1707 - مسألة: أول ما يخرج من رأس المال : دين الغرماء , فإن فضل منه شيء كفن منه الميت , وإن لم يفضل منه شيء كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم , لما قد ذكرنا في " كتاب الجنائز " من ديواننا هذا. وعمدة ذلك قوله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} ، وأن مصعب بن عمير رضي الله عنه لم يوجد له إلا ثوب واحد , فكفن فيه , ولأن تكليف الغرماء خاصة أن يكون الكفن ناقصا من حقوقهم : ظلم لهم وهذا واجب على كل من حضر من المسلمين والغرماء من جملتهم.
1708 - مسألة: فإن فضلت فضلة من المال : كانت الوصية في الثلث فما دونه , لا يتجاوز بها الثلث على ما نذكر في " كتاب الوصايا " من ديواننا هذا إن شاء الله عز وجل , وكان للورثة ما بقي لقول الله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين}
1709 - مسألة: ولا يرث من الرجال إلا الأب , والجد أبو الأب , وأبو الجد المذكور , وهكذا ما وجد. ولا يرث مع الأب جد , ولا مع الجد أبو جد , ولا مع أبي الجد جد جد ، ولا يرث جد من قبل الأم , ولا جد من قبل جدة , ولا الأخ الشقيق أو للأب فقط , أو للأم فقط , وابن الأخ الشقيق , وابن الأخ للأب. ، ولا يرث ابن أخ لأم , والأبن , وابن الأبن , وابن ابن الأبن , وهكذا ما وجد , والعم شقيق الأب , وأخو الأب لأبيه. ولا يرث أخو الأب لأمه , وابن العم الشقيق , وابن العم أخو الأب لأبيه , وعم الأب الشقيق , أو الأب وهكذا ما علا , وأبناؤهم الذكور والزوج والمعتق ومعتق المعتق , وهكذا ما علا , لا يرث من الرجال غير من ذكرنا ،
ولا خلاف في أن هؤلاء يرثون. ولا يرث من النساء إلا الأم , والجدة , والأبنة , وابنة الأبن , وابنة ابن الأبن , وهكذا ما وجدت. ولا ترث ابنة ابنة , ولا ابن ابنة , والأخت الشقيقة , أو للأب , أو للأم , والزوجة , والمعتقة , ومعتقة المعتقة , وهكذا ما علا. ولا يرث ابن أخت , ولا بنت أخت , ولا ابنة أخ , ولا ابنة عم , ولا عمة , ولا خالة , ولا خال , ولا جد لأم , ولا ابنة ابنة , ولا ابن ابنة , ولا بنت أخ لأم , ولا ابن أخ لأم.
ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث , ولا يرث مع الأب جد , ولا ترث مع الأم جدة , ولا يرث أخ , ولا أخت مع ابن ذكر , ولا مع أب. ولا يرث ابن أخ مع أخ شقيق , أو لأب , ولا يرث أخ لأم مع أب , ولا مع ابن , ولا مع ابنة , ولا مع جد. ولا يرث عم مع أب , ولا مع جد , ولا مع أخ شقيق , أو لأب , ولا مع ابن أخ شقيق , أو لأب وإن سفل.
برهان هذا كله. نصوص القرآن , وقول النبي ﷺ الذي رويناه من طريق وهيب عن طاووس ، عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ : ألحقوا الفرائض بأصحابها , فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وكل من ذكرنا أيضا : فلا اختلاف فيه أصلا , وأخرنا الذي فيه اختلاف لنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في أبوابه.
1710 - مسألة: أول ما يخرج مما تركه الميت إن ترك شيئا من المال , قل أو كثر : ديون الله تعالى , إن كان عليه منها شيء : كالحج , والزكاة , والكفارات , ونحو ذلك , ثم إن بقي شيء أخرج منه ديون الغرماء إن كان عليه دين فإن فضل شيء كفن منه الميت , وإن لم يفضل منه شيء كان كفنه على من حضر من الغرماء , أو غيرهم فإن فضل بعد الكفن شيء : نفذت وصية الميت في ثلث ما بقي , ويكون للورثة ما بقي بعد الوصية.
برهان ذلك قول الله تعالى في آيات المواريث : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} , وقال رسول الله ﷺ : ( فدين الله أحق أن يقضى , اقضوا الله فهو أحق بالوفاء )
وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في " كتاب الصيام , والزكاة , والحج " من ديواننا هذا , فأغنى عن إعادته فالآية تعم ديون الله تعالى وديون الخلق , والسنن الثابتة بينت أن دين الله تعالى مقدم على ديون الخلق.
وأما الكفن فقد ذكرناه في " كتاب الجنائز وصح " أن حمزة , والمصعب بن عمير رضي الله عنهما : لم يوجد لهما شيء , إلا شملة شملة فكفنا فيهما ". .
وقال قوم : الكفن مقدم على الديون.
قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأن النص جاء بتقديم الدين كما تلونا , فإذ قد صار المال كله للغرماء بنص القرآن فمن الظلم أن يخص الغرماء بإخراج الكفن من مالهم دون مال سائر من حضر , إذ لم يوجب ذلك قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قياس , ولا نظر , ولا احتياط , لكن حكمه أنه لم يترك شيئا أصلا , ومن لم يترك شيئا فكفنه على كل من حضر من المسلمين , لأمر رسول الله ﷺ : من ولي كفن أخيه أن يحسنه فصار إحسان الكفن فرضا على كل من حضر الميت , فهذا عموم للغرماء وغيرهم ممن حضر.
ولا خلاف في أن الوصية لا تنفذ إلا بعد انتصاف الغرماء , لقول رسول الله ﷺ إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام فمال الميت قد صار في حقوق الله تعالى , أو للغرماء بموته كله أو بعضه فحرام عليه الحكم في مال غيره , وإنما ينفذ حكمه في ماله الذي يتخلف.
فصح بهذا أن الوصية فيما يبقى بعد الدين.
1711 - مسألة: ومن مات وترك أختين شقيقتين أو لأب , أو أكثر من أختين كذلك أيضا , ولم يترك ولدا , ولا أخا شقيقا , ولا لأب , ولا من يحطهن مما نذكر فلهما ثلثا ما ترك أو لهن على السواء.
وكذلك من ترك ابنتين فصاعدا ولم يترك ولدا ذكرا ، ولا من يحطهن : فلهما أو لهن ثلثا ما ترك أيضا.
برهان ذلك قول الله عز وجل : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك}.
ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ، حدثنا خالد بن الحارث هو الهجيمي ، حدثنا هشام هو الدستوائي ، حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال : " اشتكيت وعندي سبع أخوات لي فدخل علي رسول الله ﷺ فنفخ في وجهي فأفقت , فقلت : يا رسول الله , ألا أوصي لأخواتي بالثلثين ثم خرج وتركني , ثم رجع إلي فقال : إني لا أراك ميتا من وجعك هذا , وإن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك : فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية في : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وهذا لا خلاف فيه.
وأما البنتان فلا خلاف في الثلاث فصاعدا , ولا ولد للميت ذكرا في أن لهن الثلثين إذا لم يكن هنالك من يحطهن ,
وهو قول الله تعالى, {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}
وأما البنتان فقد روي ، عن ابن عباس أنه ليس لهما إلا النصف كما للواحدة والمرجوع إليه عند التنازع هو بيان رسول الله ﷺ .
كما روينا من طريق مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق وهي جدة خارجة بن زيد بن ثابت فذكر حديثا وفيه : فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت : يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع , قتل معك يوم أحد وقد استقى عمهما مالهما فلم يدع لهما مالا إلا أخذه , فما ترى يا رسول الله فوالله لا ينكحان أبدا إلا ولهما مال فقال رسول الله ﷺ : يقضي الله في ذلك , قال : ونزلت سورة النساء يوصيكم الله في أولادكم الآية , فقال رسول الله ﷺ : ادعوا لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما : أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن , وما بقي فلك. وقد ثبت أنه ﷺ أعطى الأبنة النصف , وابنة الأبن السدس تكملة الثلثين وقد ادعى أصحاب القياس أن الثلثين إنما وجب للبنتين قياسا على الأختين , قالوا : والبنتان أولى بذلك من الأختين.
قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأنه إن كان ذلك لأن البنتين أحق من الأختين فواجب أن يزيدوهما من أجل أنهما أولى وأقرب , فيخالفوا القرآن , أو يبطلوا قياسهم.
وأيضا فإنهم نعني هؤلاء المحتجين بهذا القياس لا يختلفون في عشر بنات وأخت لأب : أن للأخت الثلث كاملا , ولكل واحدة من البنات خمس الثلث فقد أعطوا الأخت الواحدة أكثر مما أعطوا أربع بنات , فأين قولهم : إن البنات أحق من الأخوات وهذا منهم تخليط في الدين , وليست المواريث على قدر التفاضل في القرابة , إنما هي كما جاءت النصوص فقط.
ولا خلاف فيمن ترك جده أبا أمه , وابن بنته , وبنت أخيه , وابن أخته , وخاله وخالته , وعمته وابن عم له لا يلتقي معه إلا إلى عشرين جدا : أن هذا المال كله لهذا الأبن العم البعيد , ولا شيء لكل من ذكرنا , وأين قرابته من قرابتهم وبالله تعالى التوفيق.
1712 - مسألة: فإن ترك أختا شقيقة , وأختا واحدة للأب أو اثنتين للأب أو أكثر من ذلك : فللشقيقة النصف , وللتي للأب , أو اللواتي , للأب : السدس فقط ; لأن الله عز وجل أعطى الأخت النصف , وأعطى الأختين فصاعدا الثلثين. فصح أنه ليس للأخوات اللواتي للأب , أو اللواتي للأب والأم وإن كثرن إلا الثلثان فقط , وإذا وجب للشقيقة النصف بالإجماع المتيقن في أن لا يشاركها فيه التي ليست شقيقة , فلم يبق إلا السدس , فهو للتي للأب , أو اللواتي للأب.
1713 - مسألة: ولا ترث أخت شقيقة ، ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ، ولا مع ابنة أنثى , ولا مع ابن ابن وإن سفل , ولا مع بنت ابن وإن سفلت , والباقي بعد نصيب البنت وبنت الأبن للعصبة كالأخ , وابن الأخ , والعم , وابن العم , والمعتق وعصبته , إلا أن لا يكون للميت عاصب , فيكون حينئذ ما بقي للأخت الشقيقة , أو للتي للأب إن لم يكن هنالك شقيقة , وللأخوات كذلك
وهو قول إسحاق بن راهويه وبه نأخذ. وهنا قولان غير هذا. أحدهما أن الأخوات عصبة البنات , وأن الأخت المذكورة أو الأخوات المذكورات يأخذن ما فضل عن الأبنة , أو بنت الأبن , أو ما فضل عن البنتين أو بنتي الأبن فصاعدا
وهو قول مالك , وأبي حنيفة , والشافعي وأحمد وصح ، عن ابن مسعود وزيد , وابن الزبير في ذلك روايات لا متعلق لهم بها. وصح في الأخت والبنت عن معاذ , وأبي موسى , وسلمان وقد روي عن عمر كذلك أيضا.
والثاني أنه لا ترث أخت أصلا مع ابنة , ولا مع ابنة ابن وصح ، عن ابن عباس وهو أول قول ابن الزبير
وهو قول أبي سليمان.
واحتج من رأى الأخوات عصبة البنات بما روينا من طريق شعبة , وسفيان عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن ثروان عن الهذيل بن شرحبيل قال : سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال : للأبنة النصف , وللأخت النصف فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين , أقضي فيها بما قضى النبي ﷺ للأبنة النصف , ولأبنة الأبن السدس تكملة الثلثين , وما بقي فللأخت.
قال أبو محمد : واحتج من لم يورث أختا مع ابنة ، ولا مع ابنة ابن بقول الله عز وجل : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} واسم الولد يقع على الأبنة , وبنت الأبن , كما يقع على الأبن وابن الأبن في اللغة وفي القرآن والعجب من مجاهرة بعض القائلين هاهنا : إنما عنى ولدا ذكرا وهذا إقدام على الله تعالى بالباطل , وقول عليه بما لا يعلم , بل بما يعلم أنه باطل. وليت شعري أي فرق بين قوله تعالى : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت} وبين قوله تعالى : {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم}
وقوله تعالى : {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن}
وقوله تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} فلم يختلفوا في جميع هذه الآيات : أن الولد سواء كان ذكرا أو أنثى , أو ولد الولد كذلك فالحكم واحد. ثم بدا لهم في ميراث الأخت أن الولد إنما أريد به الذكر و ستكتب شهادتهم ويسألون فإن شهدوا فلا تشهد معهم.
واحتج أيضا من لم يورث أختا مع ابنة , ولا مع ابنة ابن : بالثابت عن رسول الله ﷺ من طريق وهيب عن عبد الله بن طاووس عن أبيه ، عن ابن عباس : ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن توريثهم الأخت مع البنت , وبنت الأبن إنما هو بالتعصيب , لا بفرض مسمى , لأنهم يقولون في بنت , وزوج , وأم , وأخت شقيقة أو لأب , أو أخوات كذلك : إن للبنت النصف وللزوج الربع , وللأم السدس , وليس للأخت أو الأخوات إلا نصف السدس. فإن كانت المسألة بحالها , وكانت ابنتان : لم ترث الأخت ، ولا الأخوات شيئا :
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : قيل لأبن عباس : من ترك ابنته , وأخته لأبيه , وأمه فقال ابن عباس : لأبنته النصف , وللأخت النصف , وليس لأخته شيء مما بقي , وهو لعصبته , فقال له السائل : إن عمر قضى بغير ذلك , جعل للأبنة النصف , وللأخت النصف فقال ابن عباس : أأنتم أعلم أم الله قال معمر : فذكرت ذلك لأبن طاووس قال لي ابن طاووس : أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول : قال الله تعالى : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} قال ابن عباس : فقلتم أنتم : لها النصف وإن كان له ولد.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا علي بن عبد الله ، هو ابن المديني حدثني سفيان ، هو ابن عيينة حدثني مصعب بن عبد الله بن الزبرقان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : أمر ليس في كتاب الله تعالى : ولا في قضاء رسول الله ﷺ وستجدونه في الناس كلهم : ميراث الأخت مع البنت
قال أبو محمد : هذا يريك أن ابن عباس لم ير ما فشا في الناس واشتهر فيهم حجة , وأنه لم ير القول به إذا لم يكن في القرآن , ولا في سنة رسول الله ﷺ وتكلم أصحابنا في أبي قيس.
قال علي : أبو قيس ثقة ما نعلم أحدا جرحه بجرحة يجب بها إسقاط روايته , فالواجب الأخذ بما روى وبحديث ابن عباس المسند الذي ذكرنا. فوجب بذلك إذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الأبنة , أو البنتين , أو بنت الأبن , أو بنتي الأبن للعصبة ; لأنه أولى رجل ذكر , وليست الأخت هاهنا من أصحاب الفرائض الذين أمرنا بإلحاق فرائضهم بهم وهذا واضح لا إشكال فيه. فإن لم يكن للميت رجل عاصب أصلا أخذنا بحديث أبي قيس وجعلنا الأخت عصبة كما في نصه ولم نخالف شيئا من النصوص. والمعتق , ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور : فهم أولى من الأخوات إذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن
قال علي : ليس في شيء من الروايات عن الصحابة المذكورين : أنهم ورثوا الأخت مع البنت مع وجود عاصب ذكر , فبطل أن يكون لهم متعلق في شيء منها وبالله تعالى التوفيق.
1714 - مسألة: والأم مع الولد الذكر أو الأنثى , أو ابن الابن , أو بنت الابن وإن سفل : السدس فقط ; لأنه نص القرآن , كما ذكرنا آنفا وبالله تعالى التوفيق.
1715 - مسألة: وإن كان للميت أخ , أو أخوان , أو أختان أو أخت , أو أخ , وأخت ، ولا ولد له ، ولا ولد ولد ذكر. فلأمه الثلث. فإن كان له ثلاثة من الإخوة ذكور أو إناث , أو بعضهم ذكر , وبعضهم أنثى : فلأمه السدس , لقول الله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس}
وهو قول ابن عباس. وقال غيره : باثنين من الإخوة ترد الأم إلى السدس ,
ولا خلاف في أنها لا ترد عن الثلث إلى السدس بأخ واحد , ولا بأخت واحدة , ولا في أنها ترد إلى السدس بثلاثة من الإخوة كما ذكرنا إنما الخلاف في ردها إلى السدس باثنين من الإخوة. حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال : ، حدثنا يوسف بن محمد بن عمر بن عمروس الأستجي عن أبي الطاهر محمد بن جعفر بن إبراهيم السعيدي ، حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ، حدثنا أحمد بن صالح المصري ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، حدثنا الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب هو أبو الحارث عن شعبة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس : أنه دخل على عثمان بن عفان فقال له : إن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس , إنما قال الله تعالى : {فإن كان له إخوة} والأخوان في لسان قومك ليسوا بإخوة فقال عثمان : لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلي , توارثه الناس ومضى في الأمصار
قال أبو محمد : أما ابن عباس فقد وقف عثمان على القرآن واللغة , فلم ينكر عثمان ذلك أصلا , ولا شك في أنه لو كان عند عثمان في ذلك سنة عن النبي ﷺ أو حجة من اللغة لعارض ابن عباس بها ما فعل , بل تعلق بأمر كان قبله , توارثه الناس ومضى في الأمصار , فعثمان رأى هذا حجة , وابن عباس لم يره حجة , والمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن , والسنة , ونصهما يشهد بصحة قول ابن عباس. وكم قضية خالفوا فيها عثمان , وعمر : كتقويمهما الدية بالبقر والغنم , والحلل , وإضعافها في الحرم والقضاء بولد الغارة رقيقا لسيد أمهم في كثير جدا.
ومن ادعى مثل هذا إجماعا ومخالف الإجماع عندهم كافر : فابن عباس على قولهم كافر , إذ خالف الإجماع ومعاذ الله من هذا , بل مكفره أحق بالكفر وأولى.
وأما الخطأ مع قصد الحق فلا يرفع عن أحد بعد رسول الله ﷺ .
وقال بعضهم : الأخوان يقع عليهما اسم إخوة
قال علي : وهذا خطأ ; لأن عثمان , وابن عباس : حجة في اللغة , وقد اجتمعا على خلاف هذا , وبنية اللغة مكذبة لهذا القول ; لأن بنية التثنية في اللغة العربية التي بها خاطبنا الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام غير بنية الجمع بالثلاثة فصاعدا , فلا يجوز لأحد أن يقول : الرجلان قاموا , ولا المرأتان قمن. واحتجوا في هذا بقوله تعالى : {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن لكل واحد منهما يدين , والواجب قطعهما مرة بعد مرة. وذكروا قول الله تعالى : {فقد صغت قلوبكما} وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن في لغة العرب إن كل اثنين من اثنين فإنه يخبر عنهما بلفظ الجمع , قال الراجز : ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين فهذا باب مضبوط لا يتعدى واحتجوا بقول الله تعالى : {نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} إلى قوله تعالى : {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} وهذا لا حجة لهم فيه , لأنه لا نكرة في دخولهما ومعهما غيرهما. وذكروا قول الله تعالى : {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} وهذا عليهم , لا لهم ; لأنهم كانوا ثلاثة : يوسف , وأخوه الأصغر المحتبس عن الصواع , وكبيرهم الذي قال : {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}. وقد اتفقوا على أن من أقر لأخر بدراهم أنه يقضى عليه بثلاثة , لا بدرهمين وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم : قال الله تعالى : {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} قال : والحكم في الأخت , والأخ هكذا.فصح أن الأخ والأخت في قول الله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} كذلك أيضا.
قال أبو محمد : أما الآيتان فحق , وأما هذا الأستدلال ففي غاية الفساد لأن الله تعالى قال : {فللذكر مثل حظ الأنثيين} وهذا جلي من النص في حكم الأخ , والأخت فقط. فإن أوجدنا مثل ذلك في حجب الأم فهو قوله , وإلا فهو مبطل مدعى بلا برهان.
وقال بعضهم : وجدنا كل ما يتغير فيه حكم الفرض فيما بعد الواحد يستوي فيه الأثنان , ما زاد عليهما كالبنتين ميراثهما كميراث الثلاث , وكالأختين ميراثهما كميراث الثلاث , وكالإخوة للأم إنما هو الثلث للأثنين كما هو للثلاث فوجب أن يكون حجب الأم بالاثنين كحجبها بالثلاث
قال علي : فقلنا : ما وجب هذا قط كما تقول , لأنه حكم منك لا من الله تعالى , وكل ما قال الله تعالى فحق , وكل ما قلت أنت مما لم يقله عز وجل فكذب , وباطل , فهات برهانا على صحة تشبيهك هذا وإلا فهو باطل وبالله تعالى التوفيق. وقد وجب للأم بنص القرآن : الثلث ولم يحطها الله تعالى إلى السدس إلا بولد للميت , أو بأن يكون له إخوة فلا يجوز منعها مما أوجبه الله تعالى لها , إلا بيقين من سنة واردة ، ولا سنة في ذلك ، ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق.
