جابر يرى إرقاق المدبرة، فإن قيل: هذا مرسل. قلنا: بالمرسل احتججتم علينا فخذوه أو فلا تحتجوا به.

وأما حديث ابن عمر فإنما فيه الكراهة فقط وقد صح، عن ابن عمر بيان جواز بيع المدبرة،

كما روينا بأصح سند من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة: إن شاء باعها، وإن شاء وهبها، وإن شاء صنع بها ما شاء.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر: أنه دبر جاريتين له، فكان يطؤهما حتى ولدت إحداهما فهذا نص جلي من ابن عمر على جواز بيع المدبرة. فإن ادعوا إجماعا على جواز وطئها كذبوا؛ لما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أنه كان يكره أن يطأ الرجل مدبرته، قال معمر: فقلت له: لم تكرهه فقال: لقول عمر: لا تقربها وفيها شرط لأحد. فظهر فساد ما تعلقوا به عن الصحابة، رضي الله عنهم،، وأنه ليس لهم حجة في شيء جاء عنهم، وموهوا من طريق النظر بأن قالوا: لما فرق بين اسم المدبر، واسم الموصى بعتقه، وجب أن يفرق بين حكميهما.

قال أبو محمد: وهذا باطل؛ لأنه دعوى بلا برهان، وليس كل اسمين اختلفا وجب أن يختلف معناهما وحكمهما إذا وجدا في اللغة متفقي المعنى: فإن " المحرر، والمعتق " اسمان مختلفان ومعناهما واحد، " والزكاة، والصدقة " كذلك، " والزواج، والنكاح " كذلك، وهذا كثير جدا. وحتى لو صح لهم هذا الحكم الفاسد لكان الواجب إذا جاء فيهما نص أن يوقف عنده

وأيضا فليس في اختلاف الأسمين ما يوجب أن يباع أحدهما، ولا يباع الآخر، وقد اختلف اسم: الفرس، والعبد، وكلاهما يباع.

قال علي: فلم يبق لهم متعلق أصلا ومن البرهان على جواز بيع المدبر والمدبرة: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع}. وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}.

فصح أن بيع كل متملك جائز إلا ما فصل لنا تحريم بيعه، ولم يفصل لنا تحريم بيع المدبر، والمدبرة، فبيعهما حلال. ومن السنة:

ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري، وإسماعيل بن أبي خالد، كلاهما عن سلمة بن كهيل عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ باع المدبر.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فقال رسول الله ﷺ: من يبتاعه مني فاشتراه رجل من بني عدي بن كعب، قال جابر: غلام قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير. ورويناه أيضا من طريق الليث، وأيوب عن أبي الزبير أنه سمعه من جابر: فهذا أثر مشهور مقطوع بصحته بنقل التواتر، وأمر كان بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، كلهم مسلم راض، فلو ادعى المسلم ههنا الإجماع لما أبعد، لا كدعاويهم الكاذبة فقال بعض أهل الكذب: بيع في دين، وإلا فلأي وجه بيع .

فقلنا: كذبتم وأفكتم، وإنما بيع؛ لأنه لم يكن لمدبره مال غيره، فلهذا باعه النبي ﷺ .

وأما لو كان له مال غيره فبيعه مباح لا واجب كسائر من تملك.

ومن طريق النظر أنه صح الإجماع على جواز بيع المدبر قبل أن يدبر، فمن منع منه بعد أن يدبر فقد أبطل وادعى ما لا برهان له به.

ومن طريق القياس الذي لو صح القياس لم يكن شيء أصح من هذا، وهو أن المعتق بصفة لا يدري أيدركها المعتق بها أم لا والموصى بعتقه: لا يختلفون في جواز بيعه قبل مجيء تلك الصفة، والمدبر موصى بعتقه، كلاهما من الثلث فواجب إن صح القياس أن يباع المدبر كما يباع الآخران، ولكن لا النصوص يتبعون، ولا القياس يحسنون. وممن صح عنه بيع المدبر

ما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن جدته عمرة بنت عبد الرحمن: أن عائشة أم المؤمنين، باعت مدبرة لها.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن سيرين، قالا جميعا: المدبر وصية.

وبه إلى معمر عن عبد الله بن طاووس، قال: سألني محمد بن المنكدر عن المدبر كيف كان قول أبي فيه، أيبيعه صاحبه فقلت: كان أبي يقول: يبيعه إن احتاج فقال ابن المنكدر: وإن لم يحتج.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: كان طاووس لا يرى بأسا أن يعود الرجل في عتاقته قال عمرو: يعني التدبير.

ومن طريق سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: المدبر وصية يرجع فيه إذا شاء.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج سمعت عطاء يقول: يعاد في المدبر، وفي كل وصية وقد

روينا، عن ابن سيرين، وعطاء: كراهية بيع المدبر، وعن الشعبي يبيعه الجريء، ويرع عنه الورع.

قال أبو محمد: بل يبيعه الورع اقتداء برسول الله ﷺ ويقف عنه الجاهل، وتالله ما تخاف تبعة من الله تعالى في أمر لم يفصل لنا تحريمه في كتابه، ولا في سنة رسوله ﷺ بل نخاف التبعة منه، عز وجل، في تحريمنا ما لم يفصل لنا تحريمه، أو في توقفنا فيه خوف أن يكون حراما ونعوذ بالله تعالى من هذا. قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. وبيع المدبر مما قضى به رسول الله ﷺ فمن كان مؤمنا فلا يجد في نفسه حرجا مما قضى فيه وبالله تعالى التوفيق.




1553- مسألة: وبيع ولد المدبرة من غير سيدها حملت به قبل التدبير أو بعده حلال وبيع ما ولدت المكاتبة قبل أن تكاتب وبعد أن كوتبت ما لم تؤد شيئا من كتابتها: حلال. وبيع ولد أم الولد من غير سيده قبل أن تكون أم ولد: حلال. هذا كله لا خلاف في شيء منه، إلا ما حملت به المدبرة بعد التدبير.

وأما ما ولدت أم الولد من غير سيدها بعد أن صارت أم ولد: فحرام بيعه، وحكمه كحكم أمه. وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم ما حملت به المكاتبة بعد أن تؤدي شيئا من كتابتها في " كتاب المكاتب " من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، عز وجل.

برهان صحة قولنا في ولد المدبرة التي تحمل به بعد التدبير: هو أنه ولد أمة جائز بيعها، فهو عبد؛ لأن ولد الأمة عبد.

وروينا مثل قولنا هذا عن عبد الرزاق عن معمر: أخبرني من سمع عكرمة يقول: أولاد المدبرة لا عتق لهم.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: وابن عيينة، قال ابن جريج: عن عمرو بن دينار، وعطاء، كلاهما عن أبي الشعثاء، وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء، قال: أولاد المدبرة عبيد،

وأما ما حملت به ثم أدركها العتق قبل أن تضعه فهو حر معها ما لم يستثنه السيد لما ذكرنا قبل: من أنه وإن كان غيرها فهو تبع لها.

واحتج المخالفون على القول بأن ولد المدبرة بمنزلة أمهم بأنه قد صح عن عثمان، وجابر، وابن عمر وروي عن علي، وابن عباس، وزيد، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف.

قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ

وقد ذكرنا خلافهم لطوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، كالذي صح عن عثمان، وصهيب، وتميم الداري من أن البيع لدار واشتراط سكناها مدة عمر البائع، وذلك بحضرة الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وغير ذلك كثير جدا. وأما ولد أم الولد قبل أن تكون أم ولد فلا خلاف فيه.

وأما ما حملت به بعد أن تكون أم ولد فلا يحل بيعهم، لأنها حرام بيعها وهو إذا حملت به بعضها: فحرام بيعه، وما حرم بيعه بيقين فلا يحل بعد ذلك إلا بنص، ولا نص في جواز بيعه بعد مفارقته لها.

فإن ذكروا " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها " فهو ليس عن رسول الله ﷺ فلا حجة فيه ثم هم أول مخالف لهذا في ولد المعتقة بصفة، وولد المعتقة إلى أجل وبالله تعالى التوفيق.




1554 - مسألة: وبيع المعتق إلى أجل، أو بصفة: حلال ما لم يجب له العتق بحلول تلك الصفة، كمن قال لعبده: أنت حر غدا، فله بيعه ما لم يصبح الغد، أو كمن قال له: أنت حر إذا أفاق مريضي: فله بيعه ما لم يفق مريضه؛ لأنه عبد ما لم يستحق العتق وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، وأبي سليمان وأصحابهم.

وقال مالك: كذلك في المعتق بصفة يمكن أن تكون، ويمكن أن لا تكون، ولم يقله في المعتق إلى أجل، واحتج بأنه لا بد أن يكون. فقلنا: نعم، فكان ماذا إلا أنه حتى الآن لم يكن بعد، ولا دليل لهم على هذا الفرق أصلا، وإنما هو دعوى واحتجاج لقولهم بقولهم


1555 - مسألة: وجائز لمن أتى السوق من أهله، أو من غير أهله، أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق، وبأكثر، ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك، ولا للسلطان.

وقال المالكيون: ليس له أن يبيع بأقل من سعرها، ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر.

قال علي: وهذا عجب جدا أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين، ويبيحون له التغلية إن هذا لعجب وما نعلم قولهم هذا عن أحد قبل مالك. ثم زادوا في العجب واحتجوا بالذي

روينا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب: أن عمر مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر، وأما أن ترفع عن سوقنا.

قال علي: هذا لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها: أنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ .

والثاني: أنهم كم قصة خالفوا فيها عمر كإجباره بني عم على النفقة على ابن عمهم، وكعتقه كل ذي رحم محرمة إذا ملك، وغير ذلك. والثالث: أنه لا يصح عن عمر؛ لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن فقط. والرابع: أنه لو صح لكانوا قد أخطئوا فيه على عمر، فتأولوه بما لا يجوز، وإنما أراد عمر بذلك لو صح عنه بقوله إما أن تزيد في السعر، يريد أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن، وهذا خلاف قولهم هذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره، فكيف وقد جاء عن عمر مبينا.

كما روينا هذا الخبر عنه من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: وجد عمر حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة فقال: كيف تبيع يا حاطب فقال: مدين، فقال عمر: تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا، وأسواقنا، تقطعون في رقابنا. ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعا، وإلا فلا تبع في أسواقنا، وإلا فسيبوا في الأرض ثم اجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم. فهذا خبر عمر مع حاطب في الزبيب كما يجب أن يظن بعمر. فإن قالوا: في هذا ضرر على أهل السوق

قلنا: هذا باطل، بل في قولكم أنتم الضرر على أهل البلد كلهم، وعلى المساكين، وعلى هذا المحسن إلى الناس، ولا ضرر في ذلك على أهل السوق؛ لأنهم إن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا، وإلا فهم أملك بأموالهم كما هذا أملك بماله. والحجة القاطعة في هذا قول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقوله تعالى: {وأحل الله البيع}.


1556 - مسألة: ومن ابتاع سلعة في السوق فلا يحل أن يحكم عليه بأن يشركه فيها أهل تلك السوق، وهي لمشتريها خاصة وهو قول الناس.

وقال المالكيون: يجبر على أن يشركوه فيها، وما نعلم أحدا قاله غيرهم وهو ظلم ظاهر، ويبطله قول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فلم يتراض البائع إلا مع هذا المبتاع لا مع غيره، فالحكم به لغيره أكل مال بالباطل بلا دليل أصلا وبالله تعالى التوفيق. بل قد جاء عن عمر الحكم على أهل السوق بهذا في غيرهم لا لهم:

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن مسلم بن جندب قال: قدم المدينة طعام فخرج أهل السوق إليه فابتاعوه، فقال لهم عمر: أفي سوقنا هذا تتجرون أشركوا الناس، أو اخرجوا فاشتروا ثم ائتوا فبيعوا.

قال علي: وهذا الذي حكم به المالكيون أعظم الضرر على المسلمين؛ لأن أهل الصناعة من السوق يتواطئون على إماتة السلعة التي يبيعها الجالب أو المضطر، ويتفقون على أن لا يزيدوا فيها، ويتركوا واحدا منهم يسومه حتى يترك المضطر على حكمه، ثم يقتسمونها بينهم، وهذا واجب منعهم منه؛ لأنه غش، وقد قال رسول الله ﷺ: ليس منا من غشنا. ==

=

1557 - مسألة: ولا يجوز البيع بالبراءة من كل عيب، ولا على أن لا يقوم علي بعيب والبيع هكذا فاسد مفسوخ أبدا، وذهب أبو حنيفة إلى جواز البيع بالبراءة، ولم ير للمشتري القيام بعيب أصلا علمه البائع أو لم يعلمه. وذهب سفيان، والحسن بن حي، وأبو سليمان: إلى أنه لا يبرأ بشيء من ذلك من العيوب علمه البائع أو لم يعلمه. وذهب الشافعي إلى أنه لا يبرأ بذلك من شيء من العيوب إلا في الحيوان خاصة فإنه يبرأ به مما لم يعلم من عيوب الحيوان المبيع، ولا يبرأ مما علمه من عيوبه فكتمه. ولمالك ثلاثة أقوال: أحدها وهو الذي ذكرنا أنه المجتمع عليه عندهم، وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا؛ وهو قوله في الموطأ.

والثاني أنه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة، فيبرأ مما لم يعلم، ولا يبرأ مما علم فكتم، وإنما في سائر الحيوان وغير الحيوان، فلا يبرأ به من عيب أصلا. والثالث وهو الذي رجع إليه، وهو أنه لا ينتفع بالبراءة إلا في ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلطان للمغنم، أو على مفلس.

والثاني: العيب الخفيف خاصة في الرقيق خاصة لكل أحد. والثالث: فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة. وذهب بعض المتقدمين، منهم: عطاء، وشريح، إلى أنه لا يبرأ أحد وإن باع بالبراءة، إلا من عيب بينه ووضع يده عليه. فأما القول بوضع اليد فرويناه عن شريح، وصح عن عطاء.

وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي قال: ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما بينت ووضعت يدك عليه.

قال أبو محمد: ولو وجد الحنفيون، والمالكيون مثل هذا لطاروا به كل مطار؛ لأن أبا عثمان أدرك جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وأدرك رسول الله ﷺ إلا أنه لم يلقه. فلو وجدوا مثل هذا فيما يعتقدونه لقالوا: إنما ذكر ذلك عن الصحابة وهذا إجماع.

قال علي: وأما نحن فلا نقطع بالظنون، ولا ندري لوضع اليد معنى، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن رسول الله ﷺ لا عن غيره وبالله تعالى التوفيق.

وأما قول الشافعي: فما نعلم له حجة إلا أنه قلد ما روينا عن عثمان من طريق مالك، عن ابن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله قال: إن أباه باع غلاما له بالبراءة فخاصمه المشتري إلى عثمان وقال: باعني عبدا وبه داء لم يسمه لي فقال ابن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان على ابن عمر بأن يحلف لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى ابن عمر من أن يحلف وارتجع العبد. قال أبو محمد: وهذا عجب جدا إذ قلد عثمان ولم يقلد ابن عمر جواز البيع بالبراءة في الرقيق، والشافعي أشد الناس إنكارا للتقليد. ثم عجب آخر كيف قلد عثمان فيما لم يقله عثمان قط، ولا صح عنه، ولم يقلده في هذا الخبر نفسه في قضائه على ابن عمر بالنكول وهو صحيح عنه إن هذا هو عين العجب.

واحتج لترجيحه رأي عثمان بأن الحيوان لا يكاد يخلو من عيب باطن، وأنه يتغذى بالصحة والسقم .

فقلنا: فكان ماذا ومن أين وجب بهذا أن ينتفع بالبراءة فيه مما لم يعلمه من العيوب، ولا ينفعه مما علم فكتم إن هذا لعجب فوجب رفض هذا القول لتعريه من الدلائل.

