اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

الثلاثاء، 26 مارس 2024

ج1وط2.كتاب : الأمثال المؤلف : أبو عبيد ابن سلام

 

ج1وج2.كتاب  الأمثال أبو عبيد ابن سلام

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على محمّد وآله
رأيت في أوّل نسخة الشيخ الإمام أبي بكر محمّد بن الأنباري اللغوي، وهي التي قرأها على أبي العباس أحمد الأحوال اللغوي ما صورته: " وهي مكتوبة بخط علي بن عبد العزيز كاتب أبي عبيد وراويته " وقال علي بن عبد العزيز كاتب أبي عبيد القاسم بن سلام: كتبت هذا الكتاب من نسخة أبي عبيد من خطه بيده، وعارضت بها حرفاً حرفاً، ثم قرأناه على أبي محمّد سلمة بن عاصم النحوي، صاحب الفراء، فزادنا فيه أشياء ألحقتها في حواشي الكتاب، ثم قرأته على أبي عبد الله الزبير بن بكار، وهو قاضي أهل مكة، فكتبت أيضاً ما زادنا فيه، ونسبت ذلك إليه، فوجدت خط أبي عبيد هذا كتاب الأمثال، وهي حكمة العرب في الجاهلية والإسلام، وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حولت من حاجتها في المنطق، بكناية غير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاثة خلال، إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه. وقد ألفناها في كتابنا هذا على منازلها، ولخصنا صنوفها، وذكرنا المواضع التي يتكلم بها فيها، وتضرب عندها، وإسنادها إلى علمائها، واستشهدنا بنوادر الشعر عليها، أو على ما أمكن منها. وكان مما دعانا إلى تأليف هذا الكتاب وحثنا عليه ما روينا من الأحاديث المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قد ضربها وتمثل بها هو ومن بعده من السلف. وقد ذكرنا بعض ذلك ليكون حجة لمذهبنا. فكان مما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم منها المثل الذي ضربه للإسلام والقرآن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ضرب الله مثلا صراطا مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتوحة، وعلى تلك الأبواب ستور مرخاة، وعلى رأس الصراط داعٍ يقول: أدخلوا الصراط ولا تعوجوا " .
قال: فالصراط: الإسلام، والستور: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي: القرآن.
ومن الأمثال أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة ههنا، ومرة ههنا، ومثال الكافر كمثل الازرة المجذية على الأرض حتى يكون انعجافها مرة " .
ومنها قوله حين ذكر الفتن والحوادث التي تكون في آخر الزمان، فقال حذيفة بن اليمان: ابعد هذا الشر خير؟ فقال: هدنة على دخنٍ، وجماعة على أقذاءٍ. فقيل له: وما هو؟ فقال: " لا ترجع قلوب قوم على ما كانت " .
قال أبو عبيد: فقد علم إنَّ الأقذاء إنّما تكون العين أو في الشراب، وإنَّ الدخن إنّما هو مأخوذ عن الدخان، فجعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا لنغل القلوب وما فيها من الضغائن والأحقاد.
ومنها حديثه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الدنيا وزينتها فقال: وإنَّ ما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم فأراد صلى الله عليه وسلم إنّها، وإنَّ كانت ذات زهرة وجمال، فقد تؤول بصاحبها، إذا سلك بها غير القاصد، إلى سوء المغبة، كما أنَّ آكلة الخضر من الماشية إذا لم تقصد في مراعيها آل ذلك بها إلى أنَّ تستوبله حتى تحبط عنه بطونها فتهلك. ومنها قوله عليه السلام لأبي سفيان بن حرب: أنت يا أبا سفيان كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا. أي انك في الرجال كالفرأ في الصيد، وهو الحمار الوحشي، قال له ذلك يتألفه على الإسلام. ومنها قوله حين ذكر الضرائر فقال: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فقد علم إنّه لم يرد الصفحة الخاصة، إنّما جعلها مثلاً لحظها من زوجها، يقول: إنّه إذا طلقها لقول هذه كانت قد أمالت نصيب صاحبها إلى نفسها.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الغلو في العبادة فقال: إنَّ المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى يقول: إنَّ هذا إذا كلف نفسه فوق طاقتها من العبادة بقي حسيرا، كالذي أفرط في إغذاذ السير حتى عطبت راحلته، ولم يقض سفره.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم وخضراء الدمن. قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: " المرأة الحسناء في منبت السوء " . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر كثرة الربا في آخر الزمان فقال: من لم يأكله أصابه من غباره. فقد علم إنّه ليس ثم غبار، وإنّما هذا مثل لمّا ينال الناس منه. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان قيد الفتك. فقد علم إنّه ليس هناك قيد. ولكنه جعل منع الإيمان إياه تقييداً. ثم قال:

الحرب خدعة " قال علي: قال أبو محمّد سلمة: من قال: الحرب خدعة فمعناه إنّه من خدع فيها خدعة فزلت قدمه وعطب فليس له إقالة، ومن قال خدعة أي إنّها تخدع أهلها، ومن قال: الحرب خدعة بضم الخاء وتسكين الدال فهي تخدع أحد الفريقين صاحبه فكأنما خدعت هي. قال أبو عبد الله الزبير بن بكار القاضي: هي عندنا خدعة قال الزبير: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " قال علي: فقلت للزبير: أتراها محكية؟ قال: نعم " وقال في فرس ركبه: وجدته بحراً. وقال أيضاً: إنَّ من البيان لسحراً. وقال في أهل الإسلام وأهل الشرك: لا تراءى نارهما. وقال: للعاهر الحجر. وقال: لا ترفع عصاك عن اهلك. فقد علم إنّه لم يرد ضربهم بالعصا، إنّما هو الأدب، وكذلك الحجر، إنّما معناه إنّه لا حق له في نسب الولد. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يلسع المؤمن من جحرٍ مرتين. وفي أشياء كثيرة لا تحصى، من الأمثال عنه صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت عمن بعده من الصحابة وغيرهم، وقد ذكرنا ذلك عنهم في مواضعه ووجوهه مفسراً. وهذا: بسم الله الرحمن الرحيم

جماع أبواب الأمثال في وصف المنطق

باب المثل في حفظ اللسان وما يؤمر به منه للتقوى وسلامة الدين مع الموعظة

فيه.
قال أبو عبيد: وجدنا من الأمثال في حفظ اللسان والحض عليه قول عبد الله بن مسعود: و الذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحق بطول سجن لسان.
فجعل عبد الله الفم للسان سجنا يمنعه من الجهل والزلل، كما يحبس أهل الدعارة في السجون.
ومنها قول انس بن مالك: ما اتقى الله أحد حق تقاته حتى يخزن من لسانه.
فجعل الفم للسان خزانة، كما جعل أبن مسعود له سجناً.
ومنها قول شداد بن أوس الأنصاري: ما تكلمت بكلمة منذ كذا وكذا حتى أخطمها وأزمها.
قال أبو عبيد: فقد علم إنّه ليس هناك خطام ولا زمام، وإنّما جعل هذا مثلا لمنعه لسانه من بوادر الفلتات والخطأ.
ومنها قول شريح بن الحارث قاضي الكوفة لرجل سمعه يتكلم

امسك عليك نفقتك.

قال أبو عبيدك فجعل النفقة التي يخرجها من ماله مثلاً لكلامه. وقد جاءنا في بعض الحديث إنّه قال: " ما صداقة الفضل من صداقةٍ من قول " .
ومنها قول عمر بن عبد العزيز: التقي ملجم.
قال أبو عبيد: فقد علم إنّه ليس هناك لجام، إنّما هو كنحو ما ذكرناه من سجن اللسان وخزنه وحفظه وخطمه وزمه ويقال في نحو من هذا: من أغتاب خرق، ومن استغفر رقع.
ويقال: " رفأ " وكذلك قولهم: من صدق الله نجا.
وفي حديث آخر مرفوع " وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم " .
باب حفظ اللسان لمّا يخاف على أهله من عقوبات الدنيا
قال: أبو عبيد: من أمثالهم في هذا مقالة أكثم بن صيفي التميمي: مقتل الرجل بين فكيه.
يعني لسانه. والفكان: اللحيان. وقال بعض العرب لرجل وهو يعظه في حفظ اللسان: إياك أنَّ يضرب لسانك عنقك.
ومنه قول الشاعر:
رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
و منه قول أكثم بن صيفي أيضاً: رب قولٍ أشد من صولٍ.
وقد يوضع هذا المثل أيضاً فيما يتقى من العار. ومن كلام أكثم أيضاً في حفظ اللسان من خطأ القول وهذره: ولكل ساقطة لاقطة.
قال أبو عبيد: وهذا تحذير من سقط الكلام، يقول: إنَّ في الناس من يلتقطه فينميه ويشيعه حتى يورط قائله، فأحذره.
وقال الأصمعي واسمه عبد الملك بن قريب: من أمثالهم في التحفظ: ربما أعلم فأذر.
يريد إني قد أدع ذكر الشيء وأنا به عالم لمّا أحاذر من غبه. قال أبو عبيد: ومن جناية اللسان على صاحبه قولهم: محا السيف ما قال ابن داره أجمعا وهو سالم بن دارة بني عبد الله بن غطفان، وكان هجا بعض بني فزارة فأغتاله الفزاري حتى ضربه بسيفه. قال أبو عبد الله الزبير بن بكار القاضي: هو سالم بن دارة ، وكان اسم دارة مسافعا. ضربه زميل بن أبي أبرد الفزاري ثم المازني، وكان يعرف بأمه أم دينار، قال: فأخبرني محمّد بن الضحاك عن أبيه قال: مسافع أبو سالم لزميل بعد أن أمن: ويحك يا زميل، لم قتلت سالماً؟ فقال: أحرقني بالهجاء، قال: أنت أشعر الناس حين تقول:

أجارتنا من يجتمع يتفرق ... ومن يك رهنا للحوادث يغلق
قال: أبو عبيد: وأخبرني الأصمعي عن أبي الأشهب العطاري قال: كان يقال: إذا وقي الرجل الشر لقلقه وقبقبة وذبذبه فقد وقي.
قال: فاللقلق: اللسان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج. وفي بعض الأحاديث " إنَّ أبن آدم إذا أصبح كفَّرت أعضاؤه للسان فتقول له: أتق الله فأنك إنَّ استقمت استقمنا، وإنَّ اعوججت أعوججنا " ومن أمثالهم المعروفة في هذا: " من صدق الله عز وجل نجا " يكون في القول والعمل جميعا.
ويروى عن يونس بن عبيد إنّه قال: ليست خلة من خلال الخير تكون في الرجل وهي أحرى أنَّ تكون جامعة لأنواع الخير كلها فيه حفظ اللسان.

باب الاقتصاد في المنطق وما يتقى فيه من الإكثار والهذر.

قال أبو عبيد واسمه معمر بن المثنى: من أمثالهم في هذا: من أكثر أهجر.
قال أبو عبيد: يعني أنَّ المكثر ربما خرج إلى الهجر، وهو الكلام القبيح. وقال أكثم بن صيفي: المكثار كحاطب الليل.
قال أبو عبيد: وإنّما شبهه بحاطب الليل لأنه ربما نهشته الحية أو لسبته العقرب في احتطابه ليلا، قال: فكذلك هذا المهذار ربما أصابه في إكثاره بعض ما يكره وقال أكثم أيضاً: الصمت يكسب أهله المحبة وقال غيره من الحكماء الندم على السكوت خير من الندم على القول. وقال الثالث: عيي صامت خير من عيي ناطق. وقال بعض أشياخنا: كان ربيعة الرأي مكثاراً، فسمعا أعرابي يوماً يتكلم، فلما كان عند انقضاء مجلسه سأله رجل: ما تعدون العي عندكم بالبادية؟ فقال الأعرابي: ما هذا فيه منذ اليوم، يعني إكثار ربيعة. ويروى في الحديث عن لقلمان الحكيم إنّه قال: الصمت حكم وقيل فاعله وقال علقمة بن علاثة الجعفري، وكان من حكماء العرب.

أول العي الاختلاط وأسوء القول الإفراط.

باب القصد في المدح وما يؤمر به من ذلك

قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا: من حفنا أورافنا فليقصد. ويقول: من مدحنا فلا يغلون في ذلك. ولكن ليتكلم بالحق منه. قال أبو عبيد: ومنه حديث مرفوع " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنت أفضل قريش قولاً، وأعظمها طولاً. فقال النبي عليه السلام: يا أيّها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان " . وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " إنَّ رجلاً أثنى عليه في وجهه فقال له علي: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك.
قال أبو عبيد: ترى معناه إنّه أتهمه بأنه يصفه بخلاف ما في قلبه وكان مورج العجلي يقول: من أمثالهم في إفراط المادح أنَّ يقولوا: شاكه أبا فلانٍ.
قال: وأصل هذا إنَّ رجلا كان يعرض فرسا له، فقال له رجل: أهذه فرسك التي كنت تصيد عليها الوحش؟ فقال له رب الفرس: شاكه أي قارب في المدح، والمشاكهة للشيء هو الذي يشبهه أو يدنو من شبهه. قال أبو عبيد: والعامة تقول في هذا المثل: دون ذا ينفق الحمار وكلام العرب هو الأول. ومن هذا قولهم: لا تهرف بما لا تعرف والهرف هو الإطناب وفي الثناء والمدح، ويروى عن وهب بن منبه إنّه قال: إذا سمعت الرجل يقول فيه من الخير ما ليس فيك فلا تأمن أنَّ يقول فيك من الشر ما ليس فيك.

باب الحض على صدق الحديث والنهي عن الكذب

وقال أبو عبيد من أمثالهم فيما يحثون عليه من الصدق قولهم: سبني وأصدق يقول إني لا أبالي إنَّ تسبني بما أعرفه من نفسي بعد أنَّ تجانب الكذب. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: إنَّ خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء.
حكي هذا عن عمر بن عبد العزيز يضرب للرجل يكذب ليتعذر من شيء فعله. قال أبو عبيد: وهذا كالمثل الذي تتكلم به العامة: عذره أشد من جرمه وقال بعضهم: دع الكذب حيث ترى إنّه ينفعك فانه يضرك وعليك بالصدق حيث ترى إنّه يضرك فانه ينفعك. وقال: رجل من الحكماء: لا تكذبن ولا تشبهن بالكذب وروينا عن أبن العباس وعائشة انهما قالا: الحدث حدثان، وحدث من فيك وحدث من فرجك وقال بعض العلماء لقوم: أعيدوا الوضوء فأن بعض ما تذكرون شر من الحدث.

باب الرجل يعرف بالكذب حتى يرد صدقه لذلك.

الأصمعي أو غيره قال: من هذا المثل قولهم: إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح.

قال: وأصله أنَّ اليقين بالبادية ينتقل في مياههم، ويقيم بالموضع أياما فيكسد عليه عمله، ثم يقول لأهل الماء: إني راحل عنكم الليلة، وإنَّ لم يرد ذلك، ولكنه يشيعه ليستعمله من يريد استعماله فكثر ذلك من قوله حتى صار لا يصدق. يضرب به للرجل يعرفه الناس بالكذب فلا يقبل قوله وإنَّ كان صادقا: قال نشهل بن حري الدارمي:
وعهد الغانيات كعهد قين ... ونت عنه الجعال مستذاق
وقال أبو عبيد: ومنه المثل السائر في العامة: من عرف بالصدق جاز كذبه ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.
قال: أبو عبيد ومما يحقق هذا المثل حكم الله تبارك وتعالى في الشهادة إنّها مردودة من أهل الفسوق، ولعلهم قد شهدوا بحق. وقال بعض الحكماء: الصد عز والكذب خضوع وقال آخر: لو لم يترك العاقل الكذب إلاّ مروءة لقد كان حقيقاً بذلك، فكيف وفيه المأثم والعار. وحكي الكسائي عن لسان العرب: إنَّ المرء ليكذب حتى يصدق فما يقبل منه.

باب الانتفاع بالصدق والمخافة من عاقبة الكذب

قال أبو عبيد: من أمثالهم فيما يخاف من مغبة الكذب قولهم: ليس لمكذوب رأي.
وكان المفضل بن محمّد الضبي، فيما بلغني عنه، يحدث إنَّ صاحب هذا المثل هو العنبر بن عمرو بن تميم بن مر، وقاله لأبنته الهيجمانة، وذلك إنَّ عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم كان يزورها، فنهاه قومه عن ذلك، فأبى حتى وقعت الحرب بين قومه وبين قومها، فأغار عليهم عبد شمس في حيشه، فعلمت به الهيجمانة فأخبرت أباها، قال: وقد كانوا يعرفون إعجاب الهيجمانة به كإعجابه بها. فلما قالت هذه المقالة لأبيها قال مازن بن مالك بن عمرو بن تميم: حنت ولا تهنت وأني لك مقروع.
قال: ومقروع هو عبد شمس بن سعد بن زيد مناة، كان يلقب به، فقال لها أبوها عند ذلك: أي بنية اصدقيني، أكذلك هو فأنه لا رأي لمكذوب فقالت: ثكلتك إنَّ لم أكن صدقتك

فانج ولا إخالك ناجيا

ً
فذهبت كلمته وكلمه وكلمتها وكلمة مازن أمثالا. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم فيما يخاف من غب الكذب قولهم: لا يكذب الرائد أهله.
وهو الذي يقدمونه ليرتاد لهم كلأ أو منزلا أو ماء أو موضع حرز يلجؤون إليه من عدو يطالبهم، فإنَّ كذبهم أو غرهم صار تبذيرهم على خلاف الصواب، فكانت فيه هلكتهم. قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا قولهم: الكذب داء والصدق شفاء.
وذلك إنَّ المصدوق يعمل على تقدير يكون فيه مصيبا، وإنَّ المكذوب على ضد ذلك

باب تصديق الرجل صاحبه عند إخباره إياه

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: صدقني سن بكره.
قال الأصمعي: وأصله أن رجلاً ساوم رجلا في بكرٍ أراد شراءه، فسأل البائع عن سنه فأخبره بالحق، فقال المشتري: صدقني سن بكره فذهبت مثلا. قال أبو عبيد: وهذا المثل نرويه عن على بن أي طالب رضي الله عنه، إنّه أتي فقيل له: إنَّ بني فلان وبني فلان اقتتلوا فغلب بني فلان، فأنكر ذلك، ثم أتاه آخر فقال: بل غلب بنو فلان " للقبيلة الأخرى " فقال علي: " صدقني سن بكره " وقد روي هذا المثل عن الأحنف بن قيس أيضاً إنّه خرج من عند معاوية وهو يقول: " صدقني سن بكره " وذلك لكلامٍ كان معاوية كامه به. قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في التصديق قولهم: القول ما قالت حذام.
قال أبو عبيدة: وسمعت أبي عبيدة وأحسبه أبن الكلبي، يقول: إنَّ هذا المثل للجيم بن صعب والد حنيفة وعجل أبني لجيم، وكانت حذام امرأة، فقال فيها زوجها لجيم:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإنَّ القول ما قالت حذامِ
هكذا ينشد بالخفض، مثل: رقاش وقطامِ ونحو ذلك، وهو موضع رفع. ومن التصديق حديث لبي بكر رحمه الله حين قالت له قريش: هذا صاحبك يخبر أنه سرى في ليلة إلى بيت المقدس وانصرف، فقال: إن كان قاله فقد صدق، فسمي بذلك الصديق.

باب الرجل المعروف بالكذب تكون منه الصدقة الواحدة أحيانا

ً
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا: إنَّ الكذوب قد يصدق.
قال أبو عبيدة: وهذا المثل قد يضرب أيضاً للرجل تكون الإساءة هي الغالبة عليه، ثم تكون منه الهنة من الإحسان. قال أبو عبيدة: ومثله قولهم: مع الخواطئ سهم صائب.
وهذا نحو قول العامة.
رُبَّ رميةٍ من غير رامٍ.

باب الرجل المعروف بالإصابة والصدق تكون منه الزلة والسقطة.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا:

لا يعدم الحسناء ذماً قال أبو عبيد: والذم: هو العيب وفيه لغتان ذم وذيم. ومنه قولهم: لكل جوادٍ كبوة، ولكل صارمٍ نبوة ولكل عالمٍ هفوة.
ومثل العامة في هذا.
إنَّ الجواد قد يعثر.
قال أبو عبيد: وقد يضرب هذا المثل في غير المنطق أيضاً، وذلك كالرجل يكون الغالب عليه أفعال الأمور الجميلة، ثم تكون منه الهفوة والزلة. ومثله قول أبي الدرداء الأنصاري: من لك بأخيك كله.
وكذلك قولهم: أيُّ الرجال المهذب.
ومنه قول النابغة الذبياني:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أيُّ الرجال المهذبُ
قال أبو عبيد: معاني هذه الأمثال كلها أنه ليس أحد يخلو من عيب يكون فيه، فإذا كان الغالب على الرجل الإحسان اغتفرت سقطته. ومنه الحديث المرفوع: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم.
وكذلك مقالة أبي عبيدة بن الجراح لعمر: ما سمعت منك فهةً في الإسلام قبلها.
وكان عمر قد قال له: " ابسط يدك أبايعك " .

باب إصابة الرجل في منطقه مرة وأخطائه مرة.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا أن يقال: شخبٌ في الإناء وشخبٌ في الأرض.
قال: واصله الحالب يحلب فيصيب مرة فيسكب في إنائه، ويخطئ مرة فيحلب في الأرض. يضرب للرجل يخطئ ويصيب. قال الأصمعي: هو يشوب ويروب.
قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: يشج مرةً ويأسو مرةً.
أي يفسد أحياناً، ويصلح أحياناً. وقال الأحمر: ويقال في نحو هذا: اطرقي وميشي.
وأصله خلط الشعر بالصوف، يقول: فكذلك هذا يخلط في كلامه بين صواب وخطأ، قال رؤية بن العجاج: في ذلك
عاذل قد أولعت بالترقيش ... إليَّ سراً فاطرق وميشي
قال الزبير: من أمثال العامة في هذا: سهمٌ عليك وسهمٌ لك.

باب سوء المسألة والإجابة في المنطق.

