اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

الثلاثاء، 22 مارس 2022

5- المحلى ابن حزم - المجلد الرابع/تابع البيوع- من{ 1492- مسألة الي 1538 -وحتي 1551. مسألة}



تابع



كتاب البيوع

1492 - مسألة : ومن كان له عند آخر دنانير ، أو دراهم ، أو قمح ، أو شعير ، أو ملح ، أو تمر ، أو غير ذلك ، مما لا يقع فيه الربا أي شيء كان لا تحاش شيئا إما من بيع ، إما من قرض ، أو من سلم ، أو من أي وجه كان ذلك له عنده حالا كان أو غير حال فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا من غير ماله عنده أصلا . فإن أخذ دنانير عن دراهم ، أو دراهم عن دنانير ، أو شعيرا عن بر ، أو دراهم عن عرض ، أو نوعا عن نوع لا تحاش شيئا : فهو فيما يقع فيه الربا ربا محض ، وفيما لا يقع في الربا حرام بحت وأكل مال بالباطل . وكل ذلك مفسوخ مردود أبدا محكوم فيه بحكم الغصب ، إلا أن لا يقدر على الانتصاف ألبتة فيأخذ ما أمكنه ، مما يحل ملكه ، لا تحاش شيئا ، بمقدار حقه ، ولا مزيد ، فهذا حلال له . برهان ذلك : ما ذكرنا قبل من تحريم النبي ﷺ الذهب ، والفضة ، والبر ، والتمر ، والشعير ، والملح إلا مثلا بمثل عينا بعين ، ثم قال عليه السلام : { فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد } والعمل الذي وصفنا ليس يدا بيد ، بل أحدهما غائب ولعله لم يخرج من معدنه بعد ، فهو محرم بنص كلامه عليه السلام . وأيضا : فروينا من طريق مسلم أنا محمد بن رمح أنا الليث بن سعد عن نافع أنه سمع { أبا سعيد الخدري يقول : أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله ﷺ يقول : لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا تبيعوا الورق بالورق ، إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضه على بعض ، ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز ، إلا يدا بيد } ومن طريق البخاري أنا حفص بن عمر هو الحوضي أنا شعبة أخبرني حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت أبا المنهال قال : سألت البراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، عن الصرف ؟ فكلاهما يقول : { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الذهب بالورق دينا } وذهب مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي في أحد قوليه ، وأصحابنا ، إلى جواز أخذ الذهب من الورق ، والورق من الذهب واحتجوا في ذلك : بما رويناه من طريق قاسم بن أصبغ أنا جعفر بن محمد أنا عفان بن مسلم أنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن { ابن عمر قال : قلت : يا رسول الله أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، وآخذ هذه من هذه ؟ فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها } قال أبو محمد : وهذا خبر لا حجة فيه ، لوجوه : أحدها - أن سماك بن حرب ضعيف يقبل التلقين شهد عليه بذلك شعبة وأنه كان يقول له : حدثك فلان عن فلان ؟ فيقول : نعم ، فيم سئل عنه . وثانيها - أنه قد جاء هذا الخبر بهذا السند ببيان غير ما ذكروا كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة أنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن { ابن عمر قال : كنت أبيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب ، فأتيت رسول الله ﷺ فأخبرته بذلك ؟ فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس } وهذا معنى صحيح ، وهو كله خبر واحد . وثالثها - أنه لو صح لهم كما يريدون لكانوا مخالفين له ؛ لأن فيه اشتراط أخذها بسعر يومها ، وهم يجيزون أخذها بغير سعر يومها ، فقد اطرحوا ما يحتجون به . ومما يبطل قولهم ههنا أنه قد صح النهي عن بيع الغرر ، وهذا أعظم ما يكون من الغرر ؛ لأنه بيع شيء لا يدري أخلق بعد أم لم يخلق ؟ ولا أي شيء هو ؟ والبيع لا يجوز إلا في عين معينة بمثلها ، وإلا فهو بيع غرر ، وأكل مال بالباطل ، والسلم لا يجوز إلا إلى أجل : فبطل أن يكون هذا العمل بيعا أو سلما فهو أكل مال بالباطل . وأيضا فإن هذا الخبر إنما جاء في البيع ، فمن أين أجازوه في القرض ؟ وقد فرق بعض القائلين به بين القرض في البيع في ذلك واحتجوا من فعل السلف في ذلك : بما روينا من طريق وكيع أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن سعيد مولى الحسن ، قال : أتيت ابن عمر أتقاضاه ؟ فقال لي : إذا خرج خازننا أعطيناك ، فلما خرج بعثه معي إلى السوق وقال : إذا قامت على ثمن فإن شاء أخذها بقيمتها أخذها : ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة أنا إسماعيل السدي عن عبد الله البهي عن يسار بن نمير قال : كان لي على رجل دراهم فعرض علي دنانير فقلت : لا آخذها حتى أسأل عمر فسألته ؟ فقال : ائت بها الصيارفة فأعرضها ، فإذا قامت على سعر ، فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ مثل دراهمك وصحت إباحة ذلك عن الحسن البصري والحكم وحماد ، وسعيد بن جبير باختلاف عنه ، وطاوس والزهري ، وقتادة ، والقاسم بن محمد واختلف فيه عن إبراهيم ، وعطاء قال أبو محمد : وروينا المنع من ذلك عن طائفة من السلف : روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال : إن عمر بن الخطاب قال : لا تبيعوا الذهب بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز هذا صحيح . ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عوف عن ابن سيرين عن عبد الله بن مسعود أنه كان يكره اقتضاء الذهب من الورق ، والورق من الذهب . ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا الشيباني هو أبو إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس : أنه كره اقتضاء الذهب من الورق من الذهب وهذا صحيح . ومن طريق سفيان بن عيينة عن سعد بن كدام قال : حلف لي معن هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أنه وجد في كتاب أبيه بخطه قال عبد الله بن مسعود : معاذ الله أن نأخذ دراهم مكان دنانير أو دنانير مكان دراهم . ومن طريق عبد الرزاق أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم أن عبد الله بن عمر قال له : نهانا أمير المؤمنين يعني أباه أن نبيع الدين بالعين وهذا في غاية الصحة . ومن طريق حماد بن زيد أنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين : أن زينب امرأة ابن مسعود باعت جارية لها إما بذهب وإما بفضة فعرض عليها النوع الآخر فسئل عمر ؟ فقال : لتأخذ النوع الذي باعت به . ومن طريق سعيد بن منصور أنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن الشيباني هو أبو إسحاق عن محمد بن زيد عن ابن عمر فيمن باع طعاما بدراهم ، أيأخذ بالدراهم طعاما ؟ فقال : لا ، حتى تقبض دراهمك ولم يقل ابن عمر بإباحة ذلك في غير الطعام . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن زيد عن ابن عمر فيمن أقرض دراهم أيأخذ بثمنها طعاما ؟ فكرهه ومن طريق محمد بن المثنى أنا مؤمل بن إسماعيل أنا سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم النخعي أنه كره اقتضاء الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير ، ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار أنا وكيع أنا موسى بن نافع عن سعيد بن جبير أنه كره أن يأخذ الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن يونس وهو ابن عبيد عن أنس بن سيرين ، قال : قال لي أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود : لا تأخذ الذهب من الورق يكون لك على الرجل ولا تأخذن الورق من الذهب ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع بن علي بن المبارك عن يحيى هو ابن أبي كثير عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف أنه كره أن يكون لك عند آخر قرض دراهم فتأخذ منه دنانير . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين فيمن كانت له على آخر دراهم فأخذ منها ثم أراد أن يأخذ بقيمتها دنانير فكرهه ومن طريق ابن أبي شيبة أنا مروان بن معاوية هو الفزاري عن موسى بن عبيدة أخبرني عطاء مولى عمر بن عبد العزيز أنه ابتاع من برد مولى سعيد بن المسيب ناقة بأربعة دنانير فجاء يلتمس حقه ؟ فقلت : عندي دراهم ليس عندي دنانير ؟ فقال : حتى أستأمر سعيد بن المسيب فاستأمره ؟ فقال له سعيد : خذ منه دنانير عينا ، فإن أبى فموعده الله ، دعه . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن حرملة قال : بعت جزورا بدراهم إلى الحصاد ، فلما حل قضوني حنطة ، وشعيرا ، وسلتا ، فسألت سعيد بن المسيب ؟ فقال : لا يصلح ، لا تأخذ إلا الدراهم . فهؤلاء : عمر ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر ، والنخعي وسعيد بن جبير ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن سيرين ، وابن المسيب وهذا مما تركوا فيه القرآن في تحريمه أكل المال بالباطل لخبر ساقط مضطرب وقولنا هو أحد قولي الشافعي ، وقول ابن شبرمة وأما إذا لم يقدر على الانتصاف فقد قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فهذا عموم لكل ما أمكن الممنوع حقه أن ينتصف به ، أو بأن يوكل غريمه على بيع ماله عنده ، وبأن يبتاع له ما يريد : فهذا جائز وبالله تعالى التوفيق .

1493 - مسألة : واستدركنا مناقضات لهم يعارضون بها أن شنعوا علينا ببيع القمح بدقيقه ودقيق غيره متفاضلا ، وتسليم أحدهما في الآخر ، وكذلك دقيق القمح بدقيق القمح ، وبالخبز والزيت بالزيتون وبالزيت ، واللبن باللبن ، وبالجبن والسمن وكل شيء ، ما عدا ما ورد به النص من السنة . ولا شنعة في شيء منه ؛ لأننا لم نتعد حدود الله تعالى ، ولا حرمنا ما لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام ، وإنما الشنيع فيما نذكره إن شاء الله تعالى : قال مالك : يجوز بيع الدقيق من القمح بالقمح كيلا بكيل ، مثلا بمثل يدا بيد ، قال : ولا يجوز دقيق القمح بدقيق القمح كيلا بكيل ، لكن وزنا بوزن ، مثلا بمثل . قال علي فإن كان دقيق القمح نوعا واحدا مع القمح ؟ فما يحل أن يبيع دقيق قمح بدقيق قمح إلا كيلا بكيل كما يبيع الدقيق بالقمح ؛ لأنهما قمح معا وإن كان دقيق القمح صنفا غير القمح ، فواجب أن يجيزه بالقمح متفاضلا ، وأجاز القمح بسويق القمح متفاضلا ؟ فأي فرق بين دقيق قمح وبين سويق قمح بقمح ؟ وأعجب من هذا احتجاجهم في ذلك : بأن السويق دخلته صنعة ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ ومن أين وقع لكم الفرق بأنه دخلته صنعة ؟ نعم ، والدقيق أيضا دخلته ، صنعة ولا فرق . وقالوا أيضا : إنما يراعى تقارب المنافع ؟ فقلنا : وهذا أيضا من أين وقع لكم ؟ ومن أين وجب لكم أن تراعوا تقارب المنافع ؟ وهل هي إلا دعوى بلا برهان ؟ وقول لم تسبقوا إليه ، وتعليل فاسد . وأيضا : فإن المنافع في جميع المأكولات واحدة لسنا نقول : متقاربة ، بل شيء واحد ، وهو طرد الجوع ، أو التأدم ، أو التفكه ، أو التداوي ، ولا مزيد . ومنعوا من الحنطة المبلولة باليابسة ، وأجازوا الحنطة المقلية باليابسة وكلتاهما مختلفة مع الأخرى . ومنعوا من الدقيق بالعجين وقد دخلت العجين صنعة . وأباحوا القمح بالخبز من القمح متفاضلا . ومنعوا من اللبن بالسمن جملة ؟ نعم ، ومنعوا من اللبن بالجبن وهل الجبن من اللبن إلا كالخبز من القمح ؟ ومنعوا من بيع لبن شاة بشاة لبون ، إلا أنه لا لبن الآن في ضرعها ؛ لأنه قد استنفذ بالحلب . وأجازوا بيع النخل بالتمر إذا كانت لا تمر فيها . واحتجوا بأن اللبن يخرج من ضرع الشاة ، وأن السمن يعمل من اللبن ؟ فقلنا : والتمر يخرج من النخل ، والخبز يعمل من القمح . ومنعوا من بيع العنب بالعصير ، وأجازوه بالخل وهذه عجائب لا نظير لها ، لو تقصيناها لا تسع الأمر في ذلك ، وفيما ذكرناه كفاية ، وهو كله كما ذكرنا لا يعرف عن أحد قبل مالك ، وكذلك لا يحفظ عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيت بالزيتون يدا بيد متفاضلا ومتماثلا . وأما الحنفيون : فإنهم أباحوا الربا المنصوص عليه جهارا فأحلوا بيع تمرة بتمرتين ، وحرموا بيع رطل كتان أسود أخرش لا يصلح إلا لقلفة المراكب برطل كتان أبيض مصري أملس كالحرير وكذلك حرموا بيع رطل قطن طيب غزلي برطل قطن خشن لا يصلح إلا للحشو ، وقالوا : القطن كله صنف واحد ، والكتان كله صنف واحد . قالوا : وأما الثياب المعمولة من القطن فأصناف مختلفة يجوز في بعضها ببعض التفاضل والنسيئة فأجازوا بيع ثوب قطن مروي خراساني بثوبي قطن مروي بغدادي نقدا ونسيئة قالوا : وأما غزل القطن في كل ذلك فصنف واحد لا يجوز فيه التفاضل ولا النسيئة . قالوا : شحم بطن الكبش صنف ، وشحم ظهره وشحم سائر جسده صنف آخر ، فأجازوا بيع رطلين من شحم بطنه برطل من شحم ظهره نقدا . قالوا : وألية الشاة صنف ، وسائر لحمها صنف آخر ، فجائز بيع رطل من أليتها برطلين من سائر لحمها . قالوا : ولا يجوز بيع رطل من لحم كبش إلا برطل من لحمه ولا مزيد ، وزنا بوزن نقدا ، ولا بد وأجازوه برطلين من لحم الثور نقدا ولا بد . وأما لحم الإوز ، ولحم الدجاج ، فيجوز من كل واحد منهما رطل برطلين من نوعه فأجازوا رطل لحم دجاج برطلين من لحم دجاج نقدا أو برطلين من لحم الإوز نقدا ونسيئة . وقالوا : النسيئة في كل ما يقع فيه الربا من التمر والبر والشعير ، وغير ذلك ، إنما هي ما اشترط فيه الأجل في حين العقد ، وأما ما تأخر قبضه إلى أن تفرقا ولم يكن اشترط فيه التأخير ، فلا يضر البيع في ذلك شيئا ، إلا في الذهب ، والفضة فقط ، فإن تأخر القبض فيهما ربا اشترط أو لم يشترط . ومن عجائب الدنيا إجازته الرطب بالتمر ، ومنعه من الدقيق أو السويق بالقمح جملة ، فلم يجزه أصلا ، فلو عكس قوله لأصاب . وهذه كلها وساوس ، وسخافات ، ومناقضات ، لا دليل عليها ، وأقوال لا تحفظ من أحد قبله ونسأل الله العافية . وأما الشافعيون : فإنهم منعوا من رطل سقمونيا برطلين من سقمونيا ؛ لأنها عندهم من المأكولات ، وأباحوا وزن درهم زعفران بوزن درهمين منه نقدا ونسيئة ؛ لأنه لا يؤكل عندهم . ولم يجيزوا بيع عسل مشتار بشمعه كما هو بعسل مشتار بشمعه كما هو أصلا ، إلا حتى يصفى كلاهما وأجازوا بيع الجوز بقشره بالجوز بقشره . واحتجوا في ذلك بأن إخراج العسل من شمعه صلاح له ، وإخراج الجوز واللوز من قشره ، ونزع النوى من التمر فساد له . فقلنا : كلا ، ما الصلاح فيما ذكرتم إلا كالفساد فيما وصفتم ، وما في ذلك صلاح ، ولا في هذا فساد ، ولو كان فسادا لما حل أصلا ؛ لأن الله تعالى يقول : { والله لا يحب الفساد } وهذه أيضا مناقضات ظاهرة ، وأقوال لا نعلم أحدا سبقهم إليها وبالله تعالى التوفيق ولا نعلم أحدا قبل أبي حنيفة منع من بيع الزيت بالزيتون يدا بيد ، سواء كان أكثر ما في الزيتون من الزيت ، أو مثله أو أقل . قال أبو محمد : والحقيقة التي تشهد لها اللغة ، والشريعة ، والحس ، فهو أن الدقيق ليس قمحا ولا شعيرا ، لا في اسمه ، ولا في صفته ، ولا في طبيعته . فهذه الدواب تطعم الدقيق والخبز فلا يضرها بل ينفعها ، وتطعم القمح فيهلكها ، والدبس ليس تمرا ، لا في لغة ، ولا في شريعة ، ولا في مشاهدة . ولا في اسمه ، ولا في صفاته . والماء ليس ملحا ؛ لأنه يجوز الوضوء بالماء ، ولا يجوز بالملح . وليس توليد الله تعالى شيئا من شيء بموجب أن المتولد هو الذي عنه تولد ، فنحن خلقنا من تراب ، ونطفة ، وماء ، ولسنا نطفة ، ولا ترابا ، ولا ماء . والخمر متولدة من العصير وهي حرام والعصير حلال . واللبن متولد عن الدم واللبن حلال والدم حرام . والعذرة تستحيل ترابا حلالا طيبا . والدجاجة تأكل الميتة والدم فيصيران فيها لحما حلالا طيبا . والخل متولد من الخمر وهو حلال وهي حرام . وأما حلي الذهب والفضة فهما ذهب وفضة باسميهما وصفاتهما وطبيعتهما في اللغة وفي الشريعة [ واحد ] { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

1494 - مسألة : ومن باع ذهبا بذهب بيعا حلالا ، أو فضة بفضة كذلك ، أو فضة بذهب كذلك ، مسكوكا بمثله أو مصوغين ، أو مصوغا بمسكوك ، أو تبرا أو نقارا ، فوجد أحدهما بما اشترى من ذلك عيبا قبل أن يتفرقا بأبدانهما ، وقبل أن يخير أحدهما الآخر فهو بالخيار إن شاء فسخ البيع ، وإن شاء استبدل ؛ لأنه لم يتم بينهما بيع بعد ، فإنما هو مستأنف لبيع عن تراض أو تارك على ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق .

1495 - مسألة : فإن وجد العيب بعد التفرق بالأبدان ، أو بعد التخيير واختار المخير إتمام البيع فإن كان العيب من خلط وجده من غير ما اشترى ، لكن كفضة أو صفر في ذهب ، أو صفر أو غيره في فضة ، فالصفقة كلها مفسوخة ، مردودة ، كثرت أم قلت ، قل ذلك الخلط أم كثر ؛ لأنه ليس هو الذي اشترى ، ولا الذي عقد عليه الصفقة ، فليس هو الذي تراضى بالعقد عليه وقد تفرقا قبل صحة البيع . ولا يجوز فيما يقع فيه الربا إلا صحة البيع بالتفرق ، ولا خيار في إمضائها ؛ لأنه لم يأت بذلك نص وبالله تعالى التوفيق .

1496 - مسألة : وكذلك لو استحق بعض ما اشترى أقله أو أكثره ، أو لو تأخر قبض شيء مما تبايعا قل أو كثر لأن العقد لم يتم صحيحا وما لم يصح فهو فاسد ، وكل عقد اختلط الحرام فيه بالحلال فهو عقد فاسد ، لأنه لم يعقد صحة الحلال منه إلا بصحة الحرام ، وكل ما لا صحة له إلا بصحة ما لا يصح ، فلا صحة له ، ولا يحل أن يلزم ما لم يرض به وحده . دون غيره .