وأيضا: فإن عثمان رضي الله عنه لم يقل: إن الحكم بما حكم به إنما هو في الحيوان دون ما سواه، فمن أين خرج له تخصيص الحيوان بذلك. فإن قالوا: إنما حكم بذلك في عبد

قلنا: فلا تتعدوا بذلك العبيد، أو الرقيق. فإن قالوا: قسنا الحيوان على العبد

قلنا: ولم لم تقيسوا جميع المبيعات على العبد فحصلوا على خبال القياس، وعلى مخالفة عثمان، وابن عمر، فكيف وقد روينا هذا الخبر من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أنه باع سلعة كانت له بالبراءة، ثم ذكر الخبر بتمامه، وقضى عثمان عليه باليمين: أنه ما باعه وبه داء يعلمه فكره ابن عمر اليمين وارتجع السلعة. فهذا عموم لكل مبيع وإسناده متصل سالم عن أبيه، وما نعلم لهم سلفا في تفريقهم هذا من الصحابة أصلا.

وأما أقوال مالك: فشديدة الأضطراب: أول ذلك أنه حكى عن أحدها وهو الموافق لقول الشافعي أنه الأمر المجتمع عليه عندهم، وهذا اللفظ عند مقلديه من الحجج التي لا يجوز خلافها، وفي هذا عجبان عجيبان:. أحدهما أنه روي عن عثمان، وابن عمر خلاف هذا الأمر المجتمع عليه، وما علمنا إجماعا يخرج منه عثمان، وابن عمر.

والثاني أنه رجع مالك نفسه عن هذا القول الذي ذكره أنه المجتمع عليه عندهم، فلئن كان الأمر المجتمع عليه عندهم بالمدينة حجة لا يجوز خلافها، فكيف استجاز مالك أن يخالف المجتمع عليه بالمدينة، وهو الحق فلقد خالف الحق وتركه بعد أن علمه، وإن كان الأمر المجتمع عليه عندهم بالمدينة ليس حجة، ولا يلزم اتباعه، فما بالهم يغرون الضعفاء به، ويحتجون به في رد السنن، أما هذا عجب. فإن قالوا: لم يرجع مالك عنه إلا لخلاف وجده هنالك .

فقلنا: فقد جاز الوهم عليه في دعوى الإجماع، ووجد الخلاف بعد ذلك، فلا تنكروا مثل هذا في سائر ما ذكر فيه أنه الأمر المجتمع عليه، ولا تنكروا وجود الخلاف فيه، وهذا ما لا مخلص لهم منه، إلا أن هذا القول قد بينا في إبطالنا قول الشافعي بطلانه وبالله تعالى نتأيد.

وأما قوله الثاني: في تخصيصه الرقيق خاصة، فما ندري له متعلقا أصلا لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي. ولعل قائلا يقول: إنه قلد عثمان. فقلنا: وما بال تقليد عثمان دون تقليد ابن عمر وكلاهما صاحب.

وأيضا: فما قلد عثمان؛ لأن عثمان لم يقل إن هذا الحكم إنما هو في الرقيق خاصة، وقد خالفه في قضائه بالنكول، فما حصل إلا على خلاف عثمان، وابن عمر فبطل هذا القول أيضا لتعريه عن الأدلة جملة.

وأما قوله الثالث: الذي رجع إليه فأشدها فسادا لأنه لا متعلق له بقول أحد نعلمه: لا صاحب، ولا تابع، ولا قياس، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا رأي له وجه. ثم تخصيصه البيع على المفلس عجب، وعهدة الثلاث كذلك، ثم تخصيصه بالعيب الخفيف وهو لم يبين ما الخفيف من الثقيل فحصل مقلدوه في أضاليل لا يحكمون بها في دين الله تعالى إلا بالظن. فسقطت هذه الأقوال كلها وبالله تعالى التوفيق.

وأما قول أبي حنيفة فإنهم قالوا: قد صح الإجماع المتيقن على أنه إذا باع وبرئ من عيب سماه فإنه يبرأ منه، ولا فرق بين تفصيله عيبا عيبا وبين إجماله العيوب، وقالوا: قد روي قولنا عن بعض الصحابة كما ذكرنا، عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، ولعلهم يحتجون بالمسلمين عند شروطهم.

قال أبو محمد: ما نعلم لهم شغبا غير هذا، فأما المسلمون عند شروطهم فقد قدمنا: أنه باطل لا يصح وأنه لو صح لم يكن لهم فيه حجة؛ لأن شروط المسلمين ليست إلا الشروط التي نص الله تعالى على إباحتها ورسوله ﷺ لا شروطا لم يبحها الله تعالى، ولا رسوله عليه السلام وقد قال رسول الله ﷺ: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.

وأما الرواية عن بعض الصحابة فقد اختلفوا، ولا حجة في قول بعضهم دون بعض

وأما قولهم: لا فرق بين تفصيل العيوب وبين إجمالها، فكذبوا، بل بينهما أعظم الفرق؛ لأنه إذا سمى العيب ووقف عليه فقد صدق وبرئ منه، وإذا أجمل العيوب فقد كذب بيقين؛ لأن العيوب تتضاد، فصارت صفقة انعقدت على الكذب فهي مفسوخة، وكيف لا يكون فرق بين صفقة صدق وصفقة كذب وأما الصحابة: فقد اختلفوا، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ؛ فبطل هذا القول أيضا لتعريه من الأدلة.

قال أبو محمد: فلنذكر الآن البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته: وهو أن من باع بشرط أن لا يقام عليه بعيب إن وجد، فهو بيع فاسد باطل؛ لأنه انعقد على شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل، ولأنه غش، والغش محرم. قال عليه السلام: من غشنا فليس منا "

وقال عليه السلام: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. ومن باع بالبراءة من العيوب: فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك أن لا يقام عليه بعيب إن وجد، وأنه بريء منه، فقد ذكرنا أن البيع هكذا باطل أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل بيقين؛ لأن الحمى عيب، وهي من حر، والفالج عيب وهو من برد، وهما متضادان. وكل بيع انعقد على الكذب والباطل فهو باطل؛ لأنه انعقد على أنه لا صحة له إلا بصحة ما لا صحة له، فلا صحة له، ولا فرق في هذا الوجه بين أن يسمي العيوب كلها، أو بعضها، أو لا يسميها؛ لأنه إنما سمى عيبا واحدا فأكثر وكذب فيه، فالصفقة باطلة؛ لأنعقادها على الباطل، وعلى أن به ما ليس فيه، وأنه على ذلك يشتريه، فإذ ليس به ذلك العيب، فلا شراء له فيه وهذا في غاية الوضوح وبالله تعالى التوفيق. فإن باع وسكت ولم يبرأ من عيب أصلا، ولا شرط سلامة، فهو بيع صحيح إن وجد العيب فالخيار لواجده في رد أو إمساك، وإلا فالبيع لازم وبالله تعالى التوفيق.


1558 - مسألة: وبيع المصاحف جائز، وكذلك جميع كتب العلوم عربيها وعجميها لأن الذي يباع إنما هو الرق أو الكاغد أو القرطاس والمداد، والأديم إن كانت مجلدة وحلية إن كانت عليها فقط.

وأما العلم فلا يباع؛ لأنه ليس جسما وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبي سليمان.

وروينا من طريق سعيد بن منصور أنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون بيع المصاحف، وتعليم الصبيان بالأرش يعظمون ذلك.

ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن سالم بن عجلان هو الأفطس عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عمر: وددت أني قد رأيت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف.

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا همام بن يحيى أنا قتادة عن زرارة بن أوفى الحرشي عن مطرف بن مالك قال: شهدت فتح تستر مع أبي موسى الأشعري فأصبنا دانيال بالسوس ومعه ربعة فيها كتاب، ومعنا أجير نصراني فقال: تبيعوني هذه الربعة وما فيها قالوا: إن كان فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله لم نبعك قال: فإن الذي فيها كتاب الله تعالى، فكرهوا بيعه، قال: فبعناه الربعة بدرهمين، ووهبنا له الكتاب، قال قتادة: فمن ثم كره بيع المصاحف؛ لأن الأشعري، والصحابة كرهوا بيع ذلك الكتاب.

قال أبو محمد: إنما كرهوا البيع نفسه ليس من أجل أن المشتري كان نصرانيا؛ ألا ترى أنهم قد وهبوه له بلا ثمن.

ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى سألت عبد الله بن يزيد، ومسروقا، وشريحا، عن بيع المصاحف فقالوا: لا نأخذ لكتاب الله ثمنا.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان أن ابن جريج ذكر عن عطاء، عن ابن عباس قال في المصاحف: اشترها، ولا تبعها.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الله بن إدريس الأودي، عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال في المصاحف: اشترها، ولا تبعها.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا إسماعيل بن إبراهيم، هو ابن علية عن ليث عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة، عن ابن مسعود أنه كره شراء المصاحف وبيعها.

ومن طريق ابن أبي شيبة، أخبرنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة: أبيع مصحفا قال: لا.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال: لحس الدبر أحب إلي من بيع المصاحف.

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لا يورث المصحف: هو لأهل البيت القراء منهم.

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن زريع أنا خالد هو الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني، قال: كان يكره بيع المصاحف وابتياعها.

ومن طريق ابن أبي شيبة، أخبرنا ابن علية عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني أنه كره بيع المصاحف وابتياعها.

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا مهد بن ميمون سألت محمد بن سيرين عن كتاب المصاحف بالأجر فقال: كره كتابها واستكتابها وبيعها وشراءها.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن سالم هو بن عبد الله بن عمر قال: بئس التجارة بيع المصاحف.

ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، قال سعيد: عن قتادة عن سعيد بن المسيب، وقال شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، ثم اتفق ابن المسيب، وابن جبير قالا جميعا: اشتر المصاحف، ولا تبعها.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا المعتمر بن سليمان عن معمر عن قتادة قال: اشتر، ولا تبع يعني المصاحف.

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عفان أنا همام عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بيع المصاحف قال: اشترها، ولا تبعها

وهو قول الحكم بن عتيبة، ومحمد بن علي بن الحسين.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن بيع المصاحف فكرهه.

ومن طريق وكيع أنا إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي قال: اشتر المصاحف، ولا تبعها.

ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كره بيع المصاحف فلم يزل به مطر الوراق حتى أرخص له، فهؤلاء أبو موسى الأشعري، وكل من معه من صاحب أو تابع أيام عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن زيد، وجابر بن عبد الله، وابن عمر: ستة من الصحابة بأسمائهم، ثم جميع الصحابة بإطلاق لا مخالف لهم منهم. ومن التابعين المسمين: مسروق، وشريح، ومطرف بن مالك، وعلقمة،، وإبراهيم، وعبيدة السلماني، وابن سيرين، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، والزهري، والشعبي، والحسن، كلهم ينهى عن بيع المصاحف، ولا يراه سوى من ذكر ذلك عنه من الجمهور ممن لم يسم وما نعلمه روى إباحة بيعها إلا عن الحسن، والشعبي باختلاف عنهما، وعن أبي العالية، وأثرين موضوعين: أحدهما: من طريق عبد الملك بن حبيب عن طلق بن السمح عن عبد الجبار بن عمرو الأيلي قال: كان ابن مصبح يكتب المصاحف في زمان عثمان ويبيعها، ولا ينكر ذلك عليه. والآخر أيضا: من طريق ابن حبيب عن الحارث بن أبي الزبير المدني عن أنس بن عياض عن بكير بن مسمار، عن ابن عباس أنه كان يكره للرجل أن يبيعها يتخذها متجرا، ولا يرى بأسا بما عملت يداه منها أن يبيعه. ابن حبيب ساقط، وابن مصبح، والحارث بن أبي الزبير، وطلق بن السمح: لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى، وعبد الجبار بن عمرو ساقط ولم يدرك عثمان، وبكير بن مسمار ضعيف ثم هما مخالفان لقولهم؛ لأنه ليس في حديث ابن مصبح: أن عثمان عرف بذلك، ولا أن أحدا من الصحابة عرف بذلك، وفي حديث ابن عباس: أنه كره أن يتخذ بيعها متجرا. فأين المالكيون، والحنفيون، والشافعيون المشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف، والمشنعون بخلاف جمهور العلماء وقد وافقوا ههنا كلا الأمرين. ثم العجب كل العجب، قولهم في قول عائشة الذي لم يصح عنها: أبلغني زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب في ابتياعه عبدا إلى العطاء بثمانمائة درهم وبيعه إياه من التي باعته منه بستمائة درهم نقدا، وقد خالفها زيد بن أرقم. فقالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، فلم يبق إلا أنه توقيف، ولم يقولوا ههنا فيما صح، عن ابن عمر مما لم يصح عن أحد من الصحابة خلافه من إباحة قطع الأيدي في بيع المصاحف، وعن الصحابة جملة. فهلا قالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، ولكن ههنا يلوح تناقضهم في كل ما تحكموا به في دين الله تعالى ونحمد الله على السلامة.

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ كثر القائلون به أم قلوا كائنا من كان القائل، لا نتكهن فنقول: مثل هذا لا يقال بالرأي، فننسب إلى رسول الله ﷺ ما لم يقله، وهذا هو الكذب عليه جهارا. والحجة كلها: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} وقوله عز وجل: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. فبيع المصاحف كلها حلال، إذ لم يفصل لنا تحريمه: وما كان ربك نسيا ولو فصل تحريمه لحفظه الله تعالى حتى تقوم به الحجة على عباده وبالله تعالى التوفيق.


1559 - مسألة: ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة، أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا فله أن يبتاع تلك السلعة من الذي باعها منه بثمن مثل الذي باعها به منه، وبأكثر منه، وبأقل حالا، وإلى أجل مسمى أقرب من الذي باعها منه إليه، أو أبعد ومثله، كل ذلك حلال لا كراهية في شيء منه، ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد، فإن كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهما.

برهان ذلك: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع}. وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. فهذان بيعان فهما حلالان بنص القرآن ولم يأت تفصيل تحريمهما في كتاب، ولا سنة، عن رسول الله ﷺ: وما كان ربك نسيا فليسا بحرام.

وأما اشتراط ذلك فلقول رسول الله ﷺ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. وذهب أبو حنيفة إلى أن من اشترى سلعة بثمن ما وقبض السلعة ثم باعها من البائع لها منه بأقل من الثمن الذي اشتراها به قبل أن ينقد هو الثمن الذي كان اشتراها هو به: فالبيع الثاني باطل. فإن باعها من الذي كان ابتاعها منه بدنانير، وكان هو قد اشتراها بدراهم أو ابتاعها بدنانير ثم باعها من بائعها بدراهم فإن كان قيمة الثمن الثاني أقل من قيمة الثمن الأول فإنه لا يجوز. فإن كان اشتراها بدنانير أو بدراهم ثم باعها من الذي ابتاعها هو منه بسلعة: جاز ذلك كان ثمنها أقل من الثمن الذي اشتراها به أو أكثر. فإن ابتاعها في كل ما ذكرنا بثمن ثم باعها من بائعها منه بثمن أكثر من الثمن الذي ابتاعها به منه فهو جائز. قال: وكل ما يحرم في هذه المسألة على البائع الأول فهو يحرم على شريكه في التجارة التي تلك السلعة منها، وعلى وكيله، وعلى مدبره، وعلى مكاتبه، وعلى عبده المأذون له في التجارة.

وقال مالك: من اشترى سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى، ثم ابتاعها هو من الذي ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى مثل ذلك الأجل لم يجز. فإن ابتاع سلعة ليست طعاما، ولا شرابا بثمن مسمى ثم اشتراها منه الذي كان باعها منه قبل أن يقبضها منه بأقل من ذلك الثمن أو بأكثر فلا بأس به، إلا أن يكون من أهل العينة وقد نقده الثمن فلا خير فيه. فإن ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن، أو بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقدا، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله: لم يجز شيء من ذلك وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقدا، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل، أو مثله، وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل، ولا بسلعة تساوي أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل.