قال الأصمعي: من أمثالهم في المجيب على غير فهم: أساء سمعاً فأساء جابةً.
قال أبو عبيد: هكذا تحكى هذه الكلمة " جابة " بغير ألف، وذلك لأنه اسم موضوع، يقال: أجابني فلان جابة حسنةً، فإذا أرادوا المصدر قالوا: أجاب إجابة، بالألف قال الزبير: وأصل هذا فيما أخبرني به محمد بن سلام قال: كان لسهل بن عمرو أبن مضعف، قال: فقال إنسان يوماً: أين أمك؟ يريد: أين تؤم؟ فظن أنه يقول أين أمك؟ قال: فحسبته قال: ذهبت تشتري دقيقاً، فقال سهيل: " أساء سمعاً فأساء جابةً " فأرسلها مثلاً، فلما انصرف إلى زوجته أخبرها بما قال ابنها فقالت: أنت تبغضه فقال: أشبه امرؤ بعض بزه.
فأرسلها مثلاً أيضاً قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في سوء السمع والإجابة: حدث حديثين امرأةً، فإن لم تفهم فأربعةً.
وهذا المثل نرويه عن عامر الشعبي أنه تمثل به. " قال الزبير بن بكار: وقد تمثل به النعمان بن بشير الأنصاري على المنبر: أخبرني محمد بن الضحاك عن أبيه، ومحمد بن فضالة يزيد أحدهما على صاحبه، أنَّ النعمان بن بشير بلغه حيث مات معاوية كلام عن بعض أهل الكوفة وهو عامل عليها، فرقي المنبر فقال: يا أهل الكوفة، إنَّ مثلي ومثلكم الضبع والثعلب، أتيا الضب يحتكمان إليه، وكان حكم الدواب والسباع في الجاهلية فجاءه فقالت الضبع: يا أبا الحسيل، قال: سميعاً دعوت.
قالت: اخرج فاحكم بيننا، قال: في بيته يؤتى الحكم.
قالت: إني خرجت أتمشى قال: " فعل الحرة فعلت " قالت: فلقطت تمرة، قال: " طيباً لقطت " قالت: فاختلستها ثعالة، قال: " لنفسه بغى " قالت: فلطمته فلطمني، قال: كان حراً فانتصر لنفسه.
قالت: اخرج فاقض بيننا، قال: " حدث المرأة حديثين فإن أبت فعشرةً " ولم يذكر محمد بن فضالة النعمان، إنّما ذكر الحديث قال أبو عبيد: وقد رواه بعضهم " حدث حديثين امرأة فإن لم تفهم فأربع " أي كف عنها واسكت.
قال أبو عبيد: ومثلهم في سوء المسألة إذا عجل بها قبل أوانها قولهم: إليك يساق الحديث.
قال أبو عبيد: وهذا مثل قد ابتذلته العامة. قال الزبير: وكان أصل قولهم: " إليك يساق الحديث " فيما بلغني أنَّ رجلا خطب امرأة إلى نفسها فجعل يكلمها ويصف لها نفسه، وهي مع نسوة وجعل كلما كلمته يتحرك ذلك منه حتى يصف الثوب فجعل يضربه بيده ويقول: " إليك يساق الحديث " قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: ربما كان السكوت جواباً.
يقال ذلك للرجل الذي يجل خطوه عن أن يكلم بشيء فيجاب بالترك للجواب.

باب الرجل يطيل الصمت ثم ينطق بالفهاهة والزلل.

قال أبو عبيدة: من أمثالهم في هذا: سكت ألفاً ونطق خلفاً.
قال أبو عبيد: والخلف من القول هو السقط الرديء، كالخلف من الناس، وهذا المثل كقول الشاعر:
وكائن ترى من صامتٍ لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلمِ
و هذا البيت يروى عن الأحنف بن قيس، وذلك أنه كان يجالس رجل يطيل الصمت حتى أعجب به الأحنف ثم إنّه تكلم فقال للأحنف: يا أبا بحر أتقدر أن تمشي على شرف المسجد؟ فعندها تمثل الأحنف بهذا البيت.

باب الرجل يعرف بالصدق ثم يحتاج إلى الكذب.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: عند النوى يكذبك الصادق.
وكان المفضل يخبر بحديثه أنَّ رجلاً كان له عبد لم يكذب قط، فبايعه رجل ليكذبنه، وجعلا الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فقال الرجل لسيد العبد: دعه يبت عندي الليلة، ففعل فأطعمه لحم حوار وسقاه لبناً حليباً في سقاء حازر فلما أصبحوا تحملوا وقالوا للعبد: الحق بأهلك، فلما توارى عنهم نزلوا، فأتى العبد سيده فسأله فقال: أطعموني لحماً لا غثاً ولا سميناً وسقوني لبناً لا محمضاً ولا حقيناً وتركتهم قد ظعنوا فاستقلوا فساروا بعد أو حلوا " و في النوى يكذبك الصادق " فأرسلها مثلاً وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.
ٍقال أبو عبد الله الزبير بن بكار: ومما يشبهه حديث أخبرني به محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان الحجاج قد حبس الغضبان أبن القبعثرى، فدعا به يوماً وقال: زعموا أنه لم يكذب قط، وليكذبن اليوم، فقال له لمّا أتي به: سمنت يا غضبان، قال: " القيد والرتعة " .
والخفض والدعة، وقلة التعتعة، ومن يك ضيف الأمير يسمن، قال: أتحبني يا غضبان؟ قال: " أو فرقاً خيرٌ من حبين " قال: لأحملنك على الأدهم، قال: مثل الأمير حمل على الأدهم والكميت والأشقر، قال: إنه حديد، قال: لأن يكون حديداً خير من أن يكون بليداً.

باب حفظ اللسان في كتمان السر وترك النطق به.

قال أبو عبيدة: من أمثالهم في الإصغاء بكتمان السر قولهم: صدرك أوسع لسرك.
أي فلا تفشه إلى أحد. ومنه قول أكثم بن صيفي: لا تفش سرك إلى أمةٍ ولا تبل على أكمة.
قال أبو عبيد: وهذا مثل قد ابتذله الناس. ومن تحصينهم للسر مقالة الرجل لأخيه في الأمر يسره إليه: اجعل هذا في وعاءٍ غير سربٍ.
قال: وأصله في السقاء السائل، وهو السرب يقول: فلا تبد سري كإبداء السقاء ماءه سائل. وقد قال بعض الحكماء: السر أمانة.
وفي الحديث المرفوع " إذا حدث الرجل الرجلٍ بحديث فالتفت فهو أمانة " فقد جعله أمانة وإن لم يستكتمه. وقال أبو محجن الثقفي:
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرضٍ ... وأكتم السر فيه ضربة العنقِ
و قال قيس بن الخطيم الأنصاري:
إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... بنثٍّ وتكثير الوشاة قمينُ
و قد أكثرت الشعراء في هذا المعنى. وقال رجل من سلف العلماء: كان يقال: أملك الناس لنفسه من كتم سره من صديقه وخليله.
قال أبو عبيد: أحسب ذلك للنظر في العاقبة ألا يتغير الذي بينهما يوماً ما فيفشي سره. ومن أمثالهم: سرك من دمك.
يقال: ربما أفشيته فيكون سبب حتفك.

باب إعلان السر وإبداؤه بعد كتمانه

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: صرح الحق عن محضه.
أي انكشف لك الأمر بعد ستره.
قال الزبير: صرح وحصحص بمعنى، قال: " قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقُ " قال أبو عبيد: ومثله قولهم.

أبدي الصريح عن الرغوة.

أي ظهر ما كانوا يخفون. قال الزبير: النجيث: ما كان مدفوناً فنجثوه وكذلك النبيث. قال الأصمعي وأبو زيد: فإذا ظهر الأمر الظهور كله حتى لا يستتر منه شيء قيل: قد بين الصبح لذي عينين.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: قد أفرخ القوم بيضتهم.
وأصله خروج الفرخ من البيضة، يقول: قد أبدى هؤلاء أمرهم كما تفرخ الحمامة بيضها، قاله الأصمعي وأبو زيد. قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا.
برح الخفاء.

باب إسرار الرجل إلى أخيه بما يستره من غيره

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا.

أفضيت إليه بشقوري.

أي أخبرته بأمري، وأطلعته على ما أسره من غيره. وقال العجاج في الشقور:
جارى لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري

وكثرة الحديث عن شقوري ... وحذري ما ليس بالمحذورِ
"
جارى " يريد: يا جارية، فرخم. ومعنى الشعر: يا جارية سيري ولا يستنكري عذيري وإشفاقي بعيري وكثرة الحديث عن شقوري. قال الأصمعي: ومثله قولهم: أخبرتهم بعجري وبجري.
أي أظهرته من ثقتي به على معايبي. قال أبو عبيد: وأصل العجر العروق المتعقدة، وأما البجر فهي أن تكون تلك في البطن خاصة. قال أبو عبيد: والعامة إذا أرادت هذا المعنى قالوا: لو كان بجسدي برص ما كتمته.
ومن أمثالهم في الكتمان: الليل أخفى للويل.
يقول: فافعل ما تريد ليلاً فإنه أستر لسرك.

باب الحديث يستذكر به حديث غيره

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: الحديث ذو شجون.
وكان المفضل بن محمد يحدث بهذا المثل عن ضبة بن أد، قال: وكان بدء ذلك أنه كان له ابنان، يقال لأحدهما سعد وللأخر سعيد، فخرجا في طلب إبل لهما، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فكان ضبة كلما رأى شخصاٍ مقبلاً قال: أسعد أم سعيد.
فذهبت كلمته هذه مثلا قال: ثم إنَّ ضبة بينما هو يسير ومعه الحارث بن كعب في الشهر الحرام إذ أتيا على مكان، فقال الحارث بضبة: أترى هذا الموضع، فإني لقيت به فتى من هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت منه هذا السيف فإذا هي صفة سعيد ابنه، فقال له ضبة: أرني السيف أنظر إليه، فناوله فعرفه ضبة فقال عندها: " إنَّ الحديث ذو شجون " فذهبت كلمته الثانية مثلا أيضاً. ثم ضرب به الحارث حتى قتله، قال: فلامه الناس في ذلك وقالوا: أتقتل في الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيف العذل.
فذهبت كلمته الثالثة مثلا أيضاً. قال: وفيه يقول الفرزدق:
فلا تأمنن الحرب إنَّ استعارها ... كضبة إذ قال الحديث شجونُ
ويقال: إنَّ قوله: " سبق السيف العذل " لخزيم بن نوفل الهمذاني. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في ذكر الشيء بغيره قولهم: ذكرتني الطعن وكنت ناسياً.
وكان أصله أنَّ رجلا حمل عليه رحل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رمح، فأنساه الدهش والجزع ما في يده، فقال له الحامل: ألق الرمح. فقال الآخر: ألا أرى معي رمحاً وأنا لا أشعر " ذكرتني الطعن وكنت ناسياً " ثم كرم الله وجهه على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه، وقد يسمى هذان الرجلان فيقال: إنَّ الحامل صخر بن معاوية السلمي، والمحمول عليه يزيد بن الصعق. أبو الحسن قال: أخبرني أبو محمد قال: المحمول عليه أبو ثور ربيعة بن فلان الفقعسي حمل عليه صخر فقال له: ألق الرمح فقال: " ذكرتني الطعن وكنت ناسياً " فطعنه فأدخل بعض حلق الدرع في بطنه فجوى عنه فمات قال الزبير: هو صخر بن عمرو أخو الخنساء وأخو معاوية.

باب العذر يكون للرجل ولا يمكنه أن يبديه

قال الأصمعي: من أمثالهم في مثل هذا: رُبَّ سامع بخبري لم يسمع عذري.
يقول: إني لا أستطيع أن أعلنه لأنَّ في الإعلان أمراً أكرهه، ولست أقد أن أوسع الناس عذراً. ومن هذا قول أكثم بن صيفي: رُبَّ ملومٍ لا ذنب له.
يقول: قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه، وهم لا يعرفون حجته وعذره، فهو يلام. وكذلك قول الآخر: كلُّ أحدٍ أعلم بشأنه.
يقول: إنه لا يقدر على إظهاره أمره كله وإبدائه ومنه قولهم: لعل له عذراً وأنت تلوم.
وفي بعض الحديث: " لا ينبغي لحاكم أن يسمع شكية أحد إلا ومعه خصمه " قال أبو عبيد: لكيلا يسبق إلى قلبه على الآخر شيء قبل أن يعرف ما عنده قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: المرء أعلم بشأنه.
يقول: إنه لا يقدر أن يفشي للناس من أمره كل ما يعلم.

باب الاعذار في غير موضع العذر.

قال أبو زيد الأنصاري: من أمثالهم في هذا: أبى الحقين العذرة.
قال: وأصله أنَّ رجلاً ضاف قوماً فاستسقاهم لبناً، وعندهم لبن قد حقنوه في وطب، فاعتلوا عليه واعتذروا، فقال: " أبى الحقين العذرة " أي إنَّ هذا الحقين يكذبكم، وقال أبو زيد في مثل هذا: لا تعدم الخرقاء علةً.
قال أبو عبيد: يريد أنَّ العلل يسيرة، يعني: سهلة موجودة، قد تحسبنها الخرقاء فضلاً عمن يعقل، فلا ترضوا بها لأنفسكم حجة. قال الزبير: ومنه قولهم: " لا يعدم المذنب عذراً " وقال أبو عبيدة في مثل هذا: ترك الذنب أيسر من الاعتذار.
قال أبو عبيد: والعمة يقولون: ترك الذنب أيسر من طلب التوبة.
وفي بعض الآثار:

إياك وما يعتذر منه.
وروى عن إبراهيم النخعي إنّه اعتذر إليه رجل فقال: قد عذرتك غير معتذر، يقول: إنَّ المعاذير يشوبها الكذب.
وقال مطرف أبن الشخير.
المعاذير مكاذب.

باب التعريض بالشيء يبديه الرجل وهو يريد غيره

أبو زيد والأصمعي قالا: من أمثالهم في هذا قولهم: أعن صبوح ترقق! قال أبو عبيد: وكان المفضل يخبر بأصله قال: كان رجل نزل بقوم ليلاً فأضافوه وغبقوه، فلما فرغ قال: إذا صبحتموني غداً فكيف آخذ في حاجتي؟ فقيل له عند ذلك: " أعن صبوحٍ ترقق " والصبوح هو الغداء والغبوق هو العشاء، وإنما أراد الضيف بهذه المقالة أن يوجب الصبوح عليهم، فصار مثلاً لكل من كنى عن شيء وهو يريد غيره. وقد روى هذا المثل عن عامر الشعبي أنه قاله لرجل سأله عمن قبَّل أم امرأته فقال: أعن صبوح ترقق، حرمت عليه امرأته. قال أبو عبيد: طن الشعبي، فيما أحسب، أنه أراد غير القبلة فكنى بها عن ذلك. وقال أبو زيد والأصمعي في مثل هذا أيضاً: يس حسواً في ارتغاء.
قال الأصمعي: واصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة، ولا يريد غيرها، فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن. والارتغاء هو شرب الرغوة، يقال: منه ارتغت ارتغاء. ومن التعريض قولهم: إياك أعني فاسمعي يا جاره.
ويروى عن بعض العلماء أنَّ المثل لسهل بن مالك الفزاري، قاله لأخت حارثة بن لأم الطائي. وقد قال غير أبي عبيد لنهشل. قال: وللعامة مثل قد ابتذلوه في هذا حتى يتكلم به ولدانهم وهو يقول: بعلة الورشان يأكل رطب المشان

باب الامتنان بالأيادي يذكرها المنعم عن نفسه.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد.
واصله أن ينضج شواءه ثم يلقيه في الرماد. وهذا المثل جاءنا عن عمر بن الخطاب رحمه الله. ويضرب للرجل يصطنع المعروف، ثم يفسده بالمن والأذى، وقد يقال هذا أيضاً للذي يبتدئ بالإحسان ثم يعود عليه بالإفساد. وقال بعضهم في مثله: المنَّة تهدم الصنيعة.
قال أبو عبيد: ومن المن أيضاً قول أكثم بن صيفي: فضل القول على الفعل دناءة وفضل الفعل على القول مكرمة.
وقد يضرب هذا للرجل يكون ادعاؤه أكثر من صنيعه.
وحكي عن بعض حكماء العرب أنه قال لبنيه: يا بني، إذا اتخذتم عند رجل يداً فانسوها قال أبو عبيد: يقول: حتى لا يقع في أنفسكم الطول على الناس بالقلوب، ولا تذكروها بالألسنة.

باب الامتنان بالصنيعة التي قد انتفع بها الممتن.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في نحو هذا قولهم: كالممهورة من مال أبيها.
واصله أنَّ رجلاً أعطى رجلاً مالاً، فتزوج به ابنة المعطي، ثم إنَّ الزوج امتن عليها بما مهرها به منه. ومثله: كالممهورة إحدى خدمتيها.
قال أبو عبيد: وقد يضرب هذا أيضاً في الحمق فيقال: أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها.
وذلك إنَّ رجلاً كانت له امرأة حمقاء فطلبت مهرها منه، فنزع إحدى خلخاليها من رجلها ، وهما الخدمتان، ودفعه إليها وقال: هذا مهرك فرضيت به.

باب حمد الإنسان قبل إخباره.

قال عليٌّ الأحمر: من أمثالهم في هذا: لا تحمدن أمةً عام اشتريتها ولا حرة عام بنائها.
قال أبو عبيد: معناه أنها تصنع لأهلها لجدة الأمر، وإن لم يكن ذلك شأنها، وهذا مثل لكل من حمد قبل أن يختبر، ومنه البيت السائر في الناس:
لا تحمدن امرءاً حتى تجربه ... ولا تذمنه من غير تجريبِ
ومن هذا المعنى قولهم: لا تهرف قبل أن تعرف.
والهرف: الإطناب في الحمد والثناء. وفي بعض الحديث " لا تعجلو بحمد الناس ولا بذمهم فإنَّ أحدكم لا يدري ما يختم له به " .

باب دعاء الرجل لصاحبه بالخير في الغيبة وغيرها.

قال الأصمعي: يقال في هذا للقادم من سفر: خير ما رد في أهل ومالٍ.
أي جعل الله ما جئت به خير ما رجع به الغائب.
قال سلمة: والذي روينا في هذا أنَّ مجيئك بنفسك خير ما رد في أهلك ومالك قال الأصمعي: ومن الدعاء قولهم: عرفني نساها الله.

أي أخر الله أجلها وأطال عمرها، قال: وكان أصله أنَّ رجلاً كانت له فرس، فأخذت منه، ثم رآها بعد ذلك في أيدي قوم، فعرفته فحمحمت حين سمعت كلامه، فقال عند هذه المقالة، فذهبت مثلا. هذا قول الأصمعي، وأما غيره فقال: إنَّ هذا المثل لبيهس الذي يعرف بنعامة وإنّما لقبها لطول ساقيه، وكان طويل الرجلين، فرأته امرأته بليل فقالت: نعامة والله، فقال: عرفتني نساها الله، وقال أبو محمّد الأموي، واسمه عبد الله بن سعيد: من دعائهم في هذا قولهم: بلغ الله بك أكلاً العمر.
أي أقصاه قال الزبير بن بكار القاضي: أكلا العمر: أحفظ العمر، تقول للرجل: كلأك الله، وانشد قول الشاعر:
كلاك الله حيث عزمت وجهاً ... وحاطك في المبيت وفي المقيل
قال أبو عبيد: يقولون للرجل الذي يعجب من كلامه أو غير ذلك من أموره: عيل ما هو عائله.
أي غلب ما هو غالبه. قال أبو عبيد: وأصل العول الميل، ويروى في تفسير قول الله جل ثناؤه )ذلك أدنى ألا تعولوا( إنّه الميل والجور وقال أبو عمر والشيباني من أمثالهم في الدعاء.

نعم عوفك

وتأويله نعم بالك وشانك، ونحو هذا، قال أبو عبيد: وكان بعض الناس يتأولون العوف الفرج، فذكرته لأبي عمرو فأنكره.
قال أبو عبيد: ومن دعائهم في النكاح: على بدء الخير واليمن.
وقد روينا هذا الكلام في حديث عبيد لم عمير الليثي. ومنه قولهم: بالرفاء والبنين وقد فسرناه في غريب الحديث. قال الأصمعي: ومن دعائهم بالخير قولهم: هنئت ولا تنكه.
أي أصبت خيراً ولا أصابك الضر، يدعو له. قال أبو عبيد: ومن دعائهم في موضع المدح قولهم: هوت أمه، وهبلته أمه ومنه قول كعب بن سعد الغنوي:
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا ... وماذا يودي الليل حين يؤوب
و من هذا المعنى قول امرئ القيس: ماله ما عد من نفره أي لا د من فخره، أي من عدده الذين يفخر بهم فهم يدعون عليه بالهلاك، وإنّما هذا على وجه الحمد له، وهو نحو قولهم: " قاتله الله، وأخزاه الله " إذا أحسن في الشعر يقوله.

باب ذكر الغائب

يذكر فيرى أو يرى الإنسان الشيء فيذكر به ما قد نسيه.
قال أبو عبيدة: من أمثالهم في الغائب يذكر فيرى: أذكر الغائب يقترب.
قال أبو عبيد: ومثله.

أذكر الغائب تره.

وهذا المثل يروى عن عبد الله بن الزبير إنّه ذكر المختار بن أبي عبيد يوماً، وسأل عنه والمختار يومئذ بمكة قبل أنَّ يقدم العراق، فبينا هو في ذكره إذ طلع المختار، فقال أبن الزبير: اذكر غائبا تراه قال أبو عبيد: وهذا الذي جاء فيه الحديث إنّه من أشراط الساعة، فهذا ما في الإنسان، يذكر فيرى وأما مثلهم في الإنسان يرى الشيء فيذكر به ما قد نسيه فقولهم: ذكرني فوك حمار أهلي.
وكان المفضل فيما يحكى عنه، يقول: كان أصله أنَّ رجلاً خرج يطلب حمارين كانا ضلا عنه، فرأى امرأة متنقبة فأعجبته حتى نسي الحمارين فتبعها، فلم يزل يطلب إليها حتى سفر له: فإذا هي فوهاء، فحين رأى أسنانها ذكر الحمارين فقال: ذكرني فوك حمارا أهلي قال أبو الحسن: وأنشدني الزبير قول الشاعر في البرقع:
إذا بارك الله في خرقةٍ ... فلا بارك الله في البرقع
يواري الملاح ويفخي القباح ... فهذا يضر ولا ينفع

باب إنجاز الموعد والوفاء به.

قال أبو عبيد: روى علماؤنا في حديث مرفوع.

العدة عطية.

ورووا عن عوف بن النعمان الشيباني إنّه قال في الجاهلية الجهلاء: لأن أموت عطشاً أحب إليَّ من أكون مخلاف الموعدة. وعن عوف الكلبي إنّه قال: آفة المروءة خلف الموعد.
قال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي: أنجز حر ما وعد.
وكان المفضل يحدث إنَّ الحارث قال ذلك لصخر بن نشهل بن دارم، وكان له مرباع بني حنظلة، فقال له الحارث: هل أدلك على غنيمة ولي خمسها؟ فقال صخر: فدله على قبيله فأغار عليهم بقومه فظفر وغنم، فقال له الحارث: أنجز الحر ما وعد، فذهبت قولهم: مثلاً ووفى له صخر بما قال. قال أبو عبيد: ومن هذا المعنى مثل العرب السائر في العامة والخاصة

الوفاء من الله بمكان.

وحمد الله عز وجل إسماعيل النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه للموعد فقال؛ " إنّه كان صادق الوعد " وروي عن عبد الله بن عمرو إنّه كان وعد رجلاً من قريش إنَّ يزوجه ابنته، فلما كان عند موته أرسل إليه فزوجه وقال: " كرهت إنَّ ألفى الله. بثلث النفاق " .