1716 - مسألة: فإن كان الميت ترك زوجة وأبوين , أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين : فللزوج النصف , وللزوجة الربع , وللأم الثلث من رأس المال كاملا وللأب من ابنته السدس , ومن ابنه الثلث , وربع الثلث.
وقالت طائفة : ليس للأم في كلتيهما إلا ثلث ما بقي بعد ميراث الزوج , والزوجة
وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب , وعثمان , وابن مسعود في الزوجة والأبوين , والزوج والأبوين وصح عن زيد , ورويناه عن علي ولم يصح عنه
وهو قول الحارث الأعور , والحسن , وسفيان الثوري , ومالك , وأبي حنيفة , والشافعي , وأصحابهم
وهو قول إبراهيم النخعي.
وها هنا قول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين قال في رجل ترك امرأته وأبويه : للمرأة الربع , وللأم ثلث جميع المال , وما بقي فللأب وقال في امرأة تركت زوجها وأبويها : للزوج النصف , وللأم ثلث ما بقي , وللأب ما بقي قال : إذا فضل الأب الأم بشيء فإن للأم الثلث.
وأما القول الذي قلنا به : فرويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني عن عكرمة وعن ابن عباس : ، أنه قال في زوج وأبوين : للزوج النصف , وللأم الثلث من جميع المال.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : قال علي بن أبي طالب : للأم ثلث جميع المال. في امرأة وأبوين , وزوج وأبوين
وروي أيضا عن معاذ بن جبل
وهو قول شريح .
وبه يقول أبو سليمان.
قال أبو محمد : احتج أهل القول بأن للأم ثلث ما بقي بما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود : ما كان الله ليراني أفضل أما على أب. وب
ما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمي عن إبراهيم النخعي قال : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج , وأبوين. وقالوا : معنى قول الله عز وجل : {وورثه أبواه فلأمه الثلث أي مما يرثه أبواه}. ما نعلم لهم حجة غير هذا , وكل هذا لا حجة لهم فيه. أما قول ابن مسعود , فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ ولا نكرة في تفضيل الأم على الأب : فقد صح عن رسول الله ﷺ أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي فقال له رسول الله : أمك , قال : ثم من يا رسول الله قال : أمك , قال ثم من يا رسول الله قال : أمك , قال : ثم من يا رسول الله قال : ثم أبوك ففضل الأم عليه الصلاة والسلام على الأب في حسن الصحبة وقد سوى الله تعالى بين الأب والأم بإجماعنا وإجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد ف لأبويه لكل منهما السدس فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص. ثم إن هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي , قال : كان عمر بن الخطاب , وعبد الله بن مسعود لا يفضلان أما على جد.
قال أبو محمد : والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه , ويخالفون عمر , فيفضلون الأم على الجد , وهم يفضلون الأنثى على الذكر في بعض المواريث. فيقولون في امرأة ماتت وتركت زوجها , وأمها , وأخوين شقيقين , وأختها لأم : إن للأخت للأم السدس كاملا , وللذكرين الأخوين الشقيقين السدس بينهما , لكل واحد منهما نصف السدس. ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها , أو أختها شقيقتها وأخا لأب : إن الأخ لا يرث شيئا فلو كان مكانه أخت : فلها السدس , يعال لها به , فهم لا ينكرون تفضيل الأنثى على الذكر ثم يموهون بتشنيع تفضيل الأم على الأب حيث أوجبه الله تعالى.
وأما قول إبراهيم : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين , فإن كان خلاف أهل الصلاة كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين من ابن عباس. والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا إبراهيم وهو يروي عن علي بن أبي طالب. موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا وما وجدنا قول المخالفين يصح عن أحد إلا عن زيد وحده ,
وروي عن علي , وابن مسعود ولم يصح عنهما وقد يمكن أن يخرج قول عمر , وعثمان , وابن مسعود على قول ابن سيرين وليس يقال في إضعاف هذه الروايات : خالف أهل الصلاة فبطل ما موهوا به من هذا ولله تعالى الحمد.
وأما قولهم في قول الله تعالى : {وورثه أبواه فلأمه الثلث} أي مما يرثه أبواه : فباطل , وزيادة في القرآن لا يجوز القول بها.
برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة , قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي , فقال ابن عباس : أتقوله برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى قال زيد : أقوله برأيي , ولا أفضل أما على أب.
قال علي : فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال : أقوله برأيي لا أفضل أما على أب , ولقال: بل أقوله بكتاب الله عز وجل
قال أبو محمد : ليس الرأي حجة , ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى: {فلأمه الثلث} فهذا عموم لا يجوز تخصيصه. والعجب أنهم مجمعون معنا على قوله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} أن ذلك من رأس المال , لا مما يرثه الأبوان , ثم يقولون هاهنا في قوله تعالى : {فلأمه الثلث} إن المراد به ما يرث الأبوان وهذا تحكم في القرآن وإقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل ونعوذ بالله من هذا.
وأما قول ابن سيرين : فأصاب في الواحدة وأخطأ في الأخرى ; لأنه فرق بين حكم النص في المسألتين , وإنما جاء النص مجيئا واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق.
1717 - مسألة: وللزوج النصف إذا لم يكن للزوجة ولد ذكر أو أنثى ، ولا ولد ولد ذكر أو أنثى , من ولد ذكر وإن سفل سواء كان الولد من ذلك الزوج أو من غيره. فإن كان للمرأة ابن ذكر أو أنثى , أو ابن ابن ذكر , أو بنت ابن ذكر وإن سفل كما ذكرنا. فليس للزوج إلا الربع. وللزوجة الربع إن لم يكن للزوج ابن ذكر ، ولا أنثى , ولا ابن ابن ذكر أو بنت ابن ذكر , أو بنت ابن ابن ذكر وإن سفل من ذكرنا سواء من تلك الزوجة كان الولد المذكور , أو من غيرها. فإن كان للزوج ولد , أو ولد ولد ذكر كما ذكرنا فليس للزوجة إلا الثمن , وسواء كانت زوجة واحدة , أو اثنتان , أو ثلاث , أو أربع : هن شركاء في الربع , أو الثمن.
برهان ذلك نص القرآن المحفوظ , ولا خلاف في هذا أصلا , ولا حكم لولد البنات في شيء من ذلك , وبيقين يدري كل أحد أنه قد كان في عهد رسول الله ﷺ أموات تركوا بني بنات , فاتسق نقل الجميع عصرا بعد عصر أنهم لم يرثوا , ولا حجبوا , بل كأنهم لم يكونوا , بخلاف التحريم في عقد النكاح والوطء المنقول عصرا بعد عصر بلا خلاف أنه على العموم في بني البنات , وبني البنين , وبخلاف وجوب الحق , والعتق , والنفقة التي أوجبته النصوص.
**
1718 - مسألة: ولا عول في شيء من مواريث الفرائض وهو أن يجتمع في الميراث ذوو فرائض مسماة لا يحتملها الميراث , مثل : زوج أو زوجة , وأخت شقيقة وأخت لأم , أو أختين شقيقتين أو لأب , وأخوين لأم , أو زوج أو زوجة وأبوين وابنة , أو ابنتين فإن هذه فرائض ظاهرها أنه يجب النصف والنصف والثلث , أو نصف ونصف وثلثان , أو نصف ونصف وسدس , ونحو هذا. فاختلف الناس. فقال بعضهم : يحط كل واحد من فرضه شيئا حتى ينقسم المال عليهم , ورتبوا ذلك على أن يجمعوا سهامهم كاملة , ثم يقسم المال بينهم على ما اجتمع , مثل : زوج وأم وأختين شقيقتين وأختين لأم , فهذه : ثلثان وثلث ونصف وسدس ، ولا يصح هذا في بنية العالم. قالوا : فيجعل للزوج النصف وهو ثلاثة من ستة , وللأم السدس وهو واحد من ستة , فهذه أربعة سهام , وللشقيقتين الثلثان , وهما أربعة من ستة , فهذه ثمانية , وللأختين للأم الثلث , وهو اثنان من ستة فهذه عشرة , يقسم المال بينهم على عشرة أسهم , فللزوج الذي له النصف ثلاثة من عشرة , فهو أقل من الثلث. وللأم التي لها السدس واحد من عشرة وهو العشر. وللشقيقتين اللتين لهما الثلثان أربعة من عشرة , فذلك خمسان. وللأختين للأم اللتين لهما الثلث اثنان من عشرة , فهو الخمس وهكذا في سائر هذه المسائل. وهو قول أول من قال به زيد بن ثابت , ووافقه عليه عمر بن الخطاب وصح عنه هذا , وروي عن علي , وابن مسعود غير مسند , وذكر عن العباس ولم يصح , وصح عن شريح , ونفر من التابعين يسير.
وبه يقول أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد , وأصحاب هؤلاء القوم إذا اجتمع رأيهم على شيء كان أسهل شيء عليهم دعوى الإجماع , فإن لم يمكنهم ذلك لم تكن عليهم مؤنة من دعوى : أنه قول الجمهور , وأن خلافه شذوذ , وأن خصومهم ليرثون لهم من تورطهم في هذه الدعاوى الكاذبة نعوذ بالله من مثلها. وأيم الله لا أقدم على أن ينسب إلى أحد قول لم يثبت عنده أن ذلك المرء قاله إلا مستسهل الكذب , مقدم عليه ساقط العدالة.
وأما نحن فإن صح عندنا عن إنسان ، أنه قال قولا نسبناه إليه , وإن رويناه ولم يصح عندنا ,
قلنا : روي عن فلان , فإن لم يرو لنا عنه قول لم ننسب إليه قولا لم يبلغنا عنه , ولا نتكثر بالكذب , ولم نذكره لا علينا ، ولا لنا. رويناه من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه : أنه أول من عال في الفرائض , وأكثر ما بلغ بالعول مثل ثلثي رأس الفريضة.
قال أبو محمد : هذا يكفي من إبطال هذا القول أنه محدث لم تمض به سنة من رسول الله ﷺ وإنما هو احتياط ممن رآه من السلف رضوان الله عليهم , قصدوا به الخير. وقال بالقول الأول : عبد الله بن عباس
كما روينا من طريق وكيع ، حدثنا ابن جريج عن عطاء ، عن ابن عباس قال الفرائض لا تعول
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قال ابن عباس : لا تعول فريضة.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا , إنما هو نصفان , وثلاثة أثلاث , وأربعة أرباع.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا علي بن عبد الله ، هو ابن المديني ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : خرجت أنا , وزفر بن أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس : سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا : النصفان قد ذهبا بالمال , أين موضع الثلث فقال له زفر : يا ابن العباس من أول من أعال الفرائض فقال : عمر بن الخطاب , لما التقت عنده الفرائض , ودافع بعضها بعضا , وكان امرأ ورعا , فقال : والله ما أدري أيكم قدم الله عز وجل ، ولا أيكم أخر , فما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم بينكم هذا المال بالحصص , فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من العول. قال ابن عباس : وأيم الله لو قدم من قدم الله عز وجل ما عالت فريضة فقال له زفر : وأيها يا ابن عباس قدم الله عز وجل قال : كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة , فهذا ما قدم ,
وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي , فذلك الذي أخر.
فأما الذي قدم , فالزوج له النصف , فإن دخل عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزايله عنه شيء. والزوجة لها الربع , فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزايلها عنه شيء. والأم لها الثلث فإن زالت عنه بشيء من الفرائض ودخل عليها صارت إلى السدس لا يزايلها عنه شيء , فهذه الفرائض التي قدم الله عز وجل. والتي أخر : فريضة الأخوات والبنات لهن النصف فما فوق ذلك , والثلثان , فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما يبقى. فإذا اجتمع ما قدم الله عز وجل وما أخر : بدئ بمن قدم وأعطي حقه كملا , فإن بقي شيء كان لمن أخر , وإن لم يبق شيء فلا شيء له فقال له زفر : فما منعك يا ابن عباس أن تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس : هبته. قال ابن شهاب : والله لولا أنه تقدمه إمام عادل لكان أمره على الورع فأمضى أمرا مضى ما اختلف على ابن عباس من أهل العلم اثنان فيما قال. وبقول ابن عباس هذا يقول عطاء ، ومحمد بن علي بن أبي طالب , ، ومحمد بن علي بن الحسين , وأبو سليمان , وجميع أصحابنا , وغيرهم.
قال أبو محمد : فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى العول فوجدنا ما ذكره عمر رضي الله عنه من أنه لم يعرف من قدم الله تعالى , ولا من أخر. زاد المتأخرون منهم أن قالوا : ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فالواجب أن يكونوا كالغرماء , والموصى لهم , يضيق المال عن حقوقهم , فالواجب أن يعموا بالحطيطة , وادعوا على من أبطل العول تناقضا في مسألة واحدة فقط ,
وقال بعضهم في مسألة أخرى فقط : ما لهم حجة أصلا غير ما ذكرنا , ولا حجة لهم في شيء منه. أما قول عمر رضي الله عنه " ما أدري أيهم قدم الله عز وجل ، ولا أيهم أخر " فصدق : , ومثله لم يدع ما لم يتبين له , إلا أننا على يقين وثلج من أن الله تعالى لم يكلفنا ما لم يتبين لنا , فإن كان خفي على عمر فلم يخف على ابن عباس , وليس مغيب الحكم عمن غاب عنه حجة على من علمه , وقد غاب عن عمر رضي الله عنه علم جواز كثرة الصداق , وموت رسول الله ﷺ , وما الكلالة , وأشياء كثيرة , فما كدح ذلك في علم من علمها.
وأما تشبيههم ذلك بالغرماء والموصى لهم , فباطل وتشبيه فاسد ; لأن المال لو اتسع على ما هولوا وسع الغرماء والموصى لهم , ولوجد بعد التحاص مال الغريم يقسم على الغرماء والموصى لهم أبدا , حتى يسعهم , وليس كذلك أمر العول , فإن كل ما خلق الله تعالى في الدنيا والجنة والنار والعرش لا يتسع لأكثر من : نصفين , أو ثلاثة أثلاث , أو أربعة أرباع , أو ستة أسداس , أو ثمانية أثمان , فمن الباطل أن يكلفنا الله عز وجل المحال وما ليس في الوسع , ومن الباطل أن يكلفنا من المخرج من ذلك والمخلص منه ما لم يبين عنا كيف نعمل فيه
وأما قولهم " ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض " فكلام صحيح إن زيد فيه ما ينقص منه , وهو أن لا يوجب حط بعضهم دون بعض نص أو ضرورة. ويقال لهم هاهنا أيضا : ولا لكم أن تحطوا أحدا من الورثة مما جعل الله تعالى باحتياطك وظنك , لكن بنص أو ضرورة.
وأما دعواهم التناقض من المانعين بالعول في المسألة التي ذكروا فسنذكرها إن شاء الله تعالى ونرى أنهم لم يتناقضوا فيها أصلا. فإذ قد بطل كل ما شغبوا به فالواجب أن ننظر فيما احتج به المبطلون للعول. فوجدنا ابن عباس في الخبر الذي قد أوردنا من طريق عبيد الله بن عبد الله عنه قد انتظم بالحجة في ذلك بما لا يقدر أحد على الأعتراض فيه , وأول ذلك إخباره بأن عمر أول من عال الفرائض باعترافه ; أنه لم يعرف مراد الله تعالى في ذلك.
فصح أنه رأي لم يتقدمه سنة وهذا يكفي في رد هذا القول.
وأما ابن عباس : فإنه وصف أن قوله في ذلك هو نص القرآن , فهو الحق , وبين أن الكلام في العول لا يقع إلا في فريضة فيها أبوان وزوج وزوجة وأخوات وبنات فقط , أو بعضهم.
قال أبو محمد : ولا يشك ذو مسكة عقل في أن الله تعالى لم يرد قط إعطاء فرائض لا يسعها المال , ووجدنا ثلاث حجج قاطعة موجبة صحة قول ابن عباس. إحداها التي ذكر من تقديم من لم يحطه الله تعالى قط عن فرض مسمى , على من حطه عن الفرض المسمى إلى أن لا يكون له إلا ما بقي. والثانية أنه بضرورة العقل عرفنا أن تقديم من أوجب الله تعالى ميراثه على كل حال , ومن لا يمنعه من الميراث مانع أصلا , إذا كان هو والميت حرين على دين واحد , على من قد يرث وقد لا يرث ; لأن من لم يمنعه الله تعالى قط من الميراث لا يحل منعه مما جعل الله تعالى له , وكل من قد يرث وقد لا يرث , فبالضرورة ندري أنه لا يرث إلا بعد من يرث ، ولا بد. ووجدنا الزوجين والأبوين يرثون أبدا على كل حال. ووجدنا الأخوات قد يرثن وقد لا يرثن. ووجدنا البنات لا يرثن إلا بعد ميراث من يرث معهن. والثالثة أن ننظر فيمن ذكرنا فإن وجدنا المال يتسع لفرائضهن أيقنا أن الله عز وجل أرادهم في تلك الفريضة نفسها بما سمي لهم فيها في القرآن , وإن وجدنا المال لا يتسع لفرائضهم نظرنا فيهم واحدا واحدا , فمن وجدنا ممن ذكرنا قد اتفق جميع أهل الإسلام اتفاقا مقطوعا به معلوما بالضرورة على أنه ليس له في تلك الفريضة ما ذكر الله عز وجل في القرآن أيقنا قطعا أن الله تعالى لم يرده قط فيما نص عليه في القرآن فلم نعطه إلا ما اتفق له عليه فإن لم يتفق له على شيء لم نعطه شيئا , لأنه قد صح أن لا ميراث له في النصوص في القرآن. ومن وجدنا ممن ذكرنا قد اختلف المسلمون فيه. فقالت طائفة : له ما سمى الله تعالى له في القرآن.
وقالت طائفة : ليس له إلا بعض المسمى في القرآن , وجب ، ولا بد يقينا أن يقضى له بالمنصوص في القرآن , وأن لا يلتفت إلى قول من قال بخلاف النص , إذ لم يأت في تصحيح دعواه بنص آخر. وهذا غاية البيان , ولا سبيل إلى شذوذ شيء عن هذه القضية ; لأن الأبوين , والزوجين في مسائل العول كلها يقول المبطلون للعول : إن الواجب لهم ما سماه الله تعالى لهم في القرآن وقال القائلون بالعول : ليس لهم إلا بعضه , فوجب الأخذ بنص القرآن لا بقول من خالفه.
وأما الأخوات والبنات : فقد أجمع القائلون بالعول والمبطلون للعول , وليس في أهل الإسلام لهاتين الطائفتين ثالث لهما , ولا يمكن أن يوجد لهما ثالث , إذ ليس في الممكن إلا إثبات أو نفي : على أنه لا يجب في جميع مسائل العول لهن ما جاء في نص القرآن , لكن إما بعض ذلك ,
وأما لا شيء فكان إجماعهم حقا بلا شك , وكان ما اختلفوا فيه لا تقوم به حجة , إذ لم يأت به نص , فوجب إذ لا حق لهن بالنص أن لا يعطوا إلا ما صح الإجماع لهن به , فإن لم يجمع لهن على شيء وقد خرجن بالإجماع وبالضرورة عن النص , فلا يجوز أن يعطين شيئا بغير نص ، ولا إجماع وهذا بيان لا إشكال فيه وبالله تعالى التوفيق.
وأما المسألة التي ادعوا علينا فيها التناقض , فهي : زوج , وأم , وأختان لأب , وأختان لأم ومسألة أخرى ادعوا فيها التناقض على بعضنا دون بعض , وهي : زوج , وأم , وأختان لأم , فقالوا في هذه المسألة كل هؤلاء أولو فرض مسمى , لا يرث منهم أحد بغير الفرض المسمى في شيء من الفرائض , وليس هاهنا من يرث مرة بفرض مسمى فتقدموه , ومرة ما بقي فتسقطوه أو تؤخروه. وقالوا في الأم والأخوات الشقائق , أو للأب فقط , أو للأم فقط , ممن قد يرث وقد لا يرث شيئا : فمن أين لكم إسقاط بعض وإثبات بعض
قال أبو محمد : أما مسألة : الزوج , والأم , والأختين للأب , والأختين للأم. فلا تناقض فيها أصلا , لأن الأختين للأب قد يرثان بفرض مسمى مرة , وقد لا يرثان إلا ما بقي إن بقي شيء : فلا يعطيان ما لم يأت به نص لهما , ولا اتفاق. وليس للأم هاهنا إلا السدس ; لأن للميت إخوة , فوجب للزوج النصف بالنص , وللأم السدس بالنص , فذلك الثلثان , وللأختين للأم الثلث بالنص.