قال أبو محمد: احتج أهل هذين القولين بما رويناه: من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته،

ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شرحبيل، ثم اتفقا عنها قالت: دخلنا على عائشة أم المؤمنين، وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة فقالت عائشة: أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب، بئسما اشتريت وبئسما شريت قالت: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي قالت فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فقالوا: مثل هذا الوعيد لا يقال بالرأي، ولا فيما سبيله الأجتهاد فصح أنه توقيف. وبما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن حيان بن عمير القيسي، عن ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة إلى رجل فكره أن يشتريها يعني بدون ما باعها. وقالوا: هي دراهم بأكثر منها، وقالوا: هذان أرادا الربا فتحيلا له بهذا البيع ما لهم شيء شغبوا به غير ما ذكرناه. فأما خبر امرأة أبي إسحاق: ففاسد جدا؛ لوجوه:

أولها أن امرأة أبي إسحاق مجهولة الحال، لم يرو عنها أحد غير زوجها، وولدها يونس، على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح التضعيف، وضعفه يحيى القطان، وأحمد بن حنبل جدا، وقال فيه شعبة: أما قال لكم: حدثنا ابن مسعود.

والثاني أنه قد صح أنه مدلس، وأن امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين، وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها، ولا ولدها: أنها سمعت سؤال المرأة لأم المؤمنين، ولا جواب أم المؤمنين لها، إنما في حديثها: دخلت على أم المؤمنين، أنا، وأم ولد لزيد بن أرقم، فسألتها أم ولد زيد بن أرقم وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس، ويمكن أن يكون في غيره، فوجدنا: ما حدثناه علي بن محمد بن عباد الأنصاري أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمي، أخبرنا ابن مفرج القاضي أنا الحسن بن مروان القيسراني أنا إبراهيم بن معاوية أنا محمد بن يوسف الفريابي أنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر: أنها باعت من زيد بن أرقم خادما لها بثمانمائة درهم إلى العطاء، فاحتاج فابتاعتها منه بستمائة درهم فسألت عائشة أم المؤمنين فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت مرارا، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده إن لم يتب قالت: فإن لم آخذ إلا رأس مالي قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. وما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبي السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: بعت زيد بن أرقم خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم وابتعتها منه بستمائة درهم فقالت لها عائشة بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب قالت: أفرأيت إن أخذت رأس مالي قالت: لا بأس فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. فبين سفيان الدفينة التي في هذا الحديث وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين، وإنما روته عن امرأة أبي السفر، وهي التي باعت من زيد، وهي أم ولد لزيد، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق، فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة فبطل جملة ولله تعالى الحمد. وليس بين يونس، وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ، فالرواية ما روى سفيان. والثالث أن من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه، وأنه لا يمكن أن يكون حقا أصلا: ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب وزيد لم يفته مع رسول الله ﷺ إلا غزوتان فقط: بدر، وأحد، فقط، وشهد معه عليه السلام سائر غزواته، وأنفق قبل الفتح وقاتل، وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية، ونزل فيه القرآن، وشهد الله تعالى له بالصدق وبالجنة على لسان رسوله عليه السلام: أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة. ونص القرآن بأن الله تعالى قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة، فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط، وقد أعاذه الله تعالى منها برضاه عنه، وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل. والرابع أنه يوضح كذب هذا الخبر أيضا: أنه لو صح أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح وهو لا يدري أنه حرام لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم، ولكان له من ذلك ما لأبن عباس رضي الله عنه في إباحة الدرهم بالدرهمين جهارا يدا بيد، وما لطلحة رضي الله عنه إذ أخذ دنانير مالك بن أوس ثم أخره بالدراهم في صرفها إلى مجيء خازنه من الغابة بحضرة عمر رضي الله عنه: فما زاد عمر على منعه من تعليمه، ولا زاد أبو سعيد على لقاء ابن عباس وتعليمه. وما أبطل عمر؛، ولا أبو سعيد بذلك تكبيرة واحدة من عمل طلحة، وابن عباس، وكلا الوجهين بالنص الثابت ربا صراح، ولا شيء في الربا فوقه. فكيف يظن بأم المؤمنين إبطال جهاد زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدا، لا نص في العالم يوجد خلافه، لا صحيح، ولا من طريق واهية، هذا والله الكذب المحض المقطوع به، فليتب إلى الله تعالى من ينسبه إلى أم المؤمنين، ومن يحرم به في دين الله تعالى ما لم يحرمه الله تعالى، ولا رسوله ﷺ فهذه براهين أربعة في بطلان هذا الخبر، وأنه خرافة مكذوبة.

ثم نقول: إنه لو صح صحة الشمس لما كان لهم فيه حجة لوجوه:

أولها أنه قول من أم المؤمنين، وما قولها بأولى من قول زيد وإن كانت أفضل منه إذا تنازعا؛ لأن الله تعالى يقول: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ولم يأمرنا بالرد إلى أحد دون القرآن والسنة.

والثاني أن نقول لهم: كم قولة رددتموها لأم المؤمنين بالدعاوى الفاسدة كبيعها المدبرة وإباحتها الأشتراط في الحج، فاطرحتم حكمها وتعلقتم بمخالفة عمر لها في المدبرة. وصح عن عمر: من قدم ثقله من منى قبل أن ينفر فلا حج له، والأشتراط في الحج، فأطرحتم قول عمر، ولم تقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، فلم يبق إلا أنه توقيف. وخالفتموه لقول ابنه: لا أعرف الأشتراط في الحج، فمرة يكون قول أم المؤمنين حجة، ومرة لا يشتغل به، ومرة تكون عائشة حجة على زيد بن أرقم، وعمر حجة على عائشة، وابن عمر حجة على عمر، وغير ابن عمر حجة على ابن عمر وهذا هو التلاعب بالدين وبالحقائق. والثالث أن ابن عمر قد صح عنه ما أوردناه في الباب الذي قبل هذا من قوله وددت أني رأيت الأيدي تقطع في بيع المصاحف فهلا قلتم: مثل هذا لا يقال بالرأي كما قلتم ههنا والرابع أن من الضلال العظيم أن يظن أن عندها، رضي الله عنها، في هذا عن رسول الله ﷺ أثرا ثم تكتمه فلا ترويه لأحد من خلق الله تعالى حاشا لها من ذلك من أن تكتم ما عندها من البينات والهدى فما حصلوا إلا على الكذب على رسول الله ﷺ في تقويله ما لم يقله قط، إذ لو قاله لكان محفوظا بحفظ الله تعالى حتى بلغ إلى أمته، والكذب على أم المؤمنين. والخامس أنها أنكرت البيع إلى العطاء بقولها بئس ما شريت والمالكيون يبيحونه بمثل هذا، وهذا عجب جدا نصف كلامها حجة ونصفه ليس بحجة. والسادس أننا

روينا من طريق سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي عن أم محبة ختنة أبي السفر أنها نذرت مشيا إلى مكة فعجزت فقال لها ابن عباس: هل لك ابنة تمشي عنك قالت: نعم، ولكنها أعظم في نفسها من ذلك. فإن كانت هذه الطريق لا حجة فيها فهي تلك نفسها أو مثلها، بل قد جاء في حديث زيد بن أرقم عن أم محبة أيضا، وإن كان ذلك الخبر حجة، فهذا حجة، وإلا فقد حصل التناقض فظهر فساد هذا الأحتجاج جملة ولله تعالى الحمد.

وأما خبر ابن عباس: فهو رأي منه، وقد خالفه ابن عمر: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال: ذكر لأبن عمر رجل باع سرجا بنقد، ثم أراد أن يبتاعه بدون ما باعه قبل أن ينتقد، فقال ابن عمر: لعله لو باعه من غيره باعه بدون ذلك، ولم ير به بأسا. وكم قصة لأبن عباس خالفوه فيها كما ذكرنا قبل هذا آنفا فسقط تعلقهم بابن عباس.

وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: لا بأس بأن يشتري الشيء إلى أجل ثم يبيعه من الذي اشتراه منه بأقل من الثمن إذا قاصصه.

قال أبو محمد: وأما قولهم: إنها دراهم بأكثر منها فعجب لا نظير له جدا، وقد قلت لبعضهم: ما تقولون فيمن باع سلعة إلى أجل بدينار ثم اشتراها بنقد بدينارين فقال: حلال: فقلت له: ومن أين وجب أن يكون إذا باعه بدينارين واشتراه بدينار ربا ودينارا بدينارين، ولم يجب إذا باعه بدينار إلى أجل واشتراه بدينارين: أن يكون ربا ودينارا بدينارين، وهل في الهوس أعظم من أن يبيع زيد من عمرو دينارا بدينارين فيكون ربا، ويبيع منه دينارين بدينار فلا يكون ربا، ليت شعري في أي دين وجدتم هذا أم في أي عقل فما أتى بفرق، ولا يأتون به أبدا.

وأما قولهم: إنهما أرادا الربا كما ذكرنا فتحيلا بهذا العمل فجوابهم أنهما إن كانا أرادا الربا كما ذكرتم فتحيلا بهذا العمل، فبارك الله فيهما، فقد أحسنا ما شاءا إذ هربا من الربا الحرام إلى البيع الحلال، وفرا من معصية الله تعالى إلى ما أحل، ولقد أساء ما شاء من أنكر هذا عليهما، وأثم مرتين لأنكاره إحسانهما، ثم لظنه بهما ما لعلهما لم يخطر ببالهما، وقد قال رسول الله ﷺ: الظن أكذب الحديث.

وأما أقوال أبي حنيفة، ومالك، في هذه المسألة فقد ذكرنا طرفا يسيرا من تقسيمهما، وكل من تأمله يرى أنها تقاسيم في غاية الفساد، والتناقض، كتفريق أبي حنيفة بين ابتياعه بسلعة وبين ابتياعه بدنانير، وفي كلا الوجهين إنما باع بدراهم وكتحريمه ذلك على وكيله وشريكه. وكتفريق مالك بين ابتياعه بأكثر مما كان باعها به فيراه حلالا، وبين ابتياعه بأقل فيراه حراما، وهذه عجائب بلا دليل كما ترى ثم إن أبا حنيفة أوهم أنه أخذ بخبر عائشة، رضي الله عنها، ولم يأخذ به؛ لأنه يرى ذلك فيمن باع بثمن حال ما لم ينتقد جميع الثمن، وليس هذا في خبر عائشة أصلا وبالله تعالى التوفيق. ==

*

1560 - مسألة: وبيع دور مكة أعزها الله تعالى وابتياعها حلال، وقد ذكرناه في " كتاب الحج " فأغنى عن إعادته.


1561 - مسألة: وبيع الأعمى، أو ابتياعه بالصفة جائز كالصحيح، ولا فرق؛ لأنه لم يأت قرآن، ولا سنة بالفرق بين شيء في شيء من ذلك وأحل الله البيع فدخل في ذلك الأعمى، والبصير وبالله تعالى التوفيق.




1562- مسألة: وبيع العبد، وابتياعه بغير إذن سيده جائز، ما لم ينتزع سيده ماله فإن انتزعه فهو حينئذ مال السيد، لا يحل للعبد التصرف فيه، برهان ذلك: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} فلم يخص حرا من عبد. وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فلو كان بيع العبد ماله بغير إذن سيده حراما لفصله، عز وجل، لنا، ولما ألجأنا فيه إلى الظنون الكاذبة، والآراء المدبرة. فإذ لم يفصل لنا تحريمه.

فصح أنه حلال غير حرام، وقد ذكرنا في " كتاب الزكاة " من ديواننا هذا وغيره صحة ملك العبد لماله؛ وأما انتزاع السيد مال العبد فقد صح عن رسول الله ﷺ أنه أعطى الحجام أجره وسأل عن ضريبته فأمر مواليه أن يخففوا عنه منها.

روينا من طريق مسلم أنا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم عن الشعبي، عن ابن عباس قال حجم النبي ﷺ عبد لبني بياضة فأعطاه النبي ﷺ أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته.

فصح أن العبد يملك لأنه عليه السلام أعطاه أجره فلو لم يكن له ما أعطاه ما ليس له وصح أن للسيد أخذه بأمره عليه السلام بأن يخفف عنه من خراجه.فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده، وصح أن للسيد أخذ كسب عبده لنفسه. واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا ادان العبد ببيع أو ابتياع بغير إذن سيده فهي جناية في رقبته، ويلزم السيد فكه بها أو إسلامه إلى صاحب دينه.

قال أبو محمد: أول ما يقال لهم: من أين قلتم هذا وليس هذا الحكم موجودا في قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي يعقل له وجه، بل هو ضد ذلك كله، قال الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}. فبطل أن يكسب الحر أو العبد على سيده، أو على غير نفسه إلا حيث أوجبه النص كالعاقلة. ثم وجه آخر

وهو قوله: إن البيع والأبتياع جناية وهذا تخليط آخر،

وقال مالك: إذا تداين العبد بغير إذن سيده فلسيده فسخ الدين عنه وهذا باطل شنيع، لأنه إباحة لأكل أموال الناس بالباطل، وقد حرمه الله تعالى، ورسوله عليه السلام قال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. وقال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. ومن عجائب الدنيا أنهم يوجبون على من لم يبلغ جزاء ما جنى، وكذلك المجنون، ثم يسقطون البيع الواجب عن العبد العاقل، ثم أتوا من ذلك بقول لم يأت قط في قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول أحد قبل مالك نعلمه، ولا في قياس، ولا رأي له وجه. وعجب آخر وهو أنهم يقولون: إن وجدت السلعة التي اشترى العبد بيده وجب ردها إلى صاحبها، فليت شعري من أين وجب إزالة السلعة عن يد العبد، ولم يجب إغرامه الثمن عنها إن لم توجد. ولئن كانت السلعة مال البائع: فإن الثمن ماله. ولئن كان الثمن ليس هو مال البائع، فإن السلعة ليست ماله، بل قد عكس الأمر ههنا أقبح العكس وأوضحه فسادا؛ لأنه رد إلى البائع سلعة قد بطل ملكه عنها، وصح ملك العبد المشتري عليها، فأعطاه ما ليس له ولم يعطه الثمن الذي هو له بلا شك وهذه طوام لا نظير لها.

وقال الشافعي: بل الثمن دين عليه في ذمته إذا أعتق يوما ما وهذا قول في غاية الفساد؛ لأنه إن كان الثمن لازما للعبد فلأي معنى يؤخر به إلى أن يعتق. ولئن كان الثمن ليس لازما الآن فلا يجوز إغرامه إياه إذا أعتق. ولئن كان ابتياعه صحيحا فإن الثمن عليه الآن واجب. ولئن كان ابتياعه فاسدا فما يلزمه ثمن إنما يلزمه قيمة ما أتلف فقط. فهذه آراء فاسدة متخاذلة متناقضة، لا دليل على صحة شيء منها، واختلافهم فيها دليل على أنها ليست من عند الله عز وجل، فتيقن كل موقن سقوطها كلها. وقولنا هو قول أبي سليمان، وأصحابنا، وقد ذكرناه أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما وعن غيره وبالله تعالى التوفيق.


1563 - مسألة: وبيع المرأة مذ تبلغ البكر ذات الأب، وغير ذات الأب والثيب ذات الزوج والتي لا زوج لها جائز، وابتياعها كذلك، لما ذكرناه قبل في " كتاب الحجر " من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته وبالله - تعالى - التوفيق .