جماع الأمثال التي في معايب المنطق

باب المثل في العار والقالة السيئة وما يحاذر منها وإنَّ كانت باطلا.
قال أبو عبيد. ومن أمثالهم في هذا قولهم: حسبك من شر سماعة.
قال: أخبرني هشام بن الكلبي أنَّ المثل لأم الربيع بن زياد العبسي قال: وكان سبب ذلك أنَّ ابنها الربيع كان أخذ من قيس بن زهير بن جذيمة درعا، فعرض قيس لأم الربيع، وهي على راحلتها في مسير لها، فأراد إنَّ يذهب بها ليرتهنها بالدرع، فقالت له: أين عزب عنك عقلك يا قيس؟ أترى بني زياد مصالحيك وقد ذهبت بأمهم يميناً وشمالاً، فقال الناس ما شاووا، وإنَّ حسبك من شر سماعه، فذهبت مثلا. تقول: كفى بالله عاراً، وإنَّ كانت بطلاً. قال أبو عبيد: وكان المفضل، فيما يحكى عنه، يذكر هذا الحديث، ويسمي أم الربيع ويقول: هي فاطمة بنت الخرسب من بني أنمار بن بغيض قال الزبير: هي أم أنمار، وليست من أنمار.
قال أبو عبيد: ومن ذلك أيضاً قولهم: قد قيل ذلك إنَّ حقا وإنَّ كذباً.
أخبرني أبن الكلبي أيضاً أنَّ هذا المثل للنعمان بن المنذر الملك، قاله للربيع بن زياد، وكان النعمان له مكرما معظماً، فبغاه لبيد بن ربيعة عنده لشيءٍ كان بينهما فدخل لبيد على النعمان والربيع يتغدى معه، فأنشد لبيد: مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه في أبيات ذكر فيها أنَّ به برصا في موضع يسمج ذكره. وكانت العرب تتطير من البرص، فلما سمعها النعمان أمسك عن الطعام، فقال الربيع: أبيت اللعن، إنَّ لبيداً كاذب، فعندها قال: النعمان وأنشد البيت:
قد قيل ذلك إنَّ حقاً وإنَّ كذباً ... فما اعتذارك من شيءٍ إذا قيلا
ثم ترك النعمان مؤاكله الربيع بعد ذلك.

باب تعيير الإنسان صاحبه بعيب هو فيه

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا.

رمتني بدائها وانسلت.

قال أبو عبيد: ويحكى عن المفضل إنّه كان يقول: هذا المثل قيل لرهم بنت الخزرج من كلب. وكانت امرأة سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان لها ضرائر، فسابتها إحداهن يوما فرمتها رهم بعيب هو فيها. فقالت ضرتها: " رمتني بدائها وانسلت " فذهبت مثلاً.
قال أبو عبيد: وللعامة في هذا مثل مبتذل، وهو قولهم: عير بجير بجره، نسى بجير خبره.
ومنه البيت السائر في الناس للمتوكل الكناني ثم الليثى:
لا تنهى عن خلقٍ وتركب مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
قال الأصمعي: ومثله قولهم: محترس من مثله وهو حارس.
يضرب للرجل يعيب الفاسق لفعله، وهو أخبث منه. قال أبو عبيد: ومنه الحديث الذي يروى إنَّ في بعض الحكمة: كيف تبصر القذاة في عين أخيك وتدع الجذع المعترض في حلقك وروى عن مطرف بن الشخير أو عن غيره من العلماء إنّه قال لأصحابه: لو كنت عن نفسي راضياً لقليتكم، ولكني عنها غير راضٍ. وفي بعض الآثار: البلاء موكل بالقول وهو مع هذا من أمثالهم السائرة. وقال إبراهيم النخعي: " إني لأرى الشيء مما يعاب فما يمنعني من عيبه إلاّ المخافة إنَّ أبتلى به. وقال عمرو بن شرحبيل: لو عيرت رجلاً برضاع الغنم لخشيت إنَّ أرضعها. ومن أمثالهم في هذا: لا تسخر من شيء فيحور بك.

باب رمى الرجل صاحبه بالمعضلات أو بما يسكته

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا أنَّ يقولوا: رماه بأحقاف رأسه.
قال الأصمعي: ومثله قولهم: رماه بثالثة الأثافي.
والثالثة من الأثافي هي القطعة من الجبل تجعل إلى جنبها أثفيتان، فتكون الثالثة هي القطعة المتصلة بالجبل. قال خفاف بن ندبة، وهي أمه:
وإنَّ قصيدة شنعاء مني ... إذا حضرت كثالثة الأثافي
و قال الكسائي: يقال إذا بهته بعظيمة قالوا: باللعيضهة، وياللأفيكة، وياللبهيتة.
قال أبو عبيد: ومعناها كلها إنّه رماه بالبهتان. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: كأنما أفرغ عليه ذنوباً وذلك إذا كلمه بكلمة عظيمة يسكته بها.

باب دعاء الإنسان على صاحبه بالموبقات.

قال أبو زيد: من أمثالهم في الدعاء قولهم: فاها لفيك.

قال: ومعناها الخيبة لك. قال أبو عبيد: وأصله إنّه يريد: جعل الله لفيك الأرض، كما يقال: " بفيك الإثلب وبفيك الحجر " ونحوه من الدعاء. وقال رجل من بلهجيم:
فقلت له فاها لفيك: فإنّها ... قلوص امرئٍ قاريك ما أنت حاذره
"
قاريك " يعني يقريك، من " القرى " ومن أمثالهم في نحو هذا: لليدين وللفم.
معناه: كبه الله ليديه ولفمه. وهذا الكلام يروى عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أنها قالته لرجل أصابه نكبة ومثله قولهم: للمنخرين.
وهذا يروى عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إنّه قال لرجل أتي به سكران في شهر رمضان، فعاقبه وقال: للمنخرين للمنخرين، أولداننا صيام وأنت مفطر؟! ومعناه كبه الله لمنخريه. وقال الأحمر: من دعائهم في هذا.

بجنبه فلتكن الوجبة.

يعني الصرعة. وقال الأموي في نحوه: من كلا جانبيك لا لبيك.
أي لا تكون لك التلبية والسلامة، لأن التلبية هي الإقامة بالمكان. وقال الأصمعي: ومن دعائهم.

جدع الله مسامعه.

ومعناه القطع، يريدون الأذنين، وما قولهم: استكت مسامعهم.
فانه الصمم. ومن الدعاء قولهم: عقراً حلقاً وأهل الحديث يقولون: " عقرى حلقي " وقد فسرناه في غريب الحديث ومن الدعاء عند الشماتة: به لا بظبي.
أي جعل الله ما أصابه لازماً له، ومنه قول الفرزدق:
أقول له لمّا تأني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
قال أبو عبيد: ومن دعائهم: لا لعاً لفلانٍ.
أي لا أقامه الله، ومنه قول الأعشى في الناقة:
بذات لوثٍ عفرناةٍ إذا عثرت ... فالتعس أدنى لها من أنَّ أقول لعا
و قال الأخطل:
فلا هدى الله قيسا من ضلالتها ... ولا لعاً لبني ذكوان إذ عثروا

باب الملاحاة والتشاتم.

قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي في هذا: من لاحاك فقد عاداك.
ومن حديث مرفوع إنَّ أوّل ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان شرب الخمر وملاحاة الرجال. وفي بعضه " إنَّ أربي الربا شتم الأعراض، وأشد الشتم الهجاء، والراوية أحد الشاتمين " . وقال الأصمعي: يقال: من نجل الناس نجلوه.
أي من شارهم شاروه. وقال أبو عبيد: يقال للرجل البذئ: لا يحسن التعريض إلاّ ثلباً.
يقول : إنّه سيفه يصرح بمشاتمه الناس من غير كناية ولا تعريض. والثلب هو الطعن في الأنساب، وهي المثالب. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: سيفه لو يجد مسافهاً.
وهذا المثل يروى عن الحسن بن علي إنّه قال لعمرو بن الزبير، قال الزبير: أنشدني محمّد بن مسعر لحاجب بن زرارة:
أغركم إني بأحسن شيمةٍ ... رفيق وإني بالفواحش أخرق
وانك قد فاحشتني فغلبتني ... هنيئاً مريئا أنت بالفاحش أرفق
ومثلي إذا لم يجز أفضل سعيه ... تكلم نعماه بفيه فتنطق
و قال أبو عبيد: وإذا عرف الرجل بالشرارة، ثم جاءت منه هنة قيل: إحدى حظيات لقمان.
أي إنّها من فعلاته. وأصل الحظيات المرامي، واحدتها حظية، وتكبيرها خطوة، وهي التي لا نصل لها من المرامي. ويروى عن يزيد بن المهلب فيما أوصى به ابنه مخلد بن يزيد: إياك وأعراض الرجال، فإنَّ الحر لا يرضيه من عرضه شيء، واتق العقوبة في الأبشار فإنّها عار باق، ووتر مطلوب. وروي عن الفضيل بن بزوان وكان حكيما أنَّ رجلاً قال له: بلغني انك وقعت في: فقال له: أنت إذاً اكرم علي من نفسي. وجاءنا عن الشعبي إنَّ رجلاً قال فيما أترك، فلما فرغ قال له الشعبي: إنَّ كنت صادقا فغفر الله لي، وإنَّ كنت كاذبا فغفر الله لك. وسمع الشعبي أيضاً قوماً ينتقصونه فقال.
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
و قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الرجل يعجل إلى الرجل بالقول: استقدمت رحالتك.
قال أبو عبيد: ويروى عن أبن عمر إنّه قال: إني وأخي عاصماً لا أشتم أحداً، يعني عاصم بن عمر بن الخطاب رحمه الله، ويروى عن عاصم أيضاً إنَّ جاراً له نازعه في أرض ادعياها من كلاهما، فقال الرجل لعاصم: إنَّ كنت رجلاً فضع قدمك فيها، فقال له عاصم: أوقد بلغ بك الغضب ما أرى إنَّ كانت هذه الأرض لك، وإنَّ كانت لي فهي لك، فاستحيا منه الرجل فتركها: وأبى عاصم أنَّ بقبلها. ومن الأمثال المشهورة في الشتم أنَّ يقال:

من سبك؟ فيقال: الذي أبلغك.

باب المماكرة والخلابة

قال الأصمعي: يقال: فتل في ذروته.
أي خادعه حتى أزاله عن رأيه. قال أبو عبيد: ويروى عن أبن الزبير إنّه حين سأل عائشة أم المؤمنين الخروج إلى البصرة أبت عليه: فما زال بفتل في الذروة والغارب حتى أجابته. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في المماكرة: ضرب أخماسا لأسداس.
وأنشدنا غيره:
إذا أراد امرؤ مكراً جنى عللا ... وظل يضر أخماسا لأسداس
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الخديعة والمكر قولهم: الذئب يأدو للغزال.
أي يختله ليوقعه. قال الأصمعي: ومن أمثالهم: من يأت الحكم وحده يفلج.
قال أبو عبيد: وهذا من غير هذا الباب، ولكن فيه بعضه. يضرب للرجل يسبق إلى الحاكم فيلقي في قلبه التهمة على صاحبه. وهو ضرب من المكايدة. قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم: المعافى ليس بمخدوع.
وأحسبهم يعنون إنّه إذا عوفي لم يضره ما كان خودع به قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الخداع قولهم: فلان يقرد فلاناً.
أي يحتال له ويخدعه حتى يستمكن منه قال: وأصل ذلك أن يجيء الرجل بخطام إلى البعير الصعب قد ستره منه لئلا يمتنع، ثم ينتزع قرادا من البعير حتى يستأنس به البعير، ويدني رأسه، فإذا فعل ذلك رمى بالخطام في عنقه، وفيه يقول الحطيئة:
لعمرك ما قراد بني كليبٍ ... إذا نزع القراد بمستطاع
أي لا يخادعون. ومن أمثالهم في الخداع قولهم: فلم خلقت إذا لم أخدع الرجال.
يعني لحيته، يقول: لم خلقت لحيتي إذا لم أفعل هذا.

باب اللهو والباطل وألفاظهما

قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: ده ردين سعد اليقين.
ومعناه عندهم الباطل، قال الأصمعي: ولا أدري ما أصله.
قال أبو عبيد: وأما أبو زياد الكلابي فانه قال لي: " ده دريه " بالهاء. وقال الكسائي: ومن الباطل، يقال: جرى فلان جري السمه.
قال الكسائي: ومن هذا قولهم: هو الضلال بن فهللٍ.
والضلال لن ثهللٍ.
ومن أسماء الباطل قولهم: جاء فلان بالترهة.
وهي واحدة الترهات وكذلك التهاته، قال القطامي:
ولم يكن ما أجتدينا من مواعدها ... إلاّ التهاته والامنية السقما
و مثله " الأساطير " وقد اختلف الناس في واحدها، فقال بعضهم: أسطورة، وكان الكسائي يقول: واحدها سطر، ثم أسطار، ثم أساطير، جمع الجمع. وقال أبو عبيد: ومن الأباطيل ما جاء في الحديث من التهاتر، وهي الشهادات التي يكذب بعضها بعضاً. وفي بعض الحديث " المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان " .

باب الدعابة والمزاح

قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي: المزحة تذهب المهابة.
يقول إذا عرف بها الرجل قلت هيبته. وقال خالد أبن صفوان التميمي: المزاح سباب النوكى.
وقال عمر بن عبد العزيز: إياك والمزاح فانه يجر القبيحة ويورث الضغينة. وروى بعضهم عن مجاهد إنّه مازح صديقا له بكلمة فتهاجرا حتى ماتا. قال أبو عبيد: ومن هذا مثلهم السائر في الناس: لا تفاكه أمه، ولا تبل على أكمةٍ.
ويروى عن سعيد بن العاصي إنّه قال: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيتجرأ عليك.
وجاءنا عن بعض الخلفاء إنّه عرض على رجل خلتين يختار أحدهما، فقال الرجل: " كلاهما وتمراً " فغضب عليه وقال: أعندي تمزح، فلم يوله شيئاً. وقال أهل العلم في شعرٍ له:
أما المزحة والمراء فدعها ... خلقان لا أرضهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جار ولا رفيق
و ذكر عند عمر بن الخطاب رحمه الله عليه فلان فقال: ذلك رجل فيه دعابة، يعني علياً.

باب الخلف في المواعيد

قال أبو عبيد: من أمثالهم في إخلاف الموعد قولهم: إنّما هو كالبرق الخلب.
وهو الذي لا مطر معه، ويقول: إنّه يخلف كما يخلف ذلك البرق. قال الزبير بن بكار: سألت حمزة بن عتبة اللهبي عن برق الخلب، فقال: عندنا بمكة مكان يقال له: الخلبة، يكذب برق ذلك المكان، وبه شبه الناس البرق الكاذب فقالوا: " برق الخلب " . قال أبو عبيد: وقال أبن الكلبي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: مواعيد عرقوبٍ.

قال: سمعت أبي يخبر بحديثه إنّه كان رجل من العماليق يقال له عرقوب، فأتاه أخ له يسأله شيئاً، فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعده فقال: دعها حتى تصير بلحاً. فلما أبلحت أتاه فقال له: دعها حتى تصير زهواً، فلما أزهت قال له: دعها حتى تصير تمراً، فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجذها ولم يعط منها شيئاً، فصار مثلا في الخلف، وفيه يقول الاشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
و بعضهم يرويه " بأترب " اسم موضع قال: أنشدني الأصمعي بيثرب.

باب إظهار البر باللسان والفعل لمن تراد به الغوائل

قال الأصمعي في مثل هذا: شر يوميها وأغواه لها.
قال: وأصله أنَّ امرأة من طسمٍ يقال لها عنز أخذت سبية فحملوها في هودح وألطفوها بالقول والفعل، فعدها قالت: " شر يرميها وأغواه لها " تقول شر أيامي حين صرت أكرم للسباء، وفيه بيت سائر:
شر يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدجٍ جملاً
قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا: ليس من كرامة الدجاجة تغسل رجلاها.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم القديمة قولهم: الذئب يكنى أبا جعدة.
ويقال إنّه لعبيد بن الأبرص، قاله للمنذر حين أراد قتله فقال:
هي الخمر يكنوها بالطلاء ... كما الذئب يكنى أبا جعده
يضرب للرجل يظهر لك إكراما، وهو يريد بك غائلة، ويقول: لأن الذئب وإنَّ كانت كنيته حسنة فإنَّ عملة ليس بحسن.

باب اليمن الغموس وغيرها

قال الأصمعي: من أمثالهم في اليمن الغموس يحلف بها الرجل: جذها جذ العير الصليانة.
وذلك إنَّ العي ربما اقتلع الصليانة من اصلها إذا أرتعها، يقول: فذلك فعل هذا في يمينه، أسرع بالحلف ولم يتتعتع فيها، وفي الحديث " إنَّ اليمين الغموس تذر الديار بلاقع من أهلها " أي تنفيهم. قال أبو عبيد: والغموس هي المصبورة التي يوقف عليها الرجل، يحلف بها. ونراها سميت غموسا لغمسها حالفها في المآثم ومن أمثالهم في الإيمان قولهم: اليمن حنث أو مندمة.
قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن عمر رحمه الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

جماع أمثال الرجال

واختلاف نعوتهم وأحوالهم

باب المثل في الرجل البارع المبرز في الفضل

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: ما يشق غباره.
وأصله في الخيل، وكان المفضل يخبر بهذا المثل عن قصير بن سعد اللخمي، وكان نهى جذيمة الأبرش أنَّ يصير إلى الزباء فعصاه، حتى إذا صار في سلطانها ندم، فقال له قصير عند ذلك: أركب فرسي هذا فانج عليه فانه لا يشق غباره، فذهبت كلمته مثلا لكل سابق مبرز على صاحبه. ومنه قول النابغة الذبياني لزرعة بن عمرو بن الصعق:
أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني ... تحت العجاج فما شققت غباري
و يروى: فما حططت غباري قال أبو عبيد: ومعناه أنَّ الفرس يسبق الخيل حتى لا يدرك الفرس غباره فيدخل فيه. وقال أبو عبيدة والأصمعي: من أمثالهم في السابق قولهم: جري المذكي حسرت عنه الحمر أي يسبق الفرس القارح الحمير.
وقال زهير بن أبي سلمى:
فضل الجياد على خيل البطاء ولا ... يعطيك ذلك ممنونا ولا نزقاً
و قال أبجر بن جابر العجلي لابنه حجار: يا بني، لا تكن لك همة دون الغاية القصوى، وقال بعض الحكماء: لا ينبغي للعاقل أنَّ يرضى لنفسه إلاّ بإحدى منزلتين، أما أنَّ يكون في الغاية القصوى من مطالب الدنيا أو يكون في الغاية القصوى من الترك لها. وقال قيس بن زهير لحذيفة بن بدر.

جري المذكيات غلاب.

وقال بعض الحكماء: لا ينبغي للعاقل الله تعالى يرضى لنفسه بمنزله دون الأمد الأقصى في طلب دنيا. قال الأصمعي: ومن أمثالهم قولهم: ما زال منها بعلياء.
وكذلك " ما زال بعدها ينظر في خير " . يضرب للرجل يفعل فعله يبلغ بها الشرف والسناء.

باب الرجل النابه الذكر الرفيع القدر

قال أبو عبيد: من أمثالهم في مثل هذا: ما بوم حليمة بسر.
وكان هشام بن الكلبي يخبر أنها حليمة بنت الحارث بن أبي شمر، وكان حديثها أن أباها وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء، فأخرجت لهم طيبا في مركن فطيبتهم، وهي التي ذكر النابغة الذبياني في قوله:

تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى يوم قد جربن كل التجارب
يصف السيوف. وقد يضرب يوم حليمة لكل أمر متعالم مشهور. وقال أبو محمّد الأموي: من أمثالهم في الرجل النابه: ما يحجز فلان في العكم.
أي إنّه ليس ممن يخفى مكانه وأصله المتاع يغيب في الوعاء فيعكم، يقال منه: حجزته حجزا. قال: ومن أمثال العامة في هذا قولهم: هو أشهر من الفرس الأبلق.
ويروى عن عبيد الله بن الحر الجعفي إنّه دخل على عبيد الله بن زياد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، فقال له عبيد الله: خرجت مع الحسين فظاهرت علينا، فقال أبن الحر: لو كنت معه ما خفي مكاني. وقال النابغة الذبياني في الرجل النابه يمدح به بعض الملوك:
بأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهم كوكب
و قال أبو عبيد: ومن أمثالهم فيه قولهم: و هل يخفى على الناس النهار.
وكذلك وهل يجهل فلاناً إلاّ من يجهل القمر.
وقال ذو الرمة.
وقد بهرت فما تخفى على أحد ... إلاّ على أحد لا يعرف القمرا
و من أمثالهم في شهرة القمر: إنَّ يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر.
وكان المفضل، فيما يحكى عنه، يذكر إنَّ أصله كان أنَّ رجلين تبايعا على غروب القمر صبيحة ثلاث عشرة، أيسبق غروبه طلوع الشمس أم يسبقه طلوعها، فمال قوم الذي ذكر أنَّ غروب القمر يسبق مع صاحبهم، فقال الآخر: إنكم تبغون علي، فقيل له: " إنَّ يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر " فذهبت مثلاً.

باب الرجل العزيز المنيع الذي يعز به الذليل ويذل به العزيز.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: إنَّ البغاث بأرضنا يستنسر.
قال: والبغاث: الطير التي تصاد واحدتها بغاثة ويقال: بغاث واحد وجمعه بغاثان وقال الزبير بن بكار: البغاث: ذكر الرحم، وقال الشاعر:
كان بني مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن على صقر
و قوله: يستنسر أي يصير نسرا فلا يقد على صيده، أي فكذلك نحن في عزنا، فمن جاءونا صار بنا عزيزاً. قال أبو عبيد: فإنَّ أرادوا أنَّ من ناوأنا ذل قالوا: لا حر بوادي عوفٍ.
يقول: كل من صار في ناحية خضع له وذل. وكان المفضل يخبر أنَّ المثل للمنذر بن ماء السماء، قاله في عوف من ملحم الشيباني، وذلك إنَّ المنذر كان يطلب زهير بن أمية الشيباني بذحل فمنعه عوف بن ملحم الشيباني، وأبى أنَّ يسلمه، فعندها قال المنذر: لا حر بوادي عوف، أي إنّه يقهر كل من حل بواديه، قال الزبير: وكان المنذر حلف ألا يتركه حتى يضع يده في يده فجاء به عوف، فوضع يده في يده، وقال:و ما نذرك أبيت اللعن؟ قال: " لا حر بوادي عوف " . وكان أبو عبيدة يقول: هو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وقد يقال :إنَّ قولهم: " لا حر بوادي عوف " إنّه كان يقتل الأسرى ولا يعتقهم. ومن أمثالهم في العز قولهم: تمرد مارد وعز الأبلق.
وكان المفضل يقول: هذا المثل للزباء الملكة، وكانت سارت إلى مارد حصن دومة الجندل، وإلى الأبلق حصن تيماء فامتنعا عليها، فعدها قالت: " تمرد مارد وعز الأبلق " ، وقال أوس بن حارثة في العز: من قل ذل ومن أمر فل.
قوله: أمر يعني كثر وقوله: فل يعني إنّه يغلب من ناوأه ويفله بالكثرة والعز.