وأيضا : فهؤلاء كلهم مجمع على توريثهم في هذه الفريضة بلا خلاف من أحد , ومختلف في حطهم فوجب توريثهم بالنص والإجماع , وبطل حطهم بالدعوى المخالفة للنص , وصح بالإجماع المتيقن : أن الله تعالى لم يعط الأختين للأب في هذه الفريضة الثلثين , ولا نص لهما بغيره , ولم يجمع لهما على شيء يعطيانه , فإذ لا ميراث لهما بالنص ، ولا بالإجماع : فلا يجوز توريثهما أصلا.
وأما مسألة : الزوج , والأم , والأختين للأم : فإنها لا تلزم أبا سليمان ومن وافقه ممن يحط الأم إلى السدس بالاثنين من الإخوة.
وأما نحن ومن أخذ بقول ابن عباس في أن لا يحط إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة فصاعدا فجوابنا فيها وبالله تعالى التوفيق. أن الزوج والأم يرثان بكل وجه , وفي كل حال.
وأما الأختان للأم , فقد يرثان وقد لا يرثان , فلا يجوز منع من نحن على يقين من أن الله تعالى أوجب له الميراث في كل حال وأبدا , ولا يجوز توريث من قد يرث وقد لا يرث إلا بعد توريث من نحن على يقين من وجوب توريثه وبعد استيفائه ما نص الله تعالى له عليه , فإن فضل عنه شيء أخذه الذي قد لا يرث , وإن لم يفضل شيء لم يكن له شيء , إذ ليس في وسع المكلف إلا هذا , أو مخالفة القرآن بالدعوى بلا برهان : فللزوج النصف بالقرآن , وللأم الثلث بالقرآن , فلم يبق إلا السدس , فليس للإخوة للأم غيره , إذ لم يبق لهم سواه وبالله تعالى التوفيق.
1719 - مسألة: وإن مات وترك ولدا ذكرا أو أنثى , أو ولد ولد ذكر كذلك , أو ترك أبا أو جدا لأب , وترك أخا لأم , أو أختا لأم , أو أخا لأم , أو إخوة لأم : فلا ميراث لولد الأم أصلا , فإن لم يترك أحدا ممن ذكرنا : فللأخ للأم السدس فقط , وللأخت للأم السدس فقط , فإن كان أختا وأخا لأم : فلهما الثلث بينهما على السواء , لا يفضل الذكر على الأنثى ,
وكذلك إن كانوا جماعة : فالثلث بينهم شرعا سواء ,
وكذلك إن وجب لهم السدس في مسألة العول ، ولا فرق.
برهان ذلك قول الله تعالى : {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. وهذا قولنا , وقول أبي حنيفة, ومالك , والشافعي , وأحمد , وأبي سليمان , وغيرهم , إلا روايتين رويتا ، عن ابن عباس. إحداهما : أن الإخوة للأم يقسمون الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين. والثانية : أن الأخ للأم والأخت للأم يرثان مع الأب.
فأما المسألة الأولى : فلا نقول بها ; لأنها خلاف قول الله تعالى : {فهم شركاء في الثلث} ولقد كان يلزم القائلين بالقياس أن يقولوا بهذه القولة قياسا على ميراث الإخوة للأب , أو الأشقاء , وبالله لو صح شيء من القياس لكانت هذه المسألة أولى بالصحة من كل ما حكموا فيه بالقياس , وأين هذا القياس من قياسهم ميراث البنتين على ميراث الأختين , وسائر تلك المقاييس الفاسدة
وأما المسألة الثانية : فلم تصح ، عن ابن عباس إلا في السدس الذي حطه الإخوة من ميراث الأم فردوها إلى السدس عن الثلث فقط , والمشهور عنه خلافها ولم نقل بها : لأن الله تعالى سمى هذا التوريث " كلالة " فوجب أن تعرف ما " الكلالة " وما أراد الله تعالى بهذه اللفظة , ولا يجوز أن يخبر عن مراد الله عز وجل إلا بنص ثابت , أو إجماع متيقن , وإلا فهو افتراء على الله تعالى. فوجدنا : من يرثه إخوة أو أخوان أو أخ : إما شقيق ,
وأما لأب , وأما لأم ، ولا ولد له ، ولا ابنة , ولا ولد ابن ذكر وإن سفل ، ولا أب ، ولا جد لأب وإن علا فهو كلالة , ميراثه كلالة بإجماع مقطوع عليه من كل مسلم. ووجدنا أن من نقص من هذه الصفات شيء فقد اختلف فيه : أهو كلالة أم لا فلم يجز أن يقطع على مراد الله تعالى إلا بالإجماع المتيقن الثابت إذا لم نجد نصا مفسرا فوجب بهذا أن لا يرث الإخوة كيف كانوا , إلا حيث يعدم كل من ذكرنا , إلا أن يوجب ميراث بعضهم نص صحيح فيوقف عنده , وليس ذلك إلا في موضعين فقط : وهو الأخ الشقيق , أو للأب مع الأبنة فصاعدا , وأخت مثله معه فصاعدا , ما لم يستوف البنات الثلثين. والموضع الثاني : الأخت كذلك مع البنت , أو البنات حيث لا عاصب للميت فقط وبالله تعالى التوفيق.
1720 - مسألة: ومن ترك ابنا وابنة , أو ابنا وابنتين فصاعدا , أو ابنة وابنا فأكثر , أو اثنين وبنتين فأكثر : فللذكر سهمان , وللأنثى سهم. هذا نص القرآن , وإجماع متيقن.
1721 - مسألة: والأخ , والأخت الأشقاء أو للأب فقط فصاعدا كذلك أيضا للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا نص القرآن , وإجماع متيقن.
1722 - مسألة: فإن كان أخ شقيق واحد فأكثر , ومعه أخت شقيقة فأكثر , أو لا أخت معه : لم يرث هاهنا الأخ للأب , ولا الأخت للأب شيئا. وهذا نص قول رسول الله ﷺ : فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وإجماع متيقن أيضا , والأقرب بالأم وقد استويا في الأب أولى ممن لم يقرب بالأم بضرورة الحس.
1723 - مسألة: ومن ترك أختا شقيقة , وأخا لأب , أو إخوة ذكورا لأب : فللشقيقة النصف , وللأخ للأب أو الإخوة من الأب : ما بقي وإن كثروا وهذا إجماع متيقن , ونص القرآن والسنة. فإن ترك أختين شقيقتين فصاعدا , أو أخا , أو إخوة لأب : فللشقيقتين فصاعدا الثلثان , وما بقي : فللأخ , أو الإخوة للأب , كما قلنا.
1724 - مسألة: فإن ترك أختا شقيقة , وأختا لأب , أو أخوات للأب : فللشقيقة النصف , وللتي للأب أو اللواتي للأب : السدس فقط وإن كثرن لقول الله تعالى : {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} فلم يجعل تعالى للأخوات وإن كثرن إلا الثلثين. فإن ترك أيضا أختا لأم : كان لها سدس خامس وكذلك لو كان أخا لأم.
فإن كان أخوان لأم , أو أختان لأم , أو أخا , أو أختا , أو إخوة كثيرا لأم : فالثلث الباقي لهما أو لهم أو لهن وهذا نص كما أوردنا , وإجماع متيقن. فإن ترك شقيقتين وأخوات لأب , وابن عم أو عما , فللشقيقتين : الثلثان " وللعم , أو لأبن العم ما بقي , ولا شيء للواتي للأب وهذا دليل النص وإجماع متيقن إلا شيئا ذكر عن الحسن البصري : أن الثلث الباقي للواتي للأب , ولم يقل ذلك حيث يوجد عاصب ذكر.
وكذلك لو ترك أختين شقيقتين , وأختين لأم , وأخوات أو أختا لأب , أو إخوة لأب , فللشقيقتين فصاعدا : الثلثان , وللبنتين للأم فصاعدا الثلث ، ولا شيء للأخت للأب , ولا للأخوات للأب , ولا للإخوة للأب وهذا دليل النص , كما ذكرنا , وإجماع متيقن مقطوع به.
1725 - مسألة: ولو ترك أختا شقيقة , وإخوة وأخوات للأب , فللشقيقة : النصف , وما بقي بين الإخوة والأخوات للأب , ما لم يتجاوز ما يجب للأخوات السدس ، ولا يزدن على السدس أصلا , ويكون الباقي للذكر وحده. فإن كانتا شقيقتين , وأختا أو أخوات لأب , وأخا لأب : فالثلثان للشقيقتين , والباقي للأخ الذكر , ولا شيء للأخت للأب , ولا للأخوات للأب.
روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي الضحى هو مسلم بن صبيح عن مسروق بن الأجدع قال : كان ابن مسعود يقول في أخوات لأب وأم , وإخوة وأخوات لأب : للأخوات من الأب والأم : الثلثان , وسائر المال للذكور دون الإناث.
وبه إلى , سعيد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق : أنه كان يأخذ بقول عبد الله في أخوات لأب وأم : فجعل ما بقي من الثلثين للذكور دون الإناث , فخرج إلى المدينة فجاء وهو يرى أن يشرك بينهم , فقال له علقمة : ما ردك عن قول عبد الله , ألقيت أحدا هو أثبت في نفسك منه قال : لا , ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته في الراسخين في العلم.
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود : ، أنه قال في أختين لأب وأم , وإخوة وأخوات لأب : إن للتين للأب والأم : الثلثين , فما بقي فللذكور دون الإناث ، وأن عائشة شركت بينهم , فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن طريق وكيع عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم النخعي , قال : قال مسروق رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون بينهم , قال الأعمش : وكان ابن مسعود يقول في أخت لأب وأم , وإخوة لأب : لهذه النصف , ثم ينظر : فإن كان إذا قاسم بها الذكور أصابها أكثر من السدس لم يزدها على السدس , وإذا أصابها أقل من السدس : قاسم بها وكان غيره من أصحاب محمد ﷺ يقولون : لهذه النصف , وما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن طريق وكيع ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت ، أنه قال فيها : هذا من قضاء أهل الجاهلية : أن يرث الرجال دون النساء.
قال علي : بقول ابن مسعود يقول علقمة , وأبو ثور , واختلف فيه على أبي سليمان.
قال أبو محمد : احتج من خالف ابن مسعود بظاهر قول الله تعالى : {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} وبما ذكرنا من أنه قول سائر أصحاب محمد ﷺ وأنه من قضاء أهل الجاهلية.
قال علي : ليس قضاء أهل الجاهلية ما أوجبه القرآن , وقد صح الإجماع على توريث العم , وابن العم , وابن الأخ : دون العمة , وبنت العم , وبنت الأخ فهل هذا من قضاء أهل الجاهلية.
وأما قول الأعمش : إن سائر أصحاب محمد ﷺ على خلاف هذا. فنقول للمحتج بهذا : هبك صح لك ذلك وهو لا يصح عن ستة منهم , أهذا حجة عندك ; لأنه إجماع أم لماذا فإن قال : ليس إجماعا ,
قلنا له : فما ليس إجماعا ، ولا نصا : فلا حجة فيه , وإن كان هو إجماعا
قلنا : فمخالف الإجماع : كافر أو فاسق , فانظر فيم تدخل , وبماذا تصف ابن مسعود والله إن المعرض به في ذلك لهو المستحق لهاتين الصفتين , لا ابن مسعود المقطوع له بالجنة , والعلم , والدين , والإيمان.
وأما الآية : فهي حجة عليهم ; لأن الله تعالى إنما قال ذلك فيما يرثه الإخوة والأخوات بالتعصيب , لا فيما ورثه الأخوات بالفرض المسمى , والنص قد صح بأن لا يرث الأخوات بالفرض المسمى أكثر من الثلثين. وقد أجمع المخالفون لنا : على أن من ترك أختا شقيقة , وعشر أخوات لأب , وعما أو ابن عم , أو ابن أخ : فإنه ليس للأخوات للأب إلا السدس فقط , والباقي لمن ذكرنا. وأجمعوا على أنه لو ترك أختين شقيقتين , وعشر أخوات لأب , وعما أو ابن عم , أو ابن أخ : أن اللواتي للأب لا يرثن شيئا أصلا , فمن أين وجب أن يرثن مع الأخ , ولا يرثن مع العم , ولا مع ابن العم , ولا مع ابن الأخ
وقال رسول الله ﷺ : " ألحقوا الفرائض بأصحابها , فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر والفرائض في هذه المسألة إنما هو النصف للشقيقة , أو الثلثان للشقيقتين , أو النصف للشقيقة , والسدس للتي للأب أو اللواتي للأب فقط.فصح أن الباقي لأولى رجل ذكر , وهذا مما خالفوا فيه النص والقياس وبالله تعالى التوفيق.
1726 - مسألة: ولا يرث مع الابن الذكر أحد إلا البنات , والأب والأم , والجد والجدة , والزوج والزوجة , فقط. وولد الحرة والأمة سواء في الميراث إذا كانت أمه أم ولد أبيه , وكان الولد حرا , وإن كانت أمه أمة لغير أبيه , وهذا كله عموم القرآن وإجماع متيقن. ==
**
1727 - مسألة: ولا يرث بنو الأبن مع الأبن الذكر شيئا أباهم كان أو عمهم ، ولا يرث بنو الأخ الشقيق أو للأب مع أخ شقيق أو لأب وهذا نص كلام النبي ﷺ في قوله : فلأولى رجل ذكر وإجماع متيقن.
1728 - مسألة: ومن ترك ابنة , وبني ابن ذكورا : فلأبنته النصف ولبني الأبن الذكور ما بقي. فإن ترك ابنتين فصاعدا , وبني ابن ذكورا فللبنتين الثلثان , وما بقي فلبني الأبن فإن لم يترك ابنة , ولا ولدا , وترك بنت ابن , فلها النصف , فإن كانتا اثنتين , فلهما الثلثان , فإن ترك بنات ابن وبني ابن : فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك ابنة وابنة ابن , أو بنتي ابن , أو بنات ابن : فللأبنة النصف ولبنت الأبن , أو لبنتي الأبن , أو لبنات الأبن : السدس فقط وإن كثرن والباقي للعاصب. فإن ترك ابنتين وبنات ابن وعما وابن عم , أو أخا , أو ابن أخ : فللبنتين الثلثان , ويكون ما بقي للعم , أو لأبن العم , أو للأخ , أو لأبن الأخ ، ولا شيء لبنات الأبن , وهذا كله نص وإجماع متيقن , إلا في مسألة واحدة نذكرها إن شاء الله تعالى الآن.
1729 - مسألة: ومن ترك ابنة وبني ابن ذكورا وإناثا : فللبنت النصف ثم ينظر : فإن وقع لبنات الأبن بالمقاسمة السدس فأقل قاسمن , وإن وقع لهن أكثر لم يزدن على السدس. فإن ترك ابنتين وبني ابن ذكورا وإناثا : فللبنتين الثلثان , والباقي لذكور ولد الولد دون الإناث. فإن ترك ابنة , وبنت ابن , وبني ابن ابن : فللبنت النصف , ولبنت الأبن السدس , وكذلك لو كن أكثر والباقي لذكور ولد الولد دون الإناث
وهو قول ابن مسعود , وعلقمة , وأبي ثور , وأبي سليمان : وقال آخرون : بل يقاسم الذكر من ولد الولد من في درجته من الإناث ويقاسم أيضا ولد الولد عماته , للذكر مثل حظ الأنثيين. وهذا خطأ , والحجة فيه كالحجة في الإخوة والأخوات للأب مع الأخت والأخوات الشقائق , سواء سواء , حرفا حرفا. وبالله تعالى التوفيق.
1730 - مسألة: والجدة ترث الثلث إذا لم يكن للميت أم حيث ترث الأم الثلث , وترث السدس حيث ترث الأم السدس , إذا لم يكن للميت أم. وترث الجدة وابنها أبو الميت حي , كما ترث لو لم يكن حيا. وكل جدة ترث إذا لم يكن هنالك أم أو جدة أقرب منها فإن استوين في الدرجة اشتركن في الميراث المذكور. وسواء فيما ذكرنا أم الأم , وأم الأب , وأم أم الأم , وأم أم الأب , وأم أبي الأب , وأم أبي الأم , وهكذا أبدا. وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروي عن أبي بكر أنه لم يورث إلا جدة واحدة , وهي أم الأم فقط
وروي عنه , وعن غيره , توريث جدتين فقط , وهما : أم الأم وأمهاتها , وأم الأب وأمهاتها.
وقالت طائفة : بتوريث ثلاث جدات , وهما اللتان ذكرنا , وأم أب الأب وأمهاتها
وروي عن طائفة : توريث كل جدة إلا جدة من قبل أبي أم , أو من قبل أبي جدة.
وقال بعضهم : لا ترث الجدة والجدتان والأكثر إلا السدس فقط.
وقال بعضهم : إن كانت التي من قبل الأم أقرب انفردت بالسدس ولم ترث معها التي من قبل الأب , فإن كانت التي من قبل الأب مساوية للتي من قبل الأم أو كانت التي من قبل الأم أبعد اشتركتا في السدس.
وقالت طائفة : لا ترث الجدة ما دام ابنها الذي صارت به جدة حيا.
برهان ذلك قول الله تعالى : {وورثه أبواه فلأمه الثلث}
وقال تعالى : {كما أخرج أبويكم من الجنة} فجعل آدم وامرأته عليهما السلام أبوينا , فهذا نص القرآن. وقد جسر قوم على الكذب هاهنا فادعوا الإجماع على أن ليس للجدة إلا السدس وهذا من تلك الجسرات كتب إلي علي بن إبراهيم التبريزي الأزدي , قال : ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله المعروف بابن اللبان ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا الجارودي ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين عن شريك عن ليث عن طاووس ، عن ابن عباس , قال : الجدة بمنزلة الأم إذا لم تكن أم وقال طاووس : الجدة بمنزلة الأم ترث ما ترث الأم وما وجدنا إيجاب السدس للجدة إلا مرسلا عن أبي بكر , وعمر , وابن مسعود , وعلي , وزيد : خمسة فقط , فأين الإجماع
قال أبو محمد : لا سيما من ورث الجد ميراث الأب فإنه ناقض , إذ لم يورث الجدة ميراث الأم.
فإن قيل : إن خبر منصور عن إبراهيم النخعي أطعم رسول الله ﷺ ثلاث جدات السدس رويناه من طريق سفيان الثوري , وحماد بن زيد , وجرير بن عبد الحميد , كلهم عن منصور عن إبراهيم كذلك. وخبر مالك عن الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب : أن المغيرة بن شعبة , ومحمد بن سلمة شهدا عند أبي بكر الصديق أن رسول الله ﷺ أعطى الجدة السدس ". وخبر ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر يحدث عن علي بن أبي طالب أن رسول الله ﷺ أطعم جدتين السدس , إذا لم تكن أم , أو شيء دونهما , فإن لم توجد إلا واحدة : فلها السدس. وخبر أبي داود السجستاني ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرني أبي ، حدثنا عبيد الله العتكي ، عن ابن بريدة عن أبيه : أن النبي ﷺ جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم.
وروي نحو هذا ، عن ابن عباس. قالوا : ومن المحال أن يكون هذا ، عن ابن عباس ويخالفه.
قلنا : هذا كله لا يصح منه شيء. حديث قبيصة منقطع , لأنه لم يدرك أبا بكر , ولا سمعه من المغيرة ، ولا محمد , وخبر إبراهيم مرسل. ثم لو صحا لما كان فيه خلاف لقولنا ; لأننا نقول بتوريثها السدس من حيث ترث الأم السدس مع الولد والإخوة.
وأما خبر بريدة فعبد الله العتكي مجهول. وخبر علي أفسدها كلها ; لأن ابن وهب لم يسم من أخبره به عن عبد الوهاب ,
وأيضا فعبد الوهاب هالك ساقط.
وأيضا فلا سماع يصح لمجاهد من علي والرواية ، عن ابن عباس لا يعرف مخرجها , ولو صحت لكان كما ذكرنا من أن لها السدس حيث للأم السدس. وهلا قالوا هاهنا بقولهم المعهود إذا وافق تقليدهم : إن ابن عباس لم يترك ما روي إلا لأمر هو أقوى في نفسه ,
وأما نحن فلو صح هاهنا عن رسول الله ﷺ حكم بخلاف قولنا لقلنا به , ولكنه لم يصح أصلا.