1497 - مسألة : فإن كان العيب في نفس ما اشترى ككسر ، أو كان الذهب ناقص القيمة بطبعه ، والفضة كذلك ، كالذهب الأشقر والأخضر بطبعه . فإن كان اشترط السلامة فالصفقة كلها مفسوخة ؛ لأنه وجد غير ما اشترى ، فلا يحل له مال غيره مما لم يعقد عليه بيعا . وإن كان لم يشترط السلامة فهو مخير بين إمساك الصفقة كما هي ولا رجوع له بشيء ، وإما فسخها كلها ولا بد ؛ لأنه اشترى العين ، فهو عقد صحيح ثم وجد غبنا ، والغبن إذا رضيه البائع وعرف قدره جائز لا كراهية فيه على ما قدمنا قبل . ولا يحل له تبعيض الصفقة ؛ لأنه لم يتراض البيع من صاحبه إلا على جميعها ، فليس له غير ما تراضيا به معا ، لقول الله تعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل له من مال غيره إلا ما تراضيا به معا . قال أبو محمد : وهذا مكان اختلف فيه الخلف والسلف : فروينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا حفص بن غياث بن الأشعث الحراني عن عكرمة عن ابن عباس فيمن يشتري الدراهم ويشترط إن كان فيها زائف أن يرده : أنه كره الشرط ، وقال : ذلك له إن لم يشترط . قال علي : ظاهر هذا رد البيع ؛ لأنه لو أراد رد الزائف وحده لذكر بطلان ما قابله ، وصحة العقد في سائر الصفقة ، أو لذكر الاستدلال ، ولم يذكر من ذلك كله شيئا ، فلا يجوز أن يقول ما لم يقل فقول ابن عباس هو قولنا . ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا همام هو ابن يحيى قال : زعم ابن جريج : أن ابن عمر اشترى دراهم بدنانير فأخطئوا فيها بدرهم ستوق فكره أن يستبدله وهذا منقطع ، ولا نعلم أحدا من الحاضرين قال به ، ولا نعلم الآن عن الصحابة رضي الله عنهم غير ما ذكرنا . وقال سفيان الثوري : هو مخير بين أن يستبدله وبين أن ينقض الصرف في مقدار ما وجد رديئا فقط قال الأوزاعي ، والليث ، والحسن بن حي : يستبدل كل ما وجد زائفا قل أو كثر قال ابن حي والستوق كذلك . قال علي : الستوق هو المغشوش بشيء غيره ، مثل أن يكون الدرهم كله رصاصا ، أو يكون الدينار كله فضة أو نحاسا . والزائف الرديء من طبعه الذي فيه غش وقال أبو حنيفة : إن وجد بعد التفرق نصف الجميع فأكثر زيوفا فليس له أن يستبدل ألبتة ، لكن إن رد الزيوف بطل الصرف في مقدارها من الصفقة وصح فيما سواها . وظاهر قوله أن له أن لا يرد ، فإن وجدها أقل من النصف فله أن يمسك وله أن يستبدل ما وجد زائفا فقط ، ولا يفارقه حتى يقبض البدل ، فإن فارقه قبل القبض انتقض الصرف فيما لم يقبض ولو أنه درهم أو أكثر وصح فيما قبض ولو أنه درهم أو أقل . فإن كان الذي وجد ستوقا انتقض الصرف فقط لو لم يكن إلا درهما واحدا فأكثر وصح في باقي الصفقة ويكون هو والبائع شريكين في الدينار الذي انتقض الصفر في بعضه . قال أبو محمد : ليت شعري ، أي بعض منه انتقض فيه الصرف ، وأي بعض ، منه صح فيه الصرف هذا المجهول والغرر بعينه ، وروي عنه : أنه حد ما يستبدله مما لا يجوز فيه الاستبدال بالثلث وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله ، وتقسيم في غاية الفساد بلا برهان ، وحكم الحرام والحلال في الكثير والقليل منهما سواء ، إلا أن يأتي قرآن أو سنة بفرق وتحديد فالسمع والطاعة وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : يستبدل ما وجد زائدا أو ستوقا ، قل أو كثر . قال علي : هذا باطل ؛ لأنه يصير ذهبا بفضة ، أو بذهب ، أو فضة بفضة غير يد بيد ، وهذا الربا المحض وقال زفر : ينتقض الصرف ولا بد فيما وجد قل أو كثر ويصح في السالم قل أو كثر . قال علي : هذا تبعيض صفقة لم يقع العقد قط على بعضها دون بعض ، فهو أكل مال بالباطل وقال مالك : إن وجد ستوقا أو زائفا فإن كان درهما أو أكثر ما لم يتجاوز صرف دينار انتقض الصرف في دينار واحد ، وصح سائر الصفقة ، فإن وجد من ذلك ما يكون صرفه أكثر من دينار أو دينارين أو دنانير : انتقض الصرف فيما قابل ما وجده فإن شرع الانتقاض في دينار انتقض ذلك الدينار . قال علي : ليت شعري أي دينار هو الذي ينتقض ، أيها هو الذي لا ينتقض ؟ هذا بيع الغرر ، والمجهول وأكل المال بالباطل . ثم عجب آخر وهو إجازته بعض الصفقة دون بعضها وإبطاله صرف جميع الدينار الذي شرع الانتقاض في بعضه وهذا تناقض ظاهر ، وكلاهما تبعيض لما لم يتراضيا بتبعيضه في العقد ، وقول لا نعلمه عن أحد قبله . وللشافعي قولان أحدهما : أن الصرف كله ينتقض ، والثاني : أنه يستبدل ، كقول الليث والأوزاعي ، والحسن بن حي وهذا مما خالفوا فيه قول صاحبين ، لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .

1498 - مسألة : ومن الحلال المحض بيع مدين من تمر أحدهما جيد غاية ، والآخر رديء غاية : بمدين من تمر أجود منهما ، أو أدنى منهما ، أو دون الجيد منهما ، وفوق الرديء منهما ، أو مثل أحدهما ، أو بعضهما جيد والبعض رديء كل ذلك سواء وكل ذلك جائز . وكذلك القول في دنانير بدنانير ، وفي دراهم بدراهم ، وقمح بقمح ، وفي شعير بشعير ، وفي ملح بملح ولا فرق ، لإباحة النبي ﷺ كل صنف مما ذكرنا بصنفه ، مثلا بمثل ، في المكايلة ، في القمح ، والشعير ، والتمر والملح والموازنة في الذهب والفضة . وقد روينا من طريق مسلم أنا القعنبي أنا سليمان بن بلال عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف : أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث : أن أبا هريرة ، وأبا سعيد الخدري حدثاه { أن رسول الله ﷺ بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب ، فقال له رسول الله ﷺ : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا ، والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع ، فقال لي رسول الله ﷺ : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان } فأباح عليه السلام نصا : بيع الجنيب من التمر وهو المتخير كله بالجمع من التمر وهو الذي جمع جيدا ورديئا ووسطا . منع بعض الناس من مدين من تمر أحدهما جيد والآخر رديء بمدين من تمر متوسطين أدنى من الجيد وأجود من الرديء . واحتجوا في ذلك بأن رسول الله ﷺ أوجب المماثلة في التمر بالتمر . قال أبو محمد لا حجة لهم في هذا ؛ لأنهم موافقون لنا في جواز صاع بصاع تمر رديء بصاع تمر جيد وليس مثله فصح أن النبي ﷺ إنما أراد المماثلة في الكيل أو في الوزن فقط وهذا ما لا خلاف فيه من أحد . واحتجوا بأحاديث صحاح في الجنيب بالجمع فيها : { بيعوا الجمع واشتروا بثمنه من الجنيب } وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن الخبر الذي ذكرنا زائد على تلك الأخبار حكما ، ولا يحل ترك زيادة العدل . وعمدة حجتهم أنهم قالوا : إنما رضي البائع ههنا للمدين : اللذين أحدهما جيد والآخر رديء ، بأن يعطي الجيد أكثر من مد من المتوسط ، وأن يعطي الأردأ بأقل من مد من المتوسط : فحصل التفاضل . قال أبو محمد : وهذا في غاية الفساد ؛ لأنه ليس كما قالوا ، وحتى لو أنه أراد ذلك لكان عمله مخالفا لإرادته ، فحصلوا على التكهن ، والظن الكاذب وإنما يراعى في الدين الكلام والعمل ، فإذا جاء كما أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام فما نبالي بما في قلوبهما ، قال رسول الله ﷺ : { لم أبعث لأشق عن قلوب الناس } فإن قالوا : فقد قال عليه السلام : { الأعمال بالنيات . } قلنا : نعم ، ولكن من لكم بأن هذين نويا ما ذكرتم ، وهذا منكم ظن سوء بمسلم لم يخبركم بذلك عن نفسه ، وليس في الظلم أكثر من أن تفسدوا صفقة مسلم بتوهمكم : أنه أراد الباطل ، وهو لم يخبركم ذلك فقط عن نفسه ، ولا ظهر من فعله إلا الحلال المطلق . ويلزمكم على هذا إذا رأيتم من يشتري تمرا أو تينا أو عنبا أن تفسخوا صفقته وتقولوا له : إنما تنوي فيه عمل الخمر منه ، ومن اشترى ثوبا أن تفسخوه وتقولوا : إنما تريد تلبسه في المعاصي . ومن اشترى سيفا أن تفسخوا وتقولوا : إنما تريد به قتل المسلمين ، وهذا هوس لا نظير له ، ولا فرق بين شيء من هذا وبين ما أفسدتم به المسألة المتقدمة . روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا حماد بن زيد أنا أيوب السختياني قال : كان محمد بن سيرين يأتي بالدراهم السود الجياد ، وبالنفاية : يأخذ بوزنها غلة . قال علي : السود أجود من الغلة ، والنفاية أدنى من الغلة وهذا نفس مسألتنا .

1499 - مسألة : ومن صارف آخر دنانير بدراهم فعجز عن تمام مراده فاستقرض من مصارفه ، أو من غيره ما أتم به صرفه فحسن ، ما لم يكن عن شرط في الصفقة ؛ لأنه لم يمنع من هذا قرآن ، ولا سنة .

1500 - مسألة : ومن باع من آخر دنانير بدراهم فلما تم البيع بينهما بالتفرق أو التخير اشترى منه ، أو من غيره بتلك الدراهم دنانير تلك ، أو غيرها أقل أو أكثر فكل ذلك حلال ما لم يكن عن شرط ؛ لأن كل ذلك عقد صحيح ، وعمل منصوص على جوازه ، وأما الشرط فحرام ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل . ومنع من هذا قوم وقالوا : إنه باع منه دنانير بدنانير متفاضلة ؟ فقلنا : هذا كذب ، وما فعل قط شيئا من ذلك ، بل هما صفقتان ، ولكن أخبرونا : هل له أن يصارفه بعد شهر أو سنة بتلك الدراهم وتلك الدنانير عن غير شرط ؟ فمن قولهم : نعم ؟ فقلنا لهم : فأجزتم التفاضل والنسيئة معا ومنعتم من النقد ، هذا عجب لا نظير له وقد صح عن النبي ﷺ كما ذكرنا آنفا الأمر ببيع التمر الجمع بسلعة ثم يبتاع بالسلعة جنيبا من التمر وهذا هو الذي منعوا نفسه . ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن إبراهيم هو التستري أنا محمد بن سيرين قال : خطب عمر بن الخطاب فقال : ألا إن الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار ، عينا بعين ، سواء بسواء ، مثلا بمثل ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : تزيف علينا أوراقنا فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب ؟ قال عمر : لا ، ولكن ابتع بها عرضا ، فإذا قبضته وكان لك فبعه واهضم ما شئت ، وخذ أي نقد شئت . فهذا عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف له منهم يأمر ببيع الدراهم أو الدنانير بسلعة ، ثم يبيعها بما شاء من ذلك إثر ابتياعه للعرض ولم يقل من غير من تبتاع منه العرض . روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم عن سليمان بن بشير قال : أعطاني الأسود بن يزيد دراهم وقال لي : اشتر لي بها دنانير ، ثم اشتر لي بالدنانير دراهم كذا وكذا ، قال : فبعتها من رجل فقبضت الدنانير ، وطلبت في السوق حتى عرفت السعر ، فرجعت إلى بيعتي فبعتها منه بالدراهم التي أردت ؟ فذكرت ذلك للأسود بن يزيد ، فلم ير به بأسا . قال أبو محمد : وكرهه ابن سيرين وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : إنما الربا على من أراد أن يربي وينسئ ورويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين عن عمر . قال علي : ومن عجائب حججهم هنا أنهم قالوا : إنما أراد بالربا دراهم بأكثر منها ، فتخيل بأن صرفها بدنانير ، ثم صرف الدنانير بدراهم ؟ فقلت بارك الله فيه من ورع ، خائف لمقام ربه { ولمن خاف مقام ربه جنتان } أراد الربا فتركه وهرب عنه إلى الحلال ، هذا فاضل جدا وعمل جيد لا عدمناه ، فنراكم جعلتم المعروف منكرا ؟ وهل هذا إلا كمن أراد الزنى بامرأة فلم يفعل ، لكن تزوجها ، أو اشتراها إن كانت أمة فوطئها ، أما هذا فحسن مطيع لله تعالى==



1501 مسألة : والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة ، وفي بيع الفضة بالفضة ، وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز تبايعا بعد ذلك ، أو لم يتبايعا ؛ لأن التواعد ليس بيعا . وكذلك المساومة أيضا جائزة تبايعا أو لم يتبايعا لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك ، وكل ما حرم علينا فقد فصل باسمه ، قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن ، إذ ليس في الدين إلا فرض أو حرام أو حلال ، فالفرض مأمور به في القرآن والسنة ، والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة ، وما عدا هذين فليس فرضا ولا حراما فهو بالضرورة : حلال إذ ليس هنالك قسم رابع وبالله تعالى التوفيق .

1502 مسألة : ولا يحل بدل دراهم بأوزن منها لا بالمعروف ولا بغيره وهذا هو المنكر لا المعروف ، لأنه خلاف ما جاء عن النبي ﷺ وعن أبي بكر ، وعمر وابن عمر ، وقد ذكرنا هذا آنفا عن عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وهو قول الناس ، وأجاز ذلك مالك وما نعلم له موافقا قبله ممن رأى الربا في النقد .

1503 مسألة : ولا يحل بيع آنية ذهب ولا فضة إلا بعد كسرها لصحة نهي النبي ﷺ عنها وقد ذكرناه في " كتاب الطهارة " فلا يحل تملكها فإذ لا يحل تملكها فلا يحل بيعها ؛ لأنها أكل مال بالباطل . وبالله تعالى التوفيق .

1504 مسألة : وجائز أن يبتاع المرء نصف درهم بعينه ، أو نصف دراهم بأعيانها ، أو نصف دينار كذلك ، أو نصف دنانير بأعيانها مشاعا : يبتاع الفضة بالذهب ، والذهب بالفضة ، ويتفقان على إقرارها عند أحدهما أو عند أجنبي . ولا يجوز في ذلك ذهب بذهب أصلا ، ولا فضة بفضة أصلا ، لأنه يصير عينا بغير عين ، وهذا لا يحل إلا عينا بعين على ما قدمنا وأما الذهب بالفضة مشاعا ، فلم يأت بالنهي عنه نص { وما كان ربك نسيا }

1505 مسألة : ولا يحل بيع بدينار إلا درهما ؛ فإن وقع فهو باطل مفسوخ ؛ لأنه إخراج لقيمة الدرهم من الدينار ، فصار استثناء مجهولا ، إذ باع بدينار إلا قيمة درهم منه . فإن كانت قيمة الدرهم معلومة عندهما فهو باطل أيضا ، لأنهما شرطا إخراج الدرهم بعينه من الدينار ، وهذا محال ؛ لأنه ليس هو بعض للدينار فيخرج منه ، فهو باطل بكل حال وقولنا هو قول عطاء ، والنخعي ومحمد بن سيرين وأجازه أبو سلمة بن عبد الرحمن وبالله تعالى التوفيق

1506 مسألة : والربا في كل ما ذكرنا بين العبد وسيده كما هو بين الأجنبيين ، وبين المسلم والذمي ، وبين المسلم والحربي ، وبين الذميين كما هو بين المسلمين ، ولا فرق . روينا من طريق قاسم بن أصبغ أنا بكر بن حماد أنا مسدد أنا حفص بن غياث عن أبي العوام البصري عن عطاء كان ابن عباس يبيع من غلمانه النخل السنتين والثلاث ، فبعث إليه جابر بن عبد الله : أما علمت نهي رسول الله ﷺ عن هذا ؟ فقال ابن عباس : بلى ، ولكن ليس بين العبد وبين سيده ربا وهو قول الحسن وجابر بن زيد والنخعي والشعبي وسفيان الثوري وعثمان البتي ، والحسن بن حي ، والليث ، وأبي حنيفة ، والشافعي . وإنما قاله هؤلاء على أصلهم الذي قد تقدم إفسادنا له من أن العبد لا يملك ، وذكرنا أن ابن عمر يرى العبد يملك ، وهذا جابر قد أنكر ذلك على ابن عباس . وروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا إسحاق بن منصور أنا إبراهيم عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد ، قال : مر الحسين بن علي رضي الله عنهما براع فأهدى الراعي إليه شاة ؟ فقال له الحسين : حر أنت أم مملوك ؟ فقال : مملوك ، فردها الحسين عليه ؟ فقال له المملوك : إنها لي ، فقبلها منه ، ثم اشتراه واشترى الغنم ، فأعتقه ، وجعل الغنم له . فهذا الحسين تقبل هدية المملوك إذا أخبره أنها له وقد ذكرنا مثل ذلك عن رسول الله ﷺ فيما سلف من كتابنا هذا وهو الحجة البالغة لا من سواه وإذا حرم الله تعالى الربا وتوعد فيه فما خص عبدا من حر { وما كان ربك نسيا } والعجب : أن الشافعي ، وأبا حنيفة : لا يجيزان أن يبيع المرء مال نفسه من نفسه ، فإن كان مال العبد لسيده فقد نقضوا أصلهم ، وأجازوا له بيع مال نفسه من نفسه . وإن كان مال العبد ليس للسيد ما لم يبعه أو ينتزعه : فقد أجازوا الربا صراحا . وأما الكفار : فإن الله تعالى يقول : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } وقال تعالى : { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقال تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } فصح أن كل ما حرم علينا فهو حرام عليهم ، ونسأل من خالفنا : أيلزمهم دين الإسلام ويحرم عليهم ما هم عليه من خلافه ؟ وهل هم على باطل أم لا ؟ فإن قالوا : لا يلزمهم دين الإسلام ، ولا يحرم عليهم ما هم عليه من خلافه ، وأنهم ليسوا على باطل : كفروا بلا مرية . وإن قالوا : يلزمهم دين الإسلام وحرام عليهم ما هم عليه من خلافه ، وهم على باطل ؟ قالوا الحق ورجعوا إلى قولنا ، ولزمه إبطال الباطل ، وفسخ الحرام ، فيهتدي بهدي الله تعالى ، أو الإقرار على نفسه بأنه ينفذ الحكم بالباطل ، ويجيز الحرام ، وما أوردنا منه كل هذا . فإن قالوا : ما هم عليه من الكفر أشد ؟ قلنا : إن الذي هم عليه من الكفر لا يفسح لهم في إعلانه ، وقد جاء النص بأن لا نجبرهم على الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج . وكذلك جاء بأن نحكم بينهم بما أنزل الله ، فلا يحل ترك أحد النصين للآخر وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : لا بأس بالربا بين المسلم ، والحربي وهذا عظيم جدا .