باب الرجل الصعب الخلق، والشديد اللجاجة

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: لتجدن فلانا ألوى بعيد المستمر.
وكان المفضل فيما بلغني عنه، يذكر أنَّ المثل للنعمان بن المنذر، قاله في خالد بن معاوية السعدي، ونازعه رجل عنده، فوصفه النعمان بهذه الصفة، فذهبت مثلا. وقال الأصمعي: ومثله قولهم: ما بللت من فلان بأفوق ناصلٍ.
وأصله السهم المكسور الفوق، الساقط النصل، يقول: فهذا ليس كذلك في الرجال، ولكنه كالسهم القوي. وقال الأصمعي: ومثله قولهم: ما بللت منه بأعزل وهو الذي لا سلاح معه ويقول: فهذا ليس كذلك ولكنك وجدته معدا. قال أبو عبيدة: ومثله قولهم: ما تقرن بفلان الصعبة.
أي إنّه يذل من ناوأه قال أبو محمّد سلمة: الذي نعرفه " بفلان تقرن الصعبة: قال أبو عبد الله الزبير: وهو عندي كذلك. قال الأصمعي: ومثله: ما يقعقع لي بالشنان.
ومثله: لقد كنت ما أخشى بالذئب. وكنت أريد وما يقاد بي البعير.
قال ومثله: ما يصطلى بناره.

قال الأصمعي: ومن أمثالهم في صعوبة الخلق واللجاجة: لج فحج.
يضرب للرجل إذا بلغ من لجاجته إنَّ يخرج إلى شيء ليس من شأنه. وأصله أنَّ رجلاً لج في الغيبة عن أهله حتى خرج إلى حج وما يريد الحج.

باب الرجل النجيد يلقى قرنه في البسالة والنجدة

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: إنَّ كنت ريحا فقد لاقيت إعصاراً.
قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: الحديد بالحديد يفلح.
والفلح هو الشق، ومنه فلاحة الأرض، إنّما هو شقها للحرث، ومثله " الحديد بالحديد يفل " ومنه قول الشاعر:
قومنا بعضهم يقتل بعضاً ... لا يفل الحديد إلاّ الحديد
و كذلك قولهم: النبع يقرع بعضه بعضاً.
وهذا المثل لزياد، قاله في نفسه وفي معاوية. وقد ذكرنا حديثهما في غير هذا الموضع. ويقال في نحو هذا: رمى فلان بحجره.
أي يقرن مثله. وقد روينا في حديث صفين أنَّ معاوية لمّا بعث عمرو بن العاصي حكما مع أبي موسى جاء الأحنف بن قيس إلى علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال له: انك قد رميت بحجر الأرض، فأجعل معه أبن عباس، فانه لا يشد عقدة إلاّ حلها، فأراد علي إنَّ يفعل ذلك، فأبت اليمانية إلاّ إنَّ يكون أحد الحكمين منهم، فعند ذلك بعث أبا موسى.

باب الرجل تكون له نباهة الذكر ولا منظر عنده، أو يكون لا قديم له

قال الكسائي: من أمثالهم في هذا: إنَّ تسمع بالمعيدي خير من الله تعالى تراه.
قال أبو عبيد: كان الكسائي يدخل فيه " أنَّ " والعامة لا تذكر " أنَّ " ووجه الكلام ما قال الكسائي، وكان يرى التشديد في الدال فيقول: " المعيدي " وقال: إنّما هو تصغير رجل منسوب إلى معد، قال أبو عبيد: ولم أسمع هذا من غيره. وأخبرني أبن الكلبي أنَّ هذا المثل إنّما ضرب للقصعب بن عمرو النهدي، قال فيه النعمان بن المنذر، وهذا على المعنى من قال: قضاعة بن معد، لأن نهداً من قضاعة: وأما المفضل فحكي عنه إنّه قال: للمنذر بن ماء السماء، قاله لشقة بن ضمرة التميمي ثم أحد بني نشهل بن دارم وكان سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه، فقال: " أنَّ تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه " فأرسلها مثلا قال: فقال: شقة أبيت اللعن إنَّ الرجال ليسوا بجزرد، تراد منها الأجسام: إنّما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
فذهبت أيضاً مثلا، فأعجب المنذر ما رأى من عقله وبيانه، ثم سماه باسم أبيه، فقال: أنت ضمرة بن ضمرة.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في النباهة الذكر من غير قديم له قولهم: نفس عصام سودت عصاما.
أي إنّه شرف بهمته وقدره في نفسه، لا لقديم كان لآبائه، وهذا الذي تسميه العرب الخارجي، يريدون إنّه خرج من غير أولية كانت له، قال كثير في الخارجي:
أبا مروان لست بخارجي ... وليس قديم مجدك بانتحال
و قال أبو عبد الله الزبير في هذا يكون الرجل له مناظرون في نسبه، لهم شرف كشرفه، فيسودهم بفعاله وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الدميم الذي لا منظر له غير إنَّ فيه خصالاً محمودة قولهم: هو قفا غادر شر.
قال: وأصله إنَّ رجلاً من بني تميم أجار قوماً، فأراد قومه أنَّ يأكلوهم، فمنعهم، فقالت امرأة لأبيها: أرني هذا الوافي: فأراها إياه، فلما أبصرت دمامته قالت: لم أر كاليوم قفا وافٍ فقال: هو قفا غادر شر. فذهبت مثلا، وقد يقال في هذا المثل: " هي قفا غادر شر " بالتأنيث.

باب الرجل ذي الدهاء والإرب

قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا: - إنّه لتهر أهتار.
وإنّه لصل أصلال. وقال وأصله من الحيات، وشبه الرجل بها وفيه يقول النابغة الذبياني:
ماذا رزئنا به من حية ذكر ... نضاضة بالرزايا صل أصلال
قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا أيضاً قولهم: إنّه لداهية الغبر.
ومنه قول الحرمازي يمحح المنذر لن الجارود:
أنت لها منذر من بين البشر ... داهية الدهر وصماء والغبر
و كذلك قولهم: إنّه لعضة من العضل.
قال أبو عبيد: وهو الذي تسميه العامة: باقعة من البواقع.
وروي عن عامر الشعبي إنّه كان يقول: الدهاة أربعة معاوبة وعمرو بن العاصي والمغيرة بن شعبة وزياد. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: إنّه لحول قلب.

وهذا المثل يروى عن معاوية إنّه قال عند موته: إنكم لتقلبون حولا قلباً، إنَّ وقي هول المطلع. قال الأصمعي: من أمثالهم في نحو هذا: فلان يعلم من حيث تؤكل الكتف.
قال أبو عبيد: هو قريب من تلك الأمثال، وليس هو بعينها، وقال الشاعر:
إني على ما ترين من كبري ... أعلم من حيث تؤكل الكتف

باب الرجل الفهم العالم بمغمضات الأمور.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: إنّه لنقاب.
والنقاب: الرجل الفطن الذكي الفهم قال: ومنه أوس بن حجر:
كريم جواد أخو ماقط ... نقاب يحدث بالغائب
وروي عن الشافعي إنّه دخل على الحجاج بن يوسف فسأله عن فريضة من الجد فأخبره باختلاف الصحابة فيها حتى ذكر أبن عباس فقال الحجاج: إنَّ كان أبن عباس لناقباً فما قال فيها النقاب؟ فأخبره الشعبي يقوله. ويقال في نحو منه: إنّه لعض.
ومنه قول القطامي:
أحاديث من عاد وجرهم ضلة ... يثورها العضان زيد ودغفل
ويروى: ينورها وقوله: " زيد ودغفل " هما زيد بن الكيس النمري ودغفل الذهلي وكانا عالمي العرب بالأنساب الغامضة، والأنباء الخفية وإياهما عنى الكميت بقوله:
فما أبن الكيس النمري فيكم ... ولا انتم هناك بدغفلينا
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الفهم: خير الفقه ما حاضرت به.
يراد إنَّ خير الأمور ما جاءك عند موضع الحاجة إليه، قال: ومعناه ها هنا الفطنة والفهم. قال: أعرابي لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه، يريد هذا ومن أمثالهم في المكر: أمكر وأنت من الحديد!.
قال أبو عبيد: وهذا المثل لعبد الملك بن مروان، قاله لعمرو بن سعيد بن العاصي، وكان مكبلاً، فلما أراد قتله قال له: يا أمير المؤمنين إنَّ رأيت ألا تفضحني بأن تخرجني إلى الناس فتقتلني بحضرتهم فافعل، وإنّما أراد عمرو إذ قال له هذه المقالة إنَّ يخالفه في ما أراد فيخرجه: فإذا ظهر منعه أصحابه، وحالوا بين عبد الملك وبينه، ففطن له عبد الملك: فعندها قال: يا أبا أمية، أمكراً وأنت في الحديد! فذهبت مثلا لمن أراد أنَّ يمكر وهو مقهور.

باب الرجل الجزل الرأي الذي يستشفى بعقله ورأيه.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: عنيته تشفي الجرب.
قال أبو عبيد: والعنية: شيء تعالج به الإبل إذا جربت فصارت مثلا لذي الرأي المجيد قال أبو عبد الله الزبير: العنية: القطران، ومنه قول الحباب أبن المنذر بن الجموح الأنصاري يوم السقيفة عند أبي بكر رضي الله عنه: أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب.
أراد المعنى الأول بعينه، إنّه يستشفى برأيي، وقد فسرناه في غريب الحديث. وقال الأصمعي: ومثله قولهم: إنّه لجذل حكاكٍ.
وهو معنى كلام الحباب بن المنذر ويقال لمثل هذا: إنّه لذو بزلاء.
ومنه قول الشاعر:
إني إذا شغلت قوما فروجهم ... رحب المسالك نهاض ببزلاء
قال الأصمعي: ومن أمثالهم قولهم له:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلاّ ليعلما
قال أبو عبيد: يقال في هذا المثل: إنّه قيل في عامر بن الظرب العدواني، وكان حكم العرب في الجاهلية: فكبر حتى أنكر عقله، فقال لبنيه: إذا أنا زغت فقوموني، فكان إذا زاغ قرع له بالعصا على قدح: فينتبه فينزع عن ذلك، ويقال: إنَّ هذه القصة لأكثم بن صيفي، وقال بعضهم: إنَّ أوّل من قرعت له العصا سعد بن مالك الكناني.

باب الرجل المصيب بالمظنون حتى كأنه يرى الظن عيانا

ً
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: إنّه لألمعي.
ومنه قول أوس بن حجر: الألمعي الذي يظن لك الظن كأنَّ قد رأى وقد سمعا ويروى في حديث مرفوع إنّه قال: لم تكن أمة إلاّ كان فيها محدث، فإنَّ يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر، قيل: وما المحدث؟ قال: الذي يرى الرأي، ويظم الظن فيكون كما رأى وكما ظن وجاءنا عن عمر إنّه قال: ما خاف عمر أمراً قط أنَّ يقع إلاّ وقع. ويقال في بعض الحكمة: من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه.
وسئل بعض حكماء العرب: ما العقل؟ فقال: الإصابة بالظنون، ومعرفة ما لم يكن بما قد كان. ومن هذا مقالة عمرو بن العاصي، وكان قد اعتزل الناس في آخر خلافة عثمان، فلما بلغه حصره ثم قتله قال: أنا أبو عبد الله.

إني إذا حككت قرحة أديمها.

ويقال: نكاتها يعني إنّه قد كان يظن هذا الأمر واقعا، فكان كما ظن، ومن أمثال أكثم بن صيفي في نحو هذا: الأمور تشابه مقبلةً ولا يعرفها إلا ذو الرأي، فإذا أدبرت عرفها الجاهل كما يعرفها العاقل.
ومنه قال الشاعر:
تشابه أعناق الأمور بوادياً ... وتظهر في أعناقها حين تدبرُ

باب الرجل المجرب الذي قد جرسته الأمور وأحكمته.

قال أبو زيد والأصمعي جميعاً غي مثل هذا: إنه لشراب بأنقع.
أي أبه معاود للخير والشر، قال أبو عبيد: وحدثني بعض علمائنا بهذا المثل عن أبن جريج إنّه قاله في معمر بن راشد، وكان أبن جرج من أفصح الناس، وكان أخبرني عنه يحيى بن سعيد. وقال أبو عمرو الشيباني في مثل هذا: قد حلب فلان الدهر اشطره.
أي إنّه قد اختبر الدهر شطرين من خير وشر. قال أبو عبيد: وأصله من حلي الناقة، يقال: حلبت شطرها، أي نصفها، وذلك إذا حلب خلفين من أخلافها، ثم يحلبها الثانية خلفين أيضاً فيقول: حلبتها شطرين، ثم يجمع فيقول: أشطر. وقال الأصمعي: ويقال في نحو منه: فلان مودم مبشر.
وهو الذي قد جمع ليناً وشدة مع المعرفة بالأمور، قال: واصله من أدمة الجلد وبشرته، فالبشرة: ظاهره، وهو منبت الشعر، والأدمة: باطنه، وهو الذي يلي اللحم قال فالذي يراد منه إنّه قد جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وجرب الأمور. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في التجارب قولهم: لا تغز إلاّ بغلام قد غزا.
يقول: لا يصحبنك إلاّ رجل له تجارب، فانه أعلم بما يصلحك من هذا الغر الجاهل بالأمر. قال أبو عبيد: في بعض الأمثال.

التجارب ليست لها نهاية، والمرء منها في زيادة.

وروينا عن عمر بن الخطاب إنّه قال: يحتلم الغلام لأربع عشرة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين وعقله لسبعٍ وعشرين إلاّ التجارب. فجعل عمر التجارب لا غلية لها. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التجارب.

قد ألنا وإيل علينا.

أي قد سنا وساسنا غيرنا، وهذا المثل يروى أنَّ زياداً قاله في خطبته. ويقال في مثله أيضاً: رجل منجد.
قال: وأنشدني الأصمعي فيه بيتاً والشعر لسحيم بن وثيل الرياحي:
أخو خمسين مجتمع أشدى ... ونجذني مداورة الشؤون
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: أول الغزو أخرق.
يضرب في قلة التجارب.

باب الرجل الذي قد حنكته السن مع الحزامة والعقل.

الأصمعي قال: من أمثالهم في هذا: زاحم بعودٍ أو دع.
يقول: لا تستعن على أمورك إلاّ بأهل السن والمغرفة، وقال أبو عبيد: وأصل العود في الإبل، وهو الذي جاز في السن البازل والمخلف. ومنه في نحو هذا: جرى المذكيات غلاب.
قال ذلك الأصمعي، وفسره أنه في الخيل المسان. قال: وذلك لأنها أقوى من الجذاع، فهي تحتمل أن تغالب الجري غلابا. وقال أبن الكلبي: هذا المثل لقيس بن زهير بن جذيمة، قاله لحذيفة بن بدر عند الرهان الذي كان بينهما في داحس والغبراء، وحذيفة القائل له أيضاً في هذا الرهان: خدعتك يا قيس، فقال قيس: ترك الخداع من أجرى من المائة.
يعني مائة غلوة، فذهبت كلمتاه مثلين قال أبو عبيد: وقال حارثة بن سراقة الكندي حين منعوا الصدقة أيام الردة:
يمنعها شيخ بخديه الشيب ... لا يحذر الريب إذا خيف الريب
فامتدح ها هنا السن وقال آخر في طعنة طعنها رجلاً:
فلم أرقه إنَّ ينج منها وإنَّ يمت ... فطعنه لا غس ولا بمغمر
فالغس: اللئيم، والغمر الذي لا تجارب له ولا سن، يقول: فلست كذلك ولكني ذو تجارب وذو سن، ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنّه قال: رأى الشيخ خير من مشهد الغلام.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم القديمة.
إنَّ العوان لا تعلم الخمرة.
والعوان هي امرأة الثيب، ويقول: فتلك قد عرفت كيف تخمر، لا تحتاج إلى أنَّ تعلم، وكذلك الرجل المسن المجرب.
ومن أمثالهم في نعت الرجل الحازم.
إذا تولى عقداً أحكمه.
ومنه قول الشاعر:
وما عليك أنَّ يكون أزرقا ... إذا تولى عقد شيء أوثقا

باب الرجل الغيران الدافع عن حرمته مع ذكر ما يخاف من الفتنة فيهن.

قال الأصمعي: من أمثالهم في منع الحرمة: الفحل يحمي شوبة معقولاً.
ويقول: إنَّ الحر قد يحتمل الأمر الجليل، ويحمي حريمه وإنَّ كانت به علة. قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم:

الخيل تجري على مساويها.
يقول: إنّها، وإنَّ كانت بها أوصاب وعيوب، فإنَّ كرمها مع هذا يحملها على الجري، فكذلك الحر من الرجال، يحمي حريمه على ما فيه من علةٍ. وقال أبو زكرياء الفراء: من أمثالهم في الحمية عند ذكر الحرم قولهم: كل شيء مهه ما النساء وذكرهن.
أي إنَّ الحر يحتمل كل شيء، حتى يأتي ذكر حرمته فيمتعض حينئذ، ولا يحتمله ومعنى المهه اليسير، ويقول: كل شيء جلل هين عند هذا. وفي هذا لغتان: مهه مهاه. وقال أبو عبيد: وهذه الهاء إذا اتصلت بكلام لم تصر تاء، إنّما تكون التاء في الاتصال إذا أرادوا بالمهاة البقرة وقال عمران بن حطان:
فليس لعيشنا هذا مهاه ... وليس دارنا هاتا بدار
و قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الحرم: إنّما النساء لحم على وضم إلاّ ما ذب عنه.
وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو القائل: لا تخلون رجل بمغيبة وإنَّ قيل: حموها ألا حموها الموت. والحم: أبو الزوج. وقال أوس بن حارثة لأبنه مالك، من كرم الكريم الدفع عن الحريم. وكان من كلام أبجر بن جابر العجلي لأبنه حجار: يا بني، أحسن القوم بقية الصابر عند الحقائق والذائذ عن الحرمة. وقال بعض حكماء العرب

ما فجر غيور قط.

يقول: إنَّ الغيور هو الذي يغار على كل أنثى. ويقال

كل ذات صدار خالة.

وكان المفضل يقول: إنَّ صاحب هذا المثل همام بن مرة الشيباني. وقد روينا في حديث مرفوع إنّه قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أي شيء خير للنساء؟ " فلم يدروا ما يقولون، فرجع علي رضي الله عنه إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها بمقالة النبي عليه السلام، فقالت فاطمة رضي الله عنها: " أنَّ لا يراهن الرجال ولا يرينهم " فبلغ ذلك رسول صلى الله عليه وسلم فقال: " إنّها بضعة مني " وقال عبد الله بن مسعود: النساء حبائل الشيطان.
فجعل الحبالة التي تنصب للصيد مثلاً للنساء والرجال وقال عبادة بن الصامت: ألا ترون إني لا أقوم إلاّ رفداً، ولا آكل إلاّ ما لوق لي، وإنَّ صاحبي لأصم أعمى، وما سرني إني خلوت بامرأة. وقد فسرنا في غريب الحديث. ويروى عن عمر أيضاً إنّه قال: ما بال رجل لا يزال أحدهم كاسراً وساده عند امرأة مغزية، يتحدث إليها وتحدث إليه، عليكم بالجبنة فإنّها عفاف، إنّما النساء لحم على وضم إلاّ ما ذب عنه.

باب الرجل يدخله الأنفة من صاحب من يرغب عن صحبته.

قال أبو عبيد: جاء الأثر عن بعض أهل العلم: لا تصحب من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له.
وقال الأصمعي: من أمثالهم في نحو هذا: خل سبيل من وهى سقاؤه.
أي إذا كره صحبتك، ولم يستقم لك فدعه وازهد فيه كزهده فيك. قال الأصمعي بعض هذا الكلام. وكذلك قولهم: خله درج الضب.
قال أبو عبيد: ومثله قولهم: إنّما يضن بالصنين.
قاله الأغلب بن جشعم العجلي. ومعناه: تمسك باخاء من تمسك بإخائك، ومثله قول لبيد بن ربيعة.
فأقطع لبانة من تعرض وصله ... ولخير واصل خلةٍ صرامها
و مثله في أشعارهم كثير. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في مثله: دع امرأ وما اختار.
ومنه قولهم: ألق حبله على غاربه.
وأصله الناقة إذا أرادوا إرسالها للرعي جعلوا جدليها على الغارب، ولا يترك ساقطا فيمنعها من المرعى يقول :فدع هذا يذهب حيث شاء إذ كره معاشرتك. قال أبو عبيد: والعامة تقول في مثل هذا المثل: لو كرهتني يدي ما صحبتني.

باب الرجل يأبى الضيم فيأخذه حقه قسرا إذا أعياه الرفق.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا.
مجاهرة إذا لم أجد مختلاً.
يقول: أخذت حقي علانية قهرا إذ لم أصل إليه في العافية والستر قال أبو عبيد: ويقال في نحو منه: حلبتها بالساعد الأشد.
أي حين لم أقدر على الرفق أخذته بالقوة والشدة. وقال بعض الأعراب يمدح رجلا؟:
فتى لا يحب الزاد إلاّ من التقى ... ولا مال إلاّ من قنا وسيوف
و قال زهير بن أبي سلمى:
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
و منه قول أوس بن حارثة لأبنه مالك: يا مالك، التجلد ولا التبلد، والمنية ولا الدنية.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الضيم: من عز بز.

ويروى عن المفضل إنّه قال: هذا المثل لجابر بن رالان الطائي مع صاحبين له، فأمرهم إنَّ يقترعوا فقرعهم جابر، فخلى المنذر سبيله، وأمر بصاحبيه أنَّ يقتلا، فعندها قال: جابر: " من غز بز " فذهبت مثلا. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا: يركب الصعب من لا ذلول له.
يضرب في الرجل يحمل نفسه على الشدائد إذا لم يجد ما يريد في العافية.

باب الرجل يطيل الصمت حتى يحسب مغفلا وهو ذو النكراء.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: مخرنبق لينباع.
والمخرنبق: المطرق الساكت، وقوله: لينباع ليثب إذا أصاب فرصته والمنباع: المنبعث، فمعناه إنّه سكت لداهية يريدها. وكان أبو عبيدة يقول: مخرنبق لينباق قال الأصمعي: ومثله أو محوه قولهم: تحسبها حمقاء وهي باخس.
وقال الأحمر: يقال مثله: تحقره وينتأ.
أي انك تزدريه لسكوته، وهو يجاذبك. قال أبو عبيد: وهذا نحو المثل الذي تكلم به العامة: خبره في جوفه.
أي انك تحقره في المنظر، وتأتيك أنباؤه بغير ذلك. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا.