فإن قالوا : قد رويتم في حديث قبيصة المذكور : جاءت الجدة إلى أبي بكر قالت : إن ابن ابني , أو ابن ابنتي مات , وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر : ما أجد لك في الكتاب حقا , وما سمعت رسول الله ﷺ يقضي لك بشيء وسأسأل الناس
قلنا : إنما أخبر الصديق رضي الله عنه عن وجوده وسماعه وصدق , وقد رويتم في هذا الخبر : أن المغيرة ومحمد بن سلمة سمعا في ذلك ما لم يسمع , فرجع هو رضي الله عنه إلى ما سمعا مما لم يسمع هو فأي غريبة في أن لا يجد أيضا في الكتاب في ذكره حينئذ ما يجد غيره وقد منع عمر من التزيد على مقدار ما في الصداق , فلما ذكر بالقرآن رجع , ومثل هذا لهم كثير. وقد وجدنا نصا : أن الجدة أحد الأبوين في القرآن , وميراث الأبوين في القرآن , فميراثها في القرآن , وليس في كل وقت يذكر الإنسان ما في حفظه , ونسي آدم , فنسي بنوه , فهذا ميراث الجدة بنص القرآن وليس لمخالفنا متعلق أصلا , لا بقرآن , ولا بسنة , ولا إجماع متيقن , ولا قياس , ولا نظر وما كان هكذا فهو مقطوع بأنه باطل , قال الله تعالى : {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ، ولا معنى لكثرة القائلين بالقول وقلتهم , وقد أفردنا أجزاء ضخمة فيما خالف فيه أبو حنيفة , ومالك , والشافعي جمهور العلماء , وفيما قاله كل واحد منهم مما لا يعرف أحد قال به قبله , وقطعه فيما خالف فيه كل واحد منهم الإجماع المتيقن المقطوع به , ولم يأت قط نص ، ولا إجماع ، ولا نظر صحيح بترجيح ما كثر القائلون به على ما قل القائلون به. فهذا ميراث الجدة.
وأما : كم جدة ترث فإن طائفة قالت : لا ترث إلا جدة واحدة , وهي أم الأم.
وروينا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري ، حدثنا القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن رجلا مات وترك جدتيه : أم أمه , وأم أبيه , فأتوا أبا بكر الصديق , فأعطى أم أمه السدس دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل وكان بدريا لقد ورثت التي لو كانت هي الميتة ما ورث منها شيئا , وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورث مالها كله , فأشرك بينهما في السدس. ورويناه من طريق هشيم , وابن عيينة , كلاهما عن يحيى بن سعيد , ودخل حديث أحدهما في الآخر ,
ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد الأنصاري , وأبي الزناد : أن أبا بكر ورث الجدة أم الأم السدس , فلما كان عمر بن الخطاب جاءته الجدة أم الأب , فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء , وسوف أسأل لك الناس قال : فلم يجد أحدا يخبره شيئا فقال غلام من بني حارثة : لم لا تورثها يا أمير المؤمنين وهي لو تركت الدنيا وما فيها ورثها , وهذه لو تركت الدنيا وما فيها لم يرثها ابن ابنتها , فورثها عمر بن الخطاب وقال : إن الله ليجعل في الجدات خيرا كثيرا. فهذا أبو بكر , وعمر : جعلا الميراث للجدة التي للأم دون أم الأب.
فإن قيل : قد رجعا عن ذلك
قلنا : قد قالا به , ولا حجة إلا في إجماع متيقن , فلا إجماع متيقن معكم أصلا وقد قال بذلك عمر بعد أبي بكر كما ترون. وهذا علي يخبر بأن عمر قضى مدة حياته بمنع بيع أم الولد , وعلي معه يوافقه , وعثمان أيضا مدة حياته , فلما ولي علي خالف ذلك , ولم ير ما سلف مما ذكرنا إجماعا فهذا أبعد من أن يكون إجماعا , والكذب على جميع الأمة أشد عارا وإثما من الكذب على واحد , وكل ذلك لا خير فيه , والقول بالظن كذب نعوذ بالله منه.
وقالت طائفة : لا يرث إلا جدتان فقط : أم الأم وأمها , وأم أمها ; وأم أم أمها , وهكذا أبدا : أما
فأما فقط. وأم الأب وأمها , وأم أمها , وأم أم أمها , وهكذا : أما
فأما فقط , ولا يورثون أم جد أصلا.
وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , والزهري , وربيعة , وابن أبي ذئب , ومالك , والشافعي , وأبي ثور , وأبي سليمان.
وقالت طائفة : يرث ثلاث جدات فقط.
كما روينا من طريق عبد الرزاق حدثني يحيى عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن سعد بن أبي وقاص , قال لأبن مسعود : أتغضب علي أن أوتر بواحدة , وأنت تورث ثلاث جدات أفلا تورث حواء امرأة آدم.
وروينا من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر , ومسلمة بن علي , وابن أبي الزناد , قال مسلمة : عن زيد بن واقد عن مكحول , وقال عبد الجبار , وابن أبي الزناد , كلاهما : عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت , ثم اتفق خارجة , ومكحول : أن زيد بن ثابت ورث ثلاث جدات : اثنتين من قبل الأم , وواحدة من قبل الأب.
ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند , وحميد , قالا جميعا : إن زيد بن ثابت قال : يرثن ثلاث جدات : جدتا الأب , وجدة الأم لأمها وقد روي أيضا عن علي بن أبي طالب.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم , قال : كانوا يورثون من الجدات ثلاثا : جدتين من قبل الأب , وواحدة من قبل الأم
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث ، هو ابن سوار عن الشعبي قال : جئن أربع جدات إلى مسروق , فورث ثلاثا , وألغى أم أبي الأم.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : إذا كن الجدات أربعا : طرحت أم أبي الأم , وورث الثلاث السدس أثلاثا بينهن .
وبه يقول الأوزاعي , وأحمد بن حنبل.
وقالت طائفة : ترث أربع جدات ,
كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن ليث بن أبي سليم عن طاووس ، عن ابن عباس أنه كان يورث الجدات الأربع.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن الحسن البصري , وابن سيرين : أنهما كانا يورثان أربع جدات.
وقالت طائفة : ترث كل جدة إلا جدة بينها وبين الميت أبو أم
وهو قول سفيان الثوري , وأبي حنيفة , وأصحابهما.
وروينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : إنما طرحت أم أبي الأم , لأن أبا الأم لا يرث.
وقالت طائفة : ترث كل جدة.
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث , وأبي سهل هو محمد بن سالم كلاهما عن الشعبي , قال : كان عبد الله بن مسعود يورث ما قرب من الجدات وما بعد وقد روي هذا أيضا عن علي بن أبي طالب , وابن عباس , وزيد بن ثابت.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أشعث بن سوار ، حدثنا الشعبي قال : جئن إلى مسروق أربع جدات يتساءلن فألغى أم أبي الأم , قال أشعث : فأخبرت بذلك ابن سيرين , فقال : أوهم أبو عائشة , يورثن جميعا.
قال أبو محمد : أبو عائشة : كنية مسروق ,
وهو قول جابر بن زيد , وعطاء بن أبي رباح , والحسن , كل هؤلاء روي عنهم توريث أم أبي الأم , وغيرها.
قال علي :
فنظرنا في هذه الأقوال فوجدنا حجة من لم يورث إلا جدة واحدة , وهي أم الأم وأمها ثم أمها , هكذا فقط أن يقول : هذه المجتمع على توريثها ، ولا يصح أثر بخلاف ذلك.
فإن قيل : قد رجع أبو بكر عن ذلك
قلنا : نعم , وعمر قد قال به بعد أبي بكر.
فإن قيل : فقد رجع
قلنا : فكان ماذا إذا وجد الخلاف , ووسع الآخر ما وسع الأول من الأجتهاد والأستدلال , وليست الحجة التي احتج بها عليهما رضي الله عنهما بموجبه رجوعا ; لأن أم الأم ترث ، ولا تورث بلا خلاف , والعمة تورث ، ولا ترث بلا خلاف. وهذا عمر قد رجع عن تحريم المنكوحة في العدة على ناكحها في الأبد , وأباح له نكاحها , فلم يرجع مالك عن قوله الأول لرجوع عمر عنه. وهذا علي قد رجع عن منعه بيع أمهات الأولاد , ولم يرجع : أبو حنيفة , ومالك , والشافعي لرجوعه , وليس رجوع من رجع حجة , كما أن قول من قال ليس حجة , إلا أن يصحح القول أو الرجوع حجة. وقالوا أيضا : قد صح الإجماع على أنه لا يرث من الأجداد إلا واحد , وهو أب الأب , وأبوه , وأبو أبيه هكذا فقط , فالواجب أن لا يرث من الجدات إلا واحدة , وهي أم الأم , وأمها وأم أمها , وهكذا فقط.
قال أبو محمد : هاتان حجتان لازمتان لأهل القياس ; لأن الأولى كثيرا ما يحتجون بها , والثانية أصح ما يمكن أن يكون من القياس , وقد يتعلق لهذا القول بحديث ابن بريدة عن أبيه أن النبي ﷺ أعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم , بدليل ذكر الأم التي دونها , فلم يذكر هاهنا إلا جدة تكون دونها أم.
وقد ذكرنا هذا الخبر آنفا وعلته ، ولا يلزماننا ; لأننا لا نمنع من الأخذ بقول مختلف فيه إذا أوجبه
برهان , بل نوجب الأخذ به حينئذ , ولولا البرهان الموجب لتوريث كل جدة لكان هذا القول هو الذي لا يجوز القول بسواه , لأنه المجتمع عليه بيقين لا شك فيه وما عداه فمختلف فيه , ونحن لا نقول بالقياس وبالله تعالى التوفيق.
وأما من لم يورث إلا جدتين فما نعلم لهم حجة أصلا , إلا أن بعضهم ادعى الإجماع على ذلك وهذا باطل كما أوردنا. فإن تعلقوا بخبر مجاهد : أن النبي ﷺ أطعم جدتين السدس.
قلنا : هذا خبر فاسد وليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام منع من توريث أكثر وقد جاء خبر أحسن منه : أنه عليه الصلاة والسلام ورث ثلاث جدات. وليس قول سعد : ألا تورث حواء امرأة آدم حجة ; لأنه لا خلاف في وجوب توريث حواء امرأة آدم لو كانت حية , ولم تكن دونها أم ، ولا جدة ; لأن كل ميت في العالم من بني آدم فله أم , ولأمه أم , ولأم أمه أم , هكذا قطعا بيقين إلى بنت حواء , فهي جدة من قبل أم الأم وأمهاتها بيقين , فبطل هذا الأعتراض , ولم يبق لهذا القول متعلق أصلا. والعجب كل العجب : من أن مالكا , والشافعي , في أقوالهما في الفرائض مقلدين لزيد بن ثابت , وزيد يورث ثلاث جدات فخالفوه بلا معنى , وليس إنكار سعد على ابن مسعود توريث ثلاث جدات موجبا أن سعدا كان يورث جدتين , بل قد يمكن أن يكون لا يورث إلا جدة واحدة , فبطل هذا القول بيقين.
وأما من لم يورث إلا ثلاث جدات , فما نعلم لهم متعلقا إلا خبر إبراهيم : أن رسول الله ﷺ أطعم ثلاث جدات السدس , وهذا مرسل , ليس فيه : أنه عليه الصلاة والسلام منع من توريث أكثر , فبطل تعلقهم به , وبطل أن يكون لهم حجة أصلا.
وأما من لم يورث إلا أربع جدات , فما نعلم لهم متعلقا أصلا , فبطل لتعريه من الحجة.
وأما من ورث كل جدة إلا جدة بينها وبين الميت أبو أم , فلا حجة لهم أصلا , إلا ما قال الشعبي : من أن الذي تدلي به لا يرث فيقال لهم : فكان ماذا هذا المسلم يموت له أب كافر , وجد مسلم , أو عم مسلم , أو ابن عم مسلم , فلا خلاف في أن كل من ذكرنا يرث , وأن الذي يدلي به لا يرث. إنما المواريث بالنصوص لا بالقرب , ولا بالإدلاء , وهذه المرأة المعتقة لا تكون وليا في النكاح , ولا المجنون , فلا ينكحان , وعاصبهما ينكح مولاتها , وعاصب المجنون ينكح ابنته وأخته , والذي يدليان به لا ينكح. ولعلهم أن يدعوا إجماعا على ما يقولون من منع الجدة أم أبي الأم الميراث , فما هذا ببدع من جسراتهم , فقد رأينا كذبهم بقول ابن سيرين وغيره فبطل هذا القول لتعريه من الحجة.
وأما من ورث كل جدة , فإن حجته ما صدرنا قبل من أن الجدة أم , وأحد الأبوين بنص القرآن , وميراث الأبوين مبين بنص القرآن , فلم يجز أن يحرم الأبوان الميراث إلا بنص صحيح , أو إجماع متيقن.
فصح الإجماع المتيقن بنقل كواف الأعصار , عصرا بعد عصر إلى النبي ﷺ . على أنه عليه الصلاة والسلام لم يورث قط من ابن بنت بالبنوة , ولا ابن بنت بالبنوة , فسقط ميراث كل جد يكون الميت منه ابن بنت , وبقي ميراث الجد الذي هو أب وأبو أب فقط , ولم يأت نص ، ولا إجماع بمنع الجدة من الميراث بذلك , فبقي ميراثها بنص القرآن واجبا. وبالله تعالى التوفيق. ووجدنا خبر قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله ﷺ أعطى الجدة السدس موافقا لهذا القول ; لأنه عم , ولم يخص جدة من جدة , فيلزم من قال بالمرسل أن يقول بهذا ; لأنه أعم من سائر الأخبار المذكورة.
وأما نحن فلا نعتمد إلا على نص القرآن الذي ذكرنا فقط , وبطلت سائر الأقوال بيقين لا مرية فيه , لتعريها من حجة نص أو إجماع. وبالله تعالى التوفيق. ==
**
كتاب المواريث
فصل
قال أبو محمد : ولا خلاف في أن الأب لا يحجب أم الأم , ولا أم أم الأم فصاعدا , وقد قال بعض التابعين : إن الجد أبا الأب يحجب جدة الأب أم أمه
وهذا قول لا برهان على صحته وبالله تعالى التوفيق.
1731 - مسألة: ولا ترث الإخوة الذكور ، ولا الإناث , أشقاء كانوا أو لأب , أو لأم مع الجد أبي الأب , ولا مع أبي الجد المذكور , ولا مع جد جده , والجد المذكور أب إذا لم يكن الأب , وكل واحد منهم يحجب أباه. وللناس في الجد اختلاف كثير , فطائفة توقفت فيه :
كما روينا بأصح طريق إلى شعبة عن يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب قال : سمعت الشعبي يحدث ، عن ابن عمر عن عمر , قال : ثلاث وددت أن رسول الله ﷺ لم يقبض حتى يبين لنا فيهن أمرا ينتهى إليه : الجد , والكلالة , وأبواب من أبواب الربا.
قال أبو محمد : ليس مغيب بيان رسول الله ﷺ بالقرآن أو بسنته لحكم : الجد , والكلالة , والربا , عن عمر رضي الله عنه بموجب أن ذلك البيان غاب عن غيره من الصحابة ، رضي الله عنهم ، , وحاش لله من أن يكون له حكم في الدين افترضه على عباده , ثم غاب بيانه عن جميع أهل الإسلام , إذا كان يكون ذلك حكما من الدين قد بطل , وشريعة لازمة قد سقطت , ولكان الدين ناقصا وليس أحد من الفقهاء الذين قلده المشنعون بمثل هذا دينهم كأبي حنيفة , ومالك , والشافعي إلا وهم قالوا : بأن حكم الجد , والربا , والكلالة , قد تبين لهم : إما بنص قرآن أو سنة , أو نظر أو قياس. فإن أنكر هذا منكر لم يقدر على إنكار أقوالهم في كل ذلك بالإيجاب والتحريم , فإن كان قولهم ذلك لا عن أنه يتبين لهم ما قالوه من ذلك فقد حكموا في الدين بالهوى , ونحن نجلهم عن هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ومن طريق حماد بن زيد ، حدثنا أيوب السختياني عن حميد بن هلال قال : سألت سعيد بن المسيب عن فريضة فيها جد فقال : ما تصنع إلى هذا أو تريد إلى هذا إن عمر بن الخطاب قال : أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار , وإنما يجترئ على الجد من يجترئ على النار.
ومن طريق أيوب بن سليمان أنا عبد الله بن المبارك , وعبد الأعلى , وعبد الرزاق , كلهم عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أن عمر بن الخطاب قال عند موته : احفظوا عني ثلاثا : إني لم أقض في الجد شيئا , ولم أقل في الكلالة شيئا , ولم أستخلف أحدا فهذا قوله عند موته رضي الله عنه.
ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبيد بن عمرو الخارقي : أن رجلا سأل علي بن أبي طالب عن فريضة فقال : هاتها إن لم يكن فيها جد.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع قال قال ابن عمر : أجرؤكم على جراثيم جهنم أجرؤكم على الجد.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي : أنه سأل شريحا عن فريضة فيها جد وأخ فلم يجبه فيها بشيء مرة بعد مرة , وقال له : الذي يقف على رأسه : إنه لا يقول في الجد شيئا. وعن سعيد بن جبير : من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. فهؤلاء : عمر , وعلي , وابن عمر , وشريح , وسعيد بن جبير , توقفوا في الجد جملة بأسانيد ثابتة وإلى هذا رجع محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في آخر أقواله.
وقالت طائفة : ليس للجد شيء معلوم مع الإخوة , إنما هو على حسب ما يقضي فيه الخليفة.
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي أنا إسماعيل بن أبي أويس أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : إن الجد أبا الأب معه الإخوة من الأب لم يكن يقضي بينهم إلا أمير المؤمنين , يكثر الإخوة حينا ويقلون حينا , فلم يكن بينهم فريضة نعلمها مفروضة إلا أن أمير المؤمنين كان إذا أتي يستفتى فيهم , يفتي بينهم بالوجه الذي يرى فيهم , على قدر كثرة الإخوة وقلتهم.
قال أبو محمد : روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا مغيرة أنا الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم الضبي قال : أتينا ابن مسعود في فريضة فيها جد وإخوة فذكر اختلاف حكمه فيها , قال .
فقلنا له في ذلك فقال ابن مسعود : إنما نقضي بقضاء أئمتنا. وقد
روينا من طريق حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال : قال لي عثمان بن عفان , قال لي عمر : إني قد رأيت في الجد رأيا , فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه فقال عثمان : إن نتبع رأيك فإنه رشد , وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان.
ومن طريق عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج : أخبرني هشام بن عروة عن أبيه : أنه حدثه عن مروان بن الحكم أن قول عثمان هذا لعمر كان بعد أن طعن عمر. فهؤلاء عمر , وعثمان , وزيد بن ثابت لا يقطعون فيه بشيء. أما الرواية عن عمر , وعثمان ففي غاية الصحة ,
وأما عن زيد فلا سبيل إلى أن يوجد عنه أحسن من هذا الإسناد في شيء مما روي عنه في الجد إلا قوله في " الخرقاء " في أخت , وأم وجدان : للجد سهمان , وللأخت سهم , وللأم الثلث , فإنه ثابت عنه بأحسن من هذا الإسناد.
وقالت طائفة : ليس للجد مع الإخوة ميراث :
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي أنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه : أن عمر لما استشار في ميراث الجد , والإخوة قال زيد : وكان رأيي يومئذ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وذكر الخبر.
ومن طريق حماد بن سلمة أنا داود بن أبي هند عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن عمر بن الخطاب ذاكره الجد فقال عبد الرحمن بن غنم إن دون الجد شجرة أخرى , فما خرج منها فهو أحق به يعني الأب وقول عبد الرحمن هذا يوجب أن الإخوة أحق بالميراث من الجد. وهذه الأقوال الثلاثة تكذب قول من احتج بقوله في توريث الجد مع الإخوة بالإجماع.
وقالت طائفة : يقاسم الجد الإخوة إلى اثني عشر , فيكون هو ثالث عشر لهم , روي ذلك عن عمران بن الحصين , وأبي موسى الأشعري.
وقالت طائفة : يقاسم الجد الإخوة إلى سبعة إخوة فيكون له الثمن معهم : كما كتب إلي علي بن إبراهيم التبريزي قال : ، حدثنا محمد بن عبد الله بن اللبان أنا القاضي أحمد بن كامل بن شجرة أنا أحمد بن عبيد الله أنا يزيد بن هارون عن قيس بن الربيع عن فراس عن الشعبي قال : كتب ابن عباس من البصرة إلى علي بن أبي طالب في سبعة إخوة وجد , فكتب إليه علي اقسم المال بينهم سواء , وامح كتابي ، ولا تخلده.