1507 مسألة : وجائز بيع اللحم بالحيوان من نوع واحد كانا أو من نوعين وكذلك يجوز بيع اللحم باللحم من نوع واحد أو من نوعين متفاضلا ، ومتماثلا . وجائز تسليم اللحم في اللحم كذلك . وتسليم الحيوان في اللحم ، كلحم كبش بلحم كبش متفاضلا ومتماثلا ، يدا بيد ، وإلى أجل وكذلك باللحم من غير نوعه أيضا وكتسليم كبش في أرطال لحم كبش أو غيره إلى أجل كل ذلك جائز حلال . قال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } فهذا كله بيع لم يفصل تحريمه . وأما اللحم باللحم فلم يأت نهي عنه أصلا ، لا صحيح ولا سقيم من أثر . وأما اللحم بالحيوان فجاء فيه أثر لا يصح . وهذا كله قول أبي سليمان وأصحابنا . وروي عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري واختلف الحاضرون على فرق : فطائفة منعت من بيع اللحم بالحيوان جملة ، أي لحم كان لا تحاش شيئا ، بأي حيوان كان لا تحاش شيئا ، حتى منعوا من بيع العبد باللحم . وهذا قول الشافعي ، واختلف قوله في اللحم باللحم فروي عنه : أن يجمع لحوم الحيوان كلها طائرة ووحشية ، والأنعام ، كلها صنف واحد . وروي عنه : أن لحم كل نوع صنف على حياله ، ولم يختلف عنه في أنه لا يباع لحم بلحم أصلا حتى يتناهى جفافه ويبسه ؟ فعلى أحد قوليه : لا يباع قديد غنم بقديد إبل ، أو بقديد دجاج ، أو إوز أو مثلا بمثل ، وعلى القول الثاني : أنه لا يباع قديد غنم بقديد غنم ، إلا يدا بيد ، مثلا بمثل ، وجائز أن يباع بقديد البقر متفاضلا يدا بيد . وقال أبو حنيفة : جائز بيع اللحم بالحيوان على كل حال ، جائز كل ذلك ، كقولنا سواء بسواء . وقال محمد بن الحسن : جائز بيع لحم شاة بشاة حية ، إذا كان اللحم أكثر من لحم الشاة الحية ، فإن كان مثله أو أقل لم يجز ، وأجاز بيع شاة ببقرة حية كيف شاءوا . وأجاز أبو حنيفة ، وأصحابه بيع لحم شاة بلحم شاة متماثلا نقدا ولا بد ، وكذلك لحم كل صنف بلحم من صنفه وأباحوا التفاضل يدا بيد في كل لحم بلحم من غير صنفه ، والبقر عندهم صنف ، والغنم صنف آخر ، والإبل صنف ثالث وكذلك كل حيوان في صنفه ، إلا الحيتان فإنها كلها عنده صنف واحد ، وإلا لحوم الطير ، فرأوا بيع بعضها ببعض متفاضلا يدا بيد ، لا نسيئة ، كلحم دجاج بلحم دجاج ، أو بلحم صيد ، أو غير ذلك . ورأى شحم البطن من كل حيوان صنفا غير لحمه ، وغير شحم ظهره . ورأى الألية صنفا آخر غير اللحم والشحم . وهذه وساوس لا نظير لها ، وأقوال لا تعقل ، ولا تعلم عن أحد قبله . وقال مالك : ذوات الأربع كلها صنف واحد : البقر ، والغنم ، والإبل ، والأرانب ، والأيايل ، وحمر الوحش ، وكل ذي أربع ، فلا يحل لحم شيء منها بحي منها فلم يجز بيع لحم أرنب حي بلحم جمل أصلا ، ولا لحم جمل بلحم كبش ، إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، وكذلك سائر ذوات الأربع . ورأى الطير كله صنفا واحدا : الدجاج ، والحمام ، والنعام ، والإوز ، والحجل ، والقطا ، وغير ذلك فلم يجز أيضا لحم شيء منها بحي منها وإن كان من غير نوعه وأجاز في لحم بعضها ببعض : التماثل يدا بيد ، ومنع من التفاضل ، فلم يجز التفاضل في لحم دجاج بلحم حبارى وهكذا في كل شيء منها . ورأى الحيتان كلها صنفا واحدا كذلك أيضا . ورأى الجراد صنفا رابعا على حياله ، هذا وهو عنده صيد من الطير يجزيه المحرم . وحرم القديد النيء باللحم المشوي ، وحرمهما جميعا باللحم النيء الطري ، وأجاز كل شيء من هذه الثلاثة الأصناف باللحم المطبوخ من صنفها متفاضلة ومتماثلة يدا بيد ، وأجاز اللحم المطبوخ بعسل باللحم المطبوخ بلبن متماثلا ومنع فيه من التفاضل . وأجاز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة على التحري وهذا ضد أصله . وهذه أقوال في غاية الفساد ، ولا نعلم أحدا قالها قبله ولو تقصينا تطويلهم ههنا وتناقضه ، لطال جدا وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه . قال أبو محمد : واحتج الشافعيون بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الحيوان باللحم . } ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا عبد الله بن عمر النميري عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول { نهى رسول الله ﷺ أن يبتاع الحي بالميت } قال الزهري : فلا يصلح بشاة حية . ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس : أن رجلا أراد أن يبيع جزءا من لحم بعير بشاة ؟ فقال أبو بكر الصديق : لا يصلح هذا . وصح عن سعيد بن المسيب : أن لا يباع حي بمذبوح ، وأنه لا يجوز بعير بغنم معدودة إن كان يريد البعير لينحره . وقال : كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة . وقال أبو الزناد : أدركت الناس ينهون عن بيع اللحم بالحيوان ويكتبونه في عهود العمال في زمن أبان بن عثمان ، وهشام بن إسماعيل وذكره ابن أبي الزناد عن الفقهاء السبعة ، وأنهم كانوا يعظمون ذلك ولا يترخصون فيه . قال أبو محمد : أما الخبر في ذلك فمرسل لم يسند قط ، والعجب من قول الشافعي : إن المرسل لا يجوز الأخذ به ، ثم أخذ ههنا بالمرسل . ثم عجب آخر من الحنفيين القائلين : المرسل كالمسند ، ثم خالفوا هذا المرسل الذي ليس في المراسيل أقوى منه [ يعظمون هذا ] وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء . ثم المالكيون : فعجب ثالث ؛ لأنهم احتجوا بهذا الخبر ، وأوهموا أنهم أخذوا به ، وهم قد خالفوه ؛ لأنهم أباحوا لحم الطير بالغنم ، وهذا خلاف الخبر وإنما هو موافق لقول الشافعي . وقد خالف مالك أيضا ههنا ما روي عن الفقهاء السبعة ، وعمل الولاة بالمدينة ، وهذا يعظمه جدا إذا وافق رأيهم واحتجوا بخبر أبي بكر وهو من رواية ابن أبي يحيى إبراهيم ، وأول من أمر أن لا تؤخذ روايته فمالك ، ثم عن صالح مولى التوأمة ، وأول من ضعفه فمالك فيا لله ويا للمسلمين إذا روى الثقات خبرا يخالف رأيهم تحيلوا بالأباطيل في رده ، وإذا روى من يشهدون عليه بالكذب ما يوافقهم احتجوا به ، فأي دين يبقى مع هذا ؟ فإن قال الشافعيون : مراسيل سعيد بن المسيب حجة بخلاف غيره ؟ قلنا لهم : الساعة صارت حجة ؟ فدونكم ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا حفص بن ميسرة عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب ، قال { : نهى رسول الله ﷺ أن يباع الحيوان بالمفاطيم من الغنم فقولوا به ، وإلا فقد تلاعبتم ، واتقوا الله . } وقد رويت في هذه آثار أيضا بزيادة ، فروينا من طريق حماد بن سلمة حدثنا عبد الكريم بن يزيد بن طلق : أن رجلا نحر جزورا فجعل يبيع العضو بالشاة ، وبالقلوص ، إلى أجل فكره ذلك ابن عمر . ومن طريق وكيع أنا إسرائيل عن عبد الله بن عصمة سمعت ابن عباس وسئل عمن اشترى عضوا من جزور قد نحرت برجل عناق وشرط على صاحبها أن يرضعها حتى تفطم ؟ فقال ابن عباس : لا يصلح . قال أبو محمد : هذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل . وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن رجل عن ابن عباس قال : لا بأس أن يباع اللحم بالشاة . فإن قيل : هذا عن رجل ؟ قلنا : وخبر أبي بكر عن ابن أبي يحيى وليس بأوثق ممن سكت عنه كائنا من كان . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري : لا بأس بالشاة القائمة بالمذبوحة .==


1508 - مسألة : ومن ابتاع شيئا أي شيء كان مما يحل بيعه ، حاش القمح ، فلا يحل له أن يبيعه حتى يقبضه ، وقبضه له : هو أن يطلق يده عليه بأن لا يحال بينه وبينه ، فإن لم يحل بينه وبينه مدة ما قلت أم كثرت ثم حيل بينه وبينه بغصب أو غيره : حل له بيعه ؛ لأنه قد قبضه ، وله أن يهبه ، وأن يؤاجر به ، وأن يصدقه ، وأن يقرضه ، وأن يسلمه ، وأن يتصدق به قبل أن يقبضه ، وقبل أن تطلق يده عليه . فإن ملك شيئا ما أي شيء كان مما يحل بيعه بغير البيع ، لكن بميراث أو هبة ، أو قرض ، أو صداق ، أو صدقة ، أو سلم ، أو أرش ، أو غير ذلك : جاز له بيعه قبل أن يقبضه ، وأن يتصرف فيه بالإصداق ، والهبة ، والصدقة ، حاش القمح . وأما القمح : فإنه بأي وجه ملكه من : بيع ، أو هبة ، أو صدقة ، أو صداق ، أو إجارة ، أو أرش ، أو سلم أو قرض ، أو غير ذلك : فلا يحل له بيعه حتى يقبضه ، كما ذكرنا بأن لا يحال بينه وبينه . فإن كان اشترى القمح خاصة جزافا ، فلا يحل له بيعه حتى يقبضه كما ذكرنا ، وحتى ينقله ولا بد عن موضعه الذي هو فيه إلى مكان آخر قريب ملاصق أو بعيد . فإن كان اشترى القمح خاصة بكيل لم يحل له أن يبيعه حتى يكتاله ، فإذا اكتاله حل له بيعه وإن لم ينقله عن موضعه . ولا يحل له تصديق البائع في كيله وحتى لو اكتاله البائع لنفسه بحضرته وهو يراه ويشاهده ولا بد من أن يكتال المشتري لنفسه ، وجائز له في كل ما ذكرنا أن يهبه ، وأن يصدقه ، وأن يؤاجر به ، وأن يصالح ، وأن يتصدق به ، وأن يقرضه قبل ، أن يكتاله ، وقبل أن ينقله جزافا اشتراه أو بكيل وليست هذه الأحكام في غير القمح أصلا . برهان ذلك : ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ أنا أحمد بن زهير بن حرب نا أبي أنا حيان بن هلال أنا همام بن يحيى بن أبي كثير : أن يعلى بن حكيم حدثه : أن يوسف بن ماهك حدثه : أن { حكيم بن حزام حدثه : أنه قال يا رسول الله ، إني رجل أشتري هذه البيوع ، فما يحل لي منها مما يحرم علي ؟ قال : يا ابن أخي إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه } فهذا عموم لكل بيع ، ولكل ابتياع ، وتخصيص لهما مما ليسا بيعا ولا ابتياعا ، وجواب منه عليه السلام إذ سئل عما يحل مما يحرم . فإن قيل : فإن هذا الخبر مضطرب . لأنكم رويتموه من طريق خالد بن الحارث الهجيمي عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني رجل من إخواننا حدثني يوسف بن ماهك : أن عبد الله بن عصمة الجشمي حدثه : أن حكيم بن حزام حدثه نذكر هذا الخبر وعبد الله بن عصمة متروك ؟ قلنا : نعم ، إلا أن همام بن يحيى رواه كما أوردنا قبل عن يحيى بن أبي كثير فسمى ذلك الرجل من الذي لم يسمه هشام ، وذكر أنه يعلى بن حكيم ويعلى ثقة وذكر فيه : أن يوسف سمعه من حكيم بن حزام وهذا صحيح فإذا سمعه من حكيم فلا يضره أن يسمعه أيضا من غير حكيم عن حكيم ، فصار حديث خالد بن الحارث لغوا كان أو لم يكن بمنزلة واحدة . فإن قيل : فقد رويت من طريق مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال رسول الله ﷺ : { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه } ومن طريق سفيان بن عيينة أنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أما الذي نهى عنه رسول الله ﷺ أن يباع حتى يقبض فهو الطعام ، قال ابن عباس برأيه : ولا أحسب كل شيء إلا مثله ؟ قلنا : نعم ، هذان صحيحان : إلا أنهما بعض ما في حديث حكيم بن حزام فحديث حكيم بن حزام دخل فيه : الطعام وغير الطعام ، فهو أعم ، فلا يجوز تركه ؛ لأنه فيه حكما ليس في خبر ابن عباس ، وابن عمر . فإن قيل : قد صح عن النبي ﷺ ما رويتم من طريق أحمد بن شعيب أخبرني زياد بن أيوب أنا هشيم أنا أبو بشر هو ابن أبي وحشية عن يوسف بن ماهك { عن حكيم بن حزام قلت : يا رسول الله يسألني المرء البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاع له من السوق ؟ فقال عليه السلام : لا تبتع ما ليس عندك } قلنا : نعم ، وبه نقول هو بين كما تسمع ، إنما [ هو ] نهي عن بيع ما ليس في ملك كما في الخبر نصا ، وإلا فكل ما يملكه المرء فهو عنده ولو أنه بالهند يقول : عندي ضيعة سرية ، وعندي فرس فارة وسواء عندنا كان مغصوبا أو لم يكن ، وهو عند صاحبه ، أي في ملكه وله . فإن قيل : فإنكم رويتم من طريق أبي داود أنا زهير بن حرب أنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب السختياني حدثني عمرو بن شعيب حدثني أبي عن أبيه عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك } قلنا : نعم ، هذا صحيح ، وبه نأخذ ، ولا نعلم لعمرو بن شعيب حديثا مسندا إلا هذا وحده ، وآخر في الهبات رواه عن طاوس عن ابن عباس ، وابن عمر عن النبي ﷺ في المنع من الرجوع في الهبات إلا الوالد فيما أعطى ولده وليس في هذا الخبر إلا الذي في حديث حكيم بن حزام من النهي عن بيع ما ليس لك فقط وبالله تعالى التوفيق . وممن قال بقولنا في هذا : ابن عباس كما أوردناه . وكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا تبع بيعا حتى تقبضه . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني قال عبد الرحمن بن عوف والزبير لعمر : إنه تزيف علينا أوراق فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب ؟ قال : فلا تفعلوا ، ولكن انطلق إلى البقيع فبع ورقك بثوب أو عرض ، فإذا قبضت وكان لك فبعه وذكر الخبر . فهذا عمر يقول بذلك ، ويبين أن القبض هو الذي يكون الشيء للمرء وقولنا في هذا كقول الحسن ، وابن شبرمة وذهب قوم إلى أن هذا الحكم إنما هو في الطعام فقط يعني أن لا يباع قبل أن يقبض وذهب آخرون إلى أنه فيما يكال أو يوزن فقط : كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان بن عفان : لا بأس إذا اشترى الرجل البيع أن يبيعه قبل أن يقبضه ما خلا الكيل والوزن . ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه كان لا يرى بأسا أن يبتاع الرجل بيعا لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقبضه . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : لا بأس بأن يشتري شيئا لا يكال ولا يوزن بنقد ثم يبيعه قبل أن يقبضه وهو قول الحكم وإبراهيم ، وحماد بن أبي سليمان وذكره النخعي عمن لقي . وقال عطاء : جائز بيع كل شيء قبل أن يقبض . وقال أبو حنيفة : كل ما ملك بعقد ينتقض العقد بهلاكه ، فلا يجوز بيعه قبل قبضه : كالبيع ، والإجارة ، إلا العقار : فجائز بيعه قبل قبضه . قال : وكل ما ملك بعقد لا ينتقض العقد بهلاكه : فجائز بيعه قبل قبضه كالصداق ، والجعل ، والخلع ، ونحوه وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله . وقال مالك : كل ما يؤكل والماء : فلا يحل بيعه قبل أن يقبض وما عدا هذين فجائز بيعه قبل أن يقبض وقال مرة أخرى : كل ما يؤكل فقط ، وأما الماء : فبيعه جائز قبل قبضه وجعل في كلا قوليه : زريعة الفجل الأبيض ، وزريعة الجزر ، وزريعة السلق : لا يباع شيء منها قبل القبض ؟ فقلنا : هذا لا يأكله أحد أصلا ، وهذا الذي أنكرتم على الشافعي في إدخاله السقمونيا فيما يؤكل ؟ فقالوا : إنه يخرج منها ما يؤكل ؟ فقلنا : والشجر يخرج منها ما يؤكل فامنعوا من بيعها قبل القبض ، فانقطعوا وما نعلم قولهم هذا كله كما هو عن أحد قبلهم . وخالف الحنفيون ، والمالكيون ههنا كل قول روي عن الصحابة رضي الله عنهم وأما الشافعي : فلم يجز بيع ما ملك ببيع ، أو نكاح أو خلع ، قبل القبض أصلا وهذا قول فاسد بلا دليل . فإن قالوا : قسنا النكاح والخلع على البيع ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ، لأن النكاح يجوز بلا مهر يذكر أصلا ، ولا يجوز البيع بلا ثمن يذكر ، والنكاح لم يملك بصداق رقبة شيء أصلا ، والخلع كذلك ، بخلاف البيع فظهر فساد هذا القول وبالله تعالى التوفيق . أما حكم القمح : فالذي ذكرنا قبل هذا في الكلام المتصل بهذا من حديث ابن عباس عن النبي ﷺ أما الذي نهى عنه رسول الله ﷺ أن يباع حتى يقبض فهو الطعام ، فهذا تخصيص للطعام في البيع خاصة وعموم له بأي وجه ملك . فإن قيل : من أين خصصتم القمح بذلك دون سائر الطعام ؟ قلنا : لأن اسم الطعام في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ لا يطلق هذا إلا على القمح وحده ، وإنما يطلق على غيره بإضافة . وقد قال تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } فأراد عز وجل الذبائح لا ما يأكلون فإنهم يأكلون الميتة ، والدم ، والخنزير ، ولم يحل لنا شيء من ذلك قط . وقال الله عز وجل : { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني } فذكر تعالى الطعم في الماء بإضافة ، ولا يسمى الماء طعاما . وقال لقيط بن معمر الإيادي جاهلي فصيح في شعر له مشهور : لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه هم يكاد جواه يحطم الضلعا فأضاف الطعم إلى النوم والنوم ليس طعاما بلا شك . وقد ذكرنا قول عبد الله بن معمر وكان طعامنا يومئذ الشعير ، فذكر الطعام في الشعير في إضافة لا بإطلاق . وقد ذكرنا من طريق أبي سعيد الخدري قوله : كنا نخرج على عهد رسول الله ﷺ صدقة الفطر : صاعا من طعام ، صاعا من شعير ، صاعا من تمر ، صاعا من أقط فلم يطلق الطعام إلا على القمح وحده . لا على الشعير ولا غيره . وروينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن إبراهيم أنا محمد بن سيرين قال : عرض علي عبد الله بن عتبة بن مسعود زيتا له ؟ فقلت له : إن أصحاب الزيت قلما يستوفون حتى يبيعون ، فقال : إنما سمي الطعام أي إنما أمر بالبيع بعد الاستيفاء في الطعام فلم ير الزيت طعاما . وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عتبة بن مسعود : حجتان في اللغة قاطعتان ؛ لا سيما وعبد الله هذلي قبيلة مجاورة للحرم فلغتهم لغة قريش . وممن قال بقولنا : إن الطعام بإطلاق إنما هو القمح وحده : أبو ثور وأما القمح يشترى جزافا فلا يحل بيعه حتى يقبض وينقل عن موضعه : فلما رويناه من طريق البخاري أنا إسحاق هو ابن راهويه أنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري { عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال : رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله ﷺ أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم . } ورويناه من طريق مسلم أنا محمد بن عبد الله بن نمير أنا أبي أنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله ﷺ أن نبيعه حتى ننقله من مكانه } ومن طريق مسلم أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر { عن ابن عمر : أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله ﷺ إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه . } قال أبو محمد : ولا يمكن أن يكون غيره عليه السلام يضرب المسلمين بالمدينة على شريعة يؤمرون بها في الأسواق بغير علمه أصلا فصح أنه جرم كبير لا يرخص فيه . فإن قيل : إن في بعض ما رويتم " حتى يؤووه إلى رحالهم " ؟ قلنا : نعم ، وكل مكان رحله إليه فهو رحل له إذا كان مباحا له أن يرحله إليه . فإن قيل : فقد رويتم هذا الحديث عن مالك عن نافع عن ابن عمر فلم يذكر فيه الجزاف ؟ قلنا : عبيد الله بن عمر إن لم يكن فوق مالك ، وإلا فليس هو دونه أصلا وقد رواه عن نافع فذكر فيه الجزاف . ورواه الزهري عن سالم كما أوردنا فذكر فيه الجزاف وهو خبر واحد بلا شك . وجمهور الرواة عن مالك لهذا الحديث في الموطأ وغيره ذكروا فيه عنه الجزاف ، كما ذكره عبيد الله عن نافع ، والزهري عن سالم ، وإنما أسقط ذكر الجزاف : القعنبي ، ويحيى ، فقط فصح أنهما وهما فيه بلا شك ؛ لأنه يتعين خبر واحد وبالله تعالى التوفيق . وإنما كان يصح الأخذ برواية القعنبي ، ويحيى ، لو أمكن أن يكونا خبرين اثنين عن موطئين مختلفين وقولنا ههنا هو قول الشافعي وأبي سليمان ، ولم يقل به مالك ، ولا نعلم لمقلده ولا له حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق . وأما القمح يبتاعه المرء بكيل فلا يحل له بيعه حتى يكتاله لنفسه ، ثم يكتاله الذي يبيع منه ولا بد سواء حضرا كلاهما كيله قبل ذلك أو لم يحضرا ، فلما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار أنا محمد بن عبد الرحيم أنا مسلم هو ابن إبراهيم أنا مخلد بن الحسين الأزدي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان ، فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان . } ورويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا شريك عن ابن أبي ليلى عن محمد بن بيان عن ابن عمر أنه سئل عمن اشترى الطعام وقد شهد كيله ؟ قال : لا ، حتى يجري فيه الصاعان . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا محمد بن فضيل عن مطرف هو ابن طريف قلت للشعبي : أكون شاهد الطعام وهو يكال فأشتريه ، آخذه بكيله ؟ فقال : مع كل صفقة كيلة ومن طريق ابن أبي شيبة أنا مروان عن زياد مولى آل سعد قلت لسعيد بن المسيب : رجل ابتاع طعاما فاكتاله ، أيصلح لي أن اشتريه بكيل الرجل ؟ قال : لا ، حتى يكال بين يديك وصح عنه أنه قال فيه : هذا ربا . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا زيد بن الحباب عن سوادة بن حيان سمعت محمد بن سيرين سئل عن رجلين اشترى أحدهما طعاما والآخر معه ؟ فقال : قد شهدت البيع والقبض ؟ فقال : خذ مني ربحا وأعطنيه فقال : لا ، حتى يجري فيه الصاعان ، فتكون لك زيادته وعليك نقصانه . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن عمر أبي حفص قال : سمعت الحسن البصري وسئل عمن اشترى طعاما ما وهو ينظر إلى كيله ؟ قال : لا ، حتى يكيله . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : في السنة التي مضت : إن من ابتاع طعاما أو ودكا كيلا أن يكتاله قبل أن يبيعه ، فإذا باعه اكتيل منه أيضا إذا باعه كيلا وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان . وقال مالك : إذا بيع بالنقد فلا بأس بأن يصدق البائع في كيله ولا يكتاله ويكره ذلك في الدين وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله ، وخالف فيه صاحبا لا يعرف له مخالف منهم ، وخالف فيه جمهور العلماء ، وما نعلم لقوله حجة أصلا ، لا من نص قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه . فإن قيل : فقد رويتم من طريق أبي داود عن محمد بن عوف الطائي أنا أحمد بن خالد الوهبي أنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال : { ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل أعطاني به ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يدي ، فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ؟ فإن رسول الله ﷺ نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم } ؟ قلنا : هذا رواه أحمد بن خالد الوهبي وهو مجهول وبالله لو صح عندنا لسارعنا إلى الأخذ به نحمد الله على ما يسرنا له من ذلك كثيرا . وكل ما ذكرنا في هذه المسائل فمن فعل خلاف ذلك فسخ أبدا ، فإن كان قد بلغه الخبر ضرب كما أمر رسول الله ﷺ . ورواه ابن عمر قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد }

1509 - مسألة : والشركة ، والإقالة ، والتولية : كلها بيوع مبتدأة لا يجوز في شيء منها إلا ما يجوز في سائر البيوع لا تحاش ، شيئا وهو قول الشافعي ، وأصحابنا في الشركة ، والتولية . وقالوا : الإقالة فسخ بيع ، وليست بيعا ، وقال ربيعة ، ومالك : كل ما لا يجوز فيه البيع قبل القبض أو قبل الاكتيال فإنه لا بأس فيه بالشركة ، والتولية ، والإقالة قبل القبض ، وقبل الاكتيال وروي هذا عن الحسن في التولية فقط . واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق ، قال ابن جريج : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله ﷺ قال حديثا مستفاضا في المدينة { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه ، إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقبله } . وقال مالك : إن أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة ، والإقالة ، والتولية في الطعام وغيره يعني قبل القبض قال أبو محمد : وما نعلم روي هذا إلا عن ربيعة ، وعن طاوس فقط - وقوله عن الحسن في التولية قد جاء عنه خلافها . قال علي : أما خبر ربيعة فمرسل ولا حجة في مرسل ، ولو استند لسارعنا إلى الأخذ به ، ولو كانت استفاضته عن أصل صحيح لكان الزهري أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة ، فبينهما في هذا الباب بون بعيد ، والزهري مخالف له في ذلك . وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : التولية بيع في الطعام وغيره وبه إلى معمر عن أيوب السختياني قال : قال ابن سيرين : لا تولية حتى يقبض ويكال . ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا الربيع بن صبيح قال : سألت الحسن عن الرجل يشتري الطعام فيوليه الرجل ؟ قال : ليس له أن يوليه حتى يقبضه ؟ فقال له عبد الملك بن الشعشاع : يا أبا سعيد أبرأيك تقوله ؟ قال : لا أقوله برأيي ، ولكنا أخذناه عن سلفنا ، وأصحابنا قال علي : سلف الحسن هم الصحابة رضي الله عنهم ، أدرك منهم خمسمائة صاحب وأكثر ، وغزا مع مئين منهم وأصحابه هم أكابر التابعين ، فلو أقدم امرؤ على دعوى الإجماع ههنا لكان أصح من الإجماع الذي ذكره مالك بلا شك ومن طريق عبد الرزاق أنا سفيان الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وفطر بن خليفة ، قال زكريا عن الشعبي ، وقال فطر : عن الحكم ، ثم اتفق الشعبي ، والحكم : على أن التولية بيع ، قال سفيان : ونحن نقول : والشركة بيع ، ولا يشرك حتى يقبض فهؤلاء الصحابة ، والتابعون كما ترى . قال أبو محمد : الشركة ، والتولية ، إنما هو نقل ملك المرء عينا ما صح ملكه لها ، أو بعض عين ما صح ملكه لها إلى ملك غيره بثمن مسمى وهذا هو البيع نفسه ، ليست هذه الصفة ألبتة إلا للبيع ، ولا يكون بيع أصلا إلا بهذه الصفة فصح أنهما بيع صحيح ، وهم لا يخالفوننا في أنه لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في البيع ، إلا فيما ذكرنا ههنا فقط وهذا تخصيص بلا برهان . وأما الحنفيون : فإنهم يقولون بالمرسل ونقضوا ههنا أصلهم ، فتركوا مرسل ربيعة الذي ذكرناه وما نعلم المالكيين احتجوا بغير ما ذكرنا إلا أن بعضهم قال : الشركة ، والتولية ، والإقالة معروف ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ والبيع أيضا معروف ، وما عهدنا المعروف تباح فيه محرمات ، ولو كان ذلك لكان منكرا لا معروفا . وسنتكلم إن شاء الله تعالى في الإقالة إثر هذه المسألة في مسألة مفردة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

1510 - مسألة : وأما الإقالة فقد صح عن رسول الله ﷺ الحض عليها : روينا من طريق أبي داود أنا يحيى بن معين أنا حفص هو ابن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { من أقال نادما أقاله الله عثرته } وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : ليست بيعا ، إنما هي فسخ بيع . وقال أبو يوسف : هي بعد القبض بيع ، وقبل القبض فسخ بيع . وروي عن مالك : أنها بيع . وروي عنه ما يدل على أنها فسخ بيع : فأما تقسيم أبي يوسف فدعوى بلا برهان ، وتقسيم بلا دليل ، وما كان هكذا فهو باطل . وأما من قال : ليست بيعا ، فإنهم احتجوا : أن رسول الله ﷺ سماها باسم الإقالة ، واتبعه المسلمون على ذلك ، ولم يسمها عليه السلام بيعا ، والتسمية في الدين لا تؤخذ إلا عنه عليه السلام ، فلا يجوز أن تسمى بيعا ؛ لأنه عليه السلام لم يسمها هذا الاسم . وقالوا : قد صح الإجماع على جواز الإقالة في السلم ، والبيع قبل القبض لا يجوز ، فصح أنها ليست بيعا ، ما نعلم لهم حجة غير هاتين . قال أبو محمد : احتجاجهم بالتسمية من النبي ﷺ فقولهم حق ، إلا أننا لا نسلم لهم أنه عليه السلام سمى إقالة : فعل من باع من آخر بيعا ثم استقاله فيه ، فرد إليه ما ابتاع منه وأخذ ثمنه منه ، وأنه عليه السلام لم يسم ذلك بيعا ، ولا يجدون هذا أبدا ، لا في رواية صحيحة ، ولا سقيمة وهذا الخبر المرسل من طريق ربيعة لو شئنا أن نستدل منه بأن الإقالة بيع لفعلنا ؛ لأنه فيه النهي عن البيع قبل القبض إلا من أشرك ، أو ولى ، أو أقال فهذا ظاهر أنها بيوع مستثناة من جملة البيوع . وأما الخبر الصحيح الذي ذكرنا فإنما فيه الحض على الإقالة فقط ، والإقالة تكون في غير البيع ، لكن في الهبة ، ونحو ذلك . ولا فيه أيضا أن الإقالة لا تسمى بيعا ، ولا لها حكم البيع فبطل ما صدروا به من هذا الاحتجاج الصحيح أصله الموضوع في غير موضعه . وأما دعواهم الإجماع على جواز الإقالة في السلم قبل القبض فباطل ، وإقدام على الدعوى على الأمة ، وما وقع الإجماع قط على جواز السلم ، فكيف على الإقالة فيه . وقد روينا عن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وشريح ، والشعبي ، والنخعي وابن المسيب ، وعبد الله بن معقل وطاوس ، ومحمد بن علي بن الحسن ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وسالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، وعمرو بن الحارث أخي أم المؤمنين جويرية : أنهم منعوا من أخذ بعض السلم ، والإقالة في بعضه ، فأين الإجماع ؟ فليت شعري هل تقروا جميع الصحابة أولهم عن آخرهم حتى أيقنوا بأنهم أجمعوا على ذلك ؟ أم تقروا جميع علماء التابعين من أقصى خراسان إلى الأندلس فما بين ذلك كذلك . ثم لو صح لهم هذا وهو لا يصح أبدا فما يختلف مسلمان في أن من الجن قوما صحبوا رسول الله ﷺ وآمنوا به ، ومن أنكر هذا فهو كافر ، لتكذيبه القرآن ، فلأولئك الجن من الحق ووجوب التعظيم منا ، ومن منزلة العلم ، والدين ، ما لسائر الصحابة رضي الله عنهم ، هذا ما لا شك فيه عند مسلم ، فمن له بإجماعهم على ذلك ؟ ورحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول : من يدعي الإجماع فقد كذب ، ما يدريه لعل الناس اختلفوا ؟ لكن ليقل : لا أعلم خلافا ، هذه أخبار المريسي ، والأصم . قال أبو محمد : لا تحل دعوى الإجماع إلا في موضعين : أحدهما : ما تيقن أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عرفوه بنقل صحيح عنهم وأقروا به والثاني : ما يكون من خالفه كافرا خارجا عن الإسلام ، كشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وصيام رمضان ، وحج البيت ، والإيمان بالقرآن ، والصلوات الخمس ، وجملة الزكاة ، والطهارة للصلاة ، ومن الجنابة ، وتحريم الميتة ، والخنزير ؛ والدم ، وما كان من هذا الصنف فقط . ثم لو صح لهم ما ادعوه من الإجماع على جواز الإقالة في السلم لكان بيعا مستثنى بالإجماع من جملة البيوع ، فكيف وقد صح عن ابن عباس ما يدل على المنع من الإقالة في السلم . روينا من طريق سعيد بن منصور أنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال : إذا أسلفت في شيء إلى أجل فسمي فجاء ذلك الأجل ولم تجد الذي أسلفت فيه : فخذ عرضا بأنقص ولا تربح مرتين ولم يفت بالإقالة . قال علي : ولا تجوز الإقالة في السلم ؛ لأنه بيع ما ليس عندك ، وبيع غرر ، وبيع ما لم يقبض ، وبيع مجهول لا يدري أيما في العالم هو ؟ وهذا هو أكل المال بالباطل ، إذ لم يأت بجوازه نص فيستثنيه من جملة هذه المحرمات ، فإنما الحكم فيمن لم يجد ما أسلف فيه أن يصبر حتى يوجد ، أو يأخذ منه قصاصا ومعاقبة ما اتفقا عليه وتراضيا به : قيمة ما وجب له عنده ، لقول الله تعالى : { والحرمات قصاص } وحريمة المال حرمة محرمة يجب أن يقتص منها ، فإن أراد الإحسان إليه فله أن يبرئه من كل ما له عنده ، أو يأخذ بعض ما له عنده ، أو يبرئه مما شاء منه ويتصدق به عليه ، كما { أمر رسول الله في المفلس إذ قال : تصدقوا عليه } ثم قال عليه السلام : { خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } وقد ذكرناه بإسناده " في التفليس " وفي " الجوائح " من كتابنا هذا . قال أبو محمد : فإذا بطل كل ما احتجوا به فلنقل على تصحيح قولنا بعون الله تعالى ، فنقول ، وبه تعالى نتأيد : إن الإقالة لو كانت فسخ بيع لما جازت إلا برد عين الثمن نفسه لا بغيره ولا بد له كما قال ابن سيرين ، كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا الربيع بن حبيب : كنا نختلف إلى السواد في الطعام وهو أكداس قد حصد فنشتريه منهم الكر بكذا وكذا ، وننقد أموالنا ، فإذا أذن لهم العمال في الدراس ، فمنهم من يفي لنا بما سمي لنا ، ومنهم من يزعم أنه نقص طعامه فيطلب إلينا أن نرتجع بقدر ما نقص رءوس أموالنا ، فسألت الحسن عن ذلك ؟ فكرهه إلا أن يستوفى ما سمي لنا ، أو نرتجع أموالنا كلها ، وسألت ابن سيرين ؟ فقال : إن كانت دراهمك بأعيانها فلا بأس ، وسألت عطاء ؟ فقال : ما أراك إلا قد رفقت وأحسنت إليه . قال أبو محمد : هذه صفة الفسخ ، ثم نرجع فنقول : إن البيع عقد صحيح بالقرآن ، والسنن ، والإجماع المتيقن المقطوع به من كل مسلم على أديم الأرض كان أو هو كائن فإذ هو كذلك باليقين لا بالدعاوى الكاذبة ، فلا يحل فسخ عقد صححه الله تعالى في كتابه ، وعلى لسان رسوله ﷺ إلا بنص آخر ، ولا نص في جواز فسخه مطارفة بتراضيهما ، إلا فيما جاء نص بفسخه ، كالشفعة ، وما فيه الخيار بالنص ، فإذ ذلك كذالك ، ولم يكن بين من أجاز الفسخ نص أصلا فقد صح : أن الإقالة بيع من البيوع بتراضيهما ، يجوز فيها ما يجوز في البيوع ، ويحرم فيها ما يحرم في البيوع . ومن رأى أن الإقالة فسخ بيع لزمه أن لا يجيزها بأكثر مما وقع به البيع ، لأن الزيادة إذ لم تكن بيعا فهو أكل مال بالباطل . وأما من رآها بيعا فإنه يجيزها بأكثر مما وقع به البيع أولا ، وبأقل ، وبغير ما وقع به البيع ، وحالا ، وفي الذمة ، وإلى أجل فيما يجوز فيه الأجل ، وبهذا نأخذ وبالله تعالى التوفيق .

1511 - مسألة : ولا يحل بيع دين يكون لإنسان على غيره ، لا بنقد ، ولا بدين ، لا بعين ، ولا بعرض ، كان ببينة أو مقرا به أو لم يكن : كل ذلك باطل . ووجه العمل في ذلك لمن أراد الحلال : أن يبتاع في ذمته ممن شاء ما شاء ، مما يجوز بيعه ، ثم إذا تم البيع بالتفرق أو التخير ، ثم يحيله بالثمن على الذي له عنده الدين ، فهذا حسن . برهان ذلك : أنه بيع مجهول ، وما لا يدري عينه ، وهذا هو أكل مال بالباطل وهو قول الشافعي . وروينا من طريق وكيع نا زكريا بن أبي زائدة قال : سئل الشعبي عمن اشترى صكا فيه ثلاثة دنانير بثوب ؟ قال : لا يصلح ، قال وكيع : وحدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال : هو غرر . وقال مالك : إن كان مقرا بما عليه جاز بيعه بعرض نقدا ، فإن لم يكن مقرا لم يجز بيعه كانت عليه بينة أو لم تكن لأنه شراء خصومة . قال علي : وهذا لا شيء ؛ لأنه وإن أقر اليوم فيمكن أن ينكر غدا ، فيرجع الأمر إلى البينة بإقراره ، فيحصل على شراء خصومة ولا فرق . واحتج المجيزون له بما روينا من طريق عبد الرزاق نا الأسلمي أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عمر بن عبد العزيز { أن رسول الله ﷺ قضى بالشفعة في الدين وهو الرجل يكون له الدين على رجل فيبيعه فيكون صاحب الدين أحق به . } قال عبد الرزاق : وحدثنا معمر عن رجل من قريش أن عمر بن عبد العزيز قضى في مكاتب اشترى ما عليه بعرض فجعل المكاتب أولى بنفسه ، ثم قال : إن رسول الله ﷺ قال : { من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين أولى إذا أدى مثل الذي أدى صاحبه } ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عمن له دين فابتاع به غلاما ؟ قال : لا بأس به . قال أبو محمد : حديثا عمر بن عبد العزيز مرسلان : أحدهما : عن الأسلمي وهو إبراهيم بن أبي يحيى وهو متروك متهم . والآخر أيضا : عمن لم يسم ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . وهذا مما ترك فيه الشافعيون صاحبا لا يعرف له مخالف منهم . ولا حجة للمالكيين في هذين الخبرين ، ولا في خبر جابر ؛ لأنه ليس في شيء منها : أنه كان بإقرار دون بينة فهم مخالفون لعموم الخبر وبالله تعالى التوفيق . ==



1512 - مسألة : ولا يحل بيع الماء بوجه من الوجوه لا في ساقية ولا من نهر أو من عين ولا من بئر ، ولا في بئر ، ولا في صهريج ، ولا مجموعا في قربة ، ولا في إناء ، لكن من باع حصته من عنصر الماء ، ومن جزء مسمى منها ، أو باع البئر كلها أو جزءا مسمى منها ، أو باع الساقية كلها أو الجزء المسمى منها : جاز ذلك ، وكان الماء بيعا له . ولا يملك أحد الماء الجاري إلا ما دام في ساقيته ونهره ، فإذا فارقهما بطل ملكه عنه ، وصار لمن صار في أرضه وهكذا أبدا . فمن اضطر إلى ماء لسقيه ، أو لحاجته ، فالواجب أن يعامل على سوقه إليه ، أو على صبه عنده في إنائه على سبيل الإجارة فقط وكذلك من كان معاشه من الماء فالواجب عليه أن يعامل أيضا على صبه أو جلبه كذلك فقط . ومن ملك بئرا بحفر فهو أحق بمائها ما دام محتاجا إليه ، فإن فضل عنه ما لا يحتاج إليه لم يحل له منعه عمن يحتاج إليه ، وكذلك فضل النهر ، والساقية ولا فرق . برهان ذلك : ما روينا من طريق مسلم نا أحمد بن عثمان النوفلي نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد نا ابن جريج : أخبرني زياد بن سعد : أخبرني هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول " قال رسول الله ﷺ : { لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ } وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أخبره أبو المنهال أن إياس بن عبد المزني قال لرجل : لا تبع الماء فإن رسول الله ﷺ { نهى عن بيع الماء } ومن طريق ابن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال : سمع { إياس بن عبد المزني ورأى أناسا يبيعون الماء فقال : لا تبيعوا الماء ، فإني سمعت رسول الله ﷺ ينهى أن يباع الماء . } ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : { نهى رسول الله ﷺ أن يمنع نقع البئر } يعني الماء هكذا في الحديث تفسيره . ورويناه أيضا مسندا من طريق جابر . فهؤلاء أربعة من الصحابة رضي الله عنهم ، فهو نقل تواتر ، ولا تحل مخالفته . وأما من قال بذلك فقد ذكرناه آنفا عن إياس بن عبد من فتياه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي هو أبو عميس عن عمران بن عمير قال : منعني جاري فضل مائه فسألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ؟ فقال : سمعت أبا هريرة يقول : لا يحل بيع فضل الماء . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا زهير عن أبي الزبير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن غلاما لهم باع فضل ماء لهم من عين بعشرين ألفا ، فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص : لا تبعه فإنه لا يحل بيعه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال : يكره بيع فضل الماء : فهذا إياس بن عبد ، وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو : يحرمون بيع الماء جملة ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم واثنان من التابعين : القاسم ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وروينا إباحة بيع الماء في الآنية ، وبيعه في الشرب : عن عطاء وأبي حنيفة ، والشافعي ، وإباحة بيعه كذلك ، وفي الشرب عن مالك ، وعن مسروق إباحة ثمن الماء جملة ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ . وبرهان زائد على تحريم بيع ماء الشرب : وهو أن الله تعالى يقول : { أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } وقد صح النهي عن بيع المجهول ؛ لأنه غرر ، فلا يحل بيع الشرب ، لأنه لا يدري أفي السماء هو أم لا ؟ فهو أكل مال بالباطل وأيضا : فإنه إنما يأتي إلى العين ، والنهر ، والبئر : من خروق ، ومنافس في الأرض بعيدة هي في غير ملك صاحب المفجر ، فإنما يبيع ما لم يملك بعد ، وهذا باطل محرم وبالله تعالى التوفيق .