هو أحمق بلغ.

يقول: إنّه مع حمقه يبلغ حاجته.

باب الرجل الجلد المصحح الجسم.

قال الأصمعي: من أمثالهم في جلادة الرجل.

أطرى فأنك ناعلة.

أي راكب الأمر الشديد فانك قوي عليه. قال: وأصل هذا إنَّ رجلاً قال لراعية له، وكانت ترعى في السهولة، وتترك الحزونة: أطرى أي خذي طرر الوادي، وهي نواحيه " فإنك ناعلة " أي فإن عليك نعلين. قال أبو عبيد: أحسبه يعني بالنعلين غلظ جلد قدميها قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الجلادة: لألحقن قطوفها بالمعناق.
يعني فيما يتبعها به من شدة السير بجلادته وقوته. قال: ومثله قولهم: بيدين ما أوردها زائدة.
وقال أبو عمرو الشيباني: من أمثالهم في صحة الجسم قولهم: به داء ظبيٍ.
وقال: ومعناه إنّه ليس به داء، كما إنّه لا داء بالظبي. قال أبو عبيد: وهو نحو قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير إنَّ سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
قال أبو عبيد: فقلت لأبي عمرو: إنَّ بعضهم يقول: داء الظبي إنّه أراد أن يثب كانت له وقفة قبل وثبته، فقال: ليس هذا بشيء إنّما أراد أنه لا داء هناك به. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التجلد: ليتني وفلاناً يفعل بنا كذا وكذا حتى يموت الأعجل.
وقال: المثل لأغلب العجلي في شعر له: " ضرباً وطعناً أو يموت الأعجل " وقد تكلم به بعض الصحابة في كلام له. قال أبو عبيد: وقد حكى بعض العلماء أنَّ من أمثالهم: الشجاع موقى.
ويقال: إنه احنين بن خشرم السعدي. ويقال للشاب القوي: كأنما قد سيره الآن.
أي كأنما ابتدئ شبابه اليوم.

باب الرجل المقدام على الأهوال والمخاوف والحث على ذلك.

قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: اكذب الناس إذا حدثتها.
ومعناه الرجل يهم بركوب أمر جسيم، يقول: فلا تحدث نفسك بأنك لا تظفر، فإنَّ ذلك يثبطك عن السمو إلى النعالي الأمور، ولكن حدث نفسك بالظفر لتشيعك نفسك على ماتريد، ومنه قول لبيد بن ربيعة:
ز اكذب النفس إذا حدثتها ... إنَّ صدق النفس يزري بالأمل
و كان بعض علمائنا من أهل العربية يحدث عن بشار المرعث أنه سئل: أي بيت قالت العرب اشعر؟ فقال: إنَّ تفضيل بيت واحد على الشعر كله لشديد، ولكن أحسن لبيد، ثم ذكر بيته هذا قال: ومثله قول الآخر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانباً
سأغسل عني العار بالسيف جليباً ... على قضاء الله ما كان جالباً
و قال الثالث:
أمض الهموم ورام الليل عن عرضٍ ... بذي سبيبٍ يقاسي ليله خببا
حتى تمول مالاً أو يقال فتىٍ ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا

باب الرجل يكون ذا عز ثم يحور عنه.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: كان حماراً فاستأتن.
أي صار أتاناً بعد أن كان حماراً. يضرب للرجل يهون بعد العز ومثله: أودى العير إلاّ ضرطاً.
أي لم يبق من قوته وجلده شيء غير هذا. ومثله قولهم: حور يقال محارةٍ.
قال أبو عبيد: وروينا عن النبي ) " أنه كان يتعوذ من الحور بعد الكون " ويروى " بعد الكور " وقد فسرناه في غريب الحديث. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الرجل يذكر هذا المعنى عن نفسه:

لقد كنت وما يقاد بي البعير.
قال أبو عبيد: وأنبئت أنَّ المفضل كان يخبر عن هذا المثل أنه لسعد بن زيد مناة بن تميم، وكان بلغ به الخوف هذه المنزلة. قال أبو عبيد: وقال بعض المعمرين يذكر ما صار إليه:
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الذي يتعزز ثم يذل قولهم: تنز وتلين.
وهذا مثل مبتذل في العامة. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الذل بعد العز قولهم: الحمى أضرعتني لك.
إذا ذل للحاجة تنزل به. قال: ومن أمثالهم في الذي قد أدبر وولى ولم يبق من عمره إلاّ اليسير: ما بقى منه إلاّ قدر ظمء الحمار.
قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن مروان بن الحكم أنه قال في الفتنة: الآن لمّا نفد عمري فلم يبق منه إلاّ مثل ظمء الحمار صرت أضرب الجيوش بعضهم ببعض. ويقال: إنه ليس شيء من الدواب أقصر ظمأً من الحمار.
قال أبو عبد الله الزبير في الإظماء: أطول إظماء الإبل الخمس، والحمار لا يقوى على أكثر من الغب، والفرس يسقى ظاهرةً، وهو ورد كل يوم، والرفه أن تقرب من الماء فتشرب كلما شاءت.
باب الرجل يكون ذا مهانةٍ ثم ينتقل إلى العز.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: كان فلان كراعاً فصار ذراعاً.
وهذا المثل يروى عن أبي موسى الأشعري، قاله في بعض القبائل. وقال مؤرج في هذا المثل: عنز استتيست.
أي صارت تيسا بعد أن كانت عنزا. يضرب للرجل يعز بعد الذل. قال الأصمعي في مثله: لكن بشعفين أنت جدود.
وهي القليلة اللبن. قال: واصله أن امرأة أخصبت بعد هزل، فذكرت درة لبنها ففخرت به، فقيل لها: لكن بشعفين لم يكوني كذلك وهو اسم موضع كانت به. وقال الأصمعي في نحو منه: صار خير قويسٍ سهماً.
أي صار إلى الحال الجميلة بعد الخساسة. ويقال في نحو منه: غلبت جلتها حواشيها.
وأصل هذا في الإبل فالجلة: مسانها، والحواش: صغارها ورذالها، يقول: فقويت هذه وعظمت بعد أن كانت خساسا حتى علت ذوات الأسنان والشحوم.
باب الرجل المسن يؤدب بعد العسو أو يكون مذموماً. يخلف بعد الرجل المحمود
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: عود يقلح.
قوله: " يقلح " يعني أن تحسن أسنانه مثال تنقى. قال أبو عبيدة في مثله: و من العناء رياضة الهرم.
قال أبو عبيد: ومثله قولهم: عودٌ يعلم العنج.
وهو الرياضة، قال الشاعر:
إنَّ الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا تلين إذا قومتها الخشبُ
و قال أبو زيد في نحوه: أعييتني بأشر فكيف بدردر.
يقول: لم تقبلي الأدب وأنت شابة ذات أشر في أسنانك، فكيف الآن وقد أسننت حتى بدت درادرك، وهي مغارز الأسنان. والأشر: تحدد ورقة في الأسنان، لا من كبر، يكون ذاك للأحداث. قال: ومثله: أعييتني من شب إلى دب.
أي من لدن شببت إلى أن دببت هرماً. وقال أبو عبيد: ومن أمثالهم في المذموم يخلف بعد المحمود قولهم: بدل أعور.
ومنه قول أبن همام السلوي لقتيبة بن مسلم، وولي خراسان بعد يزيد بن المهلب فقال:
اقتيب قد قلنا غداة أتيتنا ... بذل لعمرك من يزيدٍ أعورُ

باب الرجل الذليل المستضعف

قال أبو عبيد: من أمثالهم في الذليل: لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ.
قال أبو عبيد: وأصل هذا فيما بلغنا أنَّ رجلاً من العرب كان يعبد صنماً، فنظر يوماً إلى ثعلب جاء حتى بال عليه فقال:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ
و من وصفهم الرجل بالذل قولهم.
ما بالعير من قُمَاصٍ.
وقد يقال " قَمِاص " قال أبو زيد: ز من هذا قولهم: أهون مظلومٍ سقاءٌ مروبٌ.
قال: واصله السقاء يلف حتى يبلغ أوان المخض. ونحو منه قولهم: أهون مظلومٍ عجوزٌ معقومة.
وقال أوس بن مالك لابنه مالك: من قل ذل، ومن أمر فل.
قوله: " أمر " يعني كثر ويقال: فلان ما يعوى ولا ينبح.
يقول: من ضعفه ليس يعتد به، ولا يكلم بخير ولا شر

باب الرجل الذليل يستعين بمثله في الذل.

قال أبو زيد في استعانة الرجل الذليل بآخر مثله: مثقل استعان بذقنه.
واصله البعير يحمل الحمل الثقيل فلا يقدر على النهوض، فيعتمد بذقنه على الأرض. وقال أبو عبيد: يقال: بذقنه وبدقنه جميعاً. ومثله قولهم:

عبد صريخه أمه.
أي ناصره أذل منه. ويقال في نحو منه: استعنت عبدي فاستعان عبدي عبده.
وقولهم: العبد من لا عبد له.
فيه بعض الأول، وليس هو بعينه.
ومن أمثالهم في العبد أيضاً: هو العبد زلمةً.
ومعناه اللئيم قال الزبير: " هو العبد زنمةً " بالنون عندي أشبه، لقول الله عز وجل: )عتلٍّ بعدَ ذلكَ زنيمٍ( هو في القوم، وليس منهم. والعتل: الذي يتفلت على القتال.

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على محمد وآله

باب الرجل الأحمق المائق

قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي: عدو الرجل حمقه وصديقه عقله.
وقال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الأحمق قولهم: خرقاء عيابةٌ.
أي إنه أحمق، وهو مع هذا يعيب غيره. قال أبو عبيد: فإذا اشتد موق الرجل وحمقه قيل: ثأطةٌ مدت بماءٍ.
والثأطة: الحمأة، فإذا أصابها الماء ازدادت فساداً ورطوبة قال أبو عبيد: ومن أمثالهم السائرة في الحمق قولهم: معاداة العقل خير من مصادقة الأحمق.
قال أبو عبيد: فإذا كان يبلغ حاجته مع حمقه قيل: أحمق بلغ.
ومن أمثالهم في في الأحمق أيضاً قولهم: خامري أم عامر.
وهي الضبع يشبه بها الأحمق. ويروى عن عليٍّ عليه السلام أنه قال: لا أكون مثل الضبع؛تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد.
وهي، زعموا من أحمق الدواب، يدخل عليها فيقال: ليست هذه أم عامر حتى تجر برجلها فتؤخذ.

باب الرجل تعرض عليه الكرامة فيختار الهوان عليها.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: تجنب روضةً وأحال يعدو.
أي ترك الخصب، واختيار عليه الشقاء.
قال: وقال أبو زيد في مثله: لا يعجز مسك السوء عن عرف السوء.
وقد يكون هذا بالمعنى الأول ويكون في الذي يكتم لؤمه وهو يظهر غيره. ومعناه في الأصل أنه لا يكون جلد رديء إلاّ والريح المنتنة موجودة منه. قال أبو عبيد: ومثل العامة في هذا.

قيل للشقي هلم إلى السعادة، فقال: حسبي ما أنا فيه.

قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا يعدم شقي مهيراً.
أي إنَّ من الشقاء معالجة المهارة، وهذا قد ابتلى بحبها يقاسيها.

باب الرجل تريد إصلاحه وقد أعياك أبوه قبله وصفة الصغار.

قال أبو زيد: يقال في مثل هذا: كيف بغلامٍ قد أعياني أبوه! يقول: أنت لم تستقم لي، فكيف يستقيم لي ابنك وهذا دونك! وقال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: لا تقتن من كلب سوءٍ جرواً.
وقال الشاعر في ذلك:
ترجو الوليد وقد أعياك والده ... وما رجاؤك بعد الوالد الولدا
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: اصغر القوم شفرتهم.
يعني خادمهم

باب الرجل الواهن العزم الضعيف الرأي المخلط في الحديث

قال أبو عبيد: من أمثالهم في الوهن الضعيف قولهم: ماله بذم. وماله صيور. وماله أكل.
أي ليس له رأي ولا قوة. قال: وأخبرني الأصمعي أنَّ أعرابياً طلب ثوباً من تاجر فقال: أعطني ثوبا له أكل، يعني قوة وحصافة. ومن أمثالهم في وصف الرجل بضعف الرأي قولهم: هو إمعة.
وهذا الحرف يروى عن أبن مسعود، وقد فسرناه في موضعه. وكذلك.

رجل إمرة.

ومن أغرب ما جاء في هذا الباب قولهم: هو بنت الجبل.
ومعناه الصدى يجيب المتكلم بين الجبال، ويقولون: هو مع كل متكلم، كما أنَّ الصدى يجيب. كل ذي صوت بمثل كلامه. قال أبو عبيد ولا أدري ممن سمعت هذا.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في المخلط: كل نجار ابل نجارها.
يعني إنَّ فيه كل لون من الأخلاق، وليس له رأى يثبت عليه قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التخليط: قد استنوق الجمل.
وهو الرجل يكون في حديث أو في صفة شيء، ثم يخلط ذلك بغيره، وينتقل إليه. وكان بعض العلماء يخبر أنَّ هذا المثل لطرفة بن العبد، وكان أصله أنه كان عند بعض الملوك وشاعر ينشد شعرا في وصف جمل، ثم حوله إلى نعت ناقة، فقال طرفة عندها: " استنوق الجمل " وقد يقال ذلك لرجل يظن به إنّه عنده غناءً، من الشجاعة وجلد، ثم يكون الأمر على خلاف ذلك، وانشد للكميت:
هززتكم لو أنَّ فيكم مهزة ... وذكرت ذا التأنيث فأستنوق الجمل
باب الرجل يكون ضاراً لا نفع عنده.
قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا قولهم: المعزى تبهى ولا تبنى.

قال أبو عبيد: وأصل هذا إنَّ المعز ليس تكون منها الأبنية، وهي بيوت الأعراب، وإنّما تكون أخبيتهم من الوبر والصوف، ولا تكون من الشعر، والمعز مع هذا ربما صعدت الخباء فخرقته، فلذلك قولهم: " تبهي " يقال: أبهيت البيت أبهيه، إذا خرقته، وهو بيت مبهى، فإذا أردت إنّه انخرق هو قيل: بيت باهٍ. قال أبو عبيد: وكان بعض علمائنا ينشد هذا البيت في الرجل يكون ضاراً لا نفع عنده:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى كيما يضر وينفعا

باب ذكر الجليس السوء وما يتقى من مجالسته وخلطته.

قال أبو عبيد: من أمثالهم السائرة في القديم والحديث قولهم: الوحدة خير من جليس السوء.
وقولهم: مثل جليس السوء كالقين، إنَّ لا يحرق ثوبك بشراره يؤذيك بدخانه.
ومنه قول مصعب بن سعد بن أبي وقاص: لا تجالسن مفتونا فانه لا تخطئك منه إحدى خليتين، إما أنَّ يفتنك فتتبعه، وأما أنَّ يؤذيك قبل أنَّ تفارقه. وكذلك قول أبى قلابة: لا تجالسوا أصحاب الأهواء فإني لا أمن أنَّ يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون. ومنه حديث عمر بن الخطاب إنّه كتب إلى موسى الأشعري وأهل البصرة في صبيغ " أنَّ لا تجالسوه " قال أبو عبيد: والحديث في نحو هذا كثير.
باب الرجل يكون ذا منظر ولا خبر عنده أو يكون ذا خبرٍ ولا منظر له.
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل.
هذا مثلهم في ذي المنظر ولا خبر عنده، فأما مثلهم في ذي الخبر ولا منظر له فقولهم: أنكحيني وانظري، أي إنَّ لي خبراً محموداُ وإنَّ لم يكن لي منظر. قال: وأخبرني أبن الكلبي إنَّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث دخل على الحجاج فقال له الحجاج: انك لمنظراني، فقال عبد الرحمن: نعم أيّها الأمير، ومخبراني

بسم الله الرحمن الرحيم

أمثال الجماعات من الأقوام وأنبائهم وحالاتهم

باب ذكر أخلاق الناس في اجتماعهم وافتراقهم

قال الأصمعي: يقال في أمثالهم: لن يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
قال الأصمعي: وقال أبو عمرو بن العلاء: ما أشد ما هجا القائل: سواسية كأسنان الحمار.
قال أبو عبيد: ومثله قولهم: سواء كأسنان المشط.
قال أبو عبيد: وأحسب قولهم: " إذا تساووا هلكوا " لن الغالب على الناس الشر، وإنّما يكون الخير في النادر من الرجال لعزته، فإذا كان التساوي فإنما هو في السوء. وقال أبو زيد. ومن أمثالهم في هذا أيضاً قولهم:
القوم إخوان وشتى في الشتيم ... وكلهم بجمعهم بيت الأدم
معناه انهم، وإنَّ كانوا مجتمعين بالشخوص والأبدان، فأن شيمتهم وأخلاقهم مختلفة.
وقوله: " بيت الأدم " قالوا: هو الأرض، وقالوا: آدم الذي يلتقون إليه في النسب، قال: وقالوا: بيت الإسكاف، فيه من كل جلد رقعة. وقال الأصمعي في نحو هذا: شتى تووب الحبلة.
قال: وأصله يوردون ابلهم الشريعة أو الحوض معا، فإذا صدروا تفرقوا إلى منازلهم. فحلب كل واحد في أهله على حياله. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم اختلاف الناس قولهم: الناس أخياف.
أي انهم مفترقون في أجسامهم وأخلاقهم، ويقال للفرس إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء: أخيف، وهو من هذا الاختلاف. قال أبو عبيد: ويقال في الجماعة يأتون معاً: جاءوا على بكرة أبيهم.
إذا جاءوا كلهم، وكذلك: جاءوا قضهم بقضيضهم.
وليس هذا من الأول، ولكنه نحو منه.

باب الرجلين يكونان متساويين في خير وشر.

قال أبن الكلبي: من أمثالهم في تساوي الرجلين قولهم: هما كركبتي البعير.
وذكر أبن الكلبي إنَّ المثل لهرم بن قطبة الفزاري، تمثل به لعلقمة بنن علاثة وعامر بن الطفيل الجعفريين حين تنافر إليه، فقال: أنتما يا ابني جعفر كركبتي البعير، تقعان معاً، ولم ينفر أحدهما على صاحبه قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الاثنين يسبقان إلى غاية: هما كفرسي رهان.
وهذا المثل يروى عن علي بن أبي طالب، رحمه الله، وغيره في رجل يولي من امرأته ويطلقها، ومعناه أنَّ انقضاء عدة الطلاق وانقضاء الأشهر الأربعة كفرسي رهان، أيهما يسبق خروجه أخذ به. قال أبو عبيدة: من أمثالهم في التساوي بين الاثنين: هما زندان في وعاءٍ.

قال أبو عبيد: وهذا المثل الثاني لا يكاد يوضع في المدح كالأول، إنّما هذا موضع الخساسة والدناءة. ومثل العامة في هذا قولهم: هما كحماري العبادي.
حين قيل له: أيهما أشر؟ فقال: هذا، ثم هذا، قال: ومن أمثالهم في الرجلين يسقطان معا متساويين.
وقعا كعكمى بعيرٍ.
قال ذلك الأصمعي، واصله أنَّ تحل عن البعير حباله فيسقط عكماه معاً.
باب الرجلين يكونان ذوى فضل غير إنَّ لأحدهما فضيلة على الآخر.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: مرعى ولا كالسعدان ومثله: ماء ولا كصداء.
يضرب للرجل يحمد شانه، ثم يصير إلى آخر أكثر منه وأعلى. وحكي عن المفضل إنّه كان يخبر عن هذين المثلين بحديثهما فقال: الأول منهما لامرأة من طيء، كان تزوجها امرؤ القيس بن حجر الكندي، وكان مفركاً فقال لها: أين أنا من زوجك الأول فقالت: " مرعى ولا كالسعدان " أي انك وإنَّ كنت رضاً فلست كفلان. والمثل الآخر للقذور بنت قيس بن خالد الشيباني، وكانت زوجة لقيط بن زرارة التميمي، ثم تزوجها من بعده رجل من قومها، فقال لها يوما: أنا اجمل أم لقيط؟ فقالت: " ماء ولا كصداء " أي أنت جميل ولست مثله. قال: وقال المفضل: وصداء: ركية لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها، وفيها يقول ضرار بن السعدي:
وإني وتهيامي بزبيب كالذي ... يطالب من أحواض صداء مشربا
قال أبو عبيد: وأما السعدان فشيء تتعلفه الإبل، وهو من افضل مراعيها، فإذا رأوا عافاً دونه قالوا هذه المقالة. ومن هذا المعنى المثل المستدل في العوام قولهم: سداد من عوز.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: فتى ولا كمالك.
قال الأصمعي: لا أدري من مالك وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في تفضيل أهل الفضل على بعض قولهم: في كل شجر نار واستنجد المرخ والعفار.
وقال غيره: " و استجمد المرخ واعفار " يعني انهما اتخذا من النار ما هو حسبها، ويقال: أمجدت الدابة علفا، إذا أكثرت لها منه.

باب الرجل يعجب بالفضيلة تكون فيه ولا يعرف فضل غيره عليه.

قال الأصمعي: من أمثالهم في مثل هذا قولهم: كل مجر بالخلاء يسر.
قال: وأصله الرجل يجرى فرسه بالمكان الخالي الذي لا مسابق له فيه، فهو مسرور بما يرى من فرسه، ولا يدري ما عند غيره. يضرب للرجل تكون فيه الخلة يحمدها من نفسه، ولا يشعر بما في الناس من الفضائل. وقال الأصمعي في نحو منه، وليس بعينه: ساواك عبد غيرك.
قال أبو عبيد: والعامة مثلها في هذا الموضع: عبد غيرك حر مثلك.
يضرب هذا للرجل يرى لنفسه فضلا على الناس من غير تفضل ولا طول.

باب مساواة الرجل صاحبه فيما يدعوه إليه.

قال أبن الكلبي: من أمثالهم: أنصف القارة من راماها.
قال هشام: والقارة هم عضل والديش ابنا الهون بن خزيمة وإنّما سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم. قال أبو عبيد: وأصل القارة أكمة، وجمعها قور. وقال أبن واقد: وإنّما قيل: " أنصف القارة من راماها " في حرب كانت بين قريش وبكر بن عبد مناة بن كنانة، قال: وكانت القارة مع قريش، وهم قوم رماة، فلما التقى الفريقان رماهم الآخرون، فقيل: قد أنصفتم هؤلاء إذ ساووكم في العمل الذي هو شانكم وصناعتكم. وفي بعض الآثار " ألا أخبركم باعدل الناس؟ قيل: بلى، قال: من أنصف نفسه " وفي بعضها " أشد الأعمال ثلاثة أصناف، إنصاف الناس من نفسك والمواساة بالمال وذكر الله على كل حال "

باب المساواة في التكافؤ والأفعال.