وقالت طائفة : يقاسم الجد الإخوة إلى ستة , فيكون له السبع معهم :
روينا ذلك بالإسناد المتصل بهذا قبله إلى قيس بن الربيع عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي , قال كتب ابن عباس إلى علي في ستة إخوة وجد فكتب إليه علي : أن أعطه سبعا ,
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان هو الثوري عن فراس عن الشعبي قال : كتب ابن عباس إلى علي في ستة إخوة وجد فكتب إليه علي : اجعله كأحدهم , وامح كتابي.
وقالت طائفة : يقاسم الجد الإخوة إلى السدس ثم لا ينقص من السدس وإن كثروا :
روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا عوف ، هو ابن أبي جميلة عن الحسن البصري , قال : كتب عمر بن الخطاب إلى عامل له أن أعط الجد مع الأخ الشطر , ومع الأخوين الثلث , ومع الثلاثة الربع , ومع الأربعة الخمس , ومع الخمسة السدس , فإن كانوا أكثر من ذلك فلا تنقصه من السدس.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة قال : كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يقاسمان الجد مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة الإخوة وهذا إسناد في غاية الصحة.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري : أن علي بن أبي طالب كان يورث الجد مع خمسة إخوة السدس , فإن كانوا أكثر من ذلك فله السدس لا ينقص منه شيئا.
ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار بندار ، حدثنا أبو داود هو الطيالسي ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن علي بن أبي طالب كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : كان علي بن أبي طالب يعطي كل صاحب فريضة فريضته , ولا يورث أختا لأم , ولا أخا لأم , مع الجد شيئا , ولا يقاسم بالأخ لأب مع الأخ لأب , والأم , والجد شيئا وإذا كانت أخت لأب وأم , وأخ لأب , وجد : أعطى الأخت النصف , وما بقي أعطاه الجد والأخ بينهما بنصفين , فإن كثر الإخوة شركه معهم حتى يكون السدس خيرا له من المقاسمة , فإن كان السدس خيرا له أعطاه السدس : وبقول علي هذا يقول المغيرة بن مقسم , وعبيدة السلماني , ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي , والحسن بن حي ; وشريك القاضي , وهشيم بن بشير , والحسن بن زياد اللؤلؤي , وبعض أصحاب أبي حنيفة.
وقالت طائفة : للجد مع الإخوة الثلث على كل حال :
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عليا شاوره عمر في الجد
فقال علي : له الثلث على كل حال.
وقالت طائفة كما روينا من طريق وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : كان ابن مسعود يقاسم بالجد الإخوة إلى الثلث ويعطي كل صاحب فريضة فريضته , ولا يورث الإخوة من الأم مع الجد شيئا , ولا يقاسم بالإخوة من الأب الإخوة من الأب والأم مع الجد وإذا كانت أخت لأب وأم , وأخ لأب , وجد : أعطى الأخت للأب والأم النصف , والجد النصف .
وبه يقول مسروق , وعلقمة , والأسود , وعبيدة السلماني في بعض أقواله
وروي أيضا عن شريح وغيره , وعن بعض أصحاب أبي حنيفة.
وقالت طائفة كما روينا من طريق ابن وهب : أخبرني مالك , والليث بن سعد : أن يحيى بن سعيد هو الأنصاري حدثهما : أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد فكتب إليه : إنك كتبت إلي تسألني عن الجد والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء يعني الخلفاء وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيانه : النصف مع الأخ الواحد , والثلث مع الاثنين , فإن كثر الإخوة لم ينقصاه من الثلث.
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال : كتب عمر إلى ابن مسعود : إنا قد خشينا أن نكون قد أجحفنا بالجد فأعطه الثلث مع الإخوة فأعطاه
وروي من طريق حماد بن زيد , وإسماعيل بن علية , وهشيم عن أبي المعلى العطار عن إبراهيم النخعي , قال علقمة : قال ابن مسعود : يقاسم الجد الإخوة في الثلث , وقال لي عبيدة السلماني : قال ابن مسعود : يقاسم الجد الإخوة إلى السدس , قال إبراهيم : فذكرت ذلك لعبيدة بن نضيلة فقال : صدقا جميعا , إن ابن مسعود قدم من عند عمر , وعمر يقول : يقاسم الجد الإخوة إلى السدس , فكان ابن مسعود يقول به , ثم رجع إلى عمر , فإذا عمر قد رجع , فقال : يقاسم الجد الإخوة إلى الثلث.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا هشيم أنا المغيرة ، هو ابن مقسم عن الهيثم بن بدر الأسدي أخبرني شعبة بن التوأم قال : توفي أخ لنا في عهد عمر وترك إخوته وجده فأتينا ابن مسعود : فأعطى الجد مع الإخوة السدس , ثم توفي أخ لنا آخر في عهد عثمان وترك إخوته وجده فأتينا ابن مسعود : فأعطى الجد مع الإخوة الثلث .
فقلنا له : إنك أعطيت جدنا في أخينا الأول السدس , وأعطيته الآن الثلث فقال : إنما نقضي بقضاء أئمتنا.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا مطرف ، هو ابن طريف عن الشعبي قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري : إنا كنا أعطينا الجد مع الإخوة السدس ، ولا أحسبنا إلا قد أجحفنا به فإذا أتاك كتابي هذا فأعط الجد مع الأخ الشطر , ومع الأخوين الثلث , فإن كانوا أكثر من ذلك فلا تنقصه من الثلث.
وقالت طائفة : كما روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب , وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وقبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب قضى : أن الجد يقاسم الإخوة للأب والأم , والإخوة للأم ما كانت المقاسمة خيرا له من ثلث المال , فإن كثر الإخوة أعطى الجد الثلث , وكان ما بقي للإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين , وإن بني الأب والأم أولى بذلك من بني الأب ذكورهم ونسائهم , غير أن بني الأب يقاسمون الجد وبين الأب والأم , فيردون عليه , ولا يكون لبني الأب شيء مع بني الأب والأم إلا أن يكون بنو الأب يردون على بنات الأب والأم فإن بقي شيء بعد فرائض بنات الأب والأم , فهو للإخوة من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الإخوة والأخوات إلى الثلث , فإذا بلغ الثلث أعطاه الثلث , وكان للإخوة والأخوات ما بقي , ويقاسم الأخ للأب , ثم يرد على أخيه , ويقاسم بالإخوة من الأب أو الأخوات من الأب الإخوة والأخوات من الأب والأم ، ولا يورثهم شيئا , فإذا كان الأخ للأب والأم أعطاه النصف , وإذا كان أخوات وجد أعطاه مع الأخوات الثلث , ولهن الثلثان وإن كانتا أختين أعطاهما النصف وله النصف , ولا يعطي أخا لأم مع الجد شيئا.
قال أبو محمد : فهذا قول روي كما تسمعون عن عمر , وزيد , وبه يقول الأوزاعي , وسفيان الثوري , ومالك , وعبيد الله بن الحسين , وأبو ثور , وأبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن , والحسن اللؤلؤي , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وأبو عبيد ثم رجع محمد بن الحسن إلى التوقيف جملة , ورجع اللؤلؤي إلى القول الذي ذكرنا عن علي وقد
روينا عن زيد أنه رجع عن هذا إلى أن ينقص الجد عن ذلك :
كما روينا من طريق أيوب بن سليمان ، حدثنا عبد الوارث ، هو ابن سعيد التنوري عن إسحاق بن سويد : أنه سمع عبد الله بن بريدة أنه سمع أبا عياض أنه سمع زيد بن ثابت يقول : دخلت على عمر في الليلة التي قبض فيها فقلت له : إني رأيت أن أنتقص الجد وذكر الخبر.
وأما عثمان , وأبو موسى الأشعري , وابن مسعود , فليس عنهم إلا أن يقاسم الجد الإخوة إلى الثلث فقط , ولا يحط من الثلث وليس عنهم هذه الزيادات.
وقالت طائفة : لا يرث مع الجد أخ شيئا , لا شقيق , ولا لأب , ولا لأم وميراث الجد كميراث الأب , سواء سواء , إذا لم يكن هنالك أب وارث :
كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم , قال : قال لي عثمان بن عفان : إن عمر قال لي : إني قد رأيت في الجد رأيا فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه : فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنه رشد , وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان قال : وكان أبو بكر يجعله أبا.
ومن طريق البخاري ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، هو ابن سعيد التنوري ، حدثنا أيوب هو السختياني عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أما الذي قال رسول الله ﷺ : لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذته خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل أو قال : خير , فإنه أنزله أبا , أو قال : قضاه أبا " يعني الجد في الميراث.
ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن كردوس عن أبي موسى الأشعري : أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا.
ومن طريق أبي داود الطيالسي ، حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري : أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا.
ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج قال : سمعت ابن أبي مليكة يحدث أن ابن الزبير كتب إلى أهل العراق أن الذي قاله النبي ﷺ : لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله سوى الله , لاتخذت أبا بكر خليلا فكان يجعل الجد أبا.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية الضرير عن أبي إسحاق الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أبي بردة بن أبي موسى الأشعري : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن اجعل الجد أبا , فإن أبا بكر جعل الجد أبا.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا خالد بن عبد الله عن ليث بن أبي سليم عن عطاء : أن أبا بكر , وعمر , وعثمان , وابن عباس كانوا يجعلون الجد أبا. وقال ابن عباس : يرثني ابن ابني دون أخي ، ولا أرث ابن ابني دون أخيه.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء ، عن ابن عباس قال : الجد أب , وقرأ : واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والإخوة وعمر يرى يومئذ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته وذكر باقي الخبر.
ومن طريق أيوب بن سليمان أنا عبد الوارث ، هو ابن سعيد التنوري عن إسحاق بن سويد : أنه سمع عبد الله بن بريدة أنه سمع أبا عياض : أنه سمع زيد بن ثابت يقول : إنه دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التي قبض فيها فقال له زيد : إني قد رأيت أن أنتقص الجد فقال له عمر : لو كنت منتقصا أحدا لأحد لانتقصت الإخوة للجد , أليس بنو عبد الله بن عمر يرثونني دون إخوتي , فما بالي لا أرثهم دون إخوتهم , لئن أصبحت لاقولن فيه قال : فمات من ليلته. فهذا آخر قول عمر رضي الله عنه وإسناده في غاية الصحة.
ومن طريق حماد بن سلمة أنا ليث بن أبي سليم عن طاووس : أن عثمان بن عفان , وابن مسعود قالا جميعا : الجد بمنزلة الأب.
ومن طريق عبد الرزاق قال : قال ابن جريج أخبرني عطاء : أن علي بن أبي طالب كان يجعل الجد أبا قال عبد الرزاق : وسمعت ابن جريج يقول : سمعت ابن أبي مليكة يحدث أن ابن الزبير كان يجعل الجد أبا.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير قال : سمعت الحسن يقول : لو وليت من أمر الناس لانزلت الجد أبا.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : أنه كان يفتي بأن الجد أب. فهؤلاء من الصحابة ، رضي الله عنهم ، أبو بكر , وعمر , وعثمان وعلي , وابن مسعود , وأبو موسى الأشعري , وابن عباس , وابن الزبير.
وروي أيضا عن عائشة أم المؤمنين , وأبي الدرداء , وأبي بن كعب , ومعاذ بن جبل , وأبي هريرة. ومن التابعين : طاووس , وعطاء , وعبيد الله بن عتبة بن مسعود , والحسن , وجابر بن زيد , وقتادة , وعثمان البتي , وشريح , والشعبي , وجماعة سواهم. ومن بعدهم : أبو حنيفة , ونعيم بن حماد , والمزني , وأبو ثور , وإسحاق بن راهويه : وداود بن علي , وجميع أصحابنا , وجماعة غيرهم. ورواه عن أبي بكر الصديق : عمر , وعثمان , وابن عباس , وابن الزبير , وأبو موسى الأشعري , وأبو سعيد الخدري , وغيرهم. وثبتت الأسانيد التي ذكرنا بلا شك. ورواه عن عمر : أبو بردة بن أبي موسى : أنه كتب بذلك إلى أبيه وهو إسناد ثابت ورواه أيضا عنه زيد بن ثابت. ورواه ، عن ابن عباس : عكرمة , وعطاء , وطاووس , وسعيد بن جبير , وغيرهم. ورواه ، عن ابن الزبير : ابن أبي مليكة كل ذلك بأصح إسناد.
وروي عن عثمان , وعلي , وابن مسعود بأسانيد هي أحسن من كل ما روي عنهم وعن زيد مما أخذ به المخالفون.
قال أبو محمد : وجاءت مسألتان لهم فيها أقوال يجب ذكرها هاهنا.
1732 - مسألة: وهي " الخرقاء " وهي : أم , وأخت , وجد :
وروينا عن البزار ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري , قال البزار : يقال : ليس بمصر أوثق وأصدق منه [ حديثا ] ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا عيسى بن يونس أنا عباد بن موسى عن الشعبي قال : بعث إلي الحجاج فقال : ما تقول في جد , وأم , وأخت قلت : اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله ﷺ ابن مسعود , وعلي , وعثمان , وزيد , وابن عباس , قال الحجاج : فما قال فيها ابن عباس إن كان لمتقنا قلت : جعل الجد أبا , ولم يعط الأخت شيئا , وأعطى الأم الثلث قال : فما قال فيها ابن مسعود قلت : جعلها من ستة : أعطى الأخت ثلاثة , وأعطى الجد اثنين , وأعطى الأم الثلث , قال : فما قال فيها أمير المؤمنين يعني عثمان قلت : جعلها أثلاثا , قال : فما قال فيها أبو تراب يعني عليا قلت : جعلها من ستة : أعطى الأخت ثلاثة , وأعطى الأم اثنين , وأعطى الجد سهما , قال : فما قال فيها زيد قلت : جعلها من تسعة : أعطى الأم ثلاثة , وأعطى الجد أربعة , وأعطى الأخت : اثنين قال الحجاج : مر القاضي يمضيها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين يعني عثمان.
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب في أخت , وأم , وجد , قال : للأخت النصف , وللأم السدس , وما بقي فللجد.
قال أبو محمد : هذا موافق لقول ابن مسعود رضي الله عنه.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم عن عبيدة عن الشعبي قال : أرسل إلي الحجاج فقال لي : ما تقول في فريضة أتيت بها : أم , وجد , وأخت فقلت : ما قال فيها الأمير فأخبرني بقوله , فقلت : هذا قضاء أبي تراب يعني علي بن أبي طالب وقال فيها سبعة من أصحاب رسول الله ﷺ قال عمر , وابن مسعود : للأخت النصف , وللأم السدس , وللجد الثلث , وقال علي : للأم الثلث وللأخت النصف , وللجد السدس , وقال عثمان بن عفان : للأم الثلث , وللأخت الثلث , وللجد الثلث , فقال الحجاج : ليس هذا بشيء , وقال زيد : للأم ثلاثة , وللجد أربعة , وللأخت سهمان , وقال ابن عباس , وابن الزبير : للأم الثلث , وللجد ما بقي , وليس للأخت شيء.
1733 - مسألة: " والأكدرية " وهي أم , وجد , وأخت , وزوج.
روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا المغيرة عن إبراهيم النخعي قال :
قال علي : للزوج ثلاثة أسهم , وللأم سهمان , وللجد سهم , وللأخت ثلاثة أسهم , وقال ابن مسعود : للزوج ثلاثة أسهم , وللأم سهم , وللجد سهم , وللأخت ثلاثة أسهم , وقال زيد بن ثابت : للزوج ثلاثة أسهم وللأم سهمان , وللجد سهم , وللأخت ثلاثة أسهم , تضرب جميع السهام في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين سهما : للزوج من ذلك تسعة أسهم , وللأم ستة , تبقى اثنا عشر سهما : للجد منها ثمانية , وللأخت أربعة , وقال ابن عباس للزوج النصف , وللأم الثلث , وللجد ما بقي , وليس للأخت شيء.
وروينا من طريق سفيان بن عيينة قال : حدثوني عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : حدثني راويه زيد بن ثابت يعني قبيصة بن ذؤيب أنه لم يقل في " الأكدرية " شيئا يعني زيد بن ثابت.
ومن طريق غندر ، حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول : أتينا عبيدة السلماني في زوج , وأم , وجد , وأخت فقال : للزوج النصف , وللأخت السدس , وللأم السدس , وللجد السدس.
1734 - مسألة: روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق ، عن ابن مسعود : ، أنه قال في جد , وابنة , وأخت : هي من أربعة : للبنت سهمان , وللجد سهم , وللأخت سهم فإن كانتا أختين فمن ثمانية : للبنت أربعة , وللجد سهمان , وللأختين بينهما سهمان فإن كن ثلاثة أخوات , فمن عشرة : للبنت خمسة أسهم , وللجد سهمان وللأخوات ثلاثة أسهم بينهن.
1735 - مسألة: روينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي قال : كان علي بن أبي طالب ينزل بني الأخ مع الجد منازلهم يعني منازل آبائهم ولم أجد أحدا من الناس يقوله غيره.
قال أبو محمد : إنما أوردنا هذه المسائل لتلوح مناقضتها لما ذكرنا قبلها , ولنري المقلد أنه ليس بعضها أولى من بعض وبالله تعالى التوفيق. ==
**
الآثار الواردة في الجد
1736 - مسألة: روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا معاوية بن صالح , ، ومحمد بن عيسى , وسليمان بن سلم البلخي , قال محمد بن عيسى ، هو ابن الطباع ، حدثنا هشيم , وقال معاوية : حدثني عبد الله بن سوار العنبري ، حدثنا وهيب ، هو ابن خالد ثم اتفق هشيم , ووهيب , كلاهما عن يونس ، هو ابن عبيد عن الحسن عن معقل بن يسار أن رسول الله ﷺ أعطى الجد السدس قال معاوية في حديثه : لا ندري مع من , وقال سليمان البلخي : أنا النضر ، هو ابن شميل أخبرني يونس يعني ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون : أن عمر جمع أصحاب رسول الله ﷺ في شأن الجد فنشدهم : من سمع من رسول الله ﷺ في الجد شيئا فقال معقل بن يسار المزني : سمعت رسول الله ﷺ أتى بفريضة فيها جد , فأعطى ثلثا أو سدسا , فقال له عمر : ما الفريضة فقال : لا أدري وذكر الخبر.
ومن طريق أبي داود ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين أن رجلا أتى رسول الله ﷺ فقال : إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه قال : السدس , فلما أدبر دعاه , فقال : لك سدس آخر , فلما أدبر دعاه , فقال : إن السدس الآخر طعمة.
قال أبو محمد : في سماع الحسن من عمران كلام وهذا يخرج أحسن خروج في ابنتين وجد : فللبنتين الثلثان فريضة مسماة , وللجد مع الولد عموما السدس فرضا مسمى , وله السدس الآخر بالتعصيب ; لأنه أولى رجل ذكر.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى ، هو ابن عيسى الحناط عن الشعبي : أن عمر نشد الناس في الجد فقام رجل فقال : رأيت رسول الله ﷺ أعطاه الثلث , قال : من معه قال : لا أدري , فقال رجل : سمعت رسول الله ﷺ أعطاه السدس , قال : من معه قال : لا أدري.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معشر عن عيسى بن أبي عيسى الحناط أن عمر بن الخطاب سأل الناس : أيكم سمع رسول الله ﷺ قال في الجد شيئا فقال له رجل : أعطاه سدس ماله , وقال آخر : أعطاه ثلث ماله , وقال آخر : أعطاه نصف ماله , وقال آخر : أعطاه المال كله ليس منهم أحد يدري مع من من الورثة.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله ﷺ : أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار.
قال أبو محمد : هذا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القارئ من بني الهون بن خزيمة حليف لبني زهرة ثقة ابن ثقة ما نعلم الآن في الجد أثرا غير هذه وليس فيها إلا سدس , وثلث , ونصف , وكل , وبها نقول : فللجد مع الولد الذكر السدس , ومع البنات الثلث , ومع البنت النصف وإذا لم يكن ولد , ولا أم , ولا جدة , ولا زوج , ولا زوجة , ولا أب : فله الكل.
قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في حجة كل قول منها لنعلم الحق فنتبعه بحول الله تعالى ومنه , فوجدنا من توقف في ميراثه يمكن أن يحتج بمرسل سعيد الذي أوردنا قبل هذا المكان بثلاثة أسطار أو أربعة وهو لا حجة فيه ; لأنه مرسل , وحاش لله أن يكون رسوله المبعوث بالبيان لا يبين ما أمر ببيانه ثم يتوعد فيها بأنه جريء على النار , وما لم يبينه علينا فلا يلزمنا أصلا , وكل ما ألزمنا فقد بينه علينا , وإذا
قلنا ما بينه علينا فما اجترأنا على النار , بل سلكنا في طريق الجنة. ولا يخلو الجد من أن يكون له ميراث , أو لا يكون له ميراث , فإن كان لا ميراث له , فمانعه محسن , وإن كان له ميراث فإعطاؤه حقه فرض , لا يحل منعه منه , فالجرأة على أحدهما فرض واجب , ولا بد من إعطائه أو من منعه , فمن المحال أن تكون الجرأة في حكمه في الميراث فرضا , يعصي الله تعالى من تركها , ثم يتوعد على فعل ما افترض الله تعالى علينا بالنار , ولكن هذا عيب المرسل , والله قطعا ما قال رسول الله ﷺ قط هذا الكلام وهو يتلو كلام ربه تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم}. و قد تبين الرشد من الغي. ولكن سعيد إذ أضافه إلى النبي ﷺ أوهم , وإنما هو موقوف على علي وعن عمر , وصحيح ، عن ابن عمر كما أوردنا قبل , أو وهم من دون سعيد فأضافه إلى النبي ﷺ . وإنما المحفوظ من طريق سعيد : أنه عن عمر كما أوردنا قبل أو سمعه سعيد ممن وهم فيه , لا بد من أحدهما فسقط هذا القول. ثم نظرنا في قول زيد , وعبد الرحمن بن غنم اللذين منعاه الميراث مع الإخوة فوجدنا حجتهم أن قالوا : وجدنا ميراث الإخوة منصوصا في القرآن , ولم نجد للجد ميراثا في القرآن , ووجدنا الجد يدلي بولادته لأبي الميت , ووجدنا الإخوة يدلون بولادة أبي الميت : فهم أقرب منه. وقد
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى الحناط عن الشعبي : أن عمر سأل زيدا عن الجد فضرب له زيد مثلا : شجرة خرجت لها أغصان , قال الشعبي : فذكر شيئا لا أحفظه , فجعل له الثلث , قال سفيان : بلغني ، أنه قال : يا أمير المؤمنين شجرة أنبتت كالشعب منها غصن , فالشعب من الغصن غصنان , فما جعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني وقد خرج الغصنان جميعا من الغصن الأول ثم سأل عليا فضرب له مثلا : واديا سال فيه سيل , فجعله أخا فيما بينه وبين ستة : فأعطاه السدس.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والإخوة قال زيد : وكان رأيي يومئذ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وعمر يومئذ يرى الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته فتحاورت أنا وعمر محاورة شديدة , فضربت له في ذلك مثلا , فقلت : لو أن شجرة تشعب من أصلها غصن , ثم تشعب من ذلك الغصن خوطان ذلك الغصن يجمع الخوطين دون الأصل ويغذوهما , ألا ترى يا أمير المؤمنين أن أحد الخوطين أقرب إلى أخيه منه إلى الأصل قال زيد : فأنا أعيد له , وأضرب له هذه الأمثال , وهو يأبى إلا أن الجد أولى من الإخوة ويقول : والله لو أني قضيته لبعضهم لقضيت به للجد كله , ولكني لعلي لا أخيب سهم أحد , ولعلهم أن يكونوا كلهم ذوي حق , وضرب علي بن أبي طالب , وابن عباس يومئذ لعمر مثلا , معناه : لو أن سيلا سال فخلج منه خليج , ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان
قال أبو محمد : أما قول من قال : ميراث الإخوة منصوص في القرآن وليس ميراث الجد منصوصا في القرآن فباطل , بل ميراث الجد منصوص في القرآن بقوله تعالى : {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} فجعلنا بنين لأدم عليه السلام وجعله أبا لنا وهو أبعد جد لنا فالجد أب ,
وقال تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس وورثه أبواه فلأمه الثلث}.
وأما كون الجد يدلي بولادته لأبي الميت , وكون الإخوة يدلون بولادة أبي الميت لهم وللميت , فهم أقرب , فليست المواريث بالقرب ، ولا بالبعد , فهذا ابن البنت أقرب من ابن العم الذي لا يلتقي مع الميت إلا إلى أزيد من عشرين أبا , وهو لا يرث مع ابن العم المذكور شيئا , وهذه العمة أقرب من ابن العم , ولا ترث معه شيئا , فكيف والجد أقرب , لأن ولادته لأبي الميت كانت قبل ولادة أبي الميت لأخوة الميت , فولد الأبن هو بعض الجد , فالجد أقرب إليه من أخيه : فبطل هذا القول بيقين. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : هذا التنظير , وهذا التشبيه , وهذا التمثيل , وهذا التعليل وهذا القياس به يحتج أهل القياس في إثبات القياس , فانظروا واعتبروا , وحاش لله أن يقول زيد , أو علي , أو ابن عباس ، رضي الله عنهم ، هذه الفضائح. وهل رأى قط ذو مسكة عقل أن غصنين تفرعا من غصن من شجرة , أو جدولين تشعبا من خليج من نهر يوجب حكما في ميراث الجد مع الإخوة بانفراده دونهم , أو بانفرادهم دونه , فكيف إن صرنا إلى إيجاب سدس , أو ربع , أو ثلث , أو معادة , أو مقاسمة , والله ما قال قط زيد , ولا علي , ولا ابن عباس : شيئا من هذه التخاليط , وهذا آفة المرسل , ورواية الضعفاء سفيان : أن زيدا , وعليا , قالا لعمر بالله إن هذه لطفرة واسعة , وعيسى الحناط , وعبد الرحمن بن أبي الزناد : هما والله المرءان يرغب عن روايتهما , ولا يقبلان إلا مع عدل وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثم نظرنا في قول من قال : ليس للجد فرض معلوم , إنما هو على قدر ما يراه أمير المؤمنين على حسب قلة الإخوة وكثرتهم , فوجدناه في غاية الفساد ; لأنه إذا لم يكن للجد فرض لازم , فحرام أخذ مال الإخوة وإعطاؤه إياه , وقد يكون فيهم الصغير , والمجنون , والكاره , والغائب. وقد قال تعالى : {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. وقال عليه الصلاة والسلام إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.
وقال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}. فإذ لكل وارث نصيب مفروض مما قل أو كثر فحرام أخذ شيء منه وإعطاؤه لغيره بغير نص وارد في ذلك , ولم نجد لهذا القول حجة أصلا إلا التي سلفت قبل مما قد أبطلناه وبالله تعالى التوفيق.
ثم نظرنا في الأقوال الباقية من مقاسمة الجد الإخوة إلى اثني عشر , أو إلى ثمانية , أو إلى سبعة , أو إلى ستة , أو إلى ثلاثة : فوجدناها كلها عارية من الدليل , لا يوجب شيئا منها , لا قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا رواية ضعيفة , ولا دليل إجماع , ولا نظر , ولا قياس. ثم وجدنا أكثرها لا يصح على ما نبين إن شاء الله تعالى. أما الرواية عن عمران , وأبي موسى رضي الله عنهما , فغير معروفة يعني في مقاسمة الجد اثني عشر أخا له سهم كسهم كل واحد منهم.
وأما الرواية عن علي رضي الله عنه: أنه يقاسمهم إلى سبعة فيكون له الثمن , ففيها قيس بن الربيع , وقد تكلم فيه.
وأما الرواية عن علي في المقاسمة بين الجد وستة إخوة فيكون له السبع فصحيحة إلى الشعبي , ثم لا يصح للشعبي سماع من علي أصلا , ولم يذكر من أخبره عن علي.
وأما الرواية عن عمر , وعلي , وابن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة إلى خمسة , فيكون له السدس , فهي ثابتة عنهم من طريق إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن عمر , وابن مسعود.
ومن طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي.
وأما الرواية عن علي للجد الثلث على كل حال فلا تصح ; لأنها منقطعة عن قتادة : أن عليا , وقتادة : لم يولد إلا بعد موت علي رضي الله عنه.
وأما الرواية عن عمر , وعثمان , وابن مسعود : بمقاسمة الجد الإخوة إلى الثلث , فإنما جاءت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري : أن عمر , وعثمان , وأن زيدا كتب إلى معاوية ولم يدرك يحيى أحدا من هؤلاء.
ومن طريق إبراهيم : أن عمر وهذا منقطع.
ومن طريق أبي المعلى العطار عن إبراهيم عن علقمة , وعبيد بن نضلة عن عمر , وابن مسعود.
ومن طريق الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم ، عن ابن مسعود , وعمر , وعثمان.
ومن طريق إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي عن مسروق عن عمر وابن مسعود إسرائيل ضعيف وجابر ساقط والهيثم بن بدر مجهول.
وأما أبو المعلى العطار , فهو يحيى بن ميمون مصري : لا بأس به , فهي من طريق جيدة , وإليها رجع ابن مسعود , وعمر.
وأما الرواية بالتفصيل الطويل عن عمر , وزيد بن ثابت : فلا تصح ألبتة ; لأنه منقطع عن عمر , إنما هو سعيد بن المسيب , وقبيصة بن ذؤيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عمر ، ولا يصح سماع لعبيد الله ، ولا لقبيصة من عمر أصلا , ولا لسعيد عن عمر , إلا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط , مات عمر رضي الله عنه ولسعيد ثمان سنين.
ومن طريق زيد بن إبراهيم : أن زيدا ولم يلق إبراهيم قط زيد بن ثابت ، ولا أخبر ممن سمعه , أو عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد وعبد الرحمن في غاية الضعف , والترك , ولا سبيل إلى أن يوجد عن زيد من غير هاتين الطريقين إلا من أسقط منهما إن وجدت ، ولا يصح عن زيد في هذا شيء , إلا قوله في أم , وجد , وأخت , فقط , لأنه عن الشعبي عنه , والشعبي قد لقيه. وقد
روينا عن الشعبي عن قبيصة بن ذؤيب أن زيدا لم يقل في " الأكدرية " شيئا. وقد
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري , ومعمر , وهشام بن حسام , قال سفيان , ومعمر , كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين , وقال هشام عن محمد بن سيرين , ثم اتفقوا كلهم , قال ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن فريضة فيها جد فقال عبيدة لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة , قال ابن سيرين : فقلت لعبيدة عن عمر قال : عن عمر.
قال علي : لا سبيل إلى وجود إسناد أصح من هذا والعجب ممن يعترض عليه وينكره , ويقول : محال أن يقضي فيها مائة قضية , وما جعل الله تعالى قط هذا محالا , إذ قد يرجع من قول إلى قول , ثم إلى القول الأول , ثم يعود إلى الثاني مرارا , فهي كلها قضايا مختلفة , وإن لم تكن إلا قولين , ثم يصحح الباطل المحال الذي لا يعقل من إيجاب المقاسمة بين الجد والإخوة إلى ستة , أو إلى ثلاثة من أجل غصنين تشعبا من غصن من شجرة أو من أجل جدولين من خليج من نهر. فاعجبوا لهذه المصائب , ولهذه الإطلاقات على الصحابة ، رضي الله عنهم ، في الدين , واعجبوا لأنكار الحق , وتحقيق الباطل الذي لا خفاء به
قال أبو محمد : فإن ادعوا أن قول زيد منقول عنه نقل التواتر كذبوا , وإنما اشتهرت تلك المقالة لما اتفق أن قال بها مالك , وسفيان , والأوزاعي وأبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن , والشافعي اشتهرت عند من قلدهم فانتشرت عن مقلديهم , وأصلها واه , ومخرجها ساقط , ومنبعها لا يصح أصلا , وإنما هؤلاء الذين أخذوا بهذه القولة كانوا يقولون بالمرسل , حاش الشافعي , فقد أقر أكثر أصحابه أنه فارق أصله في الفرائض , فقلد ما روي عن زيد , وأقواله تدل على أنه كان قليل البصر بالفرائض , وإلا فليأتونا عن أحد من التابعين قال بها كما وجدناها عن هؤلاء
قال أبو محمد : وموه بعضهم بأن قال : قد روي عن رسول الله ﷺ ، أنه قال : أفرض أمته : زيد بن ثابت
قلنا : هذه رواية لا تصح , إنما جاءت إما مرسلة ,
وأما مما حدثنا به أحمد بن عمر بن أنس العذري , قال : أنا علي بن مكي بن عيسون المرادي , وأبو الوفا عبد السلام بن محمد بن علي الشيرازي : قال مكي : ، حدثنا أحمد بن أبي عمران الهروي ، حدثنا أبو حامد أحمد بن علي بن حسنويه المقري بنيسابور ، حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر عن قتادة عن أنس عن رسول الله ﷺ فذكره , وفيه : وأفرضهم زيد بن ثابت , وأقرؤهم أبي بن كعب. وقال أبو الوفا : أنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي ، حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار ، حدثنا أحمد بن محمد بن غالب ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس عن النبي ﷺ فذكره , وفيه : وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد. قال إسماعيل بن محمد الصفار : وحدثنا الحسن بن الفضل بن السمح ، حدثنا محمد بن أبي غالب ، حدثنا هشيم عن الكوثر عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ فذكره , وفيه : وإن أقرأها لابي , وإن أفرضها لزيد , وإن أقضاها لعلي.
قال أبو محمد : هذه أسانيد مظلمة ; لأن أحمد بن أبي عمران , وأبا حامد بن حسنويه مجهولان وإسماعيل الصفار مثلهما , وأحمد بن محمد بن غالب إن كان غلام خليل فهو هالك متهم وإن كان غيره فهو مجهول. والحسن بن الفضل , ، ومحمد بن أبي غالب , والكوثر : مجهولون. ثم لو صحت لما كان لهم فيها حجة ; لأنه لا يوجب كونه أفرضهم أن يقلد قوله , كما لم يجب عندهم ما في هذه الأخبار من أن أبي بن كعب أقرؤهم , وعليا أقضاهم أن يقتصروا على قراءة أبي دون سائر القراءات , ولا على أقضية علي دون أقضية غيره وهم يقرون أن الصحابة خالفوا زيدا في هذه المسألة. ثم المالكيون قد خالفوه في فرائض الجدة , كما ذكرنا في روايتهم عن زيد بمثل هذه التي تعلقوا بها : أنه كان يورث ثلاث جدات , وهم لا يورثون إلا جدتين , فمرة يكون زيد حجة , ومرة لا يكون حجة هذا هو التلاعب بالدين.
وأيضا : فإن في تلك الروايات الواهيات التي تعلقوا بها بيانا جليا بأن زيدا إنما قال ذلك برأيه لا عن سنة عنده , فلو صحت عنه لما كان رأيه أولى من رأي غيره , وهم لا يقدرون على إنكار هذا أصلا , فكيف وقد جاء الأختلاف عن زيد كما أوردنا بأقوال عنه مختلفة , ويكفي من هذا كله أنها باطل , وأن قولتهم التي قلدوا فيها زيدا لا تصح عنه
قال أبو محمد : نعيذ الله زيدا وعمر من أن يقولا تلك القولة التي لا نعلم في الأقوال أشد تخاذلا منها ; لأن فيها : أن المرأة تموت وتترك : زوجا ,
وأما , وأختا شقيقة , وجدا : أن للزوج ثلاثة من ستة , وللأم اثنين من ستة , وللجد واحدا من ستة , ثم يعال للأخت بثلاثة من ستة : صارت تسعة فيأخذ الجد السدس الذي وجب له , ثم يضمه إلى النصف الذي وجب للأخت فيخلطانه , ثم يأخذ الجد ثلثي ما اجتمع , والأخت ثلث ما اجتمع. فيا للعجب إن كانت الأسهم الثلاثة التي عيل بها للأخت قد وجبت للأخت , فلم يعط الجد منها فلسا , وكيف ينتزع حق الأخت ويعطى لمن لا يجب له وهو الجد ولعلها صغيرة , أو مجنونة , أو غائبة , أو كارهة فهو ظلم وأكل مال بالباطل. وإن كانت الثلاثة الأسهم التي عيل بها للأخت لم تجب لها فلأي شيء أخذوها من يد الزوج والأم وقالوا : هذا سهم الأخت وهذا هو الكذب , فلا شك أن يقولوا : هو سهمها وليس هو سهمها وهذا ظلم للزوج وللأم , وأكل مال بالباطل. ثم يقولون في أخت شقيقة , وأخ لأب , وجد : أن الشقيقة تقول للجد : هذا أخي لا بد له من أن يقتسم المال معي ومعك , للذكر مثل حظ الأنثيين فيقول الجد : كلا , إنما هو أخ للميت لأب , لا يقاسمك أصلا , إما أنت ذات فرض مسمى فتقول له الأخت : ما عليك من هذا هو أخونا فيقسم المال على رغم أنف الجد , له الخمسان , وللأخ للأب الخمسان , وللأخت الشقيقة الخمس فإذا أخذ الجد سهمه وولى خاسئا قالت الأخت لأخيها : مكانك , خل يدك عن المال , إنما أقمتك لأزيل عن يد جدنا ما كان يحصل له , وأنا أولى بهذا منك فينتزع من يد الأخ مما أعطوه على أنه حظه من الميراث خمسا ونصف خمس , فتأخذه الأخت , فيحصل لها النصف , وللجد الخمسان , وللأخت للأب نصف الخمس , فإن كانتا أختين شقيقتين , وأخا لأب , وجدا فعلنا كذلك , فإذا ولي الجد انتزع ما بيد الأخت للأب كله , وأخذه الأختان. فانظروا في هذه الأعجوبة لئن كان للأخ للأب حق واجب فما يحل انتزاعه منه وإن كان لا حق له فما يحل أن يقام وليجة ليعطي بالأسم ما لا يأخذه في الحقيقة , وإنما يأخذه غيره. ثم يقولون في ابنتين , وزوج , وأختين شقيقتين أو أخت شقيقة , أو أخ شقيق , وجد : أن للبنتين الثلثين وللزوج الربع , وللجد السدس , يعال له به , ولا شيء للأخ , ولا للأخت , ولا للإخوة , ولا للأخوات. فمرة يحتاطون للجد فينتزعون من يد الأخت ما يقولون أنه فرضها , ويردون أكثره على الجد. ومرة يورثون الجد ويمنعون الإخوة جملة. ومرة يحتاطون للأخت فيقيمون وليجة يظهرون أنهم يورثونه وهم لا يورثونه , إنما يعطونه للأخت ويحرمون الجد. هذه مخاتلات قد نزه الله تعالى زيدا عنها , ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل : أن زيدا ما قالها قط , ولا عمر , كان والله زيد , وعمر رضي الله عنهما أخوف لله تعالى وأعلم من أن يقولا هذا. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال علي : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بيقين لا إشكال فيه فلم يبق إلا قول من قال : إنه أب لا يرث معه من لا يرث مع الأب , وهو قول قد صح عن أبي بكر الصديق , وعن عمر , وابن عباس , وابن الزبير. وجاءت عن عثمان , وعلي , وابن مسعود بأسانيد إن لم تكن أحسن من أسانيد الأقوال المختلفة التي تعلقوا بها عن عمر , وعثمان , وعلي , وابن مسعود , وزيد : لم تكن دونها. فمن أعجب ممن ترك رواية صحت عن طائفة من الصحابة , ورويت عن جمهورهم , وجمهور التابعين لرواية فاسدة لم تصح قط عن أحد من الصحابة , وإنما جاءت عن بعضهم باختلاف عن الذي رويت عنه أيضا نفسه , ورجوع من قول إلى قول والعجب أنهم أصحاب تشنيع باتباع الجمهور , وهم هاهنا قد خالفوا الجمهور من الصحابة والتابعين وهم أصحاب قياس بزعمهم , وهم قد أجمعوا على أن يعطى الجد مع البنين الذكور , والبنات ما يعطى الأب معهم. وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور , وعلى أن الإخوة لا يرثون معه هنالك شيئا. وأجمعوا على أن لا يورثوا الإخوة للأم مع الجد شيئا , كما لا يرثون مع الأب وليس هذا إجماعا في الأصل , فقد جاء ، عن ابن عباس توريثهم مع الأب ومع الجد. وأجمعوا على أن لا يورثوا بني الأخ مع الجد , كما لا يورثونهم مع الأب وليس هذا إجماعا في الأصل : فقد جاء عن علي توريثهم مع الجد. وأجمعوا على أن لا يورثوا الأعمام مع الجد , كما لا يرثون مع الأب. وأجمعوا على ابن الأبن أنه يرث ميراث الأبن إذا لم يكن ابن , ولا يرث إخوة الجد منه شيئا معهم ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه كلها توريث الجد من ابن ابنه دون إخوته , ولا قاسوه على الأب إذا لم يكن أب. وأجمعوا على أنه أب في تحريم ما نكح , وفي تحريم القرائب , فلا القياس أحسنوا , ولا التقليد اتبعوا , ولا النظر التزموا , ولا بالنص أخذوا
قال أبو محمد : والذي نعتمد عليه في هذا هو قول الله تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس}.
