اللهم استجب

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

الثلاثاء، 22 مارس 2022

المحلي كتاب البيوع{ من 1423 - مسألةالي 1460 - مسألة }



كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460)



| كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)


=========




كتاب البيوع

1423 - مسألة : وبيع العبد الآبق - عرف مكانه أو لم يعرف - جائز وكذلك بيع الجمل الشارد - عرف مكانه أو لم يعرف . وكذلك الشارد من سائر الحيوان ، ومن الطير المتفلت وغيره ، إذا صح الملك عليه قبل ذلك ، وإلا فلا يحل بيعه . وأما كل ما لم يملك أحد بعد فإنه ليس أحد أولى به من أحد ، فمن باعه فإنما باع ما ليس له فيه حق ، فهو أكل مال بالباطل . وأما ما عدا ذلك من كل ما ذكرنا فقد صح ملك مالكه له ، وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص - : إن شاء وهبه ، وإن شاء باعه ، وإن شاء أمسكه ، وإن مات فهو موروث عنه لا خلاف في أنه ملك وموروث عنه ، فما الذي حرم بيعه وهبته ؟ وقد أبطلنا قبل قول من فرق بين الصيد يتوحش ، وبين الإبل ، والغنم ، والبقر ، والخيل يتوحش - وكذلك لا فرق بين الصيد من السمك ، ومن الطير ، ومن النحل ، ومن ذوات الأربع كل ما ملك من ذلك - : فهو مال من مال مالكه بلا خلاف من أحد . فمن ادعى سقوط الملك عنه بتوحشه ، أو برجوعه إلى النهر أو البحر - : فقد قال الباطل ، وأحل حراما بغير دليل لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من تورع ، ولا من رأي يعقل ؟ فإن قال قائل : فإنه لا يعرفه أبدا صاحبه ، ولا غير صاحبه ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ ومن أين وجب عندكم سقوط ملك المسلم عن ماله بجهله بعينه ؟ وبأنه لا يميزه ، وما الفرق بين هذا وبين العبد يأبق فلا تميزه صورته أبدا ، والبعير كذلك ، والفرس كذلك ؟ أفترون الملك يسقط عن كل ذلك من أجل أنه لا يميزه أحد أبدا ، لا صاحبه ولا غيره ؟ ولئن كان الناس لا يعرفونه ولا يميزونه ، فإن الله تعالى يعرفه ويميزه { لا يضل ربي ولا ينسى } بل هو عز وجل عارف به ، وبتقلبه ومثواه ، كاتب لصاحبه أجر ما نيل منه ، وما يتناسل منه في الأبد . ما الفرق بين هذا وبين الأرض تختلط فلا تحاز ولا تميز ؟ أترون الملك يسقط عنها بذلك ؟ حاش لله من هذا ، بل الحق اليقين أن كل ذلك باق على ملك صاحبه إلى يوم البعث . ونحن وإن حكمنا فيما يئس من معرفة صاحبه بالحكم الظاهر من أنه في جميع مصالح المسلمين ، أو للفقراء والمساكين ، أو لمن سبق إليه من المؤمنين - : فإنه لا يسقط بذلك حق صاحبه ، ولو جاء يوما وثبت أنه حقه لصرفناه إليه ، وهو لقطة من اللقطات يملكه من قضي له بنص حكم رسول الله ﷺ حتى يأتي صاحبه إن جاء . ومنع قوم من بيع كل ذلك ؟ وقالوا : إنما منعنا من بيعه لمغيبه ؟ قال علي : وقد أبطلنا - بعون الله تعالى - : هذا القول وأتينا بالبرهان على وجوب بيع الغائبات ، ومنع قوم من ذلك ، واحتجوا بأنه لا يقدر على تسليمه - : وهذا لا شيء ؛ لأن التسليم لا يلزم ولا يوجبه قرآن ، ولا سنة ولا دليل أصلا ، وإنما اللازم أن لا يحول البائع بين المشتري وبين ما اشترى منه فقط فيكون إن فعل ذلك عاصيا ظالما ، ومنع آخرون من ذلك واحتجوا بأنه غرر ؛ وقد { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } ؟ قال أبو محمد : ليس هذا غررا لأنه بيع شيء قد صح ملك بائعه عليه وهو معلوم الصفة والقدر ، فعلى ذلك يباع ويملكه المشتري ملكا صحيحا ، فإن وجده فذلك ، وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذي هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته . ولو كان هذا غررا لكان بيع الحيوان كله حاضره وغائبه غررا لا يحل ولا يجوز ؛ لأنه لا يدري مشتريه أيعيش ساعة بعد ابتياعه أم يموت ، ولا يدري أيسلم أم يسقم سقما قليلا يحيله أو سقما كثيرا يفسده أو أكثره ؟ وليس ما يتوقع في المستأنف غررا لأن الأقدار تجري بما لا يعلم ولا يقدر على رده ، ولأنه غيب ، قال الله تعالى : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } . وقال تعالى : { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } . وإنما الغرر ما عقد على جهل بمقداره وصفاته حين العقد . فإن قالوا : فلعله ميت حين العقد ، أو قد تغيرت صفاته ؟ قلنا : هو على الحياة التي قد صحت له حتى يوقن موته ، وعلى ما تيقن من صفاته حتى يصح تغييره ، فإن صح موته ردت الصفقة ، وإن صح تغيره فكذلك أيضا . ولئن قلتم : إن هذا يمنع من بيعه فامنعوا من بيع كل غائب من الحيوان - ولو أنه خلف الجدار - إذ لعله قد مات للوقت حين عقد الصفقة أو تغير بكسر ، أو وجع ، أو عور . نعم ، وامنعوا من بيع البيض ، والجوز ، واللوز ، وكل ذي قشر ، إذ لعله فاسد ولا فرق بين شيء من ذلك ؟ وإنما الغرر ما أجزتموه من بيع المغيبات التي لم يرها أحد قط : من الجزر ، والبقل ، والفجل ، ولعلها مستاسة أو معفونة ، وما أجازه بعضكم من بيع ما لم يخلق بعد من بطون المقاثي التي لعلها لا تخلق أبدا - ومن لبن الغنم شهرين