1564 - مسألة: ومن ملك معدنا له جاز بيعه؛ لأنه مال من ماله، فإن كان معدن ذهب لم يحل بيعه بذهب؛ لأنه ذهب بأكثر منه، إذ الذهب مخلوق في معدنه كما هو هو، جائز بالفضة يدا بيد [ وبغير الفضة ] نقدا وإلى أجل وحالا في الذمة، فإن كان معدن فضة جاز بيعه بفضة أو بذهب نقدا، أو في الذمة، وإلى أجل؛ لأنه لا فضة هنالك، وإنما يستحيل ترابه بالطبخ فضة . ومن خالفنا في هذا فقد أجاز بيع النخل لا ثمر فيها بالتمر نقدا وحالا في الذمة ونسيئة، والتمر يخرج منها -

وكذلك أباح بيع الأرض بالبر، وكل هذا سواء - وبالله - تعالى - التوفيق .




1565 - مسألة: وبيع الكلا جائز في أرض وبعد قلعه؛ لأنه مال من مال صاحب الأرض، وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله، كالولد من الحيوان، والثمر، والنبات واللبن، والصوف، وغير ذلك: وأحل الله البيع ولم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك كله: وما كان ربك نسيا، وقد فصل لكم ما حرم عليكم.

وقال أبو حنيفة: لا يحل بيع الكلا إلا بعد قلعه.

قال علي: وما نعلم لهذا القول حجة أصلا وإنما هو تقسيم فاسد، ودعوى ساقطة فإن ذكر ذاكر:

ما روينا من طريق حريز بن عثمان أنا أبو خداش " أنه سمع رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ يقول: إنه غزا مع رسول الله ﷺ ثلاث غزوات فسمعه يقول: المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلا والنار. ورواه أيضا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي وهو أبو خداش نفسه عن رجل من قرن.

ومن طريق الحذافي أخبرني يزيد بن مسلم الجريري قال لي وهب بن منبه: قال النبي ﷺ: اتقوا السحت بيع الشجر وإجارة الأمة المسافحة وثمن الخمر.

ومن طريق أبي داود أنا عبيد الله بن معاذ العنبري أنا أبي كهمس عن سيار بن منظور الفزاري عن أبيه عن بهيسة عن أبيها سأل النبي ﷺ ما الذي لا يحل بيعه فأجابه: الماء، والملح.

قال أبو محمد: هذا كله لا شيء أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي نفسه وهو مجهول.

وأيضا: فإنه مخالف لقول الحنفيين؛ لأنهم لا يختلفون في أن صاحب الماء أولى به لا يشاركه فيه غيره، وكذلك صاحب النار فبطل تعلقهم بهذا الخبر.

وأيضا: فإنهم لا يختلفون في أن من أخذ ماء في إناء أو كلا فجمعه، فإنه يبيعهما، ولا يشاركه فيهما أحد وهذا خلاف عموم الخبر فعاد حجة عليهم. فإن قالوا: إنما عنى به الكلا قبل أن يجمع

قلنا: بل الكلا الثابت في الأرض غير المملوكة وهذا التأويل متفق عليه وتأويلكم دعوى مختلف فيها لا برهان على صحته.

وأما حديث وهب بن منبه فمنقطع، ثم القول فيه وفي خلافهم له كالقول في حديث حريز بن عثمان، ولا فرق وحديث بهيسة مجهول عن مجهول عن مجهولة ثم ليس فيه ذكر الكلا أصلا وكان يلزم المالكيين القائلين بالمرسل الأخذ بهذه المراسيل، لكنهم تناقضوا فتركوها.

وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه أنه لم يجز لصاحب الأرض بيع كلا أرضه وأباح له أن يحميه لدوابه.

ومن طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يقول: لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت وعن الحسن أنه كره بيع الكلا كله

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات أنا إسماعيل بن إسحاق النصري أنا عيسى بن حبيب أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد أنا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: قال لنا سفيان بن عيينة: ثلاث لا يمنعن: الماء والكلا، والنار. فهؤلاء أخذوا بعموم هذه المراسيل فمن ادعى من أصحاب أبي حنيفة الخصوم فقد كذب، ولهذا أوردناها. ==

*

1566 - مسألة : وبيع الشطرنج ، والمزامير ، والعيدان ، والمعازف ، والطنابير : حلال كله ، ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه ، إلا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها ؛ لما ذكرنا قبل ؛ لأنها مال من مال مالكها - وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن . قال - تعالى - : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } ، وقال - تعالى - : { وأحل الله البيع } ، وقال - تعالى - : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } ، ولم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك ، ورأى أبو حنيفة الضمان على من كسر شيئا من ذلك . واحتج المانعون بآثار لا تصح ، أو يصح بعضها ، ولا حجة لهم فيها ، وهي - : ما روينا من طريق أبي داود الطيالسي أنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد الله بن زيد بن الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني قال " قال رسول الله ﷺ : { كل شيء يلهو به الرجل فباطل ، إلا رمي الرجل بقوسه ، أو تأديبه فرسه ، أو ملاعبته امرأته ، فإنهن من الحق } . عبد الله بن زيد بن الأزرق مجهول . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر أنا أبو سلام الدمشقي عن خالد بن زيد الجهني قال لي عقبة بن عامر قال رسول الله ﷺ : { ليس لهو المؤمن إلا ثلاث } ثم ذكره - خالد بن زيد مجهول . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سعيد أنا ابن حفص أنا موسى بن أعين عن خالد بن أبي يزيد حدثني عبد الرحيم عن الزهري عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان فقال أحدهما للآخر " أما سمعت رسول الله ﷺ يقول : { كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب ، لا يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعليم الرجل السباحة } . هذا حديث مغشوش مدلس دلسة سوء ؛ لأن الزهري المذكور فيه ليس هو ابن شهاب ، لكنه رجل زهري مجهول اسمه عبد الرحيم - : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن وهب الحراني عن محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم - هو خالد بن أبي يزيد - وهو خال محمد بن سلمة - عن عبد الرحيم الزهري عن عطاء : رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان ، فقال أحدهما للآخر : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { كل شيء ليس فيه ذكر الله - تعالى - فهو لهو ولعب ، إلا أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين ، وتعليم الرجل السباحة } فسقط هذا الخبر . ورويناه أيضا : من طريق أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم أنا محمد بن سلمة أنا أبو عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد ، فذكره ، وفيه { كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو } عبد الوهاب بن بخت غير مشهور بالعدالة ، ثم ليس فيه إلا أنه سهو ولغو وليس فيه تحريم . وروي من طريق العباس بن محمد الدوري عن محمد بن كثير العبدي أنا جعفر بن سليمان الضبعي عن سعيد بن أبي رزين عن أخيه عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال : { إن الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها } . فيه : ليث ، وهو ضعيف ، وسعيد بن أبي رزين وهو مجهول لا يدرى من هو عن أخيه ، وما أدراك ما عن أخيه هو ما يعرف وقد سمي ، فكيف أخوه الذي لم يسم . وحدثنا أحمد بن عمر بن أنس أنا أبو أحمد سهل بن محمد بن أحمد بن سهل المروزي أنا لاحق بن الحسين المقدسي - قدم مرو - أنا أبو المرجى ضرار بن علي بن عمير القاضي الجيلاني أنا أحمد بن سعيد بن عبد الله بن كثير الحمصي أنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب قال رسول الله ﷺ : { إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكر منهن واتخذوا القينات ، والمعزف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ، ومسخا وخسفا } . لاحق بن الحسين ، وضرار بن علي ، والحمصي - مجهولون - . وفرج بن فضالة حمصي متروك ، تركه يحيى ، وعبد الرحمن . ومن طريق قاسم بن أصبغ أنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري أنا أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض أنا أبو سعيد مولى بني هاشم - هو عبد الرحمن بن عبد الله - أنا عبد الرحمن بن العلاء عن محمد بن المهاجر عن كيسان مولى معاوية أنا معاوية قال { نهى رسول الله ﷺ عن تسع وأنا أنهاكم عنهن الآن - فذكر فيهن - : الغناء ، والنوح } . محمد بن المهاجر ضعيف ، وكيسان مجهول . ومن طريق أبي داود أنا مسلم بن إبراهيم أنا سلام بن مسكين عن شيخ أنه سمع أبا وائل يقول : سمعت ابن مسعود يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إن الغناء ينبت النفاق في القلب } عن شيخ عجب جدا . ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم أنا محمد بن عبدوس أنا ابن أبي شيبة أنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح أنا حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي ﷺ يقول : { يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رءوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض } . معاوية بن صالح ضعيف ، وليس فيه : أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف ، كما أنه ليس على اتخاذ القينات - والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها ، والديانة لا تؤخذ بالظن . حدثنا أحمد بن إسماعيل الحضرمي القاضي أنا محمد بن أحمد بن الخلاص أنا محمد بن القاسم بن شعبان المصري حدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد أنا أحمد بن الغمر بن أبي حماد بحمص ، ويزيد بن عبد الصمد أنا عبيد بن هشام الحلبي - هو ابن نعيم - أنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : { من جلس إلى قينة فسمع منها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة } . هذا حديث موضوع مركب ، فضيحة ما عرف قط من طريق أنس ، ولا من رواية ابن المنكدر ، ولا من حديث مالك ، ولا من جهة ابن المبارك وكل من دون ابن المبارك إلى ابن شعبان مجهولون . وابن شعبان في المالكيين نظير عبد الباقي بن قانع في الحنفيين ، قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين ، والكذب البحت ، والوضع اللائح ، وعظيم الفضائح ، فإما تغير ذكرهما ، أو اختلطت كتبهما ، وإما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب ، ومغفل يقبل التلقين . وأما الثالثة - وهو ثالثة الأثافي : أن يكون البلاء من قبلهما - ونسأل الله العافية ، والصدق ، وصواب الاختيار . ومن طريق ابن شعبان قال : روى هاشم بن ناصح عن عمر بن موسى عن مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ : { من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه } . هاشم ، وعمر : مجهولان ، ومكحول لم يلق عائشة ، وحديث لا ندري له طريقا ، إنما ذكروه هكذا مطلقا ، { أن الله - تعالى - نهى عن صوتين ملعونين : صوت نائحة ، وصوت مغنية } وهذا لا شيء . ومن طريق سعيد بن منصور أنا إسماعيل بن عياش عن مطرح بن يزيد أنا عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وثمنهن حرام وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } الآية ، والذي نفسي بيده ما رفع رجل قط عقيرة صوته بغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربانه على صدره وظهره حتى يسكت } . إسماعيل ضعيف ، ومطرح مجهول ، وعبيد الله بن زحر ضعيف ، والقاسم ضعيف ، وعلي بن يزيد دمشقي مطرح متروك الحديث . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن عبد العزيز الأويسي عن إسماعيل بن عياش عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا يحل تعليم المغنيات ، ولا شراؤهن ، ولا بيعهن ، ولا اتخاذهن ، وثمنهن حرام وقد أنزل الله ذلك في كتابه : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت } . ومن طريق ابن حبيب أيضا : أنا ابن معبد عن موسى بن أعين عن القاسم عن عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي ﷺ قال : { إن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن ، وبيعهن ، وأكل أثمانهن } . أما الأول : فعبد الملك هالك ، وإسماعيل بن عياش ضعيف ، وعلي بن يزيد ضعيف متروك الحديث ، والقاسم بن عبد الرحمن ضعيف . والثاني : عن عبد الملك ، والقاسم أيضا ، وموسى بن أعين ضعيف . ومن طريق عبد الملك بن حبيب عن عبد العزيز الأويسي عن عبد الله بن عمر قال : { قال رجل يا رسول الله لي إبل ، أفأحدو فيها ؟ قال : نعم ، قال : أفأغني فيها ؟ قال : اعلم أن المغني أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت } . هذا عبد الملك ، والعمري الصغير - وهو ضعيف . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو داود - هو سليم بن سالم بصري - أنا حسان بن أبي سنان عن رجل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا : يا رسول الله يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ قال : نعم ، ويصلون ، ويصومون ، ويحجون قالوا : فما بالهم يا رسول الله ؟ قال : اتخذوا المعازف والقينات ، والدفوف ، ويشربون هذه الأشربة ، فباتوا على لهوهم ، وشرابهم ، فأصبحوا قردة وخنازير } . هذا عن رجل لم يسم ، ولم يدر من هو ؟ ومن طريق سعيد بن منصور أيضا : أنا الحارث بن نبهان أنا فرقد السبخي عن عاصم بن عمرو عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ : { تبيت طائفة من أمتي على لهو ولعب ، وأكل وشرب ، فيصبحوا قردة وخنازير ، يكون فيها خسف ، وقذف ، ويبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم ، كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام ، ولبسهم الحرير ، وضربهم الدفوف ، واتخاذهم القيان } . والحارث بن نبهان لا يكتب حديثه ، وفرقد السبخي ضعيف ، نعم : وسليم بن سالم ، وحسان بن أبي سنان ، وعاصم بن عمرو : لا أعرفهم - فسقط هذان الخبران بيقين . ومن طريق سعيد بن منصور أنا فرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ { إن الله بعثني رحمة للعالمين ، وأمرني بمحو المعازف ، والمزامير ، والأوثان ، والصلب : لا يحل بيعهن ، ولا شراؤهن ، ولا تعليمهن ، ولا التجارة بهن ، وثمنهن حرام } نعني الضوارب - القاسم ضعيف . ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار : أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري [ قال ] حدثني أبو عامر - أو أبو مالك الأشعري - ووالله ما كذبني : أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : { ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير ، والخمر ، والمعازف } . وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد - ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا ، وكل ما فيه فموضوع ، ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله ﷺ لما ترددنا في الأخذ به . ولو كان ما في هذه الأخبار حقا من أنه لا يحل بيعهن لوجب أن يحد من وطئهن بالشراء ، وأن لا يلحق به ولده منها . ثم ليس فيها تحريم ملكهن ، وقد تكون أشياء يحرم بيعها ويحل ملكها وتمليكها كالماء ، والهر ، والكلب - . هذا كل ما حضرنا ذكره مما أضيف إلى رسول الله ﷺ . وأما عمن دونه عليه السلام : فروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عن ابن مسعود في قول الله - تعالى - : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } الآية ، فقال : الغناء ، والذي لا إله غيره . ومن طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : الغناء ، وشراء المغنية . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : الغناء ، ونحوه . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عن ابن عباس قال : الدف حرام ، والمعازف حرام : والمزمار حرام ، والكوبة حرام . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : الغناء ينبت النفاق في القلب . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو وكيع عن منصور عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد في قول الله - تعالى - : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : الغناء - وهو أيضا قول حبيب بن أبي ثابت ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب عن عكرمة في هذه الآية ، قال : هو الغناء . قال أبو محمد : لا حجة في هذا كله لوجوه - : أحدها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله ﷺ . والثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين . والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين } وهذه صفة من فعلها كان كافرا ، بلا خلاف ، إذا اتخذ سبيل الله - تعالى - هزوا . ولو أن امرأ اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا ، فهذا هو الذي ذم الله - تعالى - ، وما ذم قط - عز وجل - من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله - تعالى - ، فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا . وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن ، أو بقراءة السنن ، أو بحديث يتحدث به ، أو ينظر في ماله ، أو بغناء ، أو بغير ذلك ، فهو فاسق ، عاص لله - تعالى - ، ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن . واحتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ فقالوا : وقد قال الله - عز وجل - : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } فجوابنا - وبالله - تعالى - التوفيق - : أن رسول الله ﷺ قال : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله - تعالى - فهو فاسق ، وكذلك كل شيء غير الغناء ، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله - عز وجل - وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، وفعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طاعة ولا معصية ، فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها ، وقعوده على باب داره متفرجا وصباغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك ، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله - فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا - ولله - تعالى - الحمد ؛ وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا . وأما الشطرنج : فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب حدثني عبد الملك بن الماجشون عن المغيرة عن محمد بن كعب القرظي " أن رسول الله ﷺ قال : { من لعب بالميسر - يعني النرد والشطرنج - ثم قام يصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يصلي ، أفنقول : يقبل الله صلاته } ؟ . هذا مرسل ، وعبد الملك ساقط ، وعبد الملك بن الماجشون ضعيف . وهذا الخبر حجة على المالكيين ، والحنفيين ، القائلين بالمرسل ؛ لأنهم يلزمهم الأخذ به فينقضون الوضوء بلعب الشطرنج ، فإن تركوه تناقضوا وتلاعبوا . ومن طريق عبد الملك بن حبيب أنا أسد بن موسى ، وعلي بن معبد عن ابن جريج عن حبة بن سلم : أن رسول الله ﷺ قال : { الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها ، والناظر إليها كآكل لحم الخنزير } . ابن حبيب لا شيء ، وأسد ضعيف ، وحبة بن سلم مجهول ، وهو منقطع . ومن طريق ابن حبيب حدثنا الجذامي عن ابن أبي رواد عن أبيه " أن رسول الله ﷺ قال : { إن أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه الذي يقول : قتلته ، والله أهلكته ، والله استأصلته ، والله إفكا وزورا وكذبا على الله } . عبد الملك لا شيء ، وهو منقطع . ورووا في ذلك عمن دون رسول الله ﷺ ما روينا من طريق ابن حبيب عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن أبي قبيل عن عقبة بن عامر الجهني ، أنه قال : لأن أعبد وثنا من دون الله - تعالى - أحب إلي من أن ألعب بالشطرنج - هذا كذب بحت ومعاذ الله أن يقول صاحب إن عبادة الأوثان من دون الله - تعالى - يعدلها شيء من الذنوب ، فكيف أن يكون الكفر أخف منها ؟ ويحيى بن أيوب لا شيء - وأبو قبيل غير مذكور بالعدالة . ومن طريق ابن حبيب عن علي بن معبد ، وأسد بن موسى عن رجالهما : أن علي بن أبي طالب مر برجال يلعبون بشطرنج فقال { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } لأن يمسك أحدكم جمرة حتى تطفى خير له من أن يمسها ، لولا أن تكون سنة لضربت بها وجوهكم - ثم أمر بهم فحبسوا . هذا منقطع ، وفيه ابن حبيب - ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا . والجواب عن قولهم أهو من الحق أم من الباطل ؟ كجوابنا في الغناء ولا فرق - وبالله - تعالى - التوفيق . قال أبو محمد : فلما لم يأت عن الله - تعالى - ، ولا عن رسوله ﷺ تفصيل بتحريم شيء مما ذكرنا صح أنه كله حلال مطلق ، فكيف وقد روينا من طريق مسلم حدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب أنا عمرو - هو ابن الحارث - أنا ابن شهاب حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين { أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان - ورسول الله ﷺ مسجى بثوبه - فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله ﷺ وجهه وقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد } . وبه أيضا إلى عمرو بن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن - هو أبو الأسود - حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين " قالت : { دخل علي رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال لي : أمزمار الشيطان عند رسول الله ﷺ ؟ فقال له رسول الله ﷺ : دعهما } . فإن قيل : قد رويتم هذا الخبر من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال فيه : وليستا بمغنيتين ؟ قلنا : نعم ، ولكنها قد قالت : إنهما كانتا تغنيان ، فالغناء منهما قد صح ، وقولها " ليستا بمغنيتين " أي ليستا بمحسنتين . وهذا كله لا حجة فيه ، إنما الحجة في إنكاره ﷺ على أبي بكر قوله : أمزمار الشيطان عند رسول الله ﷺ ؟ فصح أنه مباح مطلق ، لا كراهية فيه ، وأن من أنكره فقد أخطأ بلا شك . ومن طريق أبي داود أنا أحمد بن عبيد الغداني أنا الوليد بن مسلم أنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع مولى ابن عمر قال : { سمع ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه في أذنيه ، ونأى عن الطريق وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئا ؟ قلت : لا ، فرفع أصبعيه من أذنيه وقال : كنت مع النبي ﷺ وسمع مثل هذا وصنع مثل هذا } . قال أبو محمد : هذه هي الحجة القاطعة بصحة هذه الأسانيد ، ولو كان المزمار حراما سماعه لما أباح عليه السلام لابن عمر سماعه ، ولو كان عند ابن عمر حراما سماعه لما أباح لنافع سماعه ، ولأمر عليه السلام بكسره وبالسكوت عنه ، فما فعل عليه السلام شيئا من ذلك . وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا ، كتجنبه الأكل متكئا ، وأن يبيت عنده دينار أو درهم ، وأن يعلق الستر على سهوة في البيت والستر الموشى في بيت فاطمة فقط - وبالله - تعالى - التوفيق . ومن طريق مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت : { جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي ﷺ حتى وضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر } وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عامر بن سعد البجلي أنه رأى أبا مسعود البدري ، وقرظة بن كعب ، وثابت بن يزيد - وهم في عرس وعندهم غناء - فقلت لهم : هذا وأنتم أصحاب محمد ﷺ فقالوا : { إنه رخص لنا في الغناء في العرس ، والبكاء على الميت من غير نوح } - ليس فيه النهي عن الغناء في غير العرس . ومن طريق حماد بن زيد أنا أيوب السختياني ، وهشام بن حسان ، وسلمة - هو ابن كهيل - دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، كلهم عن محمد بن سيرين أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن فأحدت ، قال أيوب : بالدف ، وقال هشام : بالعود ، حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك ، فقال ابن عمر : حسبك - سائر اليوم - من مزمور الشيطان ، فساومه ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إني غبنت بسبعمائة درهم ، فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ، فأما أن تعطيها إياه ، وإما أن ترد عليه بيعه ، فقال : بل نعطيها إياه . فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية ، وهذه أسانيد صحيحة لا تلك الملفقات الموضوعة . ومن طريق وكيع أنا فضيل بن مرزوق عن ميسرة النهدي قال : مر علي بن أبي طالب بقوم يلعبون بالشطرنج فقال : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } فلم ينكر إلا التماثيل فقط - وهذا هو الصحيح عنه لا تلك الزيادة المكذوبة التي رواها من لا خير فيه . فإن قيل : قد روى : { أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال } ؟ قلنا : هذا ساقط ؛ لأنه من طريق عبد الملك بن حبيب عن أصبغ عن السبيعي عن ربيعة أن رسول الله ﷺ قاله - وعبد الملك ساقط ، والسبيعي مجهول ، ثم هو منقطع . فإن قيل : الدف مجمع عليه ؟ قلنا : هذا الباطل - : وروينا من أصح طريق عن يحيى بن سعيد القطان أنا سفيان الثوري حدثني منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي : أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في المدينة معهن الدفوف فيشققونها . وقد جاء عن سعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين : أنهما كانا يحسنان اللعب بالشطرنج - وعن سعيد بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يغني بالعود - ، وبالله - تعالى - التوفيق .