قال مورج: من أمثالهم في هذا: أضئ لي أقدح لك.
ويقال: " أكدح لك " أي كن لي اكن لك. قال أبو عبيد: ومن المكافأة.
إنّما يجزى الفتى ليس الجمل.
قالها لبيد بن ربيعة في شعره. وقال الأصمعي: ومنه قولهم: أسق رقاش إنّها سقاية.
يضرب المحسن فيقال: أحسنوا إليه لإحسانه. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في المكافأة قولهم: هذه بتلك فهل جزيتك.

وحكي عن المفضل إنّه كان يخبر عن قائله إنّه يزيد بن المنذر، قاله لعمرو بن فلان، وهما ن بني شهل في فعلة فعلها به عمرو، فجزاه يزيد بمثلها، ثم قال له هذه المقالة، فذهبت مثلا، وفي بعض الحديث المرفوع إنّه قال: " من أزلت إليه نعمة فليكافئ بها، فإنَّ لم يقدر فليظهر ثناء حسنا " وفي حديث آخر " أنَّ المهاجرين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الأنصار قد فضلونا بكذا وكذا، فقال " ألستم تعرفون ذلك لهم؟ " قالوا: نعم، قال: " فإنَّ ذاك " قال أبو عبيد: أم الحديث فليس فيه أكثر من قوله: " فإنَّ ذاك " فمعناه إنَّ معرفتكم إحسانا مكافأة لهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمثال في الأقربين من أسرة الرجل وعترته

باب المثل في التعاطف ذوي الأرحام وتحنن بعضهم على بعض

قال أبن الكلبي: ومن أمثالهم في عطف ذوي الأرحام قولهم: يا بعضي دع بعضاً.
قال: وأوّل من قاله زرارة بن عدس التميمي، وذلك أنَّ ابنته كانت عند سويد بن ربيعة، ولها منه تسعة بنين، وإنَّ سويدا قتل أخا لعمرو بن هند الملك صغيرا، ثم هرب فلم يقدر عليه أبن هند، فأرسل إلى زرارة فقال: ائتني بولده من أبنتك، فجاء بهم، فأمر عمرو بقتلهم، فتعلقوا بجدهم زرارة فقال: " يا بعضي دع بعضاً " فذهبت مثلا. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العناية بذي الرحم قولهم: أسعد أم سعيد.
وكان المفضل يخبر إنَّ المثل لضبة بن أدن وكان له ابنان سعد وسعيد، فخرجا في بغاء ابل لهما. فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فكان ضبة كلما رأى شخصاً قال: " أسعد أم سعيد " قال أبو عبيد: هذا أصل المثل، وقد وضعه الناس في الاستخبار عن الأمرين من الخير والشر، وإنّما موضعه ما أعلمتك. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في التحنن بالأقارب: لكن على بلدح قوم عجفى.
ومثله. " لكن بالأثلاث لحم لا يظلل " .
يقول الرجل هذا إذا رأى قوما في سعة وخصب، وله حميم أو غيره ممن يهتم بشأنه، وهم فاقة وسوء حال. وكان المفضل يحدث بهذا عن بيهس الذي يلقب بنعامة، وكانت بين أهل بيته وقومه من أشجع حرب، فقتلوا سبعة أخوة لبيهس، وأسروا بيهسا، فلم يقتلوه لصغره فارتحلوا به فنزلوا منزلا في سفرهم، ونحروا به جزروا، فقال بعضهم: ظللوا لحم جزوركم. فقال نعامة: " لكن بالأثلاث لحم لا ظلل " يعني لحم اخوته القتلى، ثم ذكروا كثرة ما غنموا، فقال النعامة: " لكن على بلدح قوم عجفى " يعني أهل بيته، ثم إنّه أفلت أو خلوا سبيله. فرجع إلى أمه، فقالت له: أنجوت أنت من بينهم؟ فقال: لو خيرت لاخترت.
وكانت لا تحبه قبل ذلك، فلما رأته ليس لها غيره رقت له، وتعطفت عليه، فقال نعامة: الثكل أرامها.
يعني إنَّ فقدها أولادها عطفها على، فذهبت كلماته الأربع كلها أمثالاً. وقوله: " بلدح " اسم موضع. وكذلك " الأثلاث " قال الزبير: الأثلاث: شجر، وهو الطرفاء وقال الزبير: قتلهم نصر بن دهما بن الأشجعي، وأراد قتل البيهس فقيل له: إنّه أحمق فدعه لأمه لتسكن إليه، فلما نزلوا قال نصر: ظللوا ذلك اللحم، فذلك حيث يقول نعامة: " لكن بالأثلاث لحم لا يظلل " ففزع منها نصر، فقيل له: كلمة جاءت من أحمق.
وقال الأصمعي: في مثل هذا يقال: لا يعدم الحوار من أمه حنةً.
ومنه: لا يضر الحوار ما وطئته أمه.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في التحنن على الأقارب

و ابأبي وجوه اليتامى

وحكي عن المفضل إنّه كان يحكيه عن يعد القرقرة، وهو رجل من أهل هجر، وكان النعمان يضحك منه، فدعا النعمان بفرسه اليحموم وقال لسعد: أركبه فأطلب عليه الوحش، قال سعد: إذاً والله أصرع، قال: فأبى النعمان إلاّ أنَّ يركبه، فلما ركبه سعد نظر إلى بعض ولده فقال ذلك. وفي هذا يقول سعد:
نحن بغرس الودي أعلمنا ... منا بركض الجياد في السلف
و يروى: في السدف
باب احتمال لذي رحمه يراه مضطهداً وإنَّ كان له كشاحاً قاليا. قال الأصمعي: يقال في هذا مثل هذا:
لا تعدم من أبن عمك نصرا.
وأما أبو عبيدة فكان يحكيه: لا يملك مولى نصراً.

قال أبو عبيد: وكلاهما معناه أنَّ حميمك يغضب لك إذا رآك مضطهدا وإنَّ كان لك مشاحنا، وكان المفضل، فيما روى عنه، يقول: إنَّ أوّل من قاله النعمان بن المنذر الملك، وذلك إنَّ العيار بن عبد الله الضبي كان الذي بينه وبين ضرار بن عمرو سيئاً وهو من أسرته، فاختصم أبو مرحب اليربوعي وعند النعمان في شيء فنصر العيار ضراراً فقال له النعمان: أتفعل هذا بي بأبي مرحب في ضرار وهو معاذيك؟ فقال العيار: إني أكل لحم أخي ولا أدعه لآكل.
فعندها قال النعمان: " لا يملك مولى نصراً " فذهبت كلمتاهما مثلين. قال أبو عبيد: ومن هذا المثل مقالة عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما حين كتب إليه وهو محصور، وكان على غائباً في مال له: إذا أتاك كتابي هذا فأقبل إلى على كنت أولى.
فان كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلاّ فأدركني ولمّا أمزق
يقول: إنَّ أخي وأبن عمي، وإنَّ كان عاتبا عليَّ فهو أرأف بي وأرق عليَّ من الأباعد ومن أمثالهم في هذا: الحفائظ تحلل الأحقاد.
ومنه قول القطامي: و ترفض عند المحفظات الكتائف. والكتائف هي السخائم، ويقول: إذا رأيت قريبي يضطهد، وأنا عليه واجد، خرجت تلك السخيمة من قلبي له، ولم أدع نصره ومعونته، ومنه قولهم: أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً.
قال أبو عبد الله الزبير: الحسائف هي السحائم أيضاً.
باب استعطاف الرجل صاحبه على أقربيه وإنَّ كانوا له غير مستحقين.
قال أبو زيد: ومن أمثالهم في هذا قولهم: منك عيصك وإنَّ كان أشباًز أي منك أصلك وإنَّ كان أقاربك على خلاف ما تريد يقول: فأصبر عليهم، فأنه لا بد لك منهم. وقال الأصمعي: في مثله: منك ربضك وإنَّ كان سماراً.
وأصل السمار اللبن الممذوق، فشبه القريب في رداءته به وقال الأحمر في مثله: منك أنفك وإنَّ كان أجدع.
قال أبو عبيد: كل هذا معناه إنَّ عشيرتك ورهطك لا منجى لك منهم، فأحتملهم على ما فيهم. قال الأصمعي: يقال: هو ألزم لك من شعرات قصك.
قال: وذلك لأنه كلما حلق نبت، وهذا المثل يضرب للذي ينتفي من قريبه. وقد أيضاً لكل من أنكر حقا يلزمه، من أي الحقوق كان

باب عجب الرجل برهطه وعترته.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: كل فتاةٍ بابيها معجبة.
وهذا المثل يرويه بعضهم للأغلب العجلي في شعر له وقال بعضهم: هذا المثل لامرأة من بني سعد، يقال لها العجفاء بنت علقمة، ويقال: إنّه لكاهنة منهم: تنافر إليها نسوان، كل واحدة تذكر مجد أبيها، وتفخر به، فقالت الكاهنة: كل واحدة منكن بابيها معجبة، قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحو هذا: زين في عين والدٍ ولده.
وروي الناس عن عمر بن عبد العزيز إنّه قيل له: لو بايعت لأبنك عبد الملك مع فضله وشأنه وورعه، فقال: لولا أني أخاف أنَّ يكون زين في عيني منه ما يزين للوالد من ولده لفعلت، ثم توفي عبد الملك قبل عمر. ومثل للعامة في مثل هذا.
من يمدح العروس إلاّ أهلها.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في نحوه: حميم الرجل وأصله.

باب تشبيه الرجل بأبيه.

الأصمعي وأبو عبيدة وأبن الكلبي كلهم قالوا: من أمثالهم في التشبيه: شنشنة اعرفها من أخزم.
وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب، قاله في أبن عباس يشبهه في رأيه بأبيه. ويقال: إنّه لم يكن لقريش مثل رأي العباس. وقد فسرنا هذا في غريب الحديث. ومنه قولهم: تقيل فلان أباه.
أي أشبهه. ومن أمثالهم في هذا: من أشبهه أباه فلما ظلم.
قال الأصمعي: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، يقول: فإذا أشبه أباه فقد وضع الشبه في موضعه. قال الأصمعي: ومن هذا قولهم: و من عضة ما ينبتن شكيرها.
والشكير: الورق الصغار ينبت بعد الكبار. قال الأصمعي: ومنه قولهم: العصا من العصية.
قال أبو عبيد: هكذا قال، وأنا أحسبها " العصية من العصا " إلا أن يكون يراد به إنَّ الشيء الجليل إنّما يكون في بدئه صغيراً كما قالوا: إنّما القرم من الأفيل.
فيجوز حينئذ على هذا المعنى إنَّ يقال: " العصا من العصية " قال أبو عبيد: ومن هذا قولهم: هل تنتج الناقة إلاّ لمن لقحت له.
أي هل يشبه الرجل غير أبيه.

باب إدراك ولد الرجل وبلوغهم في حياته.

قال أبو عبيد: يقال في مثل لهم: من سره بنوه ساءته نفسه.

ولا أدري ممن سمعته، إلاّ أنه بلغني أنَّ قائله ضرار بن عمرو الضبي، وكان ولده قد بلغوا ثلاثة عشر رجلاً، كلهم قد غزوا ورأس، فرآهم يوماً معاً وأولادهم، فعلم أنهم لم يبلغوا هذه السن إلاّ مع كبر سنه ونفاد عمره، فقال عندها: " من سره ولده ساءته نفسه " فأرسلها مثلاً. ومن أمثالهم في ولد الشبيبة وما يجب من ذلك:
إنَّ بني صبية صيفيون ... أفلح من كان له ربعيون
و الولد الصيفي هو الذي يولد للرجل بعد السن، والربعي: الذي يولد في عنفوان الشباب، وهذا المثل يروونه عن سليمان بن عبد الملك تمثل به عند موته، وكان أراد أن يجعل الخلافة في ولده، فلم يكن له يومئذ من ولدٍ ولد له في الحداثة، وكانوا صغارا إلاّ من كان من أمهات الأولاد، فقد كان فيهم من قد بلغ، لأنهم كانوا لا يعقدون إلاّ لأبناء المهائر وقال الزبير: كانت عندهم رواية أنَّ ملكهم يذهب على رأس أبن أمه وكذلك كان.

باب تبني الرجل والمرأة غير ولدهما.

قال الأصمعي: من أمثالهم: ابنك أبن بوحك.
أي أبن نفسك الذي ولدته، ليس من تبنيت. قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: ابنك من دمى عقبيك.
وكان المفضل يخبر بهذا المثل عن امرأة الضفيل بن مالك أبن جعفر بن كلاب، وهي امرأة من بلقين، فولدت له عقيل بن طفيل، فتبنته كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب، فعرم عقيل على أمه يوماً فضربته، فجاءتها كبشة فمنعتها وقالت: ابني ابني، فقالت القينية: " ابنك من دمى عقبيك " تعني: الذي نفست به حتى أدمى النفاس عقبيك فهو ابنك لا هذا.

باب تحاسد ذوي القرابات وقطيعتهم أرحامهم.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: أينما أوجه ألق سعداً.
وكان المفضل يحدث أنَّ المثل للأضبط بن قريع السعدي، وذلك أنه كان سيد قومه، فكان يرى منهم حسداً له، وبغياً عليه، فرحل عنهم فنزل في آخرين، فرآهم يفعلون باشرافهم مثل ذلك، ثم رحل ونزل في غيرهم، فرأى مثل ذلك أيضاً، فعندها قال: " أينما أوجه ألق سعداً " أي كل الناس مثل قومي في حسدهم ساداتهم. قال الأصمعي: ومن أمثالهم: فرق بين معد تحاب.
يقول: إنَّ ذوي القرابة إذا تراخت ديارهم بعضها من بعض كان أحرى أن يتحابوا، وإذا تدانوا تحاسدوا وتباغضوا. قال أبو عبيد: وهذا يروى في حديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا. ومنه قوله ) لأبي هريرة: يا أبا هريرة زر غباً تزدد حباً

باب العقوق من الولد للوالد، والوالد للولد.

قال أبو عبيد: من أمثالهم: العقوق ثكل من لم يثكل.
يقول: إذا عقه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء. قال أبو عبيد: هذا في عقوق الولد للوالد، وأما قطيعة رحم الوالد للولد فقولهم: الملك عقيم.
يريدون أنَّ الملك لو نازعه ولده الملك لقطع رحمه حتى يهلكه، فكأنه عقيم لم يولد له، وإنما ذلك من الانفراد بالملك، وأن ليس في الملك شريك، فكأنه لذلك عقيم.

باب التشابه في غير ذوي الرحم.

قال الأصمعي: من أمثالهم.
أشبه شرج شرجاً لو أنَّ أسيمراً.
قال أبو عبيد: وكان المفضل يحدث أنَّ صاحب المثل لقيم بن لقمان، وكان هو وأبوه قد نزلا منزلاً يقال له: " شرج " فذهب لقيم يعشى إبله، وقد كان لقمان حسد لقيماً وأراد إهلاكه، فاحتفر له خندقاً، وقطع ما هنالك من السمر، ثم ملأ به الخندق، وأوقد عليه ليقع فيه لقيم، فلما أقبل عرف المكان، وأنكر ذهاب السمر، فعندها قال: " أشبه شرج شرجاً لو أنَّ أسيمراً " فذهبت مثلا ومن هذا قولهم: ما أشبه الليلة بالبارحة.
فهذا التشبيه يكون في الناس وغيرهم، وكذلك قولهم: حذو القذة بالقذة.
وقد فسرناه في غريب الحديث، وهو أن يقدر كل قذة، والقذة: الريشة من ريش السهام، على صاحبتها سواء.

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على محمد وآله

الأمثال في مكارم الأخلاق

باب المثل في الحلم والصبر على كظم الغيظ.

قال الأصمعي: من أمثالهم في الحلم وما يؤمر به منه قولهم: إذا نزا بك الشر فاقعد.
أي فاحلم ولا تسارع إليه قال: وقال الأحمر في مثل هذا : الحليم مطية الجهل.
يعني أنه يحتمل جهله، ولا يؤاخذه به. قال أبو عبيد: ومنه قولهم: لا ينتصف حليم من جاهل.

ويروى عن الحسن البصري أنّه قال: ما نعت الله أحداً من الأنبياء نعتاً أقل ممل نعتهم به من الحلم، فإنه قال: )إنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ حليم( و)إنَّ إبراهيم لحليمٌ أوَّهٌ منيبٌ( قال أبو عبيد: يعني أنَّ الحلم في الناس عزيز. وقد روينا عن بعض العلماء أنه قال: ما أضيف شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم. وقال معاوية بن أبي سفيان: إني لأرفع نفسي أن يكون لي ذنب أوزن من حلمي. وقال معاوية: ما غضبي على من أملك أم ما غضبي على من لا أملك.
قال أبو عبيد: يريد أنبي إذا كنت مالكا له فأنا قادر على الانتقام منه، فلم ألزم نفسي الغضب؟ وإن كنت لا أملكه ولا يضره غضبي فلم أدخل اغتمام الغضب على نفسي؟!، فمعناه أني ى أغضب أبدا. ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أتي برجل كان واجداً عليه فأمر بضربه، مثال قال: لو لا أني غضبان لضربتك، ثم خلى سبيله ولم يضربه. ويروى في حديث مرفوع عن النبي ) " أنَّ رجلاً قال له: أوصني، فقال: لا تغضب، فأعاد عليه، فقال: لا تغضب " وفي حديث آخر عن يحيى بن زكرياء " إنّه قال لعيسى بن يحيى: هذا عسى " قال الأصمعي: ومن أمثالهم في صفة الحليم: إنه لواقع الطائر.
ومثله إنه لساكن الريح ومنه ما يوصف به الحاماء: كأن الطير على رؤوسهم.
وإنّما يراد بذلك أنهم حلماء لا طيش لهم ولا خفة.

باب الإغضاء على المكروه واحتمال الأذى

قال أبو زيد: من أمثالهم في هذا قولهم: طويت فلان على بلاله وطويته على بلوله وبللته. أي احتملت منه إساءته وأذاه على ما فيه. وقال الأصمعي: يقال في مثل هذا : لبست عليه أذني.
أي سكت كالغافل الذي لم يسمعه. قال أبو عبيد: ومنه قول الشاعر:
أعرض عن العوراء أن أسمعتها ... وأقعد كأنك غافلٌ لم تسمعِ
يريد بالعوراء الكلمة القبيحة، وقال الآخر:
قل ما بدا لك من زورٍ ومن كذبٍ ... حلمي أصم وأذني غير صماءِ
قال أبو عبيد: وقال أكثم بن صيفي في نحو هذا : اليسير يجني الكثير.
وقال أيضاً: " الشر يبدؤه صغاره " . وقال مسكين الدارمي في هذا المثل :
ولقد رأيت الشر بي ... ن الحي يبدؤه صغاره
يقول: فاصفح عنه واحتمله لكيلا يخرجك إلى أكثر منه، وقال عدي بن زيد:
شط وصل الذي تريدين مني ... وصغير الأمور يجني الكبيرا
و في حديث مرفوع، أو عن بعض الصحابة " مكارم أخلاق الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك " وفي حديث آخر " ما عفا رجل عن مظلمة إلاّ زاده الله بها عزا " وقال الشاعر:
فإنَّ النار بالعودين تذكى ... وإنَّ الحرب يبدؤها الكلام

باب رتق الفتوق وإطفاء النائرة

قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا : إنَّ دواء الشق أن تحوصه.
أي تلاميه وتصلحه. قال أبو عبيد: واصل الحوص الخياطة ومنه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين اشترى قميصاً فقطع ما فضل عن كفيه، ثم قال لرجل: " حصه " يعني خياطة كفافه. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في الإصلاح.
ما كفى حرباً جانيها.
معناه أنه إنّما يصلح فساد السفهاء غيرهم من ذوي الأحلام والنهى، فأما جناة الحرب فلا يكون بهم إصلاحها. وقال الأصمعي: ومنه قولهم: صار الأمر إلى النزعة.
إذا قام بإصلاح الأمر أهل الأناة والحلم. وفي حديث مرفوع أنه قيل له ) أنا قوم نتساءل أموالنا، فقال: " يسأل الرجل في الجائحة والفتق ليصلح بين الناس، فإذا استغنى أو كرب استعف " فأرخص النبي ) في المسألة لإصلاح الفتق.

باب العفو عند المقدرة

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: ملكت فأسجح.
وهذا يروى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالته لعلي أبن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها، ثم كلمها بكلام، فأجابته: " ملكت فأسجح " أي ضفرت فأحسن، فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة. ومن أمثالهم في هذا قواهم: إنَّ المقدرة تذهب الحفيظة.
وقد بلغنا هذا المثل عن رجل عظيم من فريش في سالف الدهر، كان يطلب رجلاً بذحل، فلما ظفر به قال: لولا أنَّ المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك ثم تركه. ومن العفو قولهم: إذا ارججن شاصياً فارفع يداً.

يقول: إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه. والشاصي هو الرافع رجله. ومن أمثال العامة في مثل هذا : أكرموا الصريع.

باب مياسرة الإخوان وترك الخلاف عليهم.

قال الأصمعي وعدة من علمائها: من أمثالهم السائرة في هذا قولهم: إذا عز أخوك فهن.
قال أبو عبيد: معناه أنَّ مياسرتك صديقك ليس لضيم ركبك به فتدخلك الحمية منه، إنّما هو حسن خلق وتفضل، فإذا عاسرك فياسره وكان المفضل مع هذا يخير بأصله، قال: المثل للهذيل بن هبيرة التغلبي، وكان سببه أنه أغار على بني ضبة فغنم وأقبل بالغنائم فقال له أصحابه أقسها بيننا، فقال: إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب فأبوا فعندها قال الهذيل: " إذا عز أخوك فهن " فذهبت مثلا ونزل فقسم بينهم الغنائم وقال أبو عبيدة: ومن أمثالهم في المياسرة: لولا الوئام هلك اللئام.
قال أبو عبيد: فالوئام: المباهاة، يقول: إنَّ الئام ليسوا يأتون الجميل من الأمور على أنها أخلاقهم، إنّما يفعلونها مباهاة وتشبهاً بأهل الكرم وأوّلاً ذلك هلكوا. قال أبو عبيد: وهذا قول أبي عبيدة، وأما غيره من علمائنا فإن المثل عندهم " لولا الوئام هلك الأنام " ويفسرون الوئام الموافقة، يقولون: لولا موافقة الناس بعضهم في الصحبة والعشرة لكانت الهلكة. قال أبو عبيد: ولا احسب الأصل كان الذي لا يعاشرهم.