1513 - مسألة : ولا يحل بيع الخمر ، لا لمؤمن ، ولا لكافر ، ولا بيع الخنازير كذلك ، ولا شعورها ، ولا شيء منها ، ولا بيع صليب ، ولا صنم ، ولا ميتة ، ولا دم إلا المسك وحده ، فهو حلال بيعه وملكه ، فمن باع من المحرم الذي ذكرنا شيئا فسخ أبدا . وروينا من طريق مسلم نا أبو كريب نا أبو معاوية [ عن الأعمش ] عن مسلم هو أبو الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين { خرج رسول الله ﷺ إلى المسجد فحرم التجارة في الخمر . } وبه إلى مسلم : أنا قتيبة بن سعيد أنا ليث هو ابن سعد عن يزيد بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله ، " أنه سمع رسول الله ﷺ عام الفتح وهو بمكة يقول : { إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة ، والخنزير ، والأصنام ، فقيل : يا رسول الله أرأيت شحم الميتة فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال : لا ، هو حرام ، قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه . } قال أبو محمد : موه قوم بهذا الخبر في تصحيح القياس ، وليس فيه للقياس أثر ، لكن فيه : أن الأوامر على العموم ؛ لأنه عليه السلام أخبر : أن الله تعالى حرم الشحوم على اليهود فاستحلوا بيعها ، فأنكر ذلك عليهم أشد الإنكار ، إذ خصوا التحريم ولم يحملوه على عمومه . فصح بهذا أنه متى حرم شيء فحرام ملكه ، وبيعه ، والتصرف فيه ، وأكله على عموم تحريمه ، إلا أن يأتي نص بتخصيص شيء من ذلك فيوقف عنده . وقد حرم الله تعالى : الخنزير ، والخمر ، والميتة ، والدم ، فحرم ملك كل ذلك ، وشربه ، والانتفاع به ، وبيعه . وقد أوجب الله تعالى دين الإسلام على كل إنس وجن . وقال تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } وقال تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فوجب الحكم على اليهود ، والنصارى ، والمجوس : بحكم الإسلام ، أحبوا أم كرهوا . ومن أجاز لهم بيع الخمر ظاهرا وشراءها كذلك ، وتملكها علانية ، وتملك الخنازير كذلك ، لأنهم من دينهم بزعمه ، وصدقهم في ذلك : لزمه أن يتركهم أن يقيموا شرائعهم في بيع من زنى من النصارى الأحرار ، وخصاء القسيس إذا زنى ، وقتل من يرون قتله وهم لا يفعلون ذلك فظهر تناقضهم . وقال أبو حنيفة : إذا أمر المسلم نصرانيا بأن يشتري له خمرا : جاز ذلك وهذه من شنعه التي نعوذ بالله من مثلها . وأما المسك : فقد صح { عن رسول الله ﷺ التطيب بالمسك وتفضيله على الطيب } وأيضا : فقد سقط عنه اسم الدم وصفاته وحده ، فليس دما ، والأحكام إنما هي على الأسماء ، والأسماء إنما هي على الصفات ، والحدود . روينا من طريق أبي عبيد أنا مروان بن معاوية أنا عمر المكتب أنا حزام عن ربيعة بن زكا أو زكار قال : نظر علي بن أبي طالب إلى زرارة فقال : ما هذه القرية ؟ قالوا : قرية تدعى زرارة يلحم فيها ، ويباع فيها الخمر ؟ قال : أين الطريق إليها ؟ قالوا : باب الجسر ، قالوا : يا أمير المؤمنين نأخذ لك سفينة ؟ قال : لا ، تلك شجرة ، ولا حاجة لنا في الشجرة ، انطلقوا بنا إلى باب الجسر ، فقام يمشي حتى أتاها ، فقال علي بالنيران أضرموها فيها ، فاحترقت . ومن طريق أبي عبيد نا هشام ومروان بن معاوية الفزاري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني ، قال : بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا من أهل السواد أثرى في تجارة الخمر ، فكتب : أن اكسروا كل شيء قدرتم له عليه ، وسيروا كل ماشية له ، ولا يؤوين أحد له شيئا . فهذا حكم علي ، وعمر ، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم فيمن باع الخمر من المشركين ولا مخالف له يعرف من الصحابة فخالفوهما .

1514 - مسألة : ولا يحل بيع كلب أصلا ، لا كلب صيد ولا كلب ماشية ، ولا غيرهما ، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه ، وهو حلال للمشتري حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه ، كالرشوة في دفع الظلم ، وفداء الأسير ، ومصانعة الظالم ولا فرق . ولا يحل اتخاذ كلب أصلا ، إلا لماشية ، أو لصيد ، أو لزرع ، أو لحائط واسم الحائط يقع على البستان وجدار الدار فقط . ولا يحل أيضا : قتل الكلاب ، فمن قتلها ضمنها بمثلها ، أو بما يتراضيان عليه عوضا منه ، إلا الأسود البهيم ، أو الأسود ذا النقطتين أينما كانت النقطتان منه فإن عظمتا حتى لا تسميا في اللغة العربية نقطتين ، لكن تسمى لمعتين : لم يجز قتله ، فلا يحل ملكه أصلا لشيء مما ذكرنا ، وقتله واجب حيث وجد . برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه نا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني إبراهيم بن قارظ عن السائب بن يزيد حدثني رافع بن خديج عن رسول الله ﷺ قال : { ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث } فهذان صاحبان في نسق . ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري { أن رسول الله ﷺ نهى عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن } وصح أيضا من طريق أبي هريرة وجابر وأبي جحيفة فهذا نقل تواتر لا يسع تركه ولا يحل خلافه . وروينا من طريق أحمد بن شعيب نا الحسن بن أحمد بن شبيب نا محمد بن عبد الرحمن بن نمير نا أسباط نا الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال : قال أبو هريرة : { أربع من السحت ، ضراب الفحل ، وثمن الكلب ، ومهر البغي ، وكسب الحجام . } ورويناه عن جابر أيضا . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسرائيل عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس رفعه { ثمن الكلب ومهر البغي وثمن الخمر حرام } وأقل ما فيه أن يكون قول ابن عباس . ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس عن أشعث عن ابن سيرين قال : أخبث الكسب كسب الزمارة ، وثمن الكلب . الزمارة : الزانية ، سمعت أبا عبيدة يقول ذلك . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يونس بن محمد نا شريك عن أبي فروة سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : ما أبالي ثمن كلب أكلت ، أو ثمن خنزير . ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس عن شعبة سمعت الحكم ، وحماد بن أبي سليمان يكرهان ثمن الكلب ولا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي سليمان ، وأبي ثور ، وغيرهم . وخالف الحنفيون السنن في ذلك ، وأباحوا بيع الكلاب ، وأكل أثمانها . واحتجوا في ذلك بما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، قال : أخبرني إبراهيم بن الحسن بن أحمد المصيصي نا حجاج بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله ﷺ نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد } وبما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا محمد بن إسماعيل نا ابن أبي مريم نا يحيى بن أيوب حدثني المثنى بن الصباح عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال { ثمن الكلب سحت إلا كلب صيد } وما رويناه من طريق ابن وهب عمن أخبره عن ابن شهاب عن أبي بكر عن النبي ﷺ قال : { ثلاث هن سحت : حلوان الكاهن ، ومهر الزانية ، وثمن الكلب العقور . } ومن طريق ابن وهب عن الشمر بن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب { أن النبي ﷺ نهى عن ثمن الكلب العقور . } قال أبو محمد : أما حديثا ابن وهب هذان فأسقط من أن يشتغل بهما إلا جاهل بالحديث ، أو مكابر يعلم الحق فيوليه ظهره ، لأن حسين بن عبد الله في غاية السقوط والاطراح باتفاق أهل النقل ، والآخر منقطع في موضعين . ثم لو صحا لما كان لهم فيهما حجة ، لأنه ليس فيهما إلا النهي عن ثمن الكلب العقور فقط وهذا حق ، وليس فيه إباحة ثمن ما سواه من الكلاب وجاءت الآثار المتواترة التي قدمنا بزيادة على هذين لا يحل تركها . وأما حديث أبي هريرة : ففي غاية السقوط لأن فيه يحيى بن أيوب ، والمثنى بن الصباح ، وهما ضعيفان جدا قد شهد مالك على يحيى بن أيوب بالكذب ، وجرحه أحمد وأما المثنى : فجرحه بضعف الحديث أحمد ، وتركه يحيى ، وعبد الرحمن ثم لو صح لكان حجة عليهم ؛ لأنه ليس فيه إلا استثناء كلب الصيد فقط ، وهم يبيحون ما حرم فيه من ثمن كلب الزرع ، وكلب الماشية ، وسائر الكلاب فهم مخالفون لما فيه . وأما حديث جابر : فإنه من رواية أبي الزبير عنه ، ولم يسمعه منه بإقرار أبي الزبير على نفسه ، حدثني يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن عمر ومحمد بن يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد العقيلي نا زكريا بن يحيى الحلواني نا محمد بن سعيد بن أبي مريم نا أبي نا الليث بن سعد ، قال : إن أبا الزبير دفع إلي كتابين ، فقلت في نفسي : لو سألته أسمع هذا كله من جابر ؟ فرجعت إليه فقلت : هذا كله سمعته من جابر ؟ فقال : منه ما سمعته ، ومنه ما حدثت عنه ، فقلت له : أعلم لي على ما سمعت ؟ فأعلم لي على هذا الذي عندي . قال أبو محمد : فكل حديث لم يقل فيه أبو الزبير : أنه سمعه من جابر ، أو حدثه به جابر أو لم يروه الليث عنه عن جابر فلم يسمعه من جابر بإقراره . وهذا الحديث لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر ، ولا هو مما عند الليث فصح أنه لم يسمعه من جابر ، فحصل منقطعا . ثم لو صح لكانوا مخالفين له ، لأنه ليس فيه إباحة ثمن شيء من الكلاب غير كلب الصيد ، والنهي عن ثمن سائرها وهم يبيحون أثمان سائر الكلاب المتخذة لغير الصيد : فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار . وأما النظر فإنهم قالوا : كان النهي عن ثمنها حين الأمر بقتلها ، فلما حرم قتلها وأبيح اتخاذ بعضها انتسخ النهي عن ثمن ما أبيح اتخاذه منها . قال أبو محمد : هذا كذب بحت على الله تعالى ، وعلى رسوله عليه السلام ، لأنه إخبار بالباطل ، وبما لم يأت به قط نص ، ودعوى بلا برهان ، وليس نسخ شيء بموجب نسخ شيء آخر ، وليس إباحة اتخاذ شيء بمبيح لبيعه ، فهؤلاء هم القوم المبيحون اتخاذ دود القز ، ونحل العسل ، ولا يحلون ثمنهما إضلالا وخلافا للحق ، واتخاذ أمهات الأولاد حل ، ولا يحل بيعهن : فظهر فساد هذا الاحتجاج . وقالوا : حرم ثمن الكلب ، وكسب الحجام ، فلما نسخ تحريم كسب الحجام نسخ تحريم ثمن الكلب ؟ قال أبو محمد : وهذا كذب كالذي قبله ، وكلام فاسد ، ودعوى بلا برهان . ويلزمهم أيضا : أن ينسخ أيضا تحريم مهر الزانية ؛ لأنه ذكر معهما ، ثم من لهم بنسخ تحريم كسب الحجام إذا وقع على الوجه المنهي عنه . فوضح فساد قولهم جملة ، وهذا مما خالفوا فيه الآثار المتواترة ، وصاحبين لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة . فإن ذكروا قضاء عثمان وعبد الله بن عمرو بقيمة الكلب العقور ؟ قلنا : ليس هذا خلافا ؛ لأنه ليس بيعا ، ولا ثمنا ، إنما هو قصاص مال عن فساد مال فقط ، ولا ثمن لميت أصلا . وروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر ، وأبي المهزم عن أبي هريرة : أنهما كرها ثمن الكلب إلا كلب صيد ، وكرها ثمن الهر وأبو المهزم ضعيف جدا ، وقد خالفوهما في ثمن الهر كما ترى . وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن عطاء ، ويحيى بن سعيد ، وربيعة ، وعن إبراهيم إباحة ثمن كلب الصيد ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ . وأما من احتاج إليه ، فقد قال الله تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } فما لا يحل بيعه ، وتحل هبته ، فإمساك من عنده منه فضل عن حاجته ذلك : الفضل عمن هو مضطر إليه ظلم له . وقد قال رسول الله ﷺ { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه } والظلم واجب أن يمنع منه وبالله تعالى التوفيق وأما اتخاذها : فإننا روينا من طريق مسلم حدثني إسحاق بن منصور أنا روح بن عبادة نا ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { أمرنا رسول الله ﷺ بقتل الكلاب ثم نهى رسول الله عن قتلها ، وقال : عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمران بن موسى نا يزيد بن زريع أنا يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله ﷺ : { لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم ، وأيما قوم اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث ، أو صيد ، أو ماشية ، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط } . ومن طريق مسلم حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال : { من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ، ولا ماشية ، ولا أرض ، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم } وتدخل الدار في جملة الأرض ؛ لأنها أرض . فهذه الأحاديث فيها نص ما قلنا . وقد روينا عن إبراهيم النخعي أمرنا بقتل الكلب الأسود ، وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب الصيد " من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق .

1515 - مسألة : ولا يحل بيع الهر فمن اضطر إليه لأذى الفأر فواجب وعلى من عنده منها فضل عن حاجته أن يعطيه منها ما يدفع به الله تعالى عنه الضرر : كما قلنا فيمن اضطر إلى الكلب ولا فرق . برهان ذلك : ما روينا من طريق مسلم حدثني سلمة بن شبيب قال : نا الحسن بن أعين نا معقل عن { أبي الزبير قال : سألت جابر بن عبد الله عن ثمن الكلب والسنور ؟ فقال : زجر عن ذلك رسول الله ﷺ . } قال أبو محمد : الزجر أشد النهي . وروينا من طريق قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا محمد بن آدم نا عبد الله بن المبارك نا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه كره ثمن الكلب والسنور . فهذه فتيا جابر لما روي ولا نعرف له مخالفا من الصحابة . ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن ليث عن طاوس ، ومجاهد أنهما كرها أن يستمتع بمسوك السنانير ، وأثمانها . ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص هو ابن غياث عن ليث عن طاوس ، ومجاهد أنهما كرها بيع الهر ، وثمنه ، وأكله وهو قول أبي سليمان ؛ وجميع أصحابنا . وزعم بعض من لا علم له ، ولا ورع يزجره عن الكذب : أن ابن عباس ، وأبا هريرة : رويا { عن النبي ﷺ إباحة ثمن الهر } قال أبو محمد : وهذا لا نعلمه أصلا من طريق واهية تعرف عند أهل النقل ، وأما صحيحة فنقطع بكذب من ادعى ذلك جملة . وأما الوضع في الحديث فباق ما دام إبليس وأتباعه في الأرض . ثم لو صح لهم لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه كان يكون موافقا لمعهود الأصل بلا شك ، ولا مرية في أن حين زجره عليه السلام عن ثمنه بطلت الإباحة السالفة ، ونسخت بيقين لا مجال للشك فيه ، فمن ادعى أن المنسوخ قد عاد فقد كذب وافترى وأفك وقفا ما لا علم له به ، وحاش لله أن يعود ما نسخ ، ثم لا يأتي بيان بذلك تقوم به حجة الله تعالى فيما نسخ وفيما بقي على المأمورين بذلك من عباده . هيهات دين الله عز وجل أعز من ذلك وأحرز . وقال المبيحون له : لما صح الإجماع على وجوب دخول الهر ، والكلب المباح اتخاذه في الميراث ، والوصية ، والملك : جاز بيعهما . قال أبو محمد : وهذا مما جاهروا فيه بالباطل ، وبخلاف أصولهم : أول ذلك : أنه دعوى بلا برهان ثم إنهم يجيزون دخول النحل ، ودود الحرير في الميراث ، والوصية ، وكذلك الكلب عندهم ، ولا يجيزون بيع شيء من ذلك . ويجيزون الوصية بما لم يخلق بعد من ثمر النخل وغيرها ، ويدخلونه في الميراث . ولا يجيزون بيع شيء من ذلك ، فظهر تخاذلهم وبالله تعالى التوفيق .