1567 - مسألة : والبيع في المسجد مكروه ، وهو جائز لا يرد ، والبيع قبل طلوع الشمس جائز . وابتياع المرء ما ليس عنده ثمنه جائز ؛ لقول الله - تعالى - : { وأحل الله البيع } وقد رويت في ذلك آثار لا تصح - : روى الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الله عن أبيه - وكلهم مجهولون - عن علي { نهى رسول الله ﷺ عن السوم قبل طلوع الشمس } . ومن طريق ابن وهب أخبرني أسامة - هو ابن زيد - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { نهى رسول الله ﷺ عن البيع والشراء في المسجد } . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { نهى رسول الله ﷺ عن التحلق في المسجد قبل الصلاة ، وعن البيع ، والشراء في المسجد } - هذه صحيفة . ومن طريق أبي داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي ﷺ ابتاع من غيره بيعا وليس عنده ثمنه فأربح فيه ، فباعه وتصدق بالثمن على أرامل بني عبد المطلب ، ثم قال : لا أشتري بعدها شيئا إلا وعندي ثمنه } - سماك ، وشريك ضعيفان . وروي من طريق الدراوردي عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ " { إذا رأيتم الرجل ينشد في المسجد فقولوا له لا رد الله عليك ، وإذا رأيتموه يبيع فقولوا له : لا أربح الله تجارتك } ليس فيه منع من البيع ، ولكنها كراهية . ==

*

1568 - مسألة: والحكرة المضرة بالناس حرام سواء في الأبتياع أو في إمساك ما ابتاع ويمنع من ذلك. والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما، بل هو محسن؛ لأن الجلاب إذا أسرعوا البيع أكثروا الجلب، وإذا بارت سلعتهم ولم يجدوا لها مبتاعا تركوا الجلب، فأضر ذلك بالمسلمين، قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

فإن قيل: فإنكم تصححون الحديث من طريق محمد بن عجلان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي: أن رسول الله ﷺ قال: لا يحتكر إلا خاطئ. قلنا: نعم، ولكننا

روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: " كان رسول الله ﷺ يحبس، نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي من ثمره مجعل مال الله. فهذا النبي عليه السلام قد احتبس قوت أهله سنة، ولم يمنع من أكثر. فصح أن إمساك ما لا بد منه مباح، والشراء مباح، والمذكور بالذم هو غير المباح بلا شك، فهذا الأحتكار الذي ذكرناه، وكل احتكار فإنه إمساك، والأحتكار مذموم، وليس كل إمساك مذموما، بل هو مباح حتى يقوم دليل بالمنع من شيء منه فهو المذموم حينئذ وبالله تعالى التوفيق. وقد روينا حديثا من طريق يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد الجهني عن أبي بشر عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي، عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه. وهذا لا يصح؛ لأن أصبغ بن زيد، وكثير بن مرة مجهولان. وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن ليث بن أبي سليم أخبرني أبو الحكم أن علي بن أبي طالب أحرق طعاما احتكر بمائة ألف. ومن طريق ابن أبي شيبة أنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن حي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال حبيش أحرق لي علي بن أبي طالب بيادر بالسواد كنت احتكرتها، لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة البيادر أنادر الطعام.

قال أبو محمد: وهذا بحضرة الصحابة، ويلزم من شنع بمثل هذا أن يأخذ به.


1569 - مسألة: وإن كان التجار المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أذلوا بها وجرت عليهم أحكام الكفار، فالتجارة إلى أرض الحرب حرام، ويمنعون من ذلك، وإلا فنكرهها فقط، والبيع منهم جائز إلا ما يتقوون به على المسلمين من دواب أو سلاح أو حديد أو غير ذلك، فلا يحل بيع شيء من ذلك منهم أصلا، قال تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} فالدخول إليهم بحيث تجري على الداخل أحكامهم وهن وانسفال ودعاء إلى السلم وهذا كله محرم، وقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فتقويتهم بالبيع وغيره مما يقوون به على المسلمين حرام، وينكل من فعل ذلك، ويبالغ في طول حبسه.


1570 - مسألة: ومن اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة فهي صفقة مفسوخة كلها، لا خيار له في إمساكها إلا بأن يجددا فيها بيعا آخر بتراض منهما؛ لأن المعيب بلا شك غير السالم، وهو إنما اشترى سالما فأعطي معيبا، فالذي أعطي غير الذي اشترى فلا يحل له ما لم يشتر؛ لأنه أكل مال بالباطل. قال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وقال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}

وقد ذكرنا كلاما كثيرا في هذه المسألة فيما سلف من كتابنا هذا، وفي هذا كفاية وبالله تعالى التوفيق.




1571 - مسألة: فإن لم يشترط السلامة، ولا بين له معيب فوجد عيبا فهو مخير بين إمساك أو رد، فإن أمسك فلا شيء له؛ لأنه قد رضي بعين ما اشترى فله أن يستصحب رضاه، وله أن يرد جميع الصفقة؛ لأنه وجد خديعة وغشا وغبنا والغش، والخديعة: حرامان. وليس له أن يمسك ما اشترى، ويرجع بقيمة العيب؛ لأنه إنما له ترك الرضا بما غبن فيه فقط؛ ولأنه لم يوجب له حقا في مال البائع: قرآن، ولا سنة، بل ماله عليه حرام كما ذكرنا، وليس له رد البعض؛ لأن نفس المعامل له لم تطب له ببعض ما باع منه دون بعض، ولا يحل مال أحد إلا بتراض، أو بنص يوجب إحلاله لغيره وسواء كان المعيب وجه الصفقة أو أكثرها أو أقلها؛ لأنه لم يأت بالفرق بين شيء من ذلك: قرآن، ولا سنة وبالله تعالى التوفيق.




1572- مسألة: هذا حكم كل معيب حاشا المصراة فقط، فإن حكمها أن من اشترى مصراة وهي ما كان يحلب من إناث الحيوان، وهو يظنها لبونا فوجدها قد ربط ضرعها حتى اجتمع اللبن، فلما حلبها افتضح له الأمر: فله الخيار ثلاثة أيام، فإن شاء أمسك، ولا شيء له، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر، ولا بد. وسواء كانت المصراة واحدة أو اثنتين أو ألفا أو أكثر لا يرد في كل ذلك إلا صاعا واحدا من تمر، وسواء كان اشتراها بكثير أو بقليل، ولو بعشر صاع تمر. فإن كان اللبن الذي في ضرعها يوم اشتراها حاضرا رده كما هو حليبا أو حامضا فإن كان قد استهلكه رد معها لبنا مثله، وإن كان قد مخضه أو عقده رده، فإن نقص عن قيمته لبنا رد ما بين النقص والتمام؛ لأنه لبن البائع، وليس عليه رد ما حدث من اللبن في كونها عنده؛ لأنه حدث في ماله فهو له. فإن ردها بعيب آخر غير التصرية لم يلزمه رد التمر، ولا شيء غير اللبن الذي كان في ضرعها إذا اشتراها، فإن انقضت الثلاثة الأيام، ولم يردها بعد لزمته، وبطل خياره إلا من عيب آخر غير التصرية. وإنما سميت مصراة؛ لأن التصرية هي الجمع وهذه جمع لبنها وهي أيضا المحفلة؛ لأنه قد حفل لبنها في ضرعها.

برهان ذلك: ما روينا من طريق أحمد بن شعيب، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم ﷺ: من ابتاع محفلة أو مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أن يمسكها أمسكها، وإن شاء أن يردها ردها وصاعا من تمر لا سمراء السمراء: البر فهذا خبر صحيح يقتضي كل ما قلناه وهو الزائد على سائر الأخبار. وقد

روينا من طريق البخاري، حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا مكي بن إبراهيم أخبرني زياد قال: إن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر.

قال أبو محمد: روينا خبر المصراة من طريق ابن سيرين، وثابت مولى عبد الرحمن بن زيد، كما أوردنا.

ومن طريق محمد بن زياد، وموسى بن يسار وأبي صالح السمان وهمام بن منبه، والأعرج، ومجاهد، وأبي إسحاق، ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة، وغيرهم. ورواه عن هؤلاء: حماد بن سلمة، وداود بن قيس، وسهيل بن أبي صالح، ومعمر، وأيوب، وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، ومالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، كلهم عن أبي الزناد عن الأعرج، وابن جريج عن زياد عن ثابت، والليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج وهؤلاء الأئمة الأثبات الثقات. ورواه عن هؤلاء من لا يحصيهم إلا الله، عز وجل،، فصار نقل كافة وتواتر لا يرده إلا محروم غير موفق وبهذا يأخذ السلف قديما وحديثا.

وروينا من طريق البخاري، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول: حدثنا أبو عثمان هو النهدي عن عبد الله بن مسعود قال " من اشترى محفلة فليرد معها صاعا من تمر " وهذا إسناد كاللؤلؤ وصح أيضا عن أبي هريرة من فتياه، ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك وهو قول الليث بن سعد، ومالك في أحد قوليه، وأصحابه، إلا أشهب.

وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأصحابهما، وأبي ثور، وأبي عبيد، وإسحاق بن راهويه، وأبي سليمان، وجميع أصحابنا، وأحد قولي أبي ليلى وقال زفر بن الهذيل: يردها وصاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر.

قال أبو محمد: وهذه زيادة على أمر رسول الله ﷺ وتعد لحدوده، والزائد في الشيء كالناقص منه. وقال ابن أبي ليلى في أحد قوليه، وأبو يوسف في أحد قوليه يردها وقيمة صاع من تمر وهو أيضا خلاف أمره عليه الصلاة والسلام.

وقال مالك في أحد قوليه: يؤدي أهل كل بلد صاعا من أغلب عيشهم وهذا خلاف لأمر رسول الله ﷺ .

وقال أبو حنيفة،، ومحمد بن الحسن: إن كان اللبن حاضرا لم يتغير ردها ورد اللبن، ولا يرد معها صاع تمر، ولا شيئا، وإن كان قد أكل اللبن لم يكن له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط وهذا خلاف ظاهر لأمر رسول الله ﷺ نعوذ بالله من ذلك. وقال أبو يوسف: إن كان قد أكل اللبن ردها وقيمة ما أكل من اللبن. ويكفي من فساد هذين القولين: أنهما خلاف أمر رسول الله ﷺ وأنه لا سلف لهم فيه، وما نعلم أحدا قاله قبلهم، وأنه خلاف قول ابن مسعود، وأبي هريرة، ولا مخالف لهم من الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم.

قال أبو محمد: واعترضوا في ذلك بأن تعللوا في الخبر بعلل، فمرة قالوا: هو مخالف للأصول.

فقلنا: كذبتم، بل هو أصل من كبار الأصول، وإنما المخالف للأصول قولكم في الوضوء من القهقهة في الصلاة خاصة. وقولكم بأن القلس لا ينقض الوضوء أصلا إلا إذا كان ملء الفم. وقولكم في جعل الآبق أربعون درهما إذا كان على مسيرة ثلاث. وقولكم في عين الدابة ربع ثمنها، والوضوء بالخمر، وسائر تلك الطوام التي هي بالمضاحك، وبما يأتي به المبرسم: أشبه منها بشرائع الإسلام. ومرة قالوا: لما لم يقس عليه القائلون به علمنا أنه متروك .

فقلنا: القياس باطل؛ وهلا عارضتم أنفسكم بهذا الأعتراض، إذ لم تقيسوا على المنع من بيع المدبر المنع من بيع الموصى بعتقه والمعتق بصفة، وإذ لم تقيسوا على الخبز في الأكل ناسيا وهو صائم، وإذ لم تقيسوا على الجنين يلقى فيكون فيه غرة. ومرة قالوا: هو منسوخ بالتحريم في الربا؛ لأنه طعام من التمر بطعام من اللبن .

فقلنا: كذبتم ما هو لبن بطعام، ولا بتمر، إنما هو تمر أوجبه الله تعالى للبائع على المبتاع إن رد عليه المصراة كما أوجب الصداق على الزوج لا على المرأة وهي مستحلة بذلك النكاح فرجه الذي كان حراما عليها، كما هو مستحل به فرجها الذي كان عليه حراما، ولا فرق. وكما أوجب الدية على العاقلة، ولا ندب لها. ومرة قالوا: أرأيتم إن كان إنما باعها منه بمد تمر أليس ترجع عليه وصاع تمر، أو أرأيتم إن كان لبنها كثيرا جدا أو قليلا جدا، أليس صاع التمر عوضا مرة عن نصف صاع اللبن، ومرة عن صيعان كثيرة من اللبن. قلنا: لا، ما هو عوضا عن اللبن، وأما في ابتياعه إياها بمد تمر فنقول: نعم، فكان ماذا وما كان لمؤمن، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وهلا عارضتم أنفسكم بهذه المعارضة إذ قلتم: يغرم سيد الآبق لمن رده عليه أربعين درهما وإن كان الآبق لا يساوي إلا درهما واحدا، ولا يؤدي قاتل الأمة خطأ إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم ولو أنها كانت تساوي مائة ألف دينار فههنا في هذه الحماقات هو الأعتراض، لا على المتيقن عن رسول الله ﷺ . ومرة قالوا: كان هذا الحكم إذ كانت العقوبات في الأموال كحرق رحل الغال، ونحو ذلك. فقلنا: كذبتم كما كذب الشيطان، وقلتم ما لم يأت قط في شيء من الروايات، وتلك الأخبار التي ذكرتم منقسمة إلى ثلاث أقسام: إما خبر باطل، كحديث أخذ نصف مال مانع الزكاة، وحديث حرق رحل الغال، وحديث واطئ أمة امرأته.

وأما خبر ثابت، فحكمه باق كالكفارة على الواطئ عامدا في نهار رمضان، والدية على قاتل العمد إذا رضيها أولياء القتيل، وجزاء الصيد.

وأما قسم ثبت بنص آخر نسخه فوجب القول بأنه منسوخ وما نذكره في وقتنا هذا إلا أنه لو وجد لصدق وأما كل من ادعى في خبر ثابت نسخا فهو كاذب آفك آثم قائل على الله تعالى ما لم يقله، ومخبر عن رسول الله ﷺ بما لم يخبر به عن نفسه، قائل ما لا علم له به. وهكذا كل من حمل الحديث على غير ظاهره بأي وجه أحاله فجوابه: كذبت كذبت كذبت، وقلت على رسول الله ﷺ الباطل، وقولته ما لم يقله وحكمت بالظن الذي هو أكذب الحديث، ورددت اليقين بالظنون.

وقال بعضهم هذا حديث مضطرب فيه، رواه سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من اشترى شاة مصراة فالمشتري بالخيار إن شاء ردها وصاعا من لبن. ورواه أبو داود، حدثنا أبو كامل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمي قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول فذكره وفيه: فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا. ورواه حماد بن أبي الجعد عن قتادة، عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: صاعا من تمر، لا سمراء.

وهكذا رواه أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن ابن سيرين عن أبي هريرة مسندا

وهكذا رواه عبد الأعلى عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين عن أبي هريرة مسندا ورواه قرة بن خالد، عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي: صاعا من طعام لا سمراء. رويناه من طريق البزار، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم عن الأشعث، هو ابن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من اشترى شاة محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن ردها ردها ورد معها صاعا من تمر لا سمراء.

ومن طريق مسلم، حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا أبو عامر هو العقدي، حدثنا قرة، هو ابن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء.

وهكذا رواه الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن أيوب وحبيب بن الشهيد، عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: صاعا من طعام لا سمراء.

ومن طريق شعبة أخبرني الحكم بن عتيبة أنه سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ: ردها ومعها صاع من طعام.

ومن طريق روح بن عبادة عن عوف بن أبي جميلة عن خلاس بن عمرو، وابن سيرين، كلاهما عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: ردها وإناء من طعام. قالوا: فهذا اضطراب شديد. قلنا: كلا، أما حديث سعيد بن منصور، ففيه: فليح وهو متكلم فيه. وأيوب بن عبد الرحمن هو العدوي ضعيف مجهول. ويعقوب بن أبي يعقوب مجهول فسقط.

وأما حديث ابن عمر ففيه صدقة بن سعيد، وجميع بن عمير، وهما ضعيفان فسقط.

وأما رواية عوف إناء من طعام فمجمل، فسرته سائر الأحاديث بأن ذلك الإناء صاع.

وأما رواية الحجاج عن حماد بن سلمة فإننا رويناها من طريق محمد بن المثنى عن الحجاج بإسناده، فشك فيه الحجاج، أهو بر أم لا. ورويناها عن حماد بن سلمة عن أيوب، وهشام بن حسان، وحبيب بن الشهيد من طريق موسى بن إسماعيل فقال: صاع تمر، ولا يشك. وحماد بن الجعد عن قتادة ضعيف. فلم يبق إلا حديث أشعث وقرة، عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وهما صحيحان لا علة فيهما، أحدهما صاع تمر، لا سمراء والآخر صاع طعام، لا سمراء والطعام قد بينا قبل أنه البر نفسه فقط إذا أطلق هكذا. فقال قوم: إن ابن سيرين هو الذي اضطرب عليه فالواجب ترك ما اضطرب عليه فيه، والرجوع إلى رواية من رواه عن أبي هريرة سواه فلم يضطرب عليه فيه، وهم جماعة.

قال أبو محمد: ولسنا نقول بهذا؛ لأنه لم يوجد هذا الحكم قرآن، ولا سنة، ولا معقول، لكنا نقول وبالله تعالى التوفيق: إن كلا اللفظين صحيح من طريق الإسناد، ولا سبيل إلى القطع بالوهم والخطأ على رواية ثقة إلا بيقين لا يحتمل غيره. ولا تخلو " السمراء " من أن تكون لفظة واقعة على بعض أصناف البر، أو تكون اسما واقعا على جميع البر، فإن كانت واقعة على جميع البر، فحديث هؤلاء وهم بلا شك، وخطأ بلا محالة؛ لأنه لا يجوز أن يقول رسول الله ﷺ صاعا من بر، ولا من بر. وإن كانت لفظة " السمراء " واقعة على بعض أصناف البر فالواجب أن لا يجزي في المصراة من جميع أنواع الحيوان كلها إلا صاع تمر فقط، إلا الشاة وحدها، فإنه يرد معها صاعا من تمر، كما ذكرنا، أو صاعا من أي أصناف البر أعطى، حاشا " السمراء " لا يجزي غير التمر، وغير " البر " في الشاة إن كان كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. فإن لم يوجد التمر فقيمته لو وجد في ذلك المكان، أو تكليف المجيء بالتمر، ولا بد. فإن قيل: فمن أين قلتم برد اللبن أو تضمينه، وليس هو في الخبر. قلنا: ولا في الخبر أن لا يرده، إلا أن اللبن مشترى مع الشاة صفقة واحدة، والواجب إمساك الصفقة أو ردها كما قدمنا بالنصوص التي ذكرنا، لا يترك بعضها البعض. فإن قيل: قد جاء في الخبر ففي حلبتها صاع من تمر. قلنا: نعم، والحلبة هي الفعل، وقد تكون أيضا اللبن المحتلب، إلا أنه إنما سمي بذلك مجازا، ولا يجوز نقل اللفظة عن موضوعها إلى المجاز إلا بنص، والأموال محرمة إلا بنص، وبالله تعالى التوفيق.




1573 - مسألة: فإن فات المعيب بموت، أو بيع، أو عتق، أو إيلاد أو تلف، فللمشتري، أو البائع: الرجوع بقيمة العيب؛ لأنه إذا لم يرهن وأخذ العيب بما عليه من الغبن فماله حرام على آخذه بغير رضاه، ولا سبيل إلى رد الصفقة، فالواجب الرجوع بما لم يرض ببدله من ماله.

وكذلك من غبن في بيعه فإنه يرجع بقيمة الغبن، ولا بد.

وكذلك من اشترى زريعة فزرعها فلم تنبت فإنه يرجع بما بين قيمتها كما هي رديئة وبين قيمتها نابتة؛ لأنها قد تلفت عينها، فإنما له الرجوع بقيمة الغبن، فإن كان اشتراها على أنها نابتة فالصفقة فاسدة، ويرد مثلها أو قيمتها إن لم توجد ويرجع بالثمن كله، وبالله تعالى التوفيق.


1574 - مسألة: فإن باعه فرد عليه لم يكن له أن يرده، لكن يرجع بقيمة العيب فقط؛ لأنه قد بطل ما كان له من الرد بخروج المعيب عن ملكه، لقول الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}. ولم يجب له إلا قيمة الغبن فقط، وما سقط حكمه ببرهان فلا يرجع إلا بنص يوجب رجوعه، وبالله تعالى التوفيق.

1575 - مسألة: فإن مات الذي له الرد قبل أن يلفظ بالرد، وبأنه لا يرضى: فقد لزمت الصفقة ورثته؛ لأن الخيار لا يورث، إذ ليس مالا؛ ولأنه قد رضي بالعقد، فهو على الرضا ما لم يتبين أنه غير راض، فإن لم يتبين ذلك، فقد قال تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}.


1576 - مسألة: فإن مات الذي يجب عليه الرد كان لواجد العيب أن يرد المعيب على الورثة؛ لأن له الرضا أو الرد، فلا يبطله موت الغابن، وبالله تعالى التوفيق.




1577 - مسألة: والعيب الذي يجب به الرد: هو ما حط من الثمن الذي اشترى به أو باع به مالا يتغابن الناس بمثله؛ لأن هذا هو الغبن، لا غبن غيره. فإن كان اشترى الشيء بثمن هو قيمته معيبا، أو باعه بثمن هو قيمته معيبا وهو لا يدري العيب ثم وجد العيب فلا رد له؛ لأنه لم يجد عيبا. وقد قال قوم: له الرد وهذا خطأ فاحش؛ لأنه ظلم للبائع، وعناية ومحاباة للمشتري بلا برهان، لا من قرآن، ولا سنة.




1578 - مسألة: فلو كان قد اشترى بثمن ثم اطلع على عيب كان يحط من الثمن حين اشتراه، إلا أنه قد غلا حتى صار لا يحط من الثمن الذي اشتراه شيئا، أو زال العيب قبل أن يعلم به، أو بعد أن علم به، فله الرد في كل ذلك؛ لأنه حين العقد وقع عليه غبن فله أن لا يرضى بالغبن إذا علمه، ولا يوجب سقوط ما له من الخيار لما ذكرنا قرآن، ولا سنة، وبالله تعالى التوفيق.




1579 - مسألة: ومن باع بدراهم أو بدنانير في الذمة أو إلى أجل، أو سلم فيما يجوز فيه السلم فلما قبض الثمن، أو ما سلم فيه: وجد عيبا أو استحق ما أخذ أو بعضه: فليس له إلا الأستبدال فقط؛ لأنه ليس له عين معينة، إنما له صفة، فالذي أعطي هو غير حقه، فعليه أن يرد ما ليس له، وأن يطلب ما له، وبالله تعالى التوفيق.


1580 - مسألة: ومن وكل وكيلا ليبتاع له شيئا سماه، فابتاعه له بغبن بما لا يتغابن الناس بمثله، أو وجده معيبا عيبا يحط به من الثمن الذي اشتراه به: فله من الرد، أو الإمساك، أو الأستبدال، أو من فسخ الصفقة كالذي ذكرنا قبل سواء سواء؛ لأن يد وكيله هي يده وبالله تعالى التوفيق.


1581 - مسألة: فإن لم يعرف هل العيب حادث أم كان قبل البيع فليس على المردود عليه إلا اليمين: بالله ما بعته إياه وأنا أدري فيه هذا العيب ويبرأ، إلا أن تقوم بينة عدل بأن هذا العيب أقدم من أمد التبايع فيرد؛ لأن الصفقة بيع، وقد أحل الله البيع، فلا يجوز نقضه بالدعاوى، ولا بالظنون وبالله تعالى التوفيق.


1582 - مسألة: ومن اشترى من اثنين فأكثر سلعة واحدة صفقة واحدة فوجد عيبا له أن يرد حصة من شاء ويتمسك بحصة من شاء، وله أن يرد الجميع إن شاء، أو يمسك الكل كذلك.

وكذلك لو استحقت حصة أحدهم لم ينفسخ العقد في حصة الآخر؛ لأن بيع كل واحد منهما، أو منهم حصته عقد غير عقد الآخر؛ قال الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى}. =

*

1583 - مسألة: وكذلك لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا عيبا فأيهما شاء أن يرد رد، وأيهما شاء أن يمسك أمسك؛ لما ذكرنا من أن صفقة كل واحد منهما غير صفقة الآخر. فكذلك لو استحق الثمن الذي دفعه أحدهما، وكان بعينه فإنه ينفسخ، ولا ينفسخ بذلك عقد الآخر في حصته وبالله تعالى التوفيق.