باب مداراة الناس والتودد إليهم

الأصمعي قال: من أمثالهم في هذا : إذا لم تغلب فاخلب.
يقول: إذا لم يدرك حاجتك بالغلبة والاستعلاء فاطلبها بالترفق وحسن المداراة. وقال أبو زَيد في مثله: إلاّ حظية فلا آلية.
يقول: إنَّ أخطأتك الخطوة فيما تطلب فلا تال إنَّ تودد إلى الناس وتداربهم لعلك تدرك بعض ما تريد. قال أبو عبيد: وأصل هذا في المرأة تصلف عند زوجها فلا تحظى. يقول: فلا ينبغي لها إنَّ تعينه على سوء رأيه فيها فتهتك، ولكن تحبب إليه بما أمكنها وقال أبو زيد في نحو هذا: سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة.
يقول: لأن يزل الإنسان وهو عامل بوجه العمل وطريق الإحسان والصواب خير من أنَّ تأتيه الإصابة وهو عامل بالإساءة والخرق. وفي حديث مرفوع: نصف العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس.

باب مخالفة الناس بالأخلاق مع التمسك بالدين.

قال أبو عبيد: روينا في حديث عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا: خالطوا الناس وزايلوهم.
أي خالطوهم بالمعاشرة والأخلاق،و زايلوهم بأعمالكم. وعن صعصعة بن صوحان إنّه قال لأبن زيد بن صوحان: أنا كنت أكرم على أبيك منك، وأنت أركم علي من أبني، إذا لقيت المؤمن فخالصه. وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك لا تكلمنه. وقد كان بعض علمائنا يرفع حديثا إلى عيسى بن مريم عليه السلام إنّه قال: كن وسطاً وامش جانبا.
فجعل مشيته في ناحية مثلا لمزايلته الأعمال، وكينونه وسط الناس مثلا لمخالطتهم. وروينا عن أبي الدرداء إنّه قال: أنا لنكشر في وجوه القوم وإنَّ قولبنا لتقليهم.
أو لتلعنهم. وفي حديث مرفوع " إنَّ رجلاً استأذن عليه صلى الله عليه وسلم فقال: " بئس أخو العشيرة " ثم إذن له فدخل عليه، فقربه وأدناه، فلما خرج قال: " إنَّ من شرار الناس من أكرمه الناس اتقاء لسانه " أو كلام هذا معناه وإنَّ لم يكن بهذا اللفظ. ومنه حديثه في العباس بن مرداس حين قال تلك الأبيات يوم حنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اقطعوا عني لسانه " أراد إنَّ يعطي حاجته ليسكت. ومن هذا حديث يروى عن أبن شهاب أنَّ شاعراً امتدحه فأعطاه وقال: إنَّ من ابتغاء الخير اتقاء الشر.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم في التمسك بالدين قولهم: من يبغ في الدين يصلف.
يعني إنّه لا يحظى عند الناس، ولا يرزق منهم المحبة، ولذلك قيل: قد صلفت المرأة عند زوجها، إذا لم تكن لها حظوة عنده.

باب حسن عشرة الرجل أهله وحامته

قال الأصمعي: من أمثالهم: كل امرئ في بيته صبي.

قال أبو عبيد: يعني في حسن الخلق والمفاكهة واللهو ونحوه، وقد جاءنا مثله أو نحوه عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رحمهما الله، فأما حديث عمر فانه قال: " ينبغي إنَّ يكون في أهله كالصبي، فإذا التمس مت عنده وجد رجلاً " وأما حديث زيد بن ثابت فانه كان من أفكه الناس في أهله، وأزمتهم إذا جلس مع القوم وفي حديث مرفوع: خياركم خيركم لأهله.
وعن معاوية إنّه قال: تغلبن الكرام وتغلبهن اللئام.

باب اكتساب الحمد، واجتناب المذمة وكراهة الشماتة.

قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في اغتنام الحمد وكراهية الذم: الحمد مغنم والمذمة مغرم.
ومن هذا قول الأول:
بذلك وصاني حريم بن مالك ... وإنَّ قليل الذم غير قليل
و من اجتناب الذم قولهم: الشر أخبث ما أوعيت في زاد.
وبعضهم يرويه في شعر عبيد بن الأبرص: قال أبو عبيد: ومن أمثال أكثم بن صيفي: الشماتة لوم.
يقول: ليس من الكرم أنَّ يشمت الرجل بصاحبه إذا زلت به النعل أو نزل به أمر.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم: إنَّ خيراً من الخير فاعله. وإنَّ شراً من الشر فاعله.
يضرب هذا في الحض على الخير والانتهاء عن الشر. ويقال: إنَّ أصل هذا المثل للنعمان بن المنذر يقال له علقمة، قاله لأخيه عمرو مع مواعظ كثيرة وعظه بها، قال: وبعضهم يجعل الكلام لصخر لن عمرو بن الحارث بن شريد السلمي.

باب الصبر عند النوازل والمزاري

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: هون عليك ولا تولع بإشفاق.
قال الأصمعي: في نحو منه: إنَّ في الشر خياراً.
قال: ومعناه إنَّ بعض الشر أهون من بعض. قال أبو عبيد: أحسبه يريد: إذا أصابته مصيبة فأعلم إنّه يكون أجل منها فليهون ذلك عليك مصيبتك. ومنه الحديث المرفوع " من أصابته مصيبة فليذكر مصابه بي فليعزه ذلك " وقال بعض حكماء العرب: إنَّ شرا من المرزئة سوء الخلف منها وقال آخر: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنان.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الصبر على المصائب: كانت وقرة في حجرٍ والوقرة مثل الهزمة تكون فيه يقول: إنّه احتمل المصيبة، ولم تؤثر فيه إلاّ مثل تلك الهزمة في الحجر. قال أبو عبيد: وكذلك قولهم: كان جرحا فبرأ.
قالها بعض حكماء العرب وكان أصيب بابن له، فبكاه حولا ثم سلا عنه بعد ذلك، فقال هذه المقالة ومن هذا المعنى قول أبي خراش الهذلي:
بلى إنّها تعفوا الكلوم وإنّما ... نوكل بالأدنى وإنَّ جل ما يمضي
و قال أكثم بن صيفي: حيلة من لا حيلة له الصبر.
وفي الحديث المروفع: الصبر عند الصدمة الأولى.
معناه أنَّ كل ذي مرزئة فإنَّ قصاراه الصبر، ولكنه إنّما يحمد على إنَّ يكون عند جدة المصيبة وحرارتها. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الصبر: من حدث نفسه بطول البقاء فليوطن نفسه على المصائب.
يروى هذا المثل عن عبد الرحمن بن بكرة. وقال صالح المري لرجل يعزيه: إنَّ لم تكن مصيبتك أحدثت لك في نفسك موعظة فمصيبتك بنفسك أعظم.

باب ترك الأسف على الفائت

قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفي: من لم يأس على ما فاته أراح نفسه.
وفي حديث مرفوع إنّه قال صلى الله عليه وسلم لعمر: " ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفسٍ فخذه وتموله، وما لا فلا تتبعه نفسك " يقول: لا تأسف عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على محمّد وآله

جماع أمثال المجد والجود

باب المثل في الحض على بذل والإفضال

قال أبو محمّد الأموي: من أمثالهم في النائل: إنّما سميت هانئا لتهنئ.
قال: ويقال: " لتهنأ " أي لتفضل على الناس، والهانئ هو المعطي، يقال: هنأت الرجل هنا، إذا وهبت له ورفدته. والاسم منه الهنء. وقال أبو عبيدة: في محو هذا: لا ينفعنك من زادٍ تبق.
يقول: إنَّ بقيته صار إلى الفساد والتغير فأعطه الناس وكذلك المال يبقى لك فأنفقه: ومنه الحديث المرفوع: أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا.

وحديثه " إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما سوى ذلك فهو مال الوارث " ومنه مقالة أبي ذر " إنَّ لك في مالك شريكين، الحدثان والوارث، فإنَّ قدرت إلاّ تكون أخس الشركاء حظاً فافعل " . ومنه قول الربيع بن خثيم لبعض إخوانه " كن وصي نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال " أي أنفقه وتخلفه بعدك فتوصي به. ومن أمثالهم في اصطناع الخير قولهم: لا يذهب العرف بين الله والناس.
وهذا المثل للحطيئة في شعر له:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
قال أبو عبيد: وفي بعض الحديث: اصطناع المعروف بقي مصارع السوء.
وفي حديث آخر " أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة " وفي حديث ثالث " السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار " وقال زهير بن أبي سلمى:
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظلم
و يروى " فينظلم " قوله " يظلم " أي يسأل فوق طاقته. وقوله " فيظلم " يتكلفه. وروينا في حديث " إنَّ الله يحب الجود ومعالي الأمور، ويبغض سفسافها " وجاءنا عن أبن عباس إنّه قال: " إنَّ أبن أبي المعاصي مشى القدمية وإنَّ أبن الزبير لوى ذنبه " وقال في معاوية: " لله در أبن هند، كان الناس يردون منه على أرجاء وادٍ رحب " قال الأصمعي: ومن أمثالهم في العطايا يقال: أعطاه بقوف رقبته يقال ذلك إذا أعطاه بغيته، ولم يأخذ له ثمناً ولا أجراً. وأمثال الجود في كلامهم وأشعارهم أكثر من يخاط بها.
باب اصطناع المعروف وإنَّ كان يسيراً
قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: من حقر حرم.
قال أبو عبيد: يريدون أنَّ الإنسان إذا كان يعجز عن الأفضال بالكثير ثم يحقر ما يقدر عليه من اليسير كان فيه الحرمان وتلف الحقوق.
قال أبو عبيد: ومما يقوى هذا المذهب ما روى في الحديث المرفوع. " أنَّ لا ترد السائل ولو بظلف محرقٍ " ومنه قوله: " لا تحقرن شيئاً من المعروف ولو إنَّ تعطى صلة الحبل ولو إنَّ تفعل كذا وكذا " في حديث طويل.
قال أبو عبيد: وإنّما هذا أنَّ الإنسان ربما كان مضطرا إلى ذلك اليسير فيعظم موقعه منه، وإنَّ كانت الموونه فيه على المعطى يسيرة. قال أبو زيد: ومن أمثالهم في اليسير من البر قولهم: إنَّ الرثيئة تفثا الغضب.
قال: وأصله إنَّ رجلاً كان غضبان على قوم، وأحسبه، كان مع غضبه، جائعاً، فسقوه رثيئةً فسكن غضبه، وكف عنهم. والرثيئة: اللبن الحامض، يخلط بالحلو. وقوله: " تفثأ " يعني: تكسر وتكف الغضب. قال أبو عبيد: ومن الرغبة في المعروف وإن كان يسيرا حديث عائشة رضي الله عنها حين سألها سائل وعندها طبق عنب، فأعطيه حبة، وعندها نساء فضحكن من ذلك فقالت: " إنَّ فيما ترين مثاقيل ذر كثير " قال أبو عبيد: تريد قول الله عز وجل: )فمن بعمل مثقالَ ذرةٍ خيراً يره " ويروى عن عبد الحمن بن عوف مثله أيضاً.

باب جود الرجل بما فضل عن حاجته من ماله.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: و حسبك من غنى شبع وري.
وهذا المثل لامرئ القيس بن حجر الكندي، وكانت له معزى، فقال يذكرها:
فتملأ بيتنا أقطاً وسمناً ... وحسبك من غنى شبعٌ وريٌ
فقد يكون في هذا معنيان، أحدهما أن يقول: أعط الناس كل ما كان وراء الشبع والري، والآخر القناعة باليسير، يقول: فاكتف به ولا تطلب ما سوى ذلك. قال أبو عبيد: والمعنى الأول هو عندي الوجه، لقوله في شعر له آخر:
فلو أنَّ ما أسعى لأني معيشةٍ ... كفاني ولم أطلب قليل من المالِ
ولكن ما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
فأخبر ببعد همته وقدره في نفسه. ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: يكفيك ما بلغك المحلاَّ.
ومنه قول الشاعر:
من شاء أن يكثر أو يقلا ... يكفيه ما بلغه المحلاَّ
قال أبو عبيد: في هذا مثل في الأول من التأويلين اللذين ذكرنا. ومن أمثالهم في هذا الباب قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
و يروى: فأنت لعمري طاعم كاسي يقول: قد رضيت من المكارم بأن لا تفضل على أحد إلاّ ما تنفق عليك في طعامك وكسوتك، ومثله قول الآخر:
إني وجدت من المكارم حببكم ... أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا

فإذا تُذُوكرت المكارم مرةً ... في مجلس أنتم به فتقنعوا
و يقال في مثل تتكلم به العوام من الناس: من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمد به إلى الناس.

باب العادة من الجود والخير يعودها الرجل الناس

قال أبو زَيد: من أمثالهم في هذا : ما حللت بطن تبالة لتحرم الأضياف.
قال: ومعناه انك أم تبتدئ في أوّل أمرك بالتفضيل والنيل وأنت تريد تركه. قال: وتبالة: بلاد باليمن مخصبة، فجعلها مثلاً لنواله. قال أبو عبيد: ومن عادة الخير قول الأعشى:
عودت كندة عادةً فاصبر لها ... اغفر لجاهلها ورو سجلياها
و قد جاءنا في بعض الحديث: الخير عادة، والشر لجاجة.
وقال بعض الحكماء: انتزاع العادة من الناس ذنب محسوب.
وكان أشياخنا من أهل المعرفة يعلم الناس يحدثون أنَّ المسلمين لمّا انهزموا يوم اليمامة، قالت الأنصار: بئسما عودتم أقرانكم، يعنون الفرار، ثم كروا عليهم حتى أظهرهم الله، وقتل عدوهم، فهذا من عادة الخير.
ومن أمثالهم المشهورة قولهم: العودُ أحمدُ.

باب الرجل تكون شيمته الكرم غير أنه معدم.

قال الأحمر: من أمثالهم في هذا : بيتي يبخل لا أنا.
يقول: ليس البخل من أخلاقي، ولكن ليس لي ما أجود به.
قال: ومن أمثالهم في الاعتذار قولهم: شغلت شعابي جدواي.
يقول: شغلتني أموري عن الناس والإفضال عليهم.
وقال أبو عبيدة في نحو هذا : بالساعد تبطش الكف.
أي إنّما أقوى على ما أراد بالمقدرة الواسعة، وليس ذلك عندي، ولا مقدرة لي. وقد يضرب هذا المثل في قلة الأعوان أيضاً. قال الأموي: ومن أمثالهم في الرجل يذكر الجود ثم يفعله: بأذن السماع سميت.
ومعناه أنَّ فعلك يصدق ما تسمعه الأذن من قولك.
باب الصبر على مكابدة الأمور ومقاساتها لمّا في عواقبها من المحامد.
قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا قولهم: عند الصباح يحمد القوم السرى.
يقول: انهم يقاسون في ليلهم مكابدة الليل ومقاساة الإسآد، فإذا أصبحوا وقد خلفوا البعد وراء ظهورهم حمدوا فعلهم حينئذ. ومثله قولهم: غمرات ثم ينجلين.
وهذان المثلان يقال: انهما لأغلب العلجي، ويقال: لغيره. يضربان للرجل يحتمل الأمور العظام رجاءً لنيل المعالي في غبها، وقد يوصفان في أمر الدين والدنيا جميعاً.

بسم الله الرحمن الرحيم

جماع أمثال الخلة والإخاء

باب مثل المتخالين المتصافيين اللذين لا يفترقان

قال أبن الكلبي وغيره من علمائنا: من أمثالهم السائرة في الرجلين المتآخيين قولهم: هما كندمانى جذيمة.
قال أبن الكلبي: وهو جذيمة الابرش الملك وكان أبن أخته عمرو بن عدي قد فقده جذيمة الابرش دهراً، ثم إنَّ رجلين من بلقين يقال لأحدهما: مالك، والآخر: عقيل وجداه فقدما به على جذيمة، فعظم موفعه منه، وقال: سلاني ما شئتما، فسألاه أنَّ يكونا نديمية ما عاش وما عاشا، فأجابهما إلى ذلك، فهما ندامانا جذيمة، وفيهما يقول متمم بن نويرة اليربوعي في نفسه وأخيه مالك بن نويرة:
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
و تمثل عمر بن الخطاب بهذا في نفسه وأخيه زيد بن الخطاب. وفي هذين النديمين يقول الشاعر في سالف الدهر:
ألم تعلمي أنَّ قد تفرق قبلنا ... نديما صفاءٍ مالك وعقيل
و هما القينيان مالك وعقيل نديما جذيمة. ومن هذا المعنى البيت السائر في العالم:
وكل أخٍ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
قال أبو عبيد: القينان هما من بلقين، يريد بني القين، فحذف النون والياء، كقولهم: بلعنبر وبلهجيم، وما شابه ذلك. ومنه قولهم في بني شمام، وهما جبلان.

باب الخليل الخاص بأخيه ومؤانسه.

قال الأحمر: من أمثالهم في هذا قولهم: فلان أبن انس فلانٍ.

أي إنّه صفيه وخاصته وأنيسه ومن هذا قولهم في المنامس، وأصله من الناموس، وهو خاصة الرجل وصاحب سره. ومنه قول ورقه بن نوفل في النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّه يأتيه الناموس صاحب موسى " يعني جبريل عليه السلام أجمعين. وكذلك عيبة الرجل: وهم خاصته وأصحاب نصحته وسره. ومنه الحديث في خزاعة " انهم كانوا عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم " .

باب عناية الأخ بأخيه وإيثاره إياه على نفسه.

قال الأصمعي: من أمثالهم في هذا: لك ما أبكي ولا عبرة بي.
يضرب للرجل يشتد اهتمامه بشأن أخيه. قال أبو عبيد: ومن الإيثار قولهم:
هذا جناى وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
وأخبرني أبن الكلبي إنَّ هذا المثل لعمرو بن عدي اللخمي أبن أخت جذيمة الأبرش، وكان جذيمة قد نزل منزلا، وأمر الناس أنَّ يجتنوا له الكمأ، فكان بعضهم إذا وجد منها شيئاً يعجبه فربما آثر نفسه به على جذيمة، وكان عمرو بن عدي يأتيه بخير ما يجده، فعندها يقول عمرو:
هذا جناى وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
يعني: أوثرك به على نفسي إذ كان غيري يأكله دونك. قال أبو عبيد: وهذا المثل تكلم به علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه وصلواته، لمّا جبيت إليه العراق، فنظر إلى ذهبها وفضتها فقال: " يا حمراء يا بيضاء أحمري وأبيضي وغري غيري " .
هذا جناى وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه
هكذا يرويه أصحاب الحديث بالواو، والذي أراد علي رضي الله عنه أني أعطي المال غيري، وامنعه نفسي. ومن الإيثار قول الشاعر يخاطب امرأته:
أرد شجاع الجوع قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
و من الإيثار حديث العابد الذي أراد الإفطار، فقدم قرصيه ليتعشى، وعرض له سائل فأعطاه إحداهما، ثم قال: ما ذاك بمشبعه، وما هذا بمشبعي، ولأن يشبع أحد خير من إنَّ يجوع اثنان، ثم ناوله القرص الآخر، فلما نام أتي في منامه فقيل له: سل حاجتك، فقال المغفرة، فقيل له: أما هذه فقد أعطيتها فسل حاجتك، قال: أنَّ يغاث الناس. قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في مواساة الرجل أخاه قولهم: إنَّ أخاك من أساك.
ومثله قولهم: رب أخ لك لم تلده أمك.
يقال: إنَّ المثل للقمان بن عاد، وكان له أصل سوى الموضع الذي يضعه الناس به، وذلك أنَّ لقمان رأى رجلاً مستحلياً بامرأة، فاتهمه وقال: من هذا؟ فقالت: أخي، فقال مجيبا لها: " رب أخ لك لم تلده أمك " .

باب صفة الأخ المستمسك بإخاء صديقه المشفق عليه.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا أنَّ يقال: ما عقالك بأنشوطةٍ.
وذلك لأن الأنشوطة ينسهل انحلالها، يقول: فليس إخاؤه كذلك، ولكنه عقد مؤكد، وهذا نحو قول ذي الرمة:
وقد علقت مي بقلبي علاقة ... بطيئا على مر الشهور انحلالها
و يروى " علقت " قال الأصمعي: ومن أمثالهم في بر الرجل بصاحبه إنَّ يقال: أم فرشت فأنامت.
قال الأصمعي: فإذا أرادوا إنّه لا يخالفه في شيء قالوا: هو حبل ذراعك.
قال: والحبل: عرق في اليد. ومن أمثالهم في هذا قولهم: بين العصا ولحائها.

باب سرعة اتفاق الأخوة في التحاب والمودة.

قال أبو زَيد: من أمثالهم في نحو هذا: كانت لقوة صادفت قبيسا.
قال سلمة: هي عندنا لقوة مفتوحة.
قال أبو عبيد: واللقوة هي السريعة الحمل، والقبيس هو الفحل السريع الإلقاح، فمثل هذين لا إبطاء عندهما في النتاج. يضرب للرجلين يكونان متفقين على رأي واحد ومذهب، فيلتقيان، فلا يلبثان أنَّ يتصاحبا على ذلك ويتألفا. وقال الأصمعي: في نحو منه: التقى الثريان.
قال أبو عبيد: والثرى هو التراب الندي، فإذا جاء المطر الكثير رسخ في الأرض حتى يلتقي نداه والندى: الذي يكون في بطن الأرض، فهو التقاء الثريين. يضرب هذا في الأمرين أو في رجلين يكونان متفقين فيلتقان. ومن هذا قول أكثم بن صيفي: إنّما الشيء كشكله.
ومنه حديث عبد الله وغيره: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: وافق شناً طبقه.

قال: وأصل الشن الوعاء المعمول من الأدم فإذا يبس فهو شن فكأن قوما كان لهم مثله فتشنن، فجعل له غطاء فوافقه. وقال بعض أهل العلم خلاف ذلك فذكر إنّه شن بن بطن من عبد القيس، والتقوا هم وحي من إياد، يقال لهم: طبق، فاتفقوا على أمر، فقيل في هذا: " وافق شن طبقه " ويقال في نحو منه: وقعت عليه رخمته.
إذا وافقه وأحبه.

باب الإفراط في التودد وما يكره منه ويحب من الاقتصاد.

قال أبو عبيد: بلغني عن بعض الحكماء إنّه قال: " لا تكن في الإخاء مكثرا ثم تكون فيه مدبراً فيعرف سرفك في الإكثار بجفائك في الأدبار " قال أبو عبيد: وهذا نحو مما يروى عن عمر وعلي.
لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفاً.
ومثل الحديث الآخر: أحبب حبيبك هونا ما عسى إنَّ يكون عدوك يوماً ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى إنَّ يكون حبيبك يوماً ما.
ومنه قول النمر بن تولب:
وأحبب حبيبك حبا رويداً ... فليس يعولك أن تصرما

باب اقتداء الرجل بخليله وقرينه

قال أبو عبيد: جاءنا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال: إنّما المرء بخليله، فلينظر امرؤ من يخال.
ومع هذا إنّه المثل السائر في الناس:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد
و هذا البيت لعدي بن زيد العبادي. ومن أمثال أكثم بن صيفي في نحو هذا: من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء.
يعني إنَّ لا دواء له، من أجل أنَّ الغاص بالطعام إنّما غياثه بالماء، فإذا كان الماء هو الذي يغصه فلا حيلة له، فكذلك بطانة الرجل وأهل دخلته، وقال عدي بن زيد:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
يعني: ملجئي. ومن أمثالهم في فساد البطانة المثل المبتذل في العامة: إنَّ الريح إذا هبت خارج البيت استترت منها، وإذا كانت داخل البيت لم يكن إلى الاستتار منها سبيل.