1516 - مسألة : ولا يحل البيع على أن تربحني للدينار درهما ، ولا على أني أربح معك فيه كذا وكذا درهما ، فإن وقع فهو مفسوخ أبدا . فلو تعاقدا البيع دون هذا الشرط ، لكن أخبره البائع بأنه اشترى السلعة بكذا وكذا ، وأنه لا يربح معه فيها إلا كذا وكذا فقد وقع البيع صحيحا ، فإن وجده قد كذب فيما قال لم يضر ذلك البيع شيئا ، ولا رجوع له بشيء أصلا ، إلا من عيب فيه ، أو غبن ظاهر كسائر البيوع ، والكاذب آثم في كذبه فقط . برهان ذلك : أن البيع على أن تربحني كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل والعقد به باطل وأيضا : فإنه بيع بثمن مجهول ، لأنهما إنما تعاقدا البيع على أنه يربح معه للدينار درهما ، فإن كان شراؤه دينارا غير ربع كان الشراء بذلك ، والربح درهما غير ربع درهم فهذا بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله ﷺ والبيع بثمن لا يدري مقداره . فإذا سلم البيع من هذا الشرط فقد وقع صحيحا كما أمر الله تعالى ، وكذبة البائع معصية لله تعالى ليست معقودا عليها البيع ، لكن كزناه لو زنى ، أو شربه لو شرب الخمر ولا فرق . روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كره بيع " ده دوازده " معناه أربحك للعشرة اثني عشر وهو بيع المرابحة وروينا عن ابن عباس أنه قال : هو ربا . ومن طريق وكيع ، وعبد الرزاق ، قالا جميعا : أنا سفيان الثوري عن عمار الدهني عن ابن أبي نعم عن ابن عمر أنه قال : بيع " ده دوازده " ربا . وقال عكرمة : هو حرام وكرهه الحسن وكرهه مسروق وقال : بل أشتريه بكذا أو أبيعه بكذا . وروينا عن ابن مسعود أنه أجازه إذا لم يأخذ للنفقة ربحا . وأجازه ابن المسيب ، وشريح ، وقال ابن سيرين : لا بأس " ده دوازده " وتحسب النفقة على الثياب . ولمن أجازه تطويل كثير فيمن ابتاع نسيئة ، وباع نقدا ، وفيمن اشترى في نفاق ، وباع في كساد ، وما يحسب كراء الشد والطي ، والصباغ ، والقصارة ، وما أطعم الحرفا ، وأجرة السمسار ، وإذا ادعى غلطا ، وإذا انكشف أنه كذب وكله رأي فاسد . لكن نقول : من امتحن بالتجارة في بلد لا ابتياع فيه إلا هكذا فليقل : قام علي بكذا ، وبحسب نفقته عليه أو يقول : ابتعته بكذا ، ولا يحسب في ذلك نفقة ، ثم يقول : لكني لا أبيعه على شرائي ، تريد أخذه مني بيعا بكذا وكذا ، وإلا فدع فهذا بيع صحيح لا داخلة فيه . وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا جرير هو ابن عبد الحميد عن أبي سنان عن عبد الله بن الحارث قال { مر رجل بقوم فيهم رسول الله ﷺ ومعه ثوب ، فقال له بعضهم بكم ابتعته ؟ فأجابه ، ثم قال : كذبت وفيهم رسول الله ﷺ فرجع فقال : يا رسول الله ابتعته بكذا وكذا بدون ما كان فقال له رسول الله ﷺ : تصدق بالفضل } وهم يقولون : المرسل كالمسند ، وهذا مرسل قد خالفوه ؛ لأنه لم يرد بيعه ، ولا حط عنه شيئا من الربح . ==


كتاب البيوع

1517 - مسألة: ولا يجوز البيع على الرقم، ولا أن يغر أحدا بما يرقم على سلعته، لكن يسوم ويبين الزيادة التي يطلب على قيمة ما يبيع، ويقول: إن طابت نفسك بهذا، وإلا فدع.


1518 - مسألة: ولا يحل بيعتان في بيعة، مثل: أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهما. أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم ومثل: أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة. ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا. فهذا كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب.

برهان ذلك: ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعة.

وروينا عن الشعبي، ومحمد بن علي: أنهما كرها ذلك وما نعلم للمالكيين حجة إلا أنهم قالوا: البيعة الأولى لغو فهذا الأحتجاج أفسد من القول الذي احتجوا له به، وأفقر إلى حجة؛ لأنه دعوى مجردة، على أنهم أتوا بعظائم طردا منهم لهذا الأصل الفاسد: فأجازوا بيع هذه السلعة بخنزير، أو بقسط خمر، على أن يأخذوا بالخنزير، أو الخمر: دينارين وهذه عظيمة تملا الفم، ويكفي ذكرها عن تكلف الرد عليهم، وما الديانة كلها إلا بأسمائها وأعمالها، لا بأحد الأمرين دون الآخر. ونحن نجد المستقرض يقول: أقرضني دينارين على أن أرد لك دينارين إلى شهر لكان قولا حسنا، وعملا صحيحا، فلو قال له يعني دينارين بدينارين إلى شهر لكان قولا خبيثا، وعملا فاسدا، حراما، والعمل واحد والصفة واحدة وما فرق بينهما إلا اللفظ. ولو قال امرؤ لأخر: أبحني وطء ابنتك بدينار ما شئت فقال له: نعم لكان قولا حراما: وزنا مجردا، فلو قال له: زوجنيها بدينار، لكان قولا صحيحا، وعملا صحيحا، والصفة واحدة، والعمل واحد، وإنما فرق بينهما الأسم. وقولهم هذا جمع وجوها من البلاء، وأنواعا من الحرام: منها: تعدي حدود الله تعالى، وشرط ليس في كتاب الله تعالى، وبيعتين في بيعة، وبيع ما لا يحل وابتياعه معا، وبيع غائب بناجز فيما يقع فيه الربا وبيع الغرر ونعوذ بالله من مثل هذا.

فإن قيل: تقولون فيما رويتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا وقد أخذ بهذا شريح: كما حدثنا حمام، حدثنا عياش بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا حماد عن قتادة، وأيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وهشام بن حسان، كلهم عن محمد بن سيرين، قال: شرطين في بيع أبيعك إلى شهر بعشرة، فإن حبسته شهرا فتأخذ عشرة، قال شريح: أقل الثمنين، وأبعد الأجلين أو الربا قال عبد الله: فسألت أبي فقال: هذا بيع فاسد.

قال أبو محمد: يريد فإن حبسته شهرا آخر فتأخذ عشرة أخرى.

قال أبو محمد: فنقول: هذا خبر صحيح إلا أنه موافق لمعهود الأصل، وقد كان الربا، وبيعتان في بيعة، والشروط في البيع: كل ذلك مطلقا غير حرام إلى أن حرم كل ذلك، فإذ حرم كل ما ذكرنا فقد نسخت الإباحة بلا شك، فهذا خبر منسوخ بلا شك بالنهي عن بيعتين في بيعة بلا شك، فوجب إبطالهما معا؛ لأنهما عمل منهي عنه وبالله تعالى التوفيق.

1519 - مسألة: وكل صفقة جمعت حراما وحلالا فهي باطل كلها، لا يصح منها شيء مثل: أن يكون بعض المبيع مغصوبا، أو لا يحل ملكه، أو عقدا فاسدا وسواء كان أقل الصفقة، أو أكثرها، أو أدناها، أو أعلاها، أو أوسطها

وقال مالك: إن كان ذلك وجه الصفقة بطلت كلها، وإن كان شيئا يسيرا بطل الحرام، وصح الحلال.

قال علي: وهذا قول فاسد لا دليل على صحته، لا من قرآن، ولا من سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس. ومن العجائب احتجاجهم لذلك بأن قالوا: إن وجه الصفقة هو المراد والمقصود .

فقلنا لهم: فكان ماذا ومن أين وجب بذلك ما ذكرتم وما هو إلا قولكم احتججتم له بقولكم، فسقط هذا القول. وقال آخرون: يصح الحلال قل أو كثر ويبطل الحرام قل أو كثر.

قال أبو محمد: فوجدنا هذا القول يبطله قول الله عز وجل: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فهذان لم يتراضيا ببعض الصفقة دون بعض، وإنما تراضيا بجميعها، فمن ألزمهما بعضها دون بعض فقد ألزمهما ما لم يتراضيا به حين العقد، فخالف أمر الله تعالى، وحكم بأكل المال بالباطل وهو حرام بالقرآن، فإن تراضيا الآن بذلك لم نمنعهما، ولكن بعقد مجرد برضاهما معا؛ لأن العقد الأول لم يقع هكذا.

وأيضا: فإن الصحيح من تلك الصفقة لم يتعاقدا صحته إلا بصحة الباطل الذي لا صحة له، وكل ما لا صحة له إلا بصحة ما لا يصح أبدا فلا صحة له أبدا

وهو قول أصحابنا وبالله تعالى التوفيق.




1520 - مسألة: ولا يحل بيع الحر. برهان ذلك: ما روينا من طريق البخاري، حدثنا بشر بن مرحوم، حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره

قال علي: وفي هذا خلاف قديم وحديث، نورد إن شاء الله تعالى منه ما يسر لأيراده، ليعلم مدعي الإجماع فيما هو أخفى من هذا أنه كاذب: روينا من طريق محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام الدستوائي، قال عبد الرحمن: حدثنا همام بن يحيى، وقال معاذ: نا أبي ثم اتفق هشام، وهمام، كلاهما: عن قتادة عن عبد الله بن بريدة: أن رجلا باع نفسه، فقضى عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر نفسه، وجعل ثمنه في سبيل الله عز وجل هذا لفظ همام وأما لفظ هشام فإنه أقر لرجل حتى باعه، واتفقا فيما عدا ذلك، والمعنى واحد في كلا اللفظين، ولا بد. ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا شريك عن جابر عن عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب قال: إذا أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا فقال إبراهيم: هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه. وعن زرارة بن أوفى قاضي البصرة من التابعين: أنه باع حرا في دين. وقد روينا هذا القول عن الشافعي وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار.

قال علي: هذا قضاء عمر وعلي، بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم،، ولا يعترضهم في ذلك منهم معترض، فإن شنعوا هذا قلنا: يا هؤلاء لا عليكم، والله لقد قلتم بأشنع من هذا وأشد، وفي هذه المسألة نفسها. أليس الحنفيون يقولون: إن ارتد الحسني، أو الحسيني، أو العباسي، أو المنافي، أو القرشي، فلحق بأرض الحرب فإن ولد ولده يسترقون، وإن أسلموا كانوا عبيدا، وأن القرشية إن ارتدت ولحقت بدار الحرب سبيت وأرقت، فإن أسلمت كانت مملوكة تباح ويستحل فرجها بملك اليمين، وإن لم تسلم تركت على كفرها، وجاز أن يسترقها اليهودي والنصراني أو ليس ابن القاسم صاحب مالك يقول: إن تذمم أهل الحرب وفي أيديهم أسرى مسلمون، ومسلمات أحرار، وحرائر، فإنهم يقرون عبيدا لهم. وأما يتملكونهم ويتبايعونهم، فأف لهذين القولين وتف، فأيهما أشنع مما لم يقلدوا فيه عمر، وعليا رضي الله عنهما.

قال أبو محمد: كل من صار حرا بعتق، أو بأن كان ابن حر من أمة له، أو بأن حملت به حرة، أو بأن أعتقت أمة وهي حامل به، ولم يستثنه المعتق، فإن الحرية قد حصلت له، فلا تبطل عليه، ولا عمن تناسل منه من ذكر أو أنثى على هذه السبيل من الولادة التي ذكرنا أبدا، لا بأن يرتد، ولا بأن ترتد، ولا بأن يسبى، ولا بأن يرتد أبوه أو جده وإن بعد، أو جدته وإن بعدت، ولا بلحاق بأرض الحرب من أحد أجداده، أو جداته أو منه أو منها: ولا بإقراره بالرق، ولا بدين، ولا ببيعه نفسه، ولا بوجه من الوجوه أبدا لأنه لم يوجب ذلك قرآن، ولا سنة، وقد جاء أثر بأن الحر كان يباع في الدين في صدر الإسلام إلى أن أنزل الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وبالله تعالى التوفيق.


1521 - مسألة: ولا يحل بيع أمة حملت من سيدها، لما حدثنا يوسف بن عبد الله، حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا مصعب بن سعيد، حدثنا عبد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية إبراهيم قال رسول الله ﷺ: أعتقها ولدها وهذا خبر صحيح السند والحجة به قائمة.

فإن قيل: الثابت، عن ابن عباس القول بجواز بيع أمهات الأولاد، وهذا الخبر من روايته، فما كان ليترك ما روي إلا لضعفه عنده، ولما هو أقوى عنده. قلنا: لسنا نعارض معشر الظاهريين بهذا الغثاء من القول، ولا يعترض بهذا علينا إلا ضعاف العقل؛ لأن الحجة عندنا في الرواية، لا في الرأي، يعارض بهذا من يتعلق به إذا عورض بالسنن الثابتة. وهو مخالف لها من الحنفيين، والمالكيين، الذين لا يبالون بالتناقض في ذلك، مرة هكذا ومرة هكذا، والذين لا يبالون بأن يدعوا ههنا الإجماع ثم لا يبالون بأن يجعلوا: ابن مسعود، وزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، مخالفين للإجماع فهذه صفة علمهم بالسنن، وهذا مقدار علمهم بالإجماع وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال أبو محمد: إذا وقع مني السيد في فرج أمته فأمرها مترقب، فإن بقي حتى يصير خلقا يتبين أنه ولد فهي حرام بيعها من حين سقوط المني في فرجها ويفسخ بيعها إن بيعت، وإن خرج عنها قبل أن يصير خلقا يتبين أنه ولد، فلم يحرم بيعها قط.

وبرهان صحة هذا القول: أنه لو لم يستحق المنع من البيع في الحال التي ذكرنا لكان بيعها حلالا، لو كان بيعها حلالا لحل فرجها لمشتريها قبل أن يصير المني ولدا وهذا خلاف النص المذكور. وهكذا القول في الميت إثر كون منيه في فرج امرأته أنه مترقب أيضا، فإن ولد حيا علمنا أنه قد وجب ميراثه بموت أبيه، وإن ولد ميتا علمنا أنه لم يجب له قط ميراث، إذ لو كان غير هذا لما حدث له حق في ميراث قد استحقه غيره وبالله تعالى التوفيق.


1522 - مسألة: ولا يحل بيع الهواء أصلا، كمن باع ما على سقفه وجدرانه للبناء على ذلك، فهذا باطل مردود أبدا؛ لأن الهواء لا يستقر فيضبط بملك أبدا، وإنما هو متموج يمضي منه شيء ويأتي آخر أبدا، فكان يكون بيعه أكل مال بالباطل؛ لأنه باع ما لا يملك، ولا يقدر على إمساكه، فهو بيع غرر، وبيع ما لا يملك، وبيع مجهول. فإن قيل: إنما بيع المكان لا الهواء. قلنا: ليس هناك مكان أصلا غير الهواء، فلو كان ما قلتم لكان لم يبع شيئا أصلا؛ لأنه عدم، فهو أكل مال بالباطل حقا.

فإن قيل: إنما باع سطح سقفه وجدرانه. قلنا: هذا باطل وهو أيضا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل؛ لأنه شرط له أن يهدم شيئا من سقفه، ولا من رءوس جدرانه، وهذا شرط لم يأت النص بإباحته فهو باطل حرام مفسوخ أبدا وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وقد ذكرناه في " كتاب القسمة " وأنه لا يحل ألبتة أن يملك أحد شيئا ويملك غيره العلو الذي عليه ومن باع سقفه فقط فحلال، ويؤخذ المشتري بإزالة ما اشترى عن مكان ملكه لغيره وبالله تعالى التوفيق.


1523 - مسألة: ولا يجوز بيع من لا يعقل لسكر، أو جنون، ولا يلزمهما؛ لقول الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}. فشهد عز وجل بأن السكران لا يدري ما يقول، والبيع قول، أو ما يقوم مقام القول: ممن لا يقدر على القول ممن به آفة من الخرس، أو بفمه آفة، فمن لا يدري ما يقول فلم يبع شيئا، ولا ابتاع شيئا وأجازه قوم، ولا نعلم لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا: هو عصى الله تعالى وعز وجل وأدخل ذلك على نفسه .

فقلنا نعم، وحقه على ذلك الحد في الدنيا، والنار في الآخرة إلا أن يغفر الله تعالى له، وليس ذلك بموجب إلزامه حكما زائدا لم يلزمه الله تعالى إياه، وهم لا يختلفون في سكران عربد فوقع فانكسرت ساقه، فإن له من الرخصة في الصلاة قاعدا كالذي أصابه ذلك في سبيل الله تعالى، ولا فرق.

وكذلك التيمم إذا جرح جراحات تمنعه من الوضوء والغسل وهذا تناقض سمج وبالله تعالى التوفيق. ويقولون فيمن تناول البلاذر عمدا فذهب عقله: أن حكمه حكم المجنون الذي لم يدخل ذلك على نفسه في البيع، والطلاق وغير ذلك، فأي فرق بين الأمرين، وأما المجنون فلا يختلفون معنا في ذلك. فإن قالوا: ومن يدري أنه سكران. قلنا: ومن يدري أنه مجنون ولعله قد تحامق، وإنما القول فيمن علم كلا الأمرين منه بالمشاهدة وقد صح عن النبي ﷺ: رفع القلم عن ثلاث فذكر المبتلى حتى يفيق والصبي حتى يبلغ.

1524- مسألة: ولا يحل بيع من لم يبلغ، إلا فيما لا بد له منه ضرورة، كطعام لأكله، وثوب يطرد به عن نفسه البرد والحر، وما جرى هذا المجرى إذا أغفله أهل محلته وضيعوه.

برهان ذلك: قول رسول الله ﷺ الذي ذكرنا، فإذا ضيعه أهل محلته فاشترى ما ذكرنا بحقه، فقد وافق الواجب، وعلى أهل محلته إمضاؤه، فلا يحل لأحد رد الحق وتكون مبايعته حينئذ إن كان جائز الأمر هو الذي عقد ذلك العقد عليه، فهو عقد صحيح، فإن كان أيضا غير جائز الأمر فهو كما ذكرنا عمل وافق الحق الواجب فلا يجوز رده وبالله تعالى التوفيق.

وأما بيع من لم يبلغ لغيره بأمر ذلك الآخر، وابتياعه له بأمره فهو نافذ جائز؛ لأن يده وعقده إنما هما يد الآمر وعقده فهو جائز، وبالله تعالى التوفيق.


1525 - مسألة: ولا يجوز بيع نصف هذه الدار، ولا هذا الثوب أو هذه الأرض، أو هذه الخشبة من هذه الجهة،

وكذلك ثلثها أو ربعها أو نحو ذلك، فلو علم منتهى كل ذلك جاز؛ لأنه ما لم يعلم بيع مجهول، وبيع المجهول لا يجوز؛ لأن التراضي لا يقع على مجهول وبالله تعالى التوفيق.




1526 - مسألة: لا يجوز بيع دار أو بيت أو أرض لا طريق إليها لأنه إضاعة للمال، ولا يجوز أن يلزم طريقا لم يبعه، فلو كان ذلك متصلا بمال المشتري جاز ذلك البيع؛ لأنه يصل إلى ما اشترى فلا تضييع، فلو استحق مال المشتري بطل هذا الشراء؛ لأنه وقع فاسدا إذا كان لا طريق له إليه ألبتة.




1527 - مسألة: ولا يحل بيع جملة مجهولة القدر على أن كل صاع منها بدرهم، أو كل رطل منها بدرهم، أو كل ذراع منها بدرهم، أو كل أصل منها، أو كل واحد منها بكذا وكذا وهكذا في جميع المقادير والأعداد، فإن علما جميعا مقدار ما فيها من العدد، أو الكيل، أو الوزن أو الذرع، وعلما قدر الثمن الواجب في ذلك: جاز ذلك، فإن بيعت الجملة كما هي، ولا مزيد، فهو جائز.

وكذلك لو بيعت جملة على أن فيها كذا وكذا من الكيل، أو من الوزن، أو من الذرع، أو من العدد، فهو جائز فإن وجدت كذلك صح البيع، وإلا فهو مردود.

برهان ذلك: أن بيعها على أن كل كيل مذكور منها بكذا، أو كل وزن بكذا، أو كل ذرع بكذا، أو كل واحد بكذا، بيع بثمن مجهول لا يدري البائع ما يجب له، ولا المشتري ما يجب عليه حال العقد. وقد قال الله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} والتراضي لا يمكن إلا في معلوم فهو أكل مال بالباطل، وبيع غرر. وقد صح النهي عن بيع الغرر، فإذا خرج كل ذلك إلى حد العلم منهما معا، وكان ذلك بعد العقد، فمن الباطل أن يبطل العقد حين عقده، ويصح بعد ذلك حين لم يتعاقداه، ولا التزماه، فإذا علما جميعا قدر ذلك عند العقد فهو تراض صحيح لا غرر فيه. فإن بيعت الجملة هكذا فهو بيع شيء مرئي محاط بثمن معروف، فهو تراض صحيح لا غرر فيه، فإن بيعت الجملة بثمن معلوم على أن فيها كذا وكذا، فهذا بيع بصفة، وهو صحيح إن وجد كما عقد عليه، وإلا فإنما وجد غير ما عقد عليه، فلم يعقد قط على الذي وجد، فهو أكل مال بالباطل.

روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: إذا قلت: أبتاع منك ما في هذا البيت ما بلغ، كل جزء كذا بكذا، فهو بيع مكروه.

وقال أبو حنيفة: إذا باع هذه الصبرة قفيزا بدرهم لم يلزمه منها إلا قفيز واحد بدرهم فقط وقال محمد بن الحسن: يلزمه كلها كل قفيز بدرهم وهذان رأيان فاسدان؛ لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.

1528 - مسألة: ولا يحل بيع الولاء، ولا هبته: لما روينا من طريق شعبة، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وسفيان بن عيينة، كلهم: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيع الولاء وهبته. وقد اختلفت الأمة في هذا، وسنذكره إن شاء الله تعالى " في العتق " من ديواننا هذا، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ .

1529 - مسألة: ولا يحل بيع من أكره على البيع، وهو مردود لقول رسول الله ﷺ: إن الله عفا لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه؛ ولقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فصح أن كل بيع لم يكن عن تراض فهو باطل، إلا بيعا أوجبه النص، كالبيع على من وجب عليه حق وهو غائب، أو ممتنع من الإنصاف؛ لأنه مأمور بإنصاف ذي الحق قبله، ونحن مأمورون بذلك. وبمنعه من المطل الذي هو الظلم، وإذ لا سبيل إلى منعه من الظلم إلا ببيع بعض ماله، فنحن مأمورون ببيعه. ولو أن القاضي قضى للغريم بما يمكن انتصاف ذي الحق منه من عين مال الممتنع، أو الغائب، ثم باعها المقضي له بأمر الحاكم لتوصيله إلى مقدار حقه، فإن فضل فضل رد إلى المقضي عليه لكان أولى، وأصح وأبعد من كل اعتراض

وقد وافقنا الحنفيون، والمالكيون، والشافعيون، على إبطال بيع المكره على البيع وبالله تعالى التوفيق.




1530 - مسألة: وأما المضطر إلى البيع، كمن جاع وخشي الموت فباع فيما يحيي به نفسه وأهله، وكمن لزمه فداء نفسه أو حميمه من دار الحرب أو كمن أكرهه ظالم على غرم ماله بالضغط ولم يكرهه على البيع، لكن ألزمه المال فقط، فباع في أداء ما أكره عليه بغير حق فقد اختلف الناس في هذا: فروينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا صالح بن رستم، حدثنا شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي، أو قال: قال علي: " سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال: ولا تنسوا الفضل بينكم وينهد الأشرار، ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله ﷺ عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمر قبل أن يطعم.

وبه إلى هشيم عن كوثر بن حكيم عن مكحول، قال: بلغني عن حذيفة أنه حدث عن رسول الله ﷺ، أنه قال: إن بعد زمانكم هذا زمانا عضوضا يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} وينهد شرار خلق الله تعالى يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطرين حرام، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخونه، وإن كان عندك خير فعد به على أخيك، ولا تزده هلاكا إلى هلاكه.

قال أبو محمد: لو استند هذان الخبران لقلنا بهما مسارعين، لكنهما مرسلان، ولا يجوز القول في الدين بالمرسل. ولقد كان يلزم من رد السنن الثابتة برواية شيخ من بني كنانة، ويقول: المرسل كالمسند من الحنفيين، والمالكيين أن يقول بهذين الخبرين شيخ من بني تميم، وشيخ من بني كنانة، وهذه الرواية أمكن وأوضح، ثم هي عن علي، وعن رسول الله ﷺ ثم عن حذيفة، ولكنهم قوم مضطربون.

قال أبو محمد: فإذا لم يصح هذان الخبران فلنطلب هذا الحكم من غيرهما: فوجدنا كل من يبتاع قوت نفسه وأهله للأكل واللباس فإنه مضطر إلى ابتياعه بلا شك، فلو بطل ابتياع هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يصيب القوت من ضيعته وهذا باطل بلا خلاف، وبضرورة النقل من الكواف وقد ابتاع النبي ﷺ أصوعا من شعير لقوت أهله، ومات عليه السلام ودرعه مرهونة في ثمنها

فصح أن بيع المضطر إلى قوته وقوت أهله، وبيعه ما يبتاع به القوت بيع صحيح لازم، فهو أيضا بيع تراض لم يجبره أحد عليه، فهو صحيح بنص القرآن. ثم نظرنا فيمن باع في إنقاذ نفسه، أو حميمه، من يد كافر أو ظلم ظالم: فوجدنا الكافر والظالم لم يكرها فادي الأسير، ولا الأسير، ولا المضغوط على بيع ما باعوا في استنقاذ أنفسهم، أو من يسعون لأستنقاذه وإنما أكرهوهم على إعطاء المال فقط، ولو أنهم أتوهما بمال من قرض، أو من غير البيع ما ألزموهما البيع فصح أنه بيع تراض. والواجب على من طلب بباطل أن يدفع عن نفسه، وأن يغير المنكر الذي نزل به لا أن يعطي ماله بالباطل: فصح أن بيعه صحيح لازم له، وأن الذي أكره عليه من دفع المال في ذلك هو الباطل الذي لا يلزمه، فهو باق في ملكه، كما كان يقضي له به متى قدر على ذلك، ويأخذه من الظالم، ومن الحربي الكافر، متى أمكنه، أو متى وجده في مغنم قبل القسمة، وبعد القسمة، من يد من وجده في يده، من مسلم، أو ذمي، أو من يد ذلك الكافر، لو تذمم، أو أسلم أبدا هذا إذا وجد ذلك المال بعينه؛ لأنه ماله كما كان، ولا يطلب الكافر بغيره بدلا منه؛ لأن الحربي إذا أسلم أو تذمم غير مؤاخذ بما سلف من ظلم أو قتل.

وأما المسلم الظالم فيتبعه به أبدا، أو بمثله، أو قيمته، سواء كان خارجيا أو محاربا، أو باغيا، أو سلطانا، أو متغلبا؛ لأنه أخذ منه بغير حق، والله تعالى يقول: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.

1531 - مسألة: ولا يحل بيع الحيوان إلا لمنفعة، إما لأكل، وأما لركوب، وأما لصيد، وأما لدواء. فإن كان لا منفعة فيه لشيء من ذلك لم يحل بيعه، ولا ملكه؛ لأنه إضاعة مال من المبتاع، وأكل مال بالباطل من البائع. فإن كان فيه منفعة لشيء مما ذكرنا، أو لغيره جاز بيعه؛ لأنه بيع عن تراض، وأحل الله البيع وليس إضاعة مال، ولا أكل مال بالباطل وبالله تعالى التوفيق.




1532 - مسألة: ولا يصح البيع بغير ثمن مسمى، كمن باع بما يبلغ في السوق، أو بما اشترى فلان، أو بالقيمة، فهذا كله باطل؛ لأنه بيع غرر، وأكل مال بالباطل؛ لأنه لم يصح فيه التراضي، ولا يكون التراضي إلا بمعلوم المقدار، وقد يرضى؛ لأنه يظن أنه يبلغ ثمنا ما فإن بلغ أكثر لم يرض المشتري، وإن بلغ أقل لم يرض البائع.

ومن عجائب الدنيا قول أبي حنيفة: من باع بالربح، أو بالكعبة، أو بلا ثمن، فإنه لا يملكه بالقبض، فإن باع بالميتة، أو بالدم فكذلك أيضا. ولا يجوز عتقه له وإن قبضه بإذن بائعه فإن باعه بثمن لم يسمياه، أو باعه بخمر، أو خنزير فقبضه بإذن بائعه فأعتقه: جاز عتقه له.

قال علي: ما في الجنون أكثر من هذا الكلام ونعوذ بالله من الضلال. فإن قال: إن في الناس من يتملك الخمر، والخنزير وهم الكفار من النصارى.قلنا: إنهم يتملكون أيضا الميتة، والدم كذلك، والمجوس أيضا كذلك، ولا فرق وبالله تعالى التوفيق.


1533 - مسألة: ولا يحل بيع النرد؛ لما روينا من طريق مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري " أن رسول الله ﷺ قال: من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله فهي محرمة فملكها حرام، وبيعها حرام. وقد روينا عن مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا أخذ أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها.

ومن طريق مالك عن علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين: أنها بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها أن عندهم نردا فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لاخرجنكم من داري، وأنكرت عليهم.


1534 - مسألة: ولا يحل أن يبيع اثنان سلعتين متميزتين لهما ليسا فيهما شريكين من إنسان واحد بثمن واحد؛ لأن هذا بيع بالقيمة، ولا يدري كل واحد منهما ما يقع لسلعته حين العقد، فهو بيع غرر، وأكل مال بالباطل.

وأما بيع الشريكين، أو الشركاء من واحد، أو من أكثر، أو ابتياع اثنين فصاعدا، من واحد، أو من شريكين: فحلال؛ لأن حصة كل واحد منها معلومة الثمن، محدودته وبالله تعالى التوفيق.


1535 - مسألة: ومن كان في بلد تجري فيه سكك كثيرة شتى، فلا يحل البيع إلا ببيان من أي سكة يكون الثمن، وإن لم يبينا ذلك: فهو بيع مفسوخ، مردود؛ لأنه وقع عن غير تراض بالثمن، وهو أيضا بيع غرر وبالله تعالى التوفيق.




1536 - مسألة: ولا يحل بيع كتابة المكاتب، ولا خدمة المدبر، وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأبي حنيفة. وأجاز مالك كلا الأمرين: أما المدبر فمن نفسه فقط، وأما المكاتب فمن نفسه ومن غيره، وأجاز بيعهما جملة: الزهري، وابن المسيب.

وروينا مثل قول مالك عن عطاء، وابن سيرين؛ لأن كتابة المكاتب إنما تجب بالنجوم، ولا تجب قبل ذلك، فمن باعها فقد باع ما لا يملك بعد، ولا يدري أيجب له أم لا.وأيضا: فليست عينا معينة، فلا يدري البائع أي شيء باع من نوع ما باع، ولا يدري المشتري ما اشترى، فهو بيع غرر، ومجهول العين، وأكل مال بالباطل. فإن قيل: فقد روي عن جابر أنه أجاز بيعها

قلنا: وكم قصة رويت عن جابر خالفتموها: منها: قوله الذي قد أوردنا أن لا يباع شيء اشتري كائنا ما كان إلا حتى يقبض وقوله: العمرة فريضة، وقوله: لا يحرم أحد قبل أشهر الحج بالحج وقوله: لا يجوز ثمن الهر. وغير ذلك كثير مما لا يعرف له مخالف من الصحابة، رضي الله عنهم، في ذلك، فالآن صار حجة وهنالك لا إن هذا لعجب، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ وقولنا هو قول الشافعي.

وأما خدمة المدبر فبيعها ظاهر الفساد والبطلان؛ لأنه لا يدري كم يخدم ولعله سيخدم خمسين سنة، أو لعله يموت غدا، أو بعد ساعة، أو يخرج حرا كذلك فهذا هو الحرام البحت، وأكل المال بالباطل، وبيع الغرر، وبيع ما ليس عينا، وبيع ما لم يخلق بعد، فقد جمع كل بلاء.

فإن قيل: فقد رويتم من طريق محمد بن علي بن الحسين أن رسول الله ﷺ باع خدمة المدبر.روينا ذلك من طريق شعبة عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين.قلنا: هذا مرسل، والمرسل لا تقوم به حجة.وكذلك لا يجوز بيع خدمة المخدم أصلا،.

لما ذكرنا في خدمة المدبر، ولا فرق وبالله تعالى التوفيق




1537 - مسألة: ولا يجوز بيع السمن المائع يقع فيه الفأر حيا أو ميتا لأمر رسول الله ﷺ بهرقه وقد ذكرناه في " كتاب الطهارة " من ديواننا هذا وفي " كتاب ما يحل أكله وما يحرم " فأغنى عن إعادته. فإن كان جامدا أو وقع فيه ميتة غير الفأر أو نجاسة فلم تغير لونه، ولا طعمه، ولا ريحه، أو وقع الفأر الميت أو الحي، أو أي نجاسة، أو أي ميتة كانت في مائع غير السمن، فلم تغير طعما، ولا لونا، ولا ريحا: فبيعه حلال، وأكله حلال؛ لأنه لم يمنع من ذلك نص. وقد قال الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. وقال تعالى: {وما كان ربك نسيا} وهذا قول أصحابنا، وقد ذكرناه عن بعض السلف في الكتب المذكورة، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه: جاز بيعه أيضا، كما يباع الثوب النجس. وقد قلنا: إن الطاهر لا ينجس بملاقاته النجس ولو أمكننا أن نفصله من الحرام لحل أكله، ولم يمنع من الأنتفاع به في غير الأكل نص فهو مباح وبالله تعالى التوفيق. وهذا قول أبي حنيفة، يعني ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه من المائعات التي حلتها النجاسات؛ لأنه إنما يباع الشيء الذي حلته النجاسة لا النجاسة وبالله تعالى التوفيق.




1538 - مسألة: ولا يحل بيع الصور إلا للعب الصبايا فقط، فإن اتخاذها لهن حلال حسن، وما جاز ملكه جاز بيعه إلا أن يخص شيئا من ذلك نص فيوقف عنده. قال الله تعالى: {وأحل الله البيع}. وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}.

وكذلك لا يحل اتخاذ الصور إلا ما كان رقما في ثوب: لما روينا من طريق مسلم، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس عن أبي طلحة عن رسول الله ﷺ قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب، ولا صورة.

ومن طريق مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة يعوده قال: فوجد عنده سهل بن حنيف فأمر أبو طلحة بنزع نمط كان تحته فقال له سهل: لم نزعته قال: لأن فيه تصاوير، وقد قال رسول الله: ما قد علمت قال سهل: ألم يقل إلا ما كان رقما قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي.

قال أبو محمد: حرام علينا تنفير الملائكة عن بيوتنا، وهم رسل الله عز وجل والمتقرب إليه عز وجل بقربهم.

ومن طريق مسلم، أخبرنا يحيى بن يحيى قال: أنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت كنت ألعب بالبنات عند رسول الله ﷺ وكان يأتيني صواحبي فكن يتقمعن من رسول الله ﷺ فيسربهن إلي فوجب استثناء البنات للصبايا من جملة ما نهي عنه من الصور.

وأما الصلب فبخلاف ذلك، ولا يحل تركها في ثوب، ولا في غيره: لما روينا من طريق قاسم بن أصبغ، حدثنا بكر بن حماد، أخبرنا مسدد، حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عمران بن حطان عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ لم يكن يدع في بيته ثوبا فيه تصليب إلا نقضه. وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه كره الستر المعلق فيه التصاوير فجعلت له منه وسادة فلم ينكرها

فصح أن الصور في الستور مكروهة غير محرمة، وفي الوسائد، وغير الستور ليست مكروهة الأستخدام بها.==


كتاب البيوع

1539 - مسألة: ولا يحل البيع مذ تزول الشمس من يوم الجمعة إلى مقدار تمام الخطبتين والصلاة، لا لمؤمن، ولا لكافر، ولا لأمرأة، ولا لمريض، وأما من شهد الجمعة فإلى أن تتم صلاتهم للجمعة، وكل بيع وقع في الوقت المذكور فهو مفسوخ وهذا قول مالك وأجاز البيع في الوقت المذكور: الشافعي، وأبو حنيفة.

وأما النكاح، والسلم والإجارة، وسائر العقود فجائزة كلها في ذلك الوقت لكل أحد

وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة ولم يجزها مالك.

برهان صحة قولنا: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} فهما أمران مفترضان: السعي إلى ذكر الله تعالى، وترك البيع، فإذا سقط أحدهما بنص ورد فيه كالمريض، والخائف والمرأة، والمعذور، لم يسقط الآخر، إذ لم يوجب سقوطه قرآن، ولا سنة وجب إلزام الكفار كذلك؛ لقول الله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}. ولقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}

وأما إدخال مالك النكاح، والإجارة في ذلك، فخطأ ظاهر؛ لأن الله تعالى إنما نهى عن البيع، ولو أراد النهي عن النكاح، والإجارة لما عجز عن ذلك، ولا كتمنا ما ألزمنا وما كان ربك نسيا وتعدي حدود الله تعالى لا يحل. ولو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا؛ لأن القياس عند القائلين به إنما هو أن يقاس الشيء على نظيره، وليس البيع نظير النكاح؛ لأنه يجوز بلا ذكر مهر. ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن، والمتناكحان لا يملك أحدهما الآخر، ولا في النكاح نقل ملك، والبيع نقل ملك.

وأما الإجارة فإنما هي معاوضة في منافع لم يخلقها الله تعالى بعد، ولا يجوز بيع ما لم يخلق بعد، ويجوز أن يؤاجر الحر نفسه، ولا يحل له أن يبيع نفسه، فلا شبه بين الإجارة والنكاح وبين البيع. فإن علل النهي عن البيع بما يشاغل عن السعي: صار إلى قول أبي حنيفة، والشافعي، ولزمه أن يجيز من البيع ما لا تشاغل منه عن السعي، ولا قياس عند القائلين به إلا على علة، فإن لم يعلل بطل القياس وما نعلم له سلفا في هذا القول.

وأما إجازة أبي حنيفة، والشافعي: البيع في الوقت المذكور فخلاف لأمر الله تعالى، ولا نعلم لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا: إنما نهى عن التشاغل عن السعي إلى الصلاة فقط، ولو أن امرأ باع في الصلاة لصح البيع.

قال أبو محمد: وهذان فاسدان من القول جدا: أما قولهم: إنما أراد الله بذلك التشاغل عن السعي فقط، فعظيم من القول جدا، ليت شعري من أخبرهم بذلك وهم يسمعون الله تعالى يقول: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. ولو أن الله تعالى أراد ما قالوا لما نهانا عن البيع مطلقا، ولا عجز عن بيان مراده من ذلك، وما ههنا ضرورة توجب فهم هذا، ولا نص، فهو باطل محض، ودعوى كاذبة بلا برهان.

وأما قولهم: لو باع في الصلاة لجاز البيع: فتمويه بارد؛ لأن المصلي بأول أخذه في الكلام في المساومة بطلت صلاته فصار غير مصل فظهر فساد احتجاجهم جملة.

فإن قالوا: هذا ندب. قلنا: ما دليلكم على ذلك، وكيف يقول الله تعالى: افعل، فيقولون: معناه لا تفعل إن شئت أم كيف يقول الله تعالى: لا تفعل، فيقولون: معناه: افعل إن شئت وهذا إبطال الحقائق، ونفس المعصية، وتحريف للكلم عن مواضعه. فإن قالوا: قد وجدنا أوامر ونواهي معناها: الندب. قلنا: نعم بنص آخر بين ذلك، وكذلك وجدنا آيات منسوخات بنص آخر ولم يجب بذلك حمل آية على أنها منسوخة، ولا على أنها ندب، ومن فعل ذلك فقد أبطل ما شاء بلا دليل: روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن أبي بكر هو المقدمي، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا سليمان بن معاذ، حدثنا سماك عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة، فإذا قضيت فاشتر وبع، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة. وعن حماد بن زيد عن الوليد بن أبي هشام عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه أنه فسخ بيعا وقع بين نساء وبين عطار بعد النداء للجمعة.

1540 - مسألة: ومن لم يبق عليه من وقت الصلاة إلا مقدار الدخول في الصلاة بالتكبير، وهو لم يصل بعد، وهو ذاكر للصلاة، عارف بما بقي عليه من الوقت، فكل شيء فعله حينئذ من بيع أو غيره: باطل مفسوخ أبدا؛ لقول رسول الله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وهو في ذلك الوقت محرم عليه البيع وغيره، مأمور بالدخول في الصلاة، فلو لم يكن عارفا بذلك: جاز كل ما عمل فيه؛ لأن وقت الصلاة للناسي ممتد أبدا.