وقوله تعالى : {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة}
فصح أن الجد أب , وأن ابن الأبن ابن , فله ميراث الأب ; لأنه أب , ولأبن الأبن ميراث الأبن ; لأنه ابن وكفى وإن العجب ليعظم ممن خفي عليه هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال علي : وقد أتى بعضهم بآبدة , وهي أن قال : ليس ما روي من أن أبا بكر جعل الجد أبا : بيان أن ذلك في الميراث , قال :
ولو كان ذلك ما خالفه عمر على تعظيمه أبا بكر. وذكروا
ما روينا من طريق شعبة ، حدثنا عاصم الأحول عن الشعبي : أن أبا بكر قال في " الكلالة " أقضي فيها فإن يكن صوابا فمن الله , وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان , والله منه بريء : هو ما دون الولد والوالد فقال عمر : إني لاستحيي من الله أن أخالف أبا بكر
قال أبو محمد : هذا كله من المجاهرة القبيحة : أول ذلك : أن هذه رواية منقطعة , أين الشعبي من عمر والله ما ولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام ثم إنها رواية باطلة بلا شك , لأن مخالفة عمر لأبي بكر أشهر من الشمس , وليس تعظيمه إياه بموجب أن لا يخالفه : وأول ذلك : الخبر الذي أوردنا بأصح إسناد من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أنه قال له عمر : إني قد رأيت في الجد رأيا , فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنه رأي رشد , وإن نتبع رأي الشيخ قبلك , فنعم ذوي الرأي كان قال عثمان : وكان أبو بكر يجعله أبا فاعجبوا لهذا العمى , ولعبادة الهوى والمجاهرة بالكذب , وانظروا هل يحتمل هذا القول من عثمان شيئا غير أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا في الميراث. وقد صح خلاف عمر لأبي بكر في " الكلالة " نفسها , وفي ترك الأستخلاف وفي قضايا كثيرة جدا نعوذ بالله من الخذلان. ثم لو صح ما قال لكان لم يخالفه عمر ; لأنه قد صح عن عمر : القول بأن الجد أب في الميراث كما أوردنا , فلم يخالف أبا بكر إذا وافقه في ذلك , بل هو آخر قول قاله وإليه رجع كما أوردنا , فهو أول أقوال عمر وآخر أقواله بإسناد صحيح لا داخلة فيه
قال أبو محمد : ومن براهيننا أيضا في هذه المسألة : أن الله تعالى لم يذكر في القرآن ميراث الإخوة ألبتة , ولا ميراث الأخوات إلا في آيتي " الكلالة " فوجب ضرورة بنص القرآن أن لا يرث أخ , ولا أخت , إلا في ميراث الكلالة , ووجب أن لا يؤخذ ميراث الكلالة , إلا من نص أو إجماع راجع إلى النص : فوجدنا من ورثه إخوة ذكور أو إناث , أو كلاهما أشقاء , أو لأب أو لأم ولم يكن للميت ولد ذكر , ولا ولد ولد ذكر , ولا ابنة , ولا أب , وجد لأب , فإنه إجماع مقطوع عليه من جميع الأمة , على أنه ميراث كلالة. ووجدنا السلف مختلفين إذا كان للميت أحد ممن ذكرنا فبعضهم يقول : هو ميراث كلالة , وبعضهم يقول : ليس ميراث كلالة , فوجب الأنقياد للإجماع المتيقن , وترك ما اختلف فيه , إذ لا نص عند المختلفين في ذلك , فوجب أن لا ميراث ألبتة لأخ , ، ولا لأخت ما دام للميت أحد ممن ذكرنا إلا أن يوجب ذلك نص فيستثنى من هذا النص الآخر , وليس ذلك إلا في الأخ الذكر الشقيق , أو للأب مع الأبنة والبنتين فصاعدا , وفي الأخت مع البنت والبنتين فصاعدا إذا لم يكن هنالك عاصب ذكر وبالله تعالى التوفيق
1737 - مسألة: قال أبو محمد : ومن مات وترك : أخا لأب , وابن أخ شقيق : فالأخ للأب أحق بالميراث بلا خلاف ; لأنه أولى رجل ذكر , وابن الأخ الشقيق أولى بالميراث من ابن الأخ للأب , لأنه أولى رجل ذكر بلا خلاف. فلو ترك : ابن عم , وعما , فالعم أولى من ابن العم , وابن العم الشقيق أولى من ابن العم للأب فإن ترك ابني عم , أحدهما : كان أبوه شقيق أبي الميت , والآخر : كان أبوه أخا أبي الميت لأبيه , إلا أن هذا هو أخو الميت لأمه , فالمال كله لأبن العم الذي هو أخ للأم.
وهو قول ابن مسعود , وشريح ; لأنهم قد أجمعوا في ابني عمين , أحدهما : ابن شقيق أبي الميت , والآخر : ابن أخي أبي الميت لأبيه : أن ابن شقيق أبي الميت أولى , لأستوائه مع أبي الميت في ولادة جد الميت , دون ابن العم الآخر , وبالحس يدري كل أحد أنهما قد استويا في ولادة جد الميت أبي أبيه , وانفرد أحدهما بولادة جد الميت لأبيه وأبي الميت , وانفرد الآخر بولادة أم الميت له , ولا يخيل على أحد أن ولادة الأم أقرب من ولادة الجدة , فهو أولى رجل ذكر فإن تركت : ابني عم , أحدهما : زوج , فالنصف للزوج بالزوجية , وما بقي فبين الأبني عم سواء.
1738 - مسألة: والرجل , والمرأة إذا أعتق أحدهما عبدا أو أمة : ورث مال المعتق إن مات ولم يكن له من يحط بميراثه , أو ما فضل عن ذوي السهام.
وكذلك يرث من تناسل منه من نسل الذكور من ولده , لقول رسول الله ﷺ : إنما الولاء لمن أعتق فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص. وأعتقت ابنة حمزة عبدا فمات وتخلف ابنة , فأعطى عليه الصلاة والسلام ابنته النصف , وبنت حمزة النصف
وكذلك يرث من أعتق من أعتقت وهكذا من سفل. ==
**
الآثار الواردة في الجد
1739 - مسألة: وما أعتقت المرأة ثم ماتت , ولها بنون وعصبة من إخوة , أو بني إخوة وإن سفلوا أو أعمام , أو بني أعمام وإن بعدوا وسفلوا : فميراث من أعتقت لعصبتها لا لولدها , إلا أن يكون ولدها عصبتها , كأولاد أم الولد من سيدها , أو يكونوا من بني عمها لا أحد من بني جدها , ولا من بني أبيها : أقرب إليها منهم. وقال آخرون : بل الميراث لولدها , وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن علي بن أبي طالب , والزبير بن العوام : اختصما إلى عمر في مولى لصفية بنت عبد المطلب فقضى عمر بالعقل على علي , وبالميراث للزبير.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن معقل عن علي بن أبي طالب قال : الولاء شعبة من النسب , من أحرز الولاء أحرز الميراث.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أنه كان يقول : أحقهم بالولاء أحقهم بالميراث.
قال علي : الأحق بالولاء هم عصبتها الذين إليهم ينتمي الموالي , فيقولون : نحن موالي بني أسد إن كانت هي أسدية , ولا ينتمون إلى بني تميم إن كان ولدها من تميم.
قال أبو محمد : بقول علي هاهنا نقول , وقال بقول عمر : الشعبي , وعطاء , وابن أبي ليلى , وأبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأصحابهم.
قال أبو محمد : برهان صحة قولنا : قول رسول الله ﷺ : مولى القوم منهم. وقال عليه الصلاة والسلام : ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وإذا كانت المرأة من مضر وبنوها من اليمن : فمواليها من مضر , بلا شك. ومن المحال أن يكون رجل يماني يرث مضريا بالتعصيب , بل يرثه الذي هو منهم , ومن المحال أن يكون رجل يماني أولى برجل مضري. والعجب أنهم يقولون : إن انقرض ولدها عاد ميراثهم إلى عصبة أمهم من مضر , لا إلى عصبة أبناء المعتقة , فهل سمع بأعجب من هذا وكيف يرثون عن أمهم ولاء لا يرثه عنهم عصبتهم , إن هذا المحال ظاهر , وإذا لم يورث عنهم آخرا فمن المحال أن يرثوه هم أولا. وما نعلم لهم شيئا شغبوا به أكثر من أن قالوا : كما يرثون مال أمهم كذلك يرثون ولاء مولاها الذي لو كانت حية لورثته هي.
قال علي : وهذا باطل ليس من يرث المال يرث الولاء , وهم لا يختلفون معنا في أن امرأة لو ماتت ولها مال وموال , وتركت : زوجها , وأختها , وبني عمها : فإن جميع ميراثها لزوجها وأختها , ولا حق لهما في ولاء مواليها , وأن ولاء مواليها لبني عمها الذين لا يأخذون من مالها شيئا.
وكذلك : امرأة ماتت وتركت : زوجا , وبنتين ,
وأما , وبني ابن : فإن المال كله للزوج والبنتين والأم , ولا يأخذ منه بنو الأبن شيئا , وأن ولاء مواليها عندهم لبني الأبن , ولا يرث منه الذين ورثوا المال شيئا : فظهر فساد احتجاجهم , وبطل قولهم , إذ عري من
برهان وبالله تعالى التوفيق. فإن موهوا بقضاء عمر : فقد قضى عمر في هذه المسألة نفسها بأن عصبة ولدها يرثون ولاء مواليها عن ولدها , ولا يرثه إخوتها : فقد خالفوا عمر في ذلك تحكما بالباطل وبالله تعالى التوفيق.
1740 - مسألة: وما ولد للمملوك من حرة فإنه لا يرثه من أعتق أباه بعد ذلك , وإنما يرث المرء ما نفخ فيه الروح من حمل بعد أن أعتق أباه.
برهان ذلك : قول رسول الله ﷺ : الولاء لمن أعتق وهذا المولود خلق حرا , ولا ولاء عليه لأحد , فلا يجوز أن يحدث عليه بعد حريته ولاء لمن لم يعتقه , ولا كان ذلك الولاء عليه قبل إلا بنص , ولا نص في ذلك.
وأما من نفخ فيه الروح بعد ثبات الولاء على أبيه فإنه لم يكن قط موجودا إلا والولاء عليه ثابت فميراثه لمولاه. وقد
روينا عن الشعبي : لا ولاء إلا لذي نعمة.
1741 - مسألة: وما ولد لمولى من مولاة لأخرين فولاؤه لمن أعتق , أباه , أو أجداده وهذا لا خلاف فيه. وما ولدت المولاة من عربي فلا ولاء عليه لموالي أمه , وهذا لا خلاف فيه. وما ولدت المولاة من زوج مملوك , أو من زنى , أو من إكراه , أو حربي , أو لاعنت عليه , فقد قال قوم : ولاؤه لموالي أمه ، ولا نقول بهذا , بل لا ولاء عليه لأحد ; لأنه لم يأت بإيجاب الولاء عليه نص , ولا إجماع , بل قد أجمعوا على كل ما ذكرنا من أنه لا حكم للولاء المنعقد على أمه إن كان أبوه مولى , أو عربيا فظهر تناقضهم وبالله تعالى التوفيق.
1742 - مسألة: والعبد لا يرث , ولا يورث : ماله كله لسيده , هذا ما لا خلاف فيه , وقد جاء به نص نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وروينا عن بعض الصحابة : أنه يباع فيعتق فيرث وهذا لا يوجبه قرآن ، ولا سنة , فلا يجوز القول به.
1743 - مسألة: والمكاتب إذا أدى شيئا من مكاتبته فمات , أو مات له مورث ورث منه ورثته بقدر ما أدى فقط , وورث هو أيضا بمقدار ما أدى فقط , ويكون ما فضل عما ورث لسائر الورثة , ويكون ما فضل عن ورثته لسيده. وهذا مكان اختلف الناس فيه ,
وقد ذكرنا في " كتاب المكاتب " وذكرنا ما صح عن النبي ﷺ في ذلك فأغنى عن إعادته. ومن مات وبعضه حر وبعضه عبد : فللذي له الولاء مما ترك بمقدار ما له فيه من الولاء والباقي للذي له الرق سواء كان يأخذ حصته من كسبه. في حياته أو لم يكن يأخذه لأن الباقي بعد ما كان يأخذ : ملك لجميع المكاتب يأكله , ويتزوج فيه , ويتسرى , ويقضي منه ديونه , ويتصدق به , فهو ماله وهو ما لم يأخذه الذي له فيه بقية فإذا مات فهو مال يخلفه , ليس للذي تمسك بالرق أن يأخذه الآن , إذ قد وجب فيه حق للذي له فيه بعض الولاء. وقد اختلف الناس في هذا : فقال مالك : ماله كله للذي له فيه شيء من الرق
وهو قول الزهري , وأحد قولي الشافعي. وقال قتادة : ميراثه كله للذي له فيه شعبة العتق.
وقال أبو حنيفة : يؤدي من ماله قيمة ما فيه من الرق ويرث الباقي ورثته وإن لم يرق بذلك : فماله كله للمتمسك بالرق. وقال بعض أصحاب الشافعي : ماله لبيت مال المسلمين.
وقال الشافعي في أحد أقواله : إنه يورث بمقدار ما فيه من العتق , ولا يرث هو بذلك المقدار. وقولنا في ذلك الذي ذكرنا هو قول علي بن أبي طالب , وابن مسعود , وإبراهيم النخعي , وعثمان البتي , والشعبي , وسفيان الثوري , وأحمد بن حنبل وداود , وجميع أصحابه , وأحد أقوال الشافعي.
1744 - مسألة: وولد الزنى يرث أمه , وترثه أمه , ولها عليه حق الأمومية من : البر , والنفقة , والتحريم , وسائر حكم الأمهات : ولا يرثه الذي تخلق من نطفته , ولا يرثه هو , ولا له عليه حق الأبوة لا في بر , ولا في نفقة , ولا في تحريم , ولا في غير ذلك , وهو منه أجنبي ، ولا نعلم في هذا خلافا إلا في التحريم فقط.
برهان صحة ما قلنا : قول رسول الله ﷺ : الولد للفراش وللعاهر الحجر وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر. فألحق الولد بالفراش وهي الأم وبصاحبه وهو الزوج , أو السيد ولم يجعل للعاهر إلا الحجر. ومن جعل تحريما بما لا حق له في الأبوة فقد ناقض وبالله تعالى التوفيق.
1745 - مسألة: والمولودون في أرض الشرك يتوارثون كما يتوارث من ولد في أرض الإسلام بالبينة أو بإقرارهم إن لم تكن بينة سواء أسلموا وأقروا مكانهم , أو تحملوا , أو سبوا فأعتقوا. وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروينا عن عمر , وعثمان : أنه لا يرث أحد بولادة الشرك. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري : أدركت الصالحين يذكرون : أن في السنة : أن ولادة العجم ممن ولد في أرض الشرك ثم تحمل : أن لا يتوارثوا. وعن عمر بن عبد العزيز , وعروة بن الزبير , وعمرو بن عثمان بن عفان , وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة , وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : لا يورث أحد بولادة الأعاجم إلا أحد ولد في العرب. ولا نعلم يصح عن عمر , وعثمان : شيء من هذا ; لأنها منقطعة عن مالك عن الثقة عن سعيد بن المسيب : أن عمر.. ومن طريق فيها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأبان بن عثمان : أن عمر ولم يدرك أبان عمر ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان : أن عمر , وعثمان وهذا أبعد والزهري : أن عمر , وعثمان وما ورث عمر ولده عبد الله , وأم المؤمنين حفصة إلا بولادة الشرك.
وقالت طائفة : كما روينا من طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن سفيان الثوري عن مجالد عن الشعبي عن شريح : أن عمر بن الخطاب كتب إليه : أن لا يورث الحميل إلا ببينة.
ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر : أخبرني عاصم بن سليمان قال : كتب عمر بن عبد العزيز : أن لا يتوارث الحملاء في ولادة الكفر فعاب ذلك عليه الحسن , وابن سيرين , وقالوا : ما شأنهم أن لا يتوارثوا إذا عوفوا وقامت البينة.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ، عن ابن سيرين , والحسن , قالا جميعا : إذا قامت البينة ورث الحميل.
ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج , وحماد بن أبي سليمان , أو أحدهما عن الشعبي , والنخعي , قالا جميعا : لا يورث الحميل إلا ببينة
وهو قول الثوري , وأبي حنيفة , وأبي سليمان , وأصحابهما.
وقالت طائفة : يتوارث الحملاء بالبينة أو بالإقرار إن لم تكن بينة ,
كما روينا من طريق محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي , قال : قال عمر بن الخطاب : كل نسب يتواصل عليه في الإسلام فهو وارث موروث.
ومن طريق غندر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان قالا جميعا : الحميل يورث.
ومن طريق غندر عن شعبة عن المغيرة بن مقسم الضبي عن إبراهيم النخعي ، أنه قال في الحميل : إذا قامت البينة أنه كان يصل منه ما يصل من أخيه , ويحرم منه ما يحرم من أخيه : ورثه.
ومن طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش قال : كان أبي حميلا فورثه مسروق وعن عبد الرحمن بن أذينة أنه ورث حميلا بشهادة رجل وامرأة أنه كان أخاه وبشهادة امرأة أخرى أنها سمعته يقول : هو أخي.
ومن طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبي الشعثاء : ، أنه قال : خاصمت إلى شريح في مولاة للحي ماتت عن مال كثير , فجاء رجل فخاصم مواليها , وجاء بالبينة أنها كانت تقول : أخي فورثه شريح.
وقال الشافعي : إذا قامت البينة ورث الحميل كان عليه ولاء أو لم يكن فإن لم يكن إلا إقرار فقط ورث به من لا ولاء عليه , ولا يورث به من عليه ولاء.
وقال مالك : لا يرث الحميل ببينة أصلا , إلا أن يكون أهل مدينة أسلموا فشهد بعضهم لبعض بما يوجب الميراث فإنهم يتوارثون بذلك.
قال أبو محمد : أما قول مالك , والشافعي فلا نعلم أحدا قبلهما قسم هذا التقسيم , وهما قولان مخالفان للقرآن , والسنن , والأصول , في إسقاط مالك الحكم ببينة العدل في ذلك , بخلاف جميع الأحكام. وتفريق الشافعي , ومالك بين من عليه ولاء وبين من لا ولاء عليه , وبين أهل المدينة يسلمون , أو يسبون فيسلموا , ووجدنا الإقرار بالمواليد الموجبة للمواريث : لا نعلم ألبتة صحة المواليد إلا به , فما تصح بنوة أحد إلا بإقرار الآباء أنه ولد , أو بإقرار أخوين يقدمان مسافرين ويجب ميراثهما. وبهذا الإقرار يتوارث أهل الكفر إذا أسلموا عندنا من أهل الذمة , فالتفريق بين كل ذلك لا وجه له , وبالإقرار توارث المهاجرون في عصر رسول الله ﷺ من أحياء العرب وغيرهم , فالتفريق بين ذلك خطأ لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق.
1746 - مسألة: ولا يرث المسلم الكافر , ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء إلا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الإسلام أو مات مرتدا , أو قتل مرتدا , أو لحق بدار الحرب وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدا : فلورثته من الكفار , فإن رجع إلى الإسلام فهو له , أو لورثته من المسلمين إن مات مسلما.
روينا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي ﷺ قال : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شيء.
فإن قيل : إنكم تقولون : إن مات عبد نصراني , أو مجوسي , أو يهودي وسيده مسلم فماله لسيده
قلنا : نعم , لا بالميراث , لكن لأن للسيد أخذه في حياته فهو له بعد وفاته والعبد لا يورث بالخبر الذي جاء عن النبي ﷺ في ميراث المكاتب فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا لا له ، ولا منه. واختلف الناس في بعض هذا : فروينا عن معاذ بن جبل , ومعاوية , ويحيى بن يعمر , وإبراهيم , ومسروق : توريث المسلم من الكافر , ولا يرث الكافر المسلم :
وهو قول إسحاق بن راهويه , وهو عن معاوية ثابت.