باب تخويف الرجل صديقه بالهجران في الشيء ينكره عليه.

قال الأموي: من أمثالهم في هذا قول الرجل لأخيه: و الله لئن فعلت كذا وكذا لتكونن بلدة ما بيني وبينك.
يعني القطيعة. وقال: الأحمر: ومن أمثالهم في هجر الرجل صاحبه: تركته ترك ظبي ظله.
قال: وذلك إنّه إذا نفر من شيء لم يرجع إليه أبداً.

ضرب في جهازه.

ومن أمثالهم في تخوف الرجل هجر صاحبه قولهم: لا توبسن الثرى بيني وبينك.
أي لا تقطعن الأمر بيننا، وانشد لجرير:
فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى ... فإنَّ الذي بيني وبينكم مثرى

باب استعانة الرجل بإخوانه وأهل ثقته.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في نحو هذا: إلى أمه يلهف اللهفان.
واحسبه عن الأصمعي، يعني إلى أهل عنايته والإشفاق عليه يلجأ المستغيث. قال أبو عبيد: ومن هذا المعنى قول القطامي:
وإذا يصيبك والحوادث جمة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق
و يقال في نحو منه، وليس فيه بعينه: لمثل ذا كنت أحسيك الحسى.
عن الأصمعي، واصله الرجل يغذو فرسه بالألبان، يحسيها إياه، ثم تحتاج إليه في الطلب أو الهرب. فيقول له: فلهذا كنت افعل بك ما كنت أفعل.
ومن أمثالهم في استعانة الرجل بأهل الثقة قول الشاعر:، وهو مسكين الدرامي:
أخاك أخاك، إنَّ من ى أخاً له ... كساع إلى الهيجاء بغير سلاح
وأم أبن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في معاونة الأخ ونصرته قولهم: أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً.
وهذا الحرف يروى في حديث مرفوع إلاّ إنَّ فيه " قيل يا رسول الله، هذا ينصره مظلوماً فكيف إذا كان ظالما؟ قال: يكفه عن الظلم " قال أبو عبيد: أما الحديث فهكذا هو، وأما العرب فكان مذهبها في المثل نصرته على كل حال.

باب مشاركة الرجل أخاه في الرفاهية وخذلانه إياه في الشدائد.

قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في هذا: يربض حجرة ويرتعي وسطاً.
قال أبو عبيد: ومن أشعارهم في هذا قولهم:
موالينا إذا افترقوا إلينا ... وإنَّ اثروا فليس لنا موال
و إذا ضيع الرجل حق أخيه في حياته، ثم بكاه بعد موته فإنَّ مثلهم السائر في هذا قول الشاعر:
لأعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي
و من هذا قولهم:

من فاز بفلان فقد فاز بالسهم الاخيب.
وهذا المثل يروى عن على بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض من كان يستبطئ من أصحابه قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في خذلان الإخوان عند الشدائد قولهم: ليس عبد بأخ لك.
وذكروا عن المفضل إنّه كان يخبر أنَّ رجلاً من عاد كان يكرم إخوانه، فقال له أبوه: أختبرهم، وأمره أنَّ يذبح شاة، ثم يلفها في شيء ثم يأتيها فيقول: هذا رجل قتلته فأحب إنَّ تواروه، فحمله على عبد له، ثم أتاهم رجلاً رجلاً، فكلهم يكره ذلك، حتى أتى رجلاً كان أخسهم عنده، فقبله وقال: هل علم بهذا أحد؟ قال: لا، غير غلامي هذا، فأخذ السيف فقتل العبد وقال: " ليس عبد بأخ لك " فأرسلها مثلاً.

باب معاتبة الإخوان وفقدهم.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في هذا: معاتبة الأخ خير من فقده.
وهذا المثل يروى ن أبي الدرداء، فإن استعتب الأخ ولم يعتب فإنَّ مثلهم في هذا قولهم: لك العتبي بأن لا رضيت.
وهذا مثل مبتذل في الناس، وهو مثل محول عن موضعه، لأن أصل " العتبى " الرجوع المستعتب إلى محبة صاحبه، وهذا على ضده، يقول: أعاتبك بخلاف رضاك، ومنه قول بشر بن أبي حازم الأسدي:
غضبت تميم أنَّ تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصليم
أي أعتبناهم بالقتل. ومن أمثالهم في ترك العتاب قول الشاعر:
وليس عتاب الناس للمرء نافعاً ... إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه
وقال آخر:
فدع العتاب فرب شر ... هاج أوله العتاب
ويروى عن أوس بن حارثة إنّه كان فيما يقال لابنه مالك: يا مالك: العتاب قبل العقاب، والمنية ولا الدنية.
ومن أمثالهم في فقد الأخ الموثوق به قول الشاعر:
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... بيمينك فأنظر أي كف تبدل
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إنَّ كان يعقل
ويركب حدّثني السيف من أنَّ يضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل
و يروى عن الحسن إنّه قال: إنَّ من اشد الناس فقداً عليك أخاك، الذي إنَّ شاورته في أمر دينك أو دنياك وجدت عنده رأيا، ففقدته فالتمس من تجد ذلك عنده فلم تجده.
ومن أمثالهم في الرجل يرزأ بأخيه قولهم: إنّما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
قال أبو عبيد: هذا المثل يروونه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنّه قاله، ثم قال: إنّما وهنت يوم قتل عثمان.

باب إشفاق الرجل على أخيه ومحاذرته لمكروهه.

قال أبو عبيد: من أمثالهم المعروفة قولهم: إنَّ الشفيق بسوء ظن مولع.
وذلك أنَّ المعنى بشأن أخيه لا يكاد يظن به إلاّ المكاره والحدثان كنحو من ظنون الوالدات، فهذا ما في الإشفاق عليه من سوء الظن.
وأما مثلهم في حسن الظن به الجفاء يظهر منه فقول أكثم بن صيفي.

من جعل نفسه من حسن الظن بإخوانه نصيبا أراح قلبه.

يعني إنَّ الرجل إذا رأى من أخيه إعراضا أو تغيرا فحمله منه على وجه جميل، وطلب له المخارج والعذر خفف ذلك عن قلبه، وقل منه غيظه واغتمامه.

باب نصيحة الرجل أخاه

قال أبو عبيد: من أمثالهم القديمة: أخوك من صدقك.
يعني في النصيحة من أمر الدين والدنيا، وفي بعض الحديث " المؤمن مرآة أخيه " يعني إنّه رأى منه ما ينكره أخبره به، ورووا عن عمر بن عبد العزيز إنّه قال: رحم الله رجلاً أهدى إلى عيوبي.
وفي حديث مرفوع " الدين النصيحة، قيل لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " .
ويروى عن يونس بن عبيد إنّه قال: " ما رأيت أحدا أنصح للإسلام من الحسن وأيوب " وعن بكر بن عبد الله المزني إنّه قال: " لو دخلت هذا المسجد وهو مفهم من الرجال فقيل لي: من خيرهم؟ لقلت: أنصحهم لهم " .

جماع أبواب الأمثال في الأموال والمعاش

باب المثل في الخصب والسعة وثروة المال وإصلاحه.

قال أبو عبيدة والأصمعي جميعاً: من أمثالهم في كثرة الخصب والخير.

هم في شيء لا يطير غرابه.

واصله إنَّ الغراب إذا وقع في موضع منه لم يحتج إلى أنَّ يتحول إلى غيره. قالا: وقد يضرب هذا المثل في الشدة أيضاً قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في الخير قول النابغة الذبياني:
ولرهط حراب وقد سورة ... في المجد ليس غرابها بمطار

قوله " حراب وقد " هما رجلان من بني أسد. وقال أبو عبيد عن أبي عبيدة " سورة " يعني منزلة وفضيلة، ومنها قول النابغة أيضاً:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملكٍ دونها يتذبذب
و قال أبو زَيد الأنصاري: من أمثالهم في الخصب قولهم: وقع فلان في سي رأسه.
أي فيما شاء واحتكم، قال أبو زَيد: وقد يفسر " سي رأسه " عدد شعره من الخير. قال أبو زيد: ومنه قولهم: وجدت الدابة ظلفها.
أي ما يوافقها وتكون فيها إرادتها، قال: وكذلك الإنسان. قال أبو عبيدة: وإذا أصاب الرجل عند صاحبه أفضل ما يريد من الخصب قيل: وجده عند تمرة الغراب.
قال: وذلك لأن الغراب إنّما ينتقي من التمر أطيبه وأجوده. ومن أمثالهم في التماس الخصب والسعة.
جاور ملكاً أو بحراً.

باب كثرة المال والخير يقدم به الغائب أو يكون له.

قال أبو زيد: من أمثالهم في المال الكثير يقدم به الغائب: جاء فلان بالهيل والهيلمان.
قال أبو عبيد: ومثله: جاء فلان بما صأى وصمت.
وبلغي عن المفضل أنَّ المتمثل به قصير بن سعد، قاله للزباء حين أتاها بالأموال من العراق، فقال: جئتك بما صأى وصمت، يعني ما نطق وسكت. وقال الأصمعي: العرب تقول: من المال الصامت والناطق، فالصامت عندهم كل شيء سوى الحيوان، مثل العروض والأثاث والعقار والورق، قال: والناطق عندهم الحيوان كله، ما كان من رقيق أو دواب أو نحوها، قال: وإنّما سمى هذا ناطقا لصوته وحياته، وسمى ذلك صامتاً لأنه لا روح له، ولا صوت عنده. قال أبو عبيد: وأما العامة فالصامت عندهم العين والورق خاصة، ولا ينبغي إنَّ يكون الأصل إلاّ الأول.
وأما أهل الحجاز فإنَّ اسم الدراهم والدنانير عندهم الناض، وإنّما يسمونه ناضا إذا تحول عينا بعد إنَّ كان متاعاً.
ومن أمثالهم في كثرة ما يقدم به القادم قولهم: جاء فلان بالضح والريح.
ومعنى الضح الشمس، أي جاء بمثل الشمس والريح في الكثرةز والعامة تقول جاء بالضيح والريح، وليس الضيح بشيء إنّما هو الضح وكذلك جاء ذكره في الحديث " لا بقعد أحدكم بين الضح والظل فانه مقعد الشيطان " ومن أمثالهم في الكثرة: عند فلان من المال عائرة عينز ومعناه إنّه من كثرته يملأ العين حتى يكاد يعورها، أي يفقأها، يقال: عرت عينه، كما يقال: عورتها. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في المال قولهم: لفلان كحل ولفلان سواد.
قال أبو عبيد: وكان الأصمعي يتأول في سواد العراق إنّه يسمى سواداً للكثرة، وأما أنا فأحسبه سمى به للخضرة التي في النخل والشجر والزرع، لأن العرب قد تلحق لون الخضرة بالسواد، فيوضع أحدهما في موضع الأخر، ومن ذلك قول الله جل جلاله حين ذكر الجنتين فقال: " مدهامتان " هما في التفسير " الخضراوان " فوصفت الخضرة بالدهمة، وهي من سواد اللون، وقد وجدنا مثله في أشعارهم، وقال ذو الرمة:
قد أقطع النازل المجهول معسفه ... في ظل أخضر يدعو هامه البوم
يريد بالأخضر الليل، سماه بهذا لظلمته وسواده، قال أبو عبيد: ومن أسماء المال عندهم النشب، يقال: فلان ذو نشب، ويقال ماله نشب، وكذلك العرض، بفتح العين والراء، وهو جميع أموال الناس، فأما العروض فالأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا تكون حيوانا ولا عقاراً. ومن أسماء كثرة المال الدثر، ومنه الحديث المرفوع حين قيل له صلى الله عليه وسلم: " ذهب أهل الدثور بالأجور " وكذلك الثروة والتراث. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم في كثرة المال يأتي به الرجل قولهم: جاءهم بالطم والرم.

باب استصلاح المال وما يؤمر به من ترك إضاعته.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في استصلاح المال قولهم: بق نعليك، وابذل قدميك.
أي احمل على نفسك في استبقاء مالك، لئلا يرى الناس به خلة فتهون عليهم. ومنه قولهم: لا جديد لمن لا خلق له.
يقول صن خلقك ولا تضيعه، فإنَّ يكون إذا لبسته وقاية للجديد. وهذا المثل نحن نرويه عن عائشة أم المؤمنين، وقد كانت وهبت مالاً كثيراً، ثم أمرت بثوب لها أنَّ يرقع، وتمثلت بهذا المثل عند ذلك.
قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في المعنى قول أحيحة بن الجلاح: التمرة إلى التمرة تمر، والذود إلى الذود إبل.

وكان أصل هذا إنّه دخل حائطا له، فرأى تمرة ساقطة، فتناولها، فعوتب في ذلك، فعندها قال هذه المقالة، وهو القائل:
استغن أو مت ولا يغرك ذو شنب ... من أبن عم ولا عم ولا خال
إني أقيم على الزوراء أعمرها ... إنَّ الحبيب إلى الإخوان ذو المال
و منه البيت السائر في العالم:
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير على الفساد
و من الحث على إصلاح المال حديث قيس بن عاصم المنقري في وصيته لوالده: " أفعلوا كذا وكذا، وأكرموا الإبل، فإنَّ فيها مهر الكريمة، ورقوء الدم " يعني الديات التي تدفع بها القصاص والقود.
ومن أمثالهم في إكرام المال قولهم: من ذهب ماله هان على أهله.
ويروى عن رجل من أهل العلم إنّه مر به رجل من أهل الأموال، فتحرك له وأكرمه وأدناه، فقيل له بعد ذلك: أكنت لك إلى هذا حاجة؟ فقال: لا والله، ولكني رأيت المال مهيبا فهبته. أو قال: رأيت ذا المال مهيباً.

باب عذر الرجل في إمساك ماله وترك الجود به.

قال أبو عبيد: من أمثالهم في منع المال: الشحيح أعذر من الظالم.
قال أبو عبيد: وهذا من أمثالهم في مبتذل عند العوام. وإنّما نراهم جعلوا له عذرا إذا كان استبقاؤه ماله ليصون به وجهه وعرضه عن مسألة الناس. ويقولن: فهذا ليس بمليم، إنّما هو تارك للتفضل، ولا عيب عليه في حفظ شيئه، إنّما تلزم اللائمة الآخذ مال غيره: وهذا كالمثل الذي لأكثم بن صبفي.

رب لائم مليم.

يقول: إنَّ الذي يلوم الممسك هو قد ألام في فعله، لا الحافظ لماله.
ومن أمثالهم في المنع: ليس كل حين احلب فأشرب.
يقول: ليس كل حين أقول: أحلب فأشرب قال أبو عبيد: وهذا المثل يروى عن سعيد بن خيبر، قاله في حديث سئل عنه. وقد يدخل في المال، وفي كل شيء يمنع.

باب الجد يعطاه الإنسان في المال وغيره.

قال الأصمعي: من أمثالهم في الجد: من حظك موضع حقك.
قال: ومثله: من حظك نفاق أيمك. قال أبو عبيد: وهاتان الكلمتان ترويان في حديث مرفوع. والحظ هو الجد. ومعناه: إنّ مما وهب الله لعباده من الحظوظ أنَّ يعرف للرجل حقه فلا يبخسه، وإنَّ تنفق عنه أيمه فلا تبور عليه. ومن الحظ قولهم: لا جد إلاّ ما أقعص عنك ما تكره.
أخبرني أبن الكلبي إنَّ قائله معاوية بن أبي سفيان، وذلك إنّه كان خاف أنَّ يميل الناس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بالشام، فاشتكى عبد الرحمن، فسقاه المتطبب شربة خرقته. فعند ذلك قال معاوية: " لا جد إلاّ ما أقعص عنك ما تكره " وقال معاوية أيضاً حين بلغه أنَّ الأشتر سقى شربة عسل، فيها سم فمات، فقال: إنَّ لله جنودا منها العسل.
قال أبو زيد: ومن أمثالهم في الجدود قولهم: عارك بجد أو دع.
يقول: إنَّ الغلبة إنّما هي بالجد، فمن لم يكن له ذلك شيء فليدعه. قال أبو عبيد: ومنه قول الشاعر:
عش بجد لا يضر ... ك نوك ما أعطيت جدا
ومنه قولهم: جدك لا كدك.
أي إنّما تنتفع بالجد لا بالكد من غير إنَّ نكون جدوداً ومن هذا قول الشاعر:
هون عليك فأن الأمور ... بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك منهيها ... ولا قاصر عنك مأمورها
و هذا الشعر نرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنّه على المنبر، ثم ذكر ما كان من شانه في الجاهلية من شدة الحال، وما صار إليه في الإسلام من الخلافة. ومنه قولهم: هون عليك ولا تولع بإشفاق.
عن أبي عبيدة: قال الأصمعي: ومن أمثالهم في نحو هذا قولهم: رزق الله لأكدك.
أي أتاك الأمر من الله لا من أسباب الناس.
قال أبو الحسن: أخبرني بعض أهل الشام إنَّ الحسن البصري قال في مجلسه: إنَّ من جنود الله الزبد، فسمع رجل ذلك، فلما رجع إلى منزله قال لامرأته كالمستهزئ: سمعت الحسن يقول: إنَّ من جنود الله الزبد، فأطعميني زبداً، فأطعمته إياه فغص به فمات.
باب المال يتلف للرجل فيفيد به عقلاً.
قال أبو عبيد: من أمثالهم: خير مالك ما نفعك.
قال أبو عبيد: والعامة تذهب بهذا المثل إلى إنَّ خير المال ما أنفقه صاحبه في حياته، ولم يخلفه بعده. وكان أبو عبيدة يتأوله في المال يضيع للرجل فيكسب به عقلا يتأدب به في حائط ماله لمّا يستقبل. وهذا كالمثل الذي يحكى عن أكثم بن صيفي: لم يضع من مالك ما وعظك

باب المال يضيعه من لم يكسبه أو يسعى فيه لغيره.

الأصمعي: من أمثالهم: ليس عليك نسجه فاسحب وجر.
أي انك لم تعن فيه، فأنت تفسده. قال أبو عبيد: ومثل العامة في اكتساب المرء المال لغيره قولهم: رب ساعٍ لقاعدٍ.

باب عناية الرجل بماله دون عناية غيره.

قال أبو عبيد: من أمثالهم: ملك ذا أمر أمره.
كقولهم: ولي مال ربه.
أي إنّه هو المعني به دون غيره. وقال الأصمعي في مثل هذا: أدرك أرباب النعم.
أي جاء من له عناية واهتمام بالأمر. وقال أبو عبيدة في نحو هذا:
لبث رويدا يلحق الداريون ... أهل الجباب البدن المكفيون
قال: والداري هو رب النعم، وإنّما سماه دارياً لأنه ميم في داره، فنسب إليها، ويقول: فهو رب المال، فاهتمامه بأبله اشد من اهتمام الراعي الذي ليس بمالك له. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم: أهل القتيل يلونه.
قال أبو عبيد: معناه انهم أشد بأمره عناية من غيرهم، وهو ليس من الأول بعينه، ولكن قريب منه.

باب صيانة الحر نفسه عن خسيس مكاسب المال

قال أبو عبيدة: من أمثال أكثم بن صيفي: تجوع الحرة ولا تأكل بثديها.
قال أبو عبيد: وهذا مثل قديم، ولكن العامة ابتذلته وحولته فقالت: " لا تأكل ثديها " . وكان بعض العلماء يقول: وليس هذا بشيء، إنّما هو " بثديها " ومعناه عندهم الرضاع، ويقول: لا تكون بئرا لقوم على جعل تأخذه منهم. يضرب للرجل تصيبه الخلة والفقر، وهو في ذلك لا يتعرض لمّا يدنسه من المكاسب.
وذكر بعض أهل العلم إنَّ المثل للحارث ليس السليل الأسدي، قاله لامرأته ريا بنت علقمة الطائي، وكان شيخا كبيراً، فنظرت يوما إلى فتية شباب، فتنفست الصعداء ألا تكون امرأة أحدهم، فعندها قال لها الحارث: ثكلتك أمك، وقد تجوع الحرة ولا تأكل ثديها. قال أبو عبيد: فإنَّ كان الأصل على هذا الحديث فهو على المثل السائر " لا تأكل ثدييها " .
قال الزبير: وهي التي تقول: مالي وللشيوخ: الناهضين كالفروخ.
ومن أمثالهم في هذا: سوء حمل الفاقة يضع الشرف.
يقول: إنّه إذا تعرض للمطالب الدنية حط ذلك من شرفه. وقال: أوس بن حارثة لابنه مالك فيما يوصيه به: يا مالك " المنية ولا الدنية و " شر الفقر الخضوع، وخير الغنى القنوع " قال أبو عبيد: وقال الشاعر:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
وهذا البيت يقول بعضهم: إنّه لعثمان بن عفان. وقال بعضهم: لغيره.

باب المال يملكه من لا يستجوبه.

أبو زيد الأصمعي: من أمثالهم في هذا قولهم: عبد وخلى في يديه.
قال أبو عبيدة: ويقال في نحو منه: عبد الملك عبداً.
وقال أبو زيد: فإذا أعطى وهو على هذا قيل: أتاك ريان بلبنه.
يقول: إنّه لم يعطك من جود ولا كرم، ولكن لكثرة ما عنده. ويقال في بعض أمثالهم.

كل ذات ذيل تخال.

يضرب لذي المال الكثير، ينفق مالاُ يحتاج إليه، وإنّما يفعله للثراء. ومثله: من يطل ذيله ينتطق به.
قال الأصمعي: ومن أمثالهم: خرقاء وجدت صوفاً.
يضرب للأحمق يصيب مالا فيضعه في غي موضعه.

باب احتفاظ الرجل بالعلق الكريم يفيده من المال أو يكون عنده المال ولا

أحد له.
قال الأصمعي في هذا: استكرمت فاربط.
قال: يقال ذلك لمن أفاد شيئاً يغبط به. أي انك اتخذته كريماً فاشدد يديك به. وقال أبو عبيدة في المال الكثير يكون للرجل، وليس عنده من ينفقه عليه فيقال في هذا: مرعى ولا أكولة.
قال: ومثله قولهم: عشب ولا بعير.
قال: وقد يوضع هذان المثلان في الخصب الذي يغفله الناس ولا يشعرون به. قال الأصمعي: ومن أمثالهم في الشيء يحث صاحبه على التمسك به قولهم: اشدد يديك بغرزه.