وأما من سها فسلم قبل تمام صلاته فما أنفذ من بيع أو غيره: فمردود كله؛ لأنه قد عرف النهي عن ذلك ما دام في صلاته، وهو في صلاته، لكن عفي له عن النسيان، فهو إنما ظن أنه باع ولم يبع؛ لأنه غير البيع الذي أحله الله تعالى له، فإذا هو غير جائز وبالله تعالى التوفيق.




1541 - مسألة: ولا يحل أن يجبر أحد على أن يبيع مع شريكه لا ما ينقسم، ولا ما لا ينقسم، ولا على أن يقاومه فيبيع أحدهما من الآخر، لكن ما شاء من الشريكين أو الشركاء أن يبيع حصته: فله ذلك، ومن أبى لم يجبر، فإن أجبره على ذلك حاكم أو غيره: فسخ حكمه أبدا، وحكم فيه بحكم الغصب.

برهان ذلك: قول الله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. ومن أجبر على بيع حقه فلم يرض فلا يجوز عليه؛ لأنه خلاف أمر الله تعالى، فهو أكل مال بالباطل إلا حيث أمر الله تعالى بالبيع، وإن لم يرض كالشفعة، وعلى الغائب، وعلى الصغير، وعلى الظالم.

واحتج القائلون بإجبار الشريك على البيع مع شريكه بخبر روي فيه لا ضرر، ولا ضرار وهذا خبر لم يصح قط، إنما جاء مرسلا، أو من طريق فيها إسحاق بن يحيى وهو مجهول ثم لو صح لكان حجة عليهم؛ لأن أعظم الضرار والضرر: هو الذي فعلوه من إجبارهم إنسانا على بيع ماله بغير رضاه، وبغير أن يوجب الله تعالى عليه ذلك، وما أباح الله تعالى قط أن يراعى رضا أحد الشريكين بإسخاط شريكه في ماله نفسه، وهذا هو الجور والظلم الصراح. ولا فرق بين أن يجاب أحد الشريكين إلى قوله: لا بد أن يبيع شريكي معي لأستجزل الثمن في حصتي، وبين أن يجاب الآخر إلى قوله: لا بد أن يمنع شريكي مع بيع حصته؛ لأن في ذلك ضررا علي في حصتي، وكلا الأمرين عدوان وظلم، لكن الحق أن كليهما ممكن من حصته، من شاء باع حصته ومن شاء أمسك حصته. وقد موهوا في ذلك بما روينا من طريق وكيع، حدثنا أبو بشر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أن نخلة كانت لأنسان في حائط آخر، فسأله أن يشتريها منه، فأبى، فقال رسول الله ﷺ: لا ضرر في الإسلام وهذا مرسل. ثم لو صح لكان حجة عليهم، لأننا نقول لهم نعم، وهذا منع من أن يجبر الآخر على الشراء من شريكه، وهو لا يريد ذلك، أو على البيع منه أو من غيره، وهو لا يريد ذلك: فهذان ضرر ظاهر. وذكروا أيضا: ما رويناه من طريق أبي داود، حدثنا سليمان بن داود العتكي، حدثنا حماد، حدثنا واصل مولى أبي عيينة قال: سمعت محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب: أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال: ومع الرجل أهله فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به، فطلب إليه أن يبيعه أو يناقله فأبى فذكر ذلك للنبي ﷺ فطلب إليه النبي ﷺ أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه يناقله، فأبى قال: فهبه له ولك كذا وكذا أمرا رغبه فيه، فأبى، فقال: أنت مضار، فقال رسول الله ﷺ للأنصاري: اذهب فاقلع نخله.

قال أبو محمد: هذا منقطع؛ لأن محمد بن علي لا سماع له من سمرة، ثم لو صح لكانوا مخالفين له في موضعين: أحدهما أنهم لا يجبرون غير الشريك على البيع من جاره، ولا على البيع معه، وفي هذا الحديث خلاف ذلك.

والثاني قلع نخله وهم لا يقولون بهذا وبالله تعالى التوفيق.


1542 - مسألة: ولا يجوز بيع ما غنمه المسلمون من دار الحرب لأهل الذمة لا من رقيق، ولا من غيره

وهو قول عمر بن الخطاب على ما ذكرنا في " كتاب الجهاد ".

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا جرير عن المغيرة بن مقسم عن أم موسى قالت: أتى علي بن أبي طالب بآنية مخوصة بالذهب من آنية العجم فأراد أن يكسرها ويقسمها بين المسلمين فقال ناس من الدهاقين: إن كسرت هذه كسرت ثمنها، ونحن نغلي لك بها

فقال علي: لم أكن لأرد لكم ملكا نزعه الله منكم، فكسرها وقسمها بين الناس.

قال أبو محمد: هذا من الصغار، وكل صغار فواجب حمله عليهم.

وأما الرقيق: ففيه وجه آخر، وهو أن الدعاء إلى الإسلام واجب بكل حال، ومن الأسباب المعينة على الإسلام كون الكافر والكافرة في ملك المسلم، ومن الأسباب المبعدة عن الإسلام كونهما عند كافر يقوي بصائرهما في الكفر وبالله تعالى التوفيق.


1543- مسألة: ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه، وهو مفسوخ أبدا. كبيع كل شيء ينبذ أو يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا. وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها. وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل: ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين. أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه، وهكذا في كل شيء؛ لقول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل، وفسخها تعاون على البر والتقوى. فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح؛ لأنه لم يعن على إثم، فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه:

روينا من طريق وكيع، حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جرير عن عطاء قال: لا تبعه ممن يجعله خمرا.




1544 - مسألة: ومن باع شيئا جزافا كيله أو وزنه أو زرعه أو عدده، ولم يعرف المشتري بذلك فهو جائز لا كراهية فيه؛ لأنه لم يأت عن هذا البيع نهي في نص أصلا، ولا فيه غش، ولا خديعة ومنع منه: طاووس، ومالك وأجازه: أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان.

قال علي: ولا فرق بين أن يعلم كيله أو وزنه، أو زرعه أو عدده، ولا يعلمه المشتري، وبين أن يعلم من نسج الثوب، ولمن كان، ومتى نسج، وأين أصيب هذا البر، وهذا التمر، ولا يعلم المشتري شيئا من ذلك، والمفرق بينهما مخطئ وقائل بلا دليل. واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق عبد الرزاق، قال: قال ابن المبارك عن الأوزاعي: إن رسول الله ﷺ قال: لا يحل لرجل أن يبيع طعاما جزافا قد علم كيله حتى يعلم صاحبه وهذا منقطع فاحش الأنقطاع. ثم لو صح لكان حجة على المالكيين؛ لأنهم لا يخصون بهذا الحكم الطعام دون غيره، وليس في هذا المرسل إلا الطعام فقط. فإن قالوا: قسنا على الطعام غير الطعام. قلنا: فهلا قستم على الطعام غير الطعام في المنع من بيعه حتى يقبض. فإن قالوا: لم يأت النص إلا في الطعام. قلنا: وليس في هذا الخبر إلا الطعام، فأما اتبعوا النصين معا دون القياس، وأما قيسوا عليهما جميعا، وما عدا هذا فباطل متيقن، فكيف والنص قد جاء بالنهي عن البيع في كل ما ابتيع قبل أن يقبض فخالفوه وبالله تعالى التوفيق.




1545 - مسألة: وبيع الحيتان - الكبار أو الصغار - أو الأترج - الكبار أو الصغار - أو الدلاع، أو الثياب، أو الخشب، أو الحيوان، أو غير ذلك جزافا: حلال لا كراهية فيه، ومنع مالك من ذلك في الكبار من الحيتان، والخشب، وأجازه في الصغار - وهذا باطل لوجوه -:

أولها: أنه خلاف القرآن في قول الله - تعالى -: { وأحل الله البيع} . وقال - تعالى -: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فهذا بيع حلال ولم يأت تفصيل بتحريمه . والثاني: أنه فاسد، إذ لم يجد الكبير الذي منع به من بيع الجزاف من الصغير الذي أباحه به - وهذا رديء جدا؛ لأنه حرم وحلل، ثم لم يبين ما الحرام فيجتنبه من يبيعه، وما الحلال فيأتيه . والثالث: أنه لا كبير إلا بإضافته إلى ما هو أصغر منه، ولا صغير إلا بإضافته إلى ما هو أكبر منه، فالشابل صغير جدا بالإضافة إلى الشولي وكبير جدا بالإضافة إلى السردين، والمداري كبار جدا بالإضافة إلى السهام وصغار جدا بالإضافة إلى الصواري، وهكذا في كل شيء . والرابع: أنه لم يزل عمل المسلمين في عهد رسول الله ﷺ وبعده في شرق الأرض وغربها: بيع الضياع، وفيها النخل الكثير، والشجر، وغير ذلك، بغير عدد، لكن جزافا - وهو أحد من يجيز ذلك هنالك، ويمنعه ههنا - وما نعلم له متعلقا أصلا، ولا أحدا قاله قبله .

1546 - مسألة: وبيع ألبان النساء جائز، وكذلك الشعور، وبيع العذرة والزبل للتزبيل، وبيع البول للصباغ: جائز وقد منع قوم من بيع كل هذا.

قال أبو محمد: لا خلاف في أن للمرأة أن تحلب لبنها في إناء وتعطيه لمن يسقيه صبيا، وهذا تمليك منها له، وكل ما صح ملكه وانتقال الإملاك فيه: حل بيعه؛ لقول الله تعالى: {وأحل الله البيع} إلا ما جاء فيه نص بخلاف هذا.

وأما الشعور، والعذرة، والبول: فكل ذلك يطرح، ولا يمنع منه أحد: هذا عمل جميع أهل الأرض، فإذا تملك لأحد جاز بيعه كما ذكرنا.

روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي عن عطاء بن أبي رباح: لا بأس بأن يستمتع بشعور الناس، كان الناس يفعلونه.




1547 - مسألة: وبيع النحل، ودود الحرير، والضب، والضبع: جائز حسن: أما الضب والضبع: فحلال أكلهما كما ذكرنا قبل وصيد من الصيود، وما جاز تملكه جاز بيعه كما قدمنا.

وأما النحل، ودود الحرير: فلهما منفعة ظاهرة، وهما مملوكان: فبيعهما جائز. ومنع أبو حنيفة من كل ذلك وما نعلم له حجة أصلا، ولا أحدا سبقه إلى المنع من بيع النحل، ودود القز

وأما ما عسلت النحل في غير خلايا مالكها: فهو لمن سبق إليه؛ لأنه ليس بعضها، ولا متولدا منها كالبيض، والولد، واللبن، والصوف، لكنه كسب لها، كصيد الجارح، وهما غير النحل والجارح: فهو لمن سبق إليه

وأما ما وضعت في خلايا صاحبها: فله؛ لأنه لذلك وضع الخلايا، فما صار فيها فهو له.

وكذلك من وضع حبالة للصيد، أو قلة للماء، أو حظيرا للسمك: فكل ما وقع في ذلك فهو له؛ لأنه قد تملكه بوضع ما ذكرنا له، وبالله تعالى التوفيق.




1548 - مسألة: وابتياع الحرير جائز، وقال بالمنع منه بعض السلف: كما روينا من طريق محمد بن المثنى أنا حفص بن غياث عن ليث عن طاووس: أنه كره التجارة في الشابري الرقيق، والحرير ولبسه. جاء في ذلك: ما روينا من طريق ابن وهب أنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن الله تبارك وتعالى حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها وحرم الحرير وثمنه. وهذا فيه معاوية بن صالح وهو ضعيف ولو صح لقلنا به وقد صح عن النبي ﷺ، أنه قال في حلة الحرير التي كساها عمر لم أكسكها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو كلاما هذا معناه.




1549 - مسألة: وابتياع ولد الزنى، والزانية حلال: روينا من طريق محمد بن المثنى، حدثنا معتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد قال: ولد الزنى لا تبعه، ولا تشتره، ولا تأكل ثمنه.

قال علي: لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ: وأحل الله البيع وقد أمر عليه الصلاة والسلام ببيع الأمة المحدودة في الزنى ثلاث مرات إذا زنت الرابعة.




1550 - مسألة: وبيع جلود الميتات كلها حلال إذا دبغت، وكذلك جلد الخنزير، وأما شعره وعظمه فلا. ولا يحل عظام الميتة أصلا ومنع مالك من بيع جلودها وإن دبغت وأباحه الشافعي، وأبو حنيفة. وأباح مالك بيع صوف الميتة ومنع منه الشافعي.

برهان صحة قولنا: قول رسول الله ﷺ: هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا: يا رسول الله إنها ميتة، قال إنها حرم أكلها وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب الطهارة " من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته. فأمر عليه السلام بأن ينتفع بجلود الميتة بعد الدباغ، وأخبر أن أكلها حرام، والبيع منفعة بلا شك، فهو داخل في التحليل، وخارج عن التحريم إذ لم يفصل تحريمه، قال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} أما الخنزير: فحرام كله، حاشا طهارة جلده بالدباغ فقط.

ومن عجائب احتجاج المالكيين ههنا قولهم: إن الجلد يموت، وكذلك الريش تسقيه الميتة،

وأما الصوف والشعر فلا يموت فلو عكس قولهم، فقيل لهم: بل الجلود لا تموت وكذلك الريش،

وأما الصوف والشعر فتسقيه الميتة بأي شيء كانوا ينفصلون، وهل هي إلا دعوى كدعوى

روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبي سليمان لا بأس بريش الميتة، وأباح الأنتفاع بعظم الفيل وبيعه: طاووس، وابن سيرين، وعروة بن الزبير ومنع منه الشافعي، وغيره وبالله تعالى التوفيق.


1551 - مسألة:
 
=  وبيع المكاتب قبل أن يؤدي شيئا من كتابته جائز، وتبطل الكتابة بذلك، فإن أدى منها شيئا حرم بيع ما قابل منه ما أدى، وجاز بيع ما قابل منه ما لم يؤد، وبطلت الكتابة فيما بيع منه، وبقي ما قابل منه ما أدى حرا مثل أن يكون أدى عشر كتابته، فإن عشره حر ويجوز بيع تسعة أعشاره، وهكذا في كل جزء كثر أو قل وهذا مكان اختلف الناس فيه، فقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقي عليه ولو درهم من كتابته أو أقل، وبيعه جائز ما دام عبدا وتنتقض الكتابة بذلك، والمكاتب عندهم معتق بصفة وهذا قول أبي سليمان وأصحابنا.

وقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم أو أقل، إلا أنه لا يحل بيعه إلا أن يعجز وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي

وهذا قول ظاهر التناقض؛ لأنه كان عبدا فبيعه جائز ما لم يأت بنص بالمنع من بيعه، ولا نص في ذلك. وذهب قوم إلى أنه إن أدى ربع كتابته فهو حر وهو غريم يتبع بما بقي عليه منها:

روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا المغيرة، قال: سمعت إبراهيم، والشعبي يقولان: كان ابن مسعود يقول في المكاتب إذا أدى ربع قيمته فهو غريم لا يسترق. وكان زيد بن ثابت يقول: هو عبد ما بقي عليه درهم. وقال علي بن أبي طالب: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى، ويرق منه بقدر ما بقي، ويرث بقدر ذلك، ويحجب بقدر ذلك.

ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جابر بن سمرة قال: قال عمر بن الخطاب: تكاتبون مكاتبين فأيهم ما أدى الشطر فلا رق عليه.

وروي، عن ابن مسعود أيضا: إذ أدى الثلث فهو غريم.

ومن طريق وكيع، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم كان يقال: إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء إذا بقي على المكاتب ربع كتابته وأدى سائرها فهو غريم، ولا يعود عبدا.

ومن طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير قال: قال ابن عباس: إذا بقي على المكاتب خمس أواق: أو خمس ذود، أو خمسة أوسق: فهو غريم

وروي عنه أيضا إذا أخذ الصك فهو غريم. وبكل هذه الأقوال قالت طائفة من العلماء.

قال علي: الحجة عند التنازع هو ما أمر الله تعالى بالرجوع إليه إن كنا مؤمنين من كتابه وسنة رسوله ﷺ .

روينا من طريق البخاري، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، هو ابن سعد، عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت منها شيئا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق.

ومن طريق البخاري، حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي عن أبيه قال: دخلت على عائشة فقالت: دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت: يا أم المؤمنين اشتريني فإن أهلي يبيعوني فأعتقيني فقالت: نعم، فقالت: إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي فقالت: لا حاجة لي فيك، فسمع ذلك النبي ﷺ أو بلغه فقال: ما شأن بريرة اشتريها فأعتقيها وليشترطوا ما شاءوا قالت فاشتريتها فأعتقتها وذكرت باقي الخبر. فأمر بيع بريرة وهي مكاتبة على تسع أواقي في تسع سنين، كل سنة أوقية، أشهر من الشمس، وأنها لم تكن أدت بعد من كتابتها شيئا، وأنها بيعت كذلك، وأن أهلها عرضوها للبيع وهي مكاتبة بعلم النبي ﷺ لا ينكر ذلك عليهم، بل أمر بشرائها وعتقها والولاء لمن أعتقها، وهذا ما لا مخلص منه، فبلحوا عندها: فقالت طائفة: إنها كانت عجزت وهذا كذب بحت مجرد، ما روى قط أحد أنها كانت عجزت، ولا جاء ذلك عنها في الخبر، وأين العجز منها وهي في استقبال تسعة أعوام، وعائشة بعد عند رسول الله ﷺ جائزة الأمر تبتاع وتعتق، ولم تقم عند رسول الله ﷺ إلا تسعة أعوام فقط.

واحتج بعضهم بقول الله تعالى: {أوفوا بالعقود} .

فقلنا: نعم وهو مأمور بالوفاء بالعقد وليس له نقضه لكن إذا خرج عن ملكه بطل عقده عن غيره لقول الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}. والعجب أن المحتجين بهذا يرون الرجوع في العتق في الوصية، ولا يحتجون على أنفسهم ب أوفوا بالعقود وليس إجماعا فإن سفيان الثوري لا يرى الرجوع في العتق والوصية، وكلهم يجيز بيع العبد يقول له سيده: إن جاء أبي فأنت حر، ويبطلون بيعه بهذا العقد، ولا يجيزون له في العقد بغير إخراجه عن ملكه فظهر عظيم تناقضهم، وفساد قولهم. فإن ذكر ذاكر الآثار التي جاءت المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإنها كلها ساقطة: أحدها من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهي صحيفة، وكم خالفوا هذه الطريق إذا خالفت مذهبهم. والآخر من طريق عطاء بن السائب، عن ابن عمرو بن العاص، ولا سماع له منه والحديث منقطع. ثم لو صح لما كان فيهما إلا تحديد: أنه عبد ما بقي عليه عشر مكاتبته أو عشر عشرها. وخبر موضوع من طريق ابن عمر مكذوب فسقطت كلها. وأما إذا أدى شيئا من كتابته، فلما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عيسى الدمشقي، حدثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن قتادة، وأيوب السختياني، قال قتادة: عن خلاس عن علي بن أبي طالب، وقال أيوب عن عكرمة، عن ابن عباس، ثم اتفق علي، وابن عباس، كلاهما عن النبي ﷺ، أنه قال: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه.

قال علي: وهذا إسناد في غاية الصحة، وما نعلم أحدا عابه إلا بأنه قد أرسله بعض الناس فكان هذا عجبا لأن المعترضين بهذا يقولون: إن المرسل أقوى من المسند، أو مثله، فالآن صار إرسال من أرسل يبطل، ويبطل به الإسناد ممن أسنده، وما يسلك في دينه هذه الطريق إلا من لا دين له، ولا حياء ونعوذ بالله من الخذلان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1وط2.كتاب : الأمثال المؤلف : أبو عبيد ابن سلام

  ج1وج2.كتاب  الأمثال أبو عبيد ابن سلام المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمّد وآله رأيت في أوّل نسخة الشيخ الإمام أبي...