1584 - مسألة: ومن اشترى سلعة فوجد بها عيبا وقد كان حدث عنده فيها عيب من قبل الله تعالى، أو من فعله، أو من فعل غيره فله الرد، كما قلنا، أو الإمساك، ولا يرد من أجل ما حدث عنده شيئا، ولا من أجل ما أحدث هو فيه شيئا؛ لأنه في ملكه وحقه لم يتعد، ولا ظلم فيه أحدا، والغبن قد تقدم، فله ما قد وجب له من رد الغبن الذي ظلم فيه؛ ولأنه لم يوجب عليه في ذلك غرامة قرآن، ولا سنة وبالله تعالى التوفيق.


1585 - مسألة: ومن اشترى جارية، أو دابة، أو ثوبا، أو دارا أو غير ذلك فوطئ الجارية، أو افتضها إن كانت بكرا، أو زوجها فحملت أو لم تحمل، أو لبس الثوب، وأنضى الدابة، وسكن الدار، واستعمل ما اشترى واستغله، وطال استعماله المذكور أو قل، ثم وجد عيبا، فله الرد كما ذكرنا أو الإمساك. ولا يرد مع ذلك شيئا من أجل استعماله لذلك؛ لأنه تصرف في مال نفسه، وفي متاعه بما أباح الله تعالى له، قال الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} فمن لم يلمه الله تعالى وأباح له فعله ذلك: فهو بضرورة العقل محسن. وقال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل}. وإغرام المال سبيل مسبلة على من كلفها، وقد أسقط الله تعالى عنه ذلك ثم هو كسائر واجدي الغبن في أن له الرضا، أو الرد، وبالله تعالى التوفيق.


1586 - مسألة: ومن اطلع فيما اشترى على عيب يجب به الرد فله أن يرد ساعة يجد العيب، وله أن يمسك ثم يرده متى شاء طال ذلك الأمد أم قرب. ولا يسقط ما وجب له من الرد تصرفه بعد علمه بالعيب بالوطء، والأستخدام، والركوب، واللباس، والسكنى، ولا معاناته إزالة العيب، ولا عرضه إياه على أهل العلم بذلك العيب، ولا تعريضه ذلك الشيء للبيع. ولا يسقط ما وجب له من الرد إلا أحد خمسة أوجه لا سادس لها، وهي نطقه بالرضا بإمساكه، أو خروجه كله، أو بعضه عن ملكه، أو إيلاد الأمة، أو موته، أو ذهاب عين الشيء أو بعضها بموت أو غيره

وهو قول أبي ثور، وغيره.

ومن ادعى سقوط ما وجب له من الرد بشيء مما ذكرنا قبل فقد ادعى ما لا برهان له به وهذا باطل.

وبرهان صحة قولنا: هو أن الرد قد وجب له باتفاق منا ومن مخالفينا، وبما أوردنا من براهين القرآن، والسنة في تحريم الغش وإيجاب النصيحة. فهو على ما وجب له، لا يجوز أن يسقط عنه إلا نص، أو إجماع متيقن، ولا سبيل إلى وجودهما ههنا، وليس شيء مما ذكرنا قبل رضا.

وأما سقوط الرد بالرضا أو بخروج الشيء أو بعضه عن الملك أو بذهاب بعض عينه أو كله أو بموته فقد ذكرنا البرهان على ذلك وهو في ذهاب عينه أو بعضها ممتنع منه الرد لما اشترى، والله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وأما الإيلاد فقد ذكرنا البرهان على المنع من جواز تمليك المرء أم ولده غيره وبالله تعالى التوفيق.




1587 - مسألة: ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا، كبيض، أو قثاء، أو قرع، أو خشب، أو غير ذلك: فله الرد، أو الإمساك، سواء كان مما يمكن التوصل إلى معرفته أو مما لا يمكن، إلا بكسره أو شقه؛ لأن الغبن لا يجوز، ولا يحل، إلا برضا المغبون ومعرفته بقدر الغبن، وطيب نفسه به، وإلا فهو أكل مال بالباطل، والبائع وإن كان لم يقصد الغش فقد حصل بيده مال أخيه بغير رضا منه، والله تعالى قد حرم ذلك بقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، ولا يمكن وجود الرضا إلا بعد المعرفة بما يرضى به وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان.


1588 - مسألة: ومن اشترى عبدا أو أمة، فبين له بعيب الإباق أو الصرع، فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشيء عرف مدة الإباق، وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك؛ لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع الصرع صرع، وقد رضي بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة؛ لأنه غير ما اشترى ولو وجد زيادة على ما بين له فله الخيار في رد أو إمساك؛ لأنه عيب لم يبين له وبالله تعالى التوفيق.


1589 - مسألة: ومن اشترى عدلا على أن فيه عددا مسمى من الثياب، أو كذا وكذا رطلا من سمن أو عسل، أو غير ذلك مما يوزن، أو كذا وكذا تفاحة، أو غير ذلك مما يعد، أو كذا وكذا مدا مما يكال أو اشترى صبرة على أن فيها كذا وكذا قفيزا أو نحو ذلك، أو شيئا على أن فيه كذا وكذا ذراعا، فوجد أقل أو أكثر: فالصفقة كلها مفسوخة أبدا؛ لأنه أخذ غير ما اشترى، فهو أكل مال بالباطل لا بتجارة عن تراض. وبالضرورة يدري كل سليم الحس أن العدل الذي فيه خمسون ثوبا ليس هو العدل الذي فيه تسعة وأربعون ثوبا، ولا هو أيضا العدل الذي فيه واحد وخمسون ثوبا، وهكذا أيضا في سائر الأعداد، والأوزان، والأكيال، والذرع. فلو لم يقع عقد البيع على ذلك لكن المعهود والمعروف أن في تلك الأعدال عددا معروفا، وكذلك تلك الصبرة، وكذلك سائر المكيلات، والموزونات، والمذروعات، والمعدودات، أو وصفه البائع بتلك الصفة، إلا أن البيع لم ينعقد على ذلك. فإن كان ما وجد من النقص يحط من الثمن الذي اشتراه به ما لا يتغابن به الناس بمثله فهو مخير بين رد أو إمساك، ولا شيء له غير ذلك. وإن كان ما وجد من الزيادة يزيد على الثمن الذي باع به البائع زيادة لا يتغابن الناس بها، فالبائع مخير بين رد أو رضا؛ لأن كلا الأمرين غبن لأحد المتبايعين، والغبن لا يحل إلا برضا المغبون ومعرفته بقدره، وإلا فهو أكل مال بالباطل، لا تجارة عن تراض،، وليس أحدهما أولى بالحياطة والنظر له من الآخر، ومن قال غير هذا فهو مبطل متحكم بلا برهان، وبالله تعالى نتأيد.


1590- مسألة: ومن قال لمعامله: هذه دراهمك أو دنانيرك وجدت فيها هذا الرديء، أو قال المشتري: هذه سلعتك وجدت فيها عيبا فقال الآخر، ما أميزها، ولا أدري أنها دراهمي، أو دنانيري، أو سلعتي أم لا فإن كانت للذي يذكر وجود العيب والرديء بينة بأنها تلك قضي له، وإلا فعلى الذي يقول: لا أدري، اليمين: بالله تعالى ما أدري ما تقول، ويبرأ؛ لأن رسول الله ﷺ قضى بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه والمدعي ههنا هو الذي يريد أخذ شيء من الآخر، والمدعى عليه هو الذي ينكر وجوب ذلك عليه فإن كانت السلعة والثمن بيد المشتري، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه مدعى عليه خروج ما بيده عن يده.


1591 - مسألة: ومن رد بعيب وقد اغتل الولد، واللبن، والثمرة، والخراج، وغير ذلك، فله الرد، ولا يرد شيئا من كل ذلك؛ لأنه حدث في ماله وفي ملكه، وليس مما وقع عليه الشراء، فلا حق للمردود عليه فيه. وبالله تعالى التوفيق. وهو قول أبي حنيفة، ومالك في بعض ذلك.

وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأحمد وفي هذا خلاف قديم.

وروينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا المغيرة عن الحارث العكلي: أن رجلا اشترى أمة لها لبن فاكتراها ظئرا وأصاب من غلتها ثم وجد بها داء كان عند البائع فخاصمه إلى شريح فقال له شريح؛ ردها بدائها ورد معها ما أصبت من غلتها قال: فإني لا أردها إذ كلفتني أن أرد ما أصبت من غلتها، فأقبلها بدائها، فقال له شريح: ليس ذلك إلي قد مضى قضائي ذلك إلى خصمك. وقد روي عن شريح، والحسن، والشعبي مثل قولنا.

قال أبو محمد وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لنا ذكره. فمن ذلك: فوت المعيب بموت، أو عتق، أو إيلاد، أو تلف، أو فوت بعضه، فإن أصحابنا قالوا: ليس له الإمساك، ولا يرجع بشيء.

وهو قول قتادة، رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لا عهدة بعد الموت إذا ماتت جاز عليه وهو قول شريح، والحسن البصري.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي فيمن ابتاع عبدا فأعتقه، ثم وجد به عيبا قال: يرد على صاحبه فضل ما بينهما ويجعل ما رد عليه في رقاب؛ لأنه قد وجهه.

قال علي: إنما وجه لله تعالى العبد لا ما وجب له من رد بعض ماله إليه مما غبن فيه فهو غير العبد، فلا يلزمه أن يوجهه إلا أن يشاء، إذ لم يوجب عليه ذلك قرآن، ولا سنة. وقد روي عن الشعبي، والزهري أيضا أنه يرجع بقيمة العيب كقولنا.

وقال أبو حنيفة: إذا باعه أو باع بعضه، أو وهب بعضه أو أعتقه، على مال، ثم وجد عيبا فلا رجوع له بشيء، فلو أعتقه على غير مال أو دبره، أو أولد الأمة ثم وجد عيبا رجع بقيمة العيب. قال: فلو باعه ثم رد عليه بعيب، فإن كان هذا الرد بعد القبض، فإن كان بقضاء قاض رده هو أيضا على الذي باعه عنه، وإن كان بغير قضاء قاض لم يكن له أن يرده على الأول، وإن كان هذا الرد قبل القبض فله أن يرده أيضا هو على البائع له منه سواء رد عليه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض.

وقال مالك: إن مات العبد، أو دبره السيد، أو كاتبه، أو أعتقه أو وهبه لغير ثواب، أو تصدق به أو بالعرض، ثم أطلع على عيب، فله الرجوع بقيمة العيب فقط. فلو باعه أو رهنه أو أجره، ثم اطلع على عيب فلا رجوع له، ولا رد. فإذا خرج عن الرهن، أو تمت الإجارة، أو رجع إليه بعد البيع فله الرد. والهبة للثواب كالبيع فإن باع نصف السلعة قيل للبائع: رد نصف قيمة العيب، أو خذ النصف الباقي في نصف ثمن.

وقال الشافعي: إن أعتقه، أو مات العبد، رجع بقيمة العيب فلو باعه أو باع بعضه لم يرجع بشيء وقال عثمان البتي: إن باعه، أو أعتقه رجع بقيمة العيب وهو قولنا قال عثمان: فلو باعه بما كان اشتراه لم يرجع بشيء.

قال أبو محمد: إنما نراعي الغبن حين عقد البيع لا بعده، ولا قبله، فلو أبق العبد ثم اطلع على عيب قال مالك: له الرد، ويأخذ جميع الثمن.

قال علي: وبهذا نأخذ؛ لأنه في ملكه بعد، وتمليكه غيره جائز، وليس عليه تسليمه إنما عليه إطلاق يد من ملكه إياه عليه فقط وقال سفيان الثوري: لا شيء له حتى يحضر الآبق فيرده، أو يموت فيرجع بقيمة العيب.

قال علي: قول أبي حنيفة، ومالك، لا برهان عليهما، ولا نعلم لهما قائلا قبلهما نعني تقسيمهما المذكور، وأما السلعة التي تتبعض فيوجد ببعضها عيب فقول شريح، والشعبي، والشافعي، وأبي ثور، كقولنا إما أن يرد الجميع، وأما أن يمسك الجميع.

وقال مالك: إن كان المعيب هو وجه الصفقة، أو الذي فيه الربح رد الجميع، أو أمسك الجميع، وإن كان المعيب ليس هو كذلك كان له رده بحصته من الثمن فقط

وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله، ولا برهان على صحته.

وقال أبو حنيفة: إن كانت السلعة خفين، أو مصراعين، فوجد بأحدهما عيبا لم يكن له إلا ردهما معا، أو إمساكهما معا، فإن كانا عبدين أو ثوبين كان له رد المعيب بحصته من الثمن وإمساك الآخر.

قال أبو محمد: وهذا باطل؛ لأنهم مجمعون معنا على جواز بيع أحد الخفين وأحد المصراعين دون الآخر، كجواز بيع أحد الثوبين، وأحد العبدين، ولا فرق، فالتفريق بين ذلك في الرد باطل، وهو أيضا قول لا نعلمه عن أحد قبله. ومما يبطل رد بعض السلعة: أن باقيها الذي يحتبس به يرجع إلى القيمة؛ لأنه إنما يمسكه بحصته من الثمن فصار بيعا بقيمة، والبيع بالقيمة لا يجوز.

وأما من وطئ، أو استغل، أو استعمل ثم وجد العيب فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة عن شريك عن جابر عن الشعبي: أن عمر بن الخطاب قال فيمن اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا: إن كانت ثيبا ردها ونصف عشر قيمتها، وإن كانت بكرا ردها ورد معها عشر قيمتها

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا مطرف، هو ابن طريف المغيرة، هو ابن مقسم قال مطرف: عن الشعبي عن شريح، وقال المغيرة: عن إبراهيم، ثم اتفق شريح،، وإبراهيم، قالا جميعا: إذا وطئها، ثم رأى بها عيبا ردها بالعيب ورد معها عقرها إن كانت بكرا فالعشر، وإن كانت ثيبا نصف العشر. وصح أيضا عن قتادة من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه. وقد روينا أيضا من طريق وكيع عن شريك عن أبي هند المرهبي عن الضحاك عن عمر بن الخطاب قال: إذا وطئها فهي من ماله ويرد عليه البائع قيمة العيب.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، هو ابن علية، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: أن رجلا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا، فخاصم إلى شريح؛ فقال شريح: أيسرك أن أقول لك: إنك زنيت قال ابن سيرين: ثم أخبرت أنه قضى بالكوفة أن يردها ويرد معها عقرها مائة، قال ابن سيرين: وأحب إلي أن يتجوزها ويوضع عنه قدر الداء

وهو قول سفيان الثوري، والزهري. وقد روينا عن علي قولين: أحدهما من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن الحسين: أن علي بن أبي طالب قال: لا يردها، لكن يرد عليه قيمة العيب يعني في الذي يطأ الجارية ثم يجد بها عيبا. والآخر من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا جبير عن الضحاك: أن علي بن أبي طالب قال: إذا وطئها وجبت عليه، وإن رأى العيب قبل أن يطأها، فإن شاء أخذ وإن شاء رد وصح هذا القول عن الحسن، وعن عمر بن عبد العزيز: أنه لا يردها، ولا يرجع بشيء. وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: يرد معها عشرة دنانير يعني إذا وطئها ثم اطلع على عيب.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا جرير عن المغيرة عن الحارث العكلي في رجل اشترى جارية فوقع عليها ثم استحقت قال: يأخذ المستحق جاريته، ولا يرد هذا المشتري عليه عقرا، والدور، والأرضون، وأشباه ذلك على مثل هذا يكون رده إذا وجد بها عيبا، كالذي استحق فاستنقذ من يديه.

قال أبو محمد: هذا هو قولنا وأما المتأخرون: فإن أبا حنيفة قال: إذا وطئها ثم اطلع على عيب فليس له إلا قدر قيمة العيب فقط، إلا أن يشاء البائع قبولها فله رد ذلك، ويرد الثمن. وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها ثلاثة أرباع عشر قيمتها وهذا هو عقرها، ووجهه عنده أن يأخذ عشر قيمتها ونصف عشر قيمتها فيجمعها ثم يأخذ نصف ما اجتمع فهو الذي يقضى عليه برده. وقال ابن شبرمة، والحسن بن حي، وعبيد الله بن الحسن: يردها ويرد معها مهر مثلها بالغا ما بلغ. وقال عثمان البتي: إن لم ينقصها الوطء فإنه يردها، ولا يرد معها شيئا، فإن نقصها ردها ورد معها ما نقصها.

وقال مالك، والليث بن سعد، والشافعي في أحد قوليه: إن كانت بكرا ردها ورد معها ما نقصها وطؤه، وإن كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا.

وقال الشافعي في أشهر قوليه: إن كان افتضها فليس له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط، وإن كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا.

قال علي: قول مالك لا نعلمه عن أحد قبله، ولا معنى لأيجاب عقر، ولا غرامة على المشتري؛ لأنه وطئ أمته التي لو حملت لحقه ولدها، والتي لا يلام على وطئها. ولو أن البائع وطئها وهي في ملك المشتري لكان زانيا يرجم إن كان محصنا، ويجلد الحد إن كان غير محصن، فأي حق له في بضعها حتى يعطي له عقرا أو قيمة، وقد يوجد في الإماء من لا يحط الأفتضاض من قيمتها شيئا، كخدم الخدمة ويوجد من يحطها الوطء وإن كانت ثيبا كالرقيق العالي يطؤها النذل الذي يعير به سيدها وولدها وهي، أيضا. فهذه كلها أقوال لا

برهان على صحتها، ولقد كان يلزم المالكيين المعظمين لخلاف الصاحب القائلين: إن المرسل كالمسند، القائلين فيما وافقهم: مثل هذا لا يقال بالرأي أن يقولوا ههنا بقول عمر بن الخطاب، كما قالوا في تقويم الغرة بخمسين دينارا، وتقويم الدية، وغير ذلك، ولكن لا يبالون بالتناقض.

وأما من أحدث فيها حدثا فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن ابن سيرين عن عثمان بن عفان: أنه قضى في الثوب يشتريه الرجل وبه العوار: أنه يرده إذا كان قد لبسه.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أن ابن عمر اشترى عمامة فقبلها ورضيها وكورها على رأسه، فرأى خيطا أحمر فردها.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: رأيت ابن عمر اشترى قميصا فلبسه فأصابته صفرة من لحيته، فأراد أن يرده فلم يرده من أجل الصفرة.

ومن طريق ابن شيبة، حدثنا حفص بن غياث عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن شريح أنه اختصم إليه رجل اشترى من آخر هروية فقطعها، ثم وجد بها عيبا، فقال له شريح: الذي أحدث بها أشد من الذي كان بها. قال غندر: حدثنا شعبة قال: سألت الحكم عمن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عوارا قال: يرده، قال شعبة: وسألت حماد بن أبي سليمان عن هذا فقال: يرده ويرد معه أرش التقطيع. قال شعبة: وأخبرني الهيثم عن حماد: أنه قال: يوضع عنه أرش العوار. ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين قال: اشترى رجل دابة فسافر عليها فلما رجع وجد بها عيبا فخاصمه إلى شريح فقال له: أنت أذنت له في ظهرها.

قال أبو محمد: وقول الحكم هذا هو قول عثمان البتي، وهو أحد أقوال الشافعي، وهو قول قد روي عن شريح أيضا، وهو قولنا.

وأما المتأخرون: فإن أبا حنيفة قال: من قطع ثوبا اشتراه أو حدث بما اشترى عيب عنده ثم اطلع على عيب فلا رد له، لكن يرجع بقيمة العيب وهو أحد قولي حماد. وذهب بعض أصحابه منهم الطحاوي،، ومحمد بن شجاع، إلى أنه لا يرده، ولا يرجع بشيء. وللشافعي قولان: أحدهما: كقول أبي حنيفة وهو قول سفيان الثوري وابن شبرمة.

والثاني: أنه يرده ويرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب وهو قول أبي ثور، وأحد قولي حماد.

وقال أحمد، وإسحاق: هو بالخيار بين أن يرده، ويرد معه قدر ما حدث عنده، وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب.

وقال مالك: إن كان العيب الذي حدث عنده مفسدا فإنه يرده ويرد قيمة ما حدث عنده، وإن كان العيب خفيفا رده ولم يرد معه شيئا وهذا قول لا نعلم أحدا قاله قبله يعني هذا التقسيم وقول أبي حنيفة، ومالك ههنا خلاف ما روي عن عثمان، وابن عمر رضي الله عنهما، ولا نعلم في هذا عن الصحابة قولا غيره. وقد أباح عثمان رضي الله عنه الرد بالعيب بعد اللباس، واللباس يخلق الثوب، وليس امتناع ابن عمر من الرد من أجل الصفرة دليلا على أنه لم يجز الرد، وقد يترك ذلك اختيارا مع أن الصفرة ليست عيبا؛ لأنها تزول سريعا بالمسح، وبالغسل للقميص.

وأما ما عيبه في جوفه فإن مالكا قال: لا رجوع له فيه وهو من المشتري، كالبيض، والخشب وغير ذلك. وأوجب أبو حنيفة، والشافعي: الرجوع بحكم ما في ذلك.

قال أبو محمد: ما نعلم لمالك سلفا، ولا حجة في هذه القولة، وما في العجب والعكس أعجب من قوله فيمن باع بيضا فوجده فاسدا أو خشبا فوجده مسوس الداخل: أن الثمن كله للبائع، ولا شيء للمشتري عليه وهو قد باعه شيئا فاسدا، وأكل مال أخيه بالباطل ثم يقول: من باع عبدا فمات، أو قتل في اليوم الثالث، أو هرب فيه، أو اعورت عينه فيه: فهو من مصيبة البائع وإن جن، أو تجذم، أو برص، إلى قبل تمام سنة من بعد بيعه له، فإنه من مصيبة البائع. ومن ابتاع تمرا في رءوس الشجر فأصابته ريح، أو أكلته جراد فمن مصيبة البائع، فهو يهنيه الثمن الذي أخذه بالباطل، ويغرمه الثمن الذي أخذه بالحق ويجعل من مصيبة المشتري ما حدث عند البائع من العيوب، ويجعل من مصيبة البائع ما حدث عند المشتري من العيوب، حاشا لله من هذا.

حدثنا حمام بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا الحسين بن زكريا، حدثنا أبو ثور، حدثنا معلى، حدثنا هشيم عن المغيرة عن الحارث هو العكلي عن شريح: أن مولى لعمرو بن حريث اشترى لعمرو بن حريث بيضا من بيض النعام أربعا أو خمسا بدرهم، فلما وضعهن بين يدي عمرو بن حريث كسر واحدة، فإذا هي فاسدة، ثم ثانية ثم ثالثة حتى تتابع منهن فاسدات، فطلب الأعرابي فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: أما ما كسر فهو ضامن له بالثمن الذي أخذه به، وأما ما بقي فأنت يا أعرابي بالخيار، إن شئت كسروا فما وجدوا فاسدا ردوه وما وجدوا طيبا فهو لهم بالسعر الذي بعتهم به.

قال علي: أما حكم شريح فالمالكيون، والحنفيون لا يأخذون به، ولا نحن، فلا متعلق للمالكيين به.

وأما عمرو بن حريث فقد رأى الرد في ذلك وهو قولنا وهو صاحب لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة، رضي الله عنهم،، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم.

وأما الأستعمال، والوطء بعد الأطلاع على العيب، فإنه صح عن شريح، أنه قال إذا وطئ بعد ما رأى المعيب أو عرضها على البيع، فقد وجب عليه وهذا قوله في جميع السلع. وهو أيضا قول الحسن البصري، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن أبا حنيفة قال: سكنى الدار بعد المعرفة بالعيب، وتقبيل الأمة لشهوة، ووطؤها: رضا بالعيب. قال

وأما استخدام الأمة، أو ركوب الدابة، أو لباس القميص؛ ليختبر كل ذلك بعد اطلاعه على العيب، فليس شيء من ذلك رضا. وقال عبيد الله بن الحسن: ليس الأستخدام رضا.

قال أبو محمد: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الصنعاني، حدثنا محمد بن عبيد بن حساب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب هو السختياني وهشام بن حسان كلاهما عن محمد بن سيرين، قال: ابتاع عبد الرحمن بن عوف جارية، فقيل له: إن لها زوجا فأرسل إلى زوجها فقال له: طلقها، فأبى، فجعل له مائة فأبى، فجعل له مائتين فأبى، فجعل له خمسمائة فأبى، فأرسل إلى مولاه: أنه قد أبى أن يطلق فاقبلوا جاريتكم. فهذا عبد الرحمن بن عوف قد اطلع على عيب أن لها زوجا فلم يرد حتى أرسل إلى الزوج وراوضه على طلاقها، وجعل له مالا على ذلك، ثم زاده، ثم زاده، فلما يئس رد حينئذ، ولا يعرف له من الصحابة مخالف، وهم يعظمون مثل هذا.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: كنت أبتاع إن رضيت، حتى سمعت عبد الله بن مطيع يقول: إن الرجل ليرضى ثم يدع، قال ابن عمر: فكأنما أيقظني، فكان ابن عمر يبتاع ويقول: إن أخذت. فهذا ابن عمر لا يرى الرضا بالقلب شيئا حتى يظهره بالقول، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم.

وأما رد الغلة فيما رد بالعيب فقد ذكرنا الخلاف في ذلك. وقال زفر بن الهذيل، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن في ذلك ما نذكره:

فأما زفر بن الهذيل فإنه قال: من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب بها، فإن ردها بقضاء قاض ردها ورد معها مهر مثلها، فإن وطئها غيره بشبهة فأخذ لها مهرا، أو زوجها فأخذ مهرها، أو جني عليها فأخذ للجناية أرشا ثم اطلع على عيب فإنه يردها، ويرد معها المهر في الزوجية الصحيحة، وفي الوطء بالشبهة، ويرد معها الأرش الذي أخذ لها.

وكذلك يرد ثمر النخل، والشجر، إذا رد الأصول بالعيب، فإن أكل الثمرة ردها ورد معها قيمة ما أكل من الثمرة. وقال عثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن: من اشترى عبدا فاستغله ثم اطلع على عيب فله رده، فإن رده لزمه أن يرد الغلة كلها معه قال عبيد الله: وكذلك لو وهب للعبد هبة فإنه يرد الهبة معه أيضا.

وقال مالك: الغلة كلها للمشتري من اللبن، والثمرة، وغير ذلك، حاشا الأولاد فإنه يردهم مع الأمهات في الحيوان كله، والإماء.

وقال أبو حنيفة: أما من ابتاع شاة فحلبها، أو ولدت عنده، أو أصولا فأثمرت عنده فأكل ثمرتها، أو لم يأكل ثم اطلع على عيب، فلا رد له، لكن يرجع بأرش العيب فقط. فلو كانت دارا فسكنها، أو آجرها أو دابة فركبها أو آجرها أو عبدا فاستخدمه أو آجره ثم اطلع على عيب فله رد العبد، والدابة، ولا يلزمه رد شيء من الغلة، ولا رد شيء عما سكن وآجر، واستخدم وركب. وممن قال بأن كل ما حدث في ملك المشتري فإنه له، ولا يرده، ويرد الأمهات، والأصول، والشيء المعيب: شريح، والنخعي، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، والشافعي، وسفيان، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور وأبو عبيد، وأبو سليمان، وغيرهم.

قال علي: أما قول أبي حنيفة، ومالك فظاهر المناقضة، وعديم من الدليل، ولا نعلم لهما أحدا قال به قبلهما.

وأما قول عثمان، وعبيد الله، وزفر، فيشبه أن تكون الحجة لهم أن يقولوا: إن الرد بالعيب إنما هو فسخ للبيع، فإذ هو فسخ للبيع فكأنه لم يزل المبيع المعيب في ملك البائع.

قال أبو محمد: وهذا باطل، ما هو فسخ للعقد في البيع، بل هو إبطال لبقائه في ملك المشتري ورده إلى البائع بالبراهين الموجبة لذلك، ولو كان ما قالوه لكان زانيا بوطئه، وهذا باطل، بل العقد الأول صحيح، ثم حدث ما جعل للمشتري في الخيار في إبقائه به كذلك، أو رده من الآن، لا بإبطال الملك المتقدم للرد أصلا وبالله تعالى التوفيق. وعهدنا بهم يصححون الخبر الفاسد الخراج بالضمان ويحتجون به في الغصوب، وفي غير ذلك، ثم قد خالفوه ههنا كما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.


1592 - مسألة: ومن كان لأخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك من جميع الوجوه بكيل أو وزن أو ذرع، فالوزن والكيل والذرع على الذي عليه الحق. ومن كان عليه دنانير أو دراهم أو شيء بصفة من سلم، أو صداق، أو إجارة، أو كتابة أو غير ذلك، فالتقليب على الذي عليه الحق أيضا؛ لأن الله تعالى أوجب على كل من عليه حق أن يوفي ما عليه من ذلك من هو له عليه وحكم رسول الله ﷺ بأن يعطى كل ذي حق حقه، فمن كان حقه كيلا أو وزنا أو ذرعا أو عددا موصوفا بطيب، أو بصفة ما فعليه إحضار ما عليه كما هو عليه، ولا شيء على الذي له الحق، إنما الحق له، ولا حق عليه. وقال تعالى: {أوفوا المكيال والميزان بالقسط}. وقال تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}

فإن ذكروا قول الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} قلنا: نعم، هذا هو قولنا؛ لأن الله تعالى جعل في هذه الآية الكيل والوزن على الذين عليهم الحق، وتوعدهم على إخسار ذي الحق، وعلى التطفيف، وليس في إخباره تعالى بأنهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون دليل على أنهم يكتالون لأنفسهم، وأن الذي لهم عليه الحق لا يكيل لهم؛ لأنه تعالى إنما ذكر استيفاءهم ما لهم من الكيل فقط، والأستيفاء يكون بكيل كائل ما، فلا متعلق لهم في هذه اللفظة وصح بقوله تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أن الذي عليه الحق هو يكيل ويزن، وأنه منهي عن الإخسار.


1593 - مسألة: ومن اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من بناء قائم، أو شجر نابت. وكذلك كل من اشترى دارا فبناؤها كله له، وكل ما كان مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك وهذا إجماع متيقن، وما زال الناس يتبايعون الدور والأرضين من عهد رسول الله ﷺ هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو أرض هكذا، ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبني، كأبواب، وسلم، ودرج، وآجر، ورخام، وخشب، وغير ذلك؛، ولا يكون له الزرع الذي يقلع، ولا ينبت، بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق. ومن ابتاع أنقاضا، أو شجرا، دون الأرض، فكل ذلك يقلع، ولا بد، وبالله تعالى التوفيق.


1594 - مسألة: وفرض على التجار أن يتصدقوا في خلال بيعهم وشرائهم بما طابت به نفوسهم: لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: " قال رسول الله ﷺ: يا معشر التجار إنه يشهد بيعكم الحلف، واللغو: شوبوه بالصدقة. وأمره ﷺ على الفرض، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقوله عليه السلام: شوبوه بالصدقة يقتضي المداومة والتكرار في موضوع اللغة، وبالله تعالى التوفيق. ==




===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1وط2.كتاب : الأمثال المؤلف : أبو عبيد ابن سلام

  ج1وج2.كتاب  الأمثال أبو عبيد ابن سلام المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمّد وآله رأيت في أوّل نسخة الشيخ الإمام أبي...