كما روينا من طريق حماد بن سلمة ، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أن معاوية كان يورث المسلم من الكافر , ولا يورث الكافر من المسلم. قال مسروق : ما حدث في الإسلام قضاء أعجب إلي منه
وقال أحمد بن حنبل : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم إلا أن يكون مسلم أعتق كافرا فإنه يرثه
واحتج لهذا القول بما روينا من طريق ابن وهب عن محمد بن عمرو ، عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله ﷺ : لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته.
قال أبو محمد : أبو الزبير عن جابر ما لم يقل " سمعت , أو أنا , أو أرنا " تدليس , ولو صح فليس فيه : إلا عبده , أو أمته , ولا يسمى المعتق , ولا المعتقة : عبدا , ولا أمة. واختلفوا في ميراث المرتد : فصح عن علي بن أبي طالب : أنه لورثته من المسلمين :
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني : أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين
وروي مثله ، عن ابن مسعود , ولم يصح.
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن موسى بن أبي كثير قال : سألت سعيد بن المسيب عن المرتد هل يرث المرتد بنوه فقال : نرثهم ، ولا يرثوننا , قال : وتعتد امرأته ثلاثة قروء , فإن قتل : فأربعة أشهر وعشرا.
ومن طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال : كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لأهله إذا قتل.
وروي توريث مال المقتول على الردة لورثته من المسلمين عن عمر بن عبد العزيز , والشعبي , والحكم بن عتيبة , والأوزاعي , وإسحاق بن راهويه. وقال سفيان الثوري : ما كان من ماله في ملكه إلى أن ارتد فلورثته من المسلمين , وما كسب بعد ردته فلجميع المسلمين
وقال أبو حنيفة : إن راجع الإسلام فماله فإن قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فما كسب بعد الردة فلجميع المسلمين , وما كان له قبل الردة فلورثته من المسلمين , ويقضي القاضي بعتق مدبريه , وأمهات أولاده , فإن رجع إلى أرض الإسلام مسلما أخذ ما وجد من ماله بأيدي ورثته ; ، ولا يرجع عليهم بشيء مما أكلوه , أو أتلفوه , وكل ما حمل من ماله إلى أرض الحرب فهو لجميع المسلمين إذا ظفر به , لا لورثته , فلو رجع من أرض الحرب إلى أرض الإسلام فأخذ مالا من ماله فنهض به إلى أرض الحرب فظفر به , فهو لورثته من المسلمين , فلو كانت له أمتان إحداهما مسلمة , والأخرى كافرة , فولدتا منه لأكثر من ستة أشهر مذ ارتد فأقر بهما لحقا به جميعا , وورثه ابن المسلمة , ولم يرثه ابن الذمية. قال : ولا يرث المرتد مذ يرتد إلى أن يقتل أو يموت , أو يسلم أحد من ورثته المسلمين , ولا الكفار أصلا.
وقالت طائفة : ميراثه لبيت مال المسلمين :
كما روينا ، عن ابن وهب عن الثقة عنده عن عباد بن كثير عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : ميراث المرتد في بيت مال المسلمين.
وبه يقول ربيعة , وابن أبي ليلى , والشافعي , وأبو ثور.
وقال مالك : إن قتل , أو مات , أو لحق بدار الحرب , فهو في بيت مال المسلمين , فإن رجع إلى الإسلام فماله له , فإن ارتد عند موته , فإن اتهم : إنما ارتد ليمنع ورثته فماله لورثته هذا مع قوله : إن من ارتد عند موته لم ترثه امرأته ; لأنه لا يتهم أحد بأنه يرتد ليمنع أخذ الميراث. وقال أبو سليمان : ميراث المرتد إن قتل لورثته من الكفار. وقال أشهب : مال المرتد مذ يرتد لبيت مال المسلمين.
قال أبو محمد : أما قول مالك : فظاهر الأضطراب والتناقض كما ذكرنا , وحكم بالتهمة وهو الظن الكاذب الذي حرم القرآن والسنة الحكم به ,
وأما قول سفيان : فتقسيم فاسد لا دليل عليه من قرآن , ولا سنة , ولا قياس , ولا قول صاحب.
وأما قول أبي حنيفة فوساوس كثيرة فاحشة : منها : تفريقه بين المرتد وسائر الكفار. ومنها : توريثه ورثته على حكم المواريث وهو حي بعد. ومنها : قضاؤه له إن رجع بما وجد , لا بما استهلكوا ، ولا يخلو من أن يكون وجب للورثة ما قضوا لهم به , أو لم يجب لهم , ولا سبيل إلى ثالث. فإن كان وجب لهم فلأي شيء ينتزعه من أيديهم وهذا ظلم وباطل وجور. وإن كان لم يجب لهم فلأي شيء استحلوا أن يقضوا لهم به حتى أكلوه , وورث عنهم , وتحكموا فيه , ولئن كان رجع إلى المراجع إلى الإسلام فما الذي خص برجوعه إليه ما وجد دون ما لم يجد وإن كان لم يرجع إليه , فبأي شيء قضوا له به إن هذا لضلال لا خفاء به
وأعجب شيء اعتراض هؤلاء النوكى على رسول الله ﷺ في نكاحه أم المؤمنين صفية , وجعله عتقها صداقها بقولهم السخيف : لا يخلو من أن يكون تزوجها وهي أمة , فهذا لا يجوز , أو تزوجها وهي حرة معتقة فهذا نكاح بلا صداق , مع إجازتهم لأبي حنيفة هذه الحماقات , والمناقضات , وما تزوج رسول الله ﷺ صفية ، رضي الله عنها ، إلا وهي حرة معتقة بصداق قد صح لها وتم , وهو عتقه لها. ثم تفريق أبي حنيفة بين مال تركه في أرض الإسلام , أو مال حمله مع نفسه إلى أرض الكفر , ومال تركه ثم رجع فيه فحمله فهذا من المضاعف نسجه ونعوذ بالله من التخليط مع أن هذه الأحكام الفاسدة لا تحفظ عن أحد قبل أبي حنيفة , ولا عن أحد غيره قبل من ضل بتقليده.
وأما من قال من السلف : بأن ميراثه لورثته من المسلمين فلا حجة لهذا القول إلا التعلق بظاهر آيات المواريث , وأنه تعالى لم يخص مؤمنا من كافر فيقال لهم : لقد بينت السنة ذلك , وأنتم قد منعتم المكاتب من الميراث والقرآن يوجبه له , والسنة كذلك , ومنعتم القاتل برواية لا تصح , ومنعتم سائر الكفار من أن يرثهم المسلمون وقد قال بذلك بعض السلف وهذا تحكم لا وجه له , فبطل تعلقهم بالقرآن في ذلك.
قال أبو محمد : والذي نقول به فهو الذي ذكرنا قبل , برهاننا على ذلك : أن كل ما ظفر به من ماله فهو مال كافر , لا ذمة له , وقد قال تعالى : {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} ، ولا يحرم مال كافر إلا بالذمة , وهذا لا ذمة له , فإن رجع إلى الإسلام فلم يرجع إلا وقد بطل ملكه له , أو عنه , ووجب للمسلمين , فلا حق له فيه إلا كأحد المسلمين.
وأما ما لم يظفر به من ماله فهو باق على ما قد ثبت وصح من ملكه له [ فهو له ] ما لم يظفر المسلمون به , لا فرق بينه وبين سائر أهل الحرب الذين لا ذمة لهم في ذلك. فإن مات أو قتل فهو لورثته الكفار خاصة , لقول الله تعالى : {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} وآيات المواريث العامة للمسلمين والكفار , فلا يخرج عن حكمها إلا ما أخرجه نص سنة صحيح. فإن كانوا ذمة سلم إليهم من ظفر به ; لأنهم قد ملكوه بالميراث. وإن كانوا حربيين أخذ للمسلمين متى ظفر به. فإن أسلم فهو له يرثه عنه ورثته من المسلمين كسائر المسلمين. وهذا حكم القرآن والسنن , وموجب الإجماع والحمد لله رب العالمين. ==
** الفصل الاخير من كتاب المواريث
كتاب المواريث
الآثار الواردة في الجد
1747 - مسألة: ومن مات له موروث وهما كافران , ثم أسلم الحي أخذ ميراثه على سنة الإسلام ، ولا تقسم مواريث أهل الذمة إلا على قسم الله تعالى المواريث في القرآن.
برهان ذلك : قول الله تعالى : {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}.
وقوله تعالى : {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما}. ولا أعجب ممن يدع حكم القرآن وهو يقر أنه الحق , وأنه حكم الله تعالى ويحكم بحكم الكفر وهو يقر أنه حكم الشيطان الرجيم , وأنه الضلال المبين , والذي لا يحل العمل به إن هذا لعجب عجيب.
روينا من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال : أن زيد بن أسلم حدثه أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : إن ابني هلك , فزعمت اليهود أنه لا حق لي في ميراثه فدعاهم عمر فقال : ألا تعطون هذه حقها فقالوا : لا نجد لها حقا في كتابنا فقال : أفي التوراة قالوا : بلى , في المثناة قال : وما المثناة قالوا : كتاب كتبه أقوام علماء حكماء فسبهم عمر وقال : اذهبوا فأعطوها حقها.
ومن طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن شريح : أن اجعل مواريث أهل الذمة على فرائض الله عز وجل.
وقال أبو حنيفة : مواريث أهل الذمة مقسومة على أحكام دينهم , إلا أن يتحاكموا إلينا.
وقال مالك : تقسيم مواريث أهل الكتاب على حكم دينهم سواء أسلم أحد الورثة قبل القسم أو لم يسلم
وأما غير أهل الكتاب فمن أسلم منهم من الورثة بعد القسمة فليس له غير ما أخذ , ومن أسلم منهم قبل القسمة : قسم على حكم الإسلام
وقال الشافعي , وأبو سليمان كقولنا.
قال أبو محمد : أما تقسيم مالك : ففي غاية الفساد ; لأنه لم يوجب الفرق الذي ذكر : قرآن , ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا دليل , ولا إجماع , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا رأي له وجه , وما نعلمه عن أحد قبل مالك.
وأما قول أبي حنيفة وما وافقه فيه مالك : فقد ذكرنا إبطاله , وما في الشنعة أعظم من تحكيم الكفر واليهود والنصارى على مسلم إن هذا لعجب وما عهدنا قولهم في حكم بين مسلم وذمي إلا أنه يحكم فيه ، ولا بد بحكم الإسلام إلا هاهنا , فإنهم أوجبوا أن يحكم على المسلم بحكم الشيطان في دين اليهود والنصارى , لا سيما إن أسلم الورثة كلهم , فلعمري إن اقتسامهم ميراثهم بقول " دكريز القوطي " " وهلال اليهودي " لعجب , نعوذ بالله منه , على أنه قد جاء في هذا أثران يحتجون بأضعف منهما , وبإسنادهما نفسه , إذا وافق تقليدهم وهو
كما روينا من طريق أبي داود ، حدثنا حجاج بن يعقوب ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس قال قال النبي ﷺ : كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وإن ما أدرك إسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال عمرو بن شعيب : قضى رسول الله ﷺ أن كل ما قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية , وأن ما أدرك الإسلام , ولم يقسم فهو على قسمة الإسلام.
قال علي : محمد بن مسلم ضعيف ,
والثاني مرسل , ولا نعتمد عليهما , إنما حجتنا ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.
1748 - مسألة: ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيا كله أو بعضه أقله أو أكثره ثم مات بعد تمام خروجه عطس أو لم يعطس وصحت حياته بيقين بحركة عين , أو يد , أو نفس , أو بأي شيء صحت , فإنه يرث ويورث , ولا معنى للأستهلال.
وهو قول أبي حنيفة , وسفيان الثوري , والأوزاعي , وأبي سليمان.
برهان ذلك : قول الله تعالى : {يوصيكم الله في أولادكم}. وهذا ولد بلا شك.
فإن قيل : هلا ورثتموه وإن ولد ميتا بحياته في البطن
قلنا : لو أيقنا حياته لورثناه , وقد تكون لحركة ريح والجنين ميت وقد ينفش الحمل , ويعلم أنه ليس حملا وإنما كان علة , فإنما نوقن حياته إذا شاهدناه حيا.
وقال الشافعي : لا يرث ، ولا يورث حتى يخرج حيا كله.
وهذا قول لا برهان على صحته.
وقالت طائفة لا يرث ، ولا يورث وإن رضع وأكل ما لم يستهل صارخا وهو قول مالك , واحتج له مقلدوه بما روي من أن عمر كان يفرض للصبي إذا استهل صارخا. وعن ابن عمر : إذا صاح صلي عليه. وعن ابن عباس : إذا استهل الصبي ورث وورث.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس : يرث إذا سمع صوته.
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن شريك العامري عن بشر بن غالب , قال : سئل الحسن بن علي : متى يجب سهم المولود قال : إذا استهل. وصح عن إبراهيم النخعي : إذا استهل الصبي وجب عقله وميراثه. وصح عن شريح : أنه لم يورث من لم يستهل
وروي أيضا : عن القاسم بن محمد , وابن سيرين , والشعبي , والحسن , والزهري , وقتادة وهو قول مالك وروي أيضا عن أبي حنيفة.
قال أبو محمد : احتج من قلد هذأ القول بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ : ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه وذكر باقي الخبر. وبالخبر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان. وب
ما روينا من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : إذا استهل المولود ورث.
ومن طريق أحمد بن شعيب ، أخبرنا يحيى بن موسى البلخي ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ قال : الصبي إذا استهل ورث وصلي عليه.
ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن حدث عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم ، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني عن بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ : إذا استهل المولود صلي عليه وورث ، ولا يصلى عليه حتى يستهل.
ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثني طلق عن نافع بن يزيد ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله ﷺ قال : إذا استهل المولود وجبت ديته وميراثه وصلي عليه إن مات. قال ابن حبيب : وحدثنيه أيضا : مطرف ، عن ابن أبي حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ . قالوا
وهو قول عمر , وابن عمر والحسين , وابن عباس , وجابر وأبي هريرة : ستة من الصحابة , وجماعة من التابعين , لا يعرف لهم منهم مخالف : هذا كل ما شغبوا به , وما نعلم لهم شيئا غير هذا , وكله إما لا شيء
وأما لا حجة لهم فيه. أما الخبر الصحيح : فينبغي لهم أن يستغفروا الله تعالى من تمويههم به فيما ليس فيه منه شيء هل ذكر رسول الله ﷺ فيه شيئا من حكم الميراث بنص أو بدليل أما هذا تقويل له عليه الصلاة والسلام ما لم يقل وهل في ذلك الخبر إلا أن كل مولود فإن الشيطان ينخسه وهذا حق نؤمن به , وما خولفوا قط في هذا , ثم فيه أنه يستهل صارخا من نخسة الشيطان هذا فبضرورة الحس والمشاهدة ندري يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما عني بذلك من استهل منهم , وبقي حكم من لم يستهل فنقول لهم : أخبرونا أيوجد مولود يخرج حيا ، ولا يستهل أم لا يوجد أصلا
فإن قالوا : لا يوجد أصلا كابروا العيان وأنكروا المشاهدة , فهذا موجود كثير لا يستهل إلا بعد أزيد من ساعة زمانية , وربما لم يستهل حتى يموت
ثم نقول لهم : فإذ لا يوجد هذا أبدا فكلامكم وكلامنا فيها عناء , وبمنزلة من تكلم فيمن يولد من الفم ونحو ذلك من المحال
فإن قالوا : بل قد يوجد هذا
قلنا لهم : فأخبرونا الآن أتقولون : إنه ليس مولودا فهذه حماقة ومكابرة للعيان , أم تقولون : إن الشيطان لم ينخسه , فتكذبوا رسول الله وهذا كما ترون أم تقولون : إنه نخسه فلم يستهل فهذا قولنا , ورجعتم إلى الحق من أنه عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الخبر : من يستهل دون من لا يستهل , ولا بد من أحد هذه الثلاث , إلا أنه بكل حال ليس في هذا الخبر شيء من حكم المواريث , فبطل احتجاجهم به وهكذا القول في الخبر الآخر سواء سواء.
وأما حديث ابن قسيط عن أبي هريرة , فليس فيه إلا : أنه إذا استهل ورث , وهكذا نقول , وليس فيه : أنه إذا لم يستهل لم يرث , فإقحامه فيه : كذب على رسول الله ﷺ فبطل تعلقهم به.
وأيضا : فإن لفظة " الأستهلال " في اللغة هو الظهور , تقول استهل الهلال بمعنى ظهر , فيكون معناه : إذا ظهر المولود ورث ,
وهو قولنا.
وأما خبر أبي الزبير عن جابر , فلم يقل أبو الزبير : إنه سمعه , فهو مدلس. وفي حديث الأوزاعي : بقية وهو ضعيف. وحديثا : عبد الملك بن حبيب مرسلان , وعبد الملك هالك. فسقط تعلقهم بهذه الآثار.
وأما قولهم : إنه قول ستة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف , فكم قصة مثل هذه قد خالفوا فيها طوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف , كالقصاص في اللطمة , وإمامة الجالس وغير ذلك كثير جدا , ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ .
وأيضا : فالآثار المذكورة عن الصحابة إنما فيها : أنه إذا استهل ورث ولم نخالفهم في ذلك , وليس فيها إذا لم يستهل لم يورث فلا حجة لهم فيها. ثم نسألهم عن مولود ولد فلم يستهل , إلا أنه تحرك , ورضع , وطرف بعينه , ثم قتله قاتل عمدا , أيجب فيه قصاص أو دية أم ليس فيه إلا غرة
فإن قالوا : فيه القود أو الدية : نقضوا قولهم , وأوجبوا أنه ولد حي فلم منعوه الميراث
وإن قالوا : ليس فيه إلا غرة تركوا قولهم وبالله تعالى التوفيق.
1749 - مسألة: وإذا قسم الميراث فحضر قرابة للميت , أو للورثة , أو يتامى , أو مساكين : ففرض على الورثة البالغين , وعلى وصي الصغار , وعلى وكيل الغائب : أن يعطوا كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة , ويجبرهم الحاكم على ذلك إن أبوا. لقول الله تعالى : {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا} وأمر الله تعالى فرض لا يحل خلافه
وهو قول طائفة : من السلف :
كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله , قال : قسم لي بها أبو موسى الأشعري في قوله تعالى {وإذا حضر القسمة أولو القربى} الآية.
ومن طريق البخاري ، حدثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : يزعمون : أن هذه الآية نسخت : وإذا حضر القسمة أولو القربى فلا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها , هما واليان : وال يرث , وذاك الذي يرزق , ووال لا يرث , فذلك الذي يقول بالمعروف , يقول : لا أملك لك أن أعطيك.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا محمود بن خداش ، حدثنا عباد بن العوام ، حدثنا حجاج عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، أنه قال في قول الله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} قال : هي واجبة يعمل بها وقد أعطيت بها.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن خلف ، حدثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ، حدثنا ابن جريج : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق , والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبراه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه عبد الرحمن , وعائشة يومئذ حية , فلم يدع في الدار مسكينا , ولا ذا قرابة إلا أعطاهم , وتلا : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وذكر باقي الحديث. وصح أيضا : عن عروة بن الزبير , وابن سيرين , وحميد بن عبد الرحمن الحميري , ويحيى بن يعمر , والشعبي , والنخعي , والحسن , والزهري , وأبي العالية , والعلاء بن بدر , وسعيد بن جبير , ومجاهد.
وروي عن عطاء
وهو قول أبي سليمان.
وروي أنها ليست بواجبة : عن ابن عباس , وسعيد بن المسيب , وأبي مالك , وزيد بن أسلم .
وبه يقول مالك , وأبو حنيفة , والشافعي , وما نعلم لأهل هذا القول حجة أصلا , بل هو دعوى مجردة , وما يفهم أحد من : افعل : إن شئت فلا تفعل. وليس وجودنا آيات قام البرهان على أنها منسوخة , أو مخصوصة , أو أنها ندب , بموجب أن يقال فيما لا دليل بذلك فيه : هذا ندب , أو هذا منسوخ , أو هذا مخصوص , فيكون قولا بالباطل وبالله تعالى التوفيق. وهذا مما خالفوا فيه جمهور السلف ، رضي الله عنهم ، تم كتاب الفرائض.
1750 - مسألة: مستدركة : ولا يصح نص في ميراث الخال , فما فضل عن سهم ذوي السهام , وذوي الفرائض , ولم يكن هنالك عاصب , ولا معتق ، ولا عاصب معتق : ففي مصالح المسلمين , لا يرد شيء من ذلك على ذي سهم , ولا على غير ذي سهم من ذوي الأرحام , إذ لم يوجب ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع. فإن كان ذوو الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم , والباقي في مصالح المسلمين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما. انتهت المواريث بحمد الله
=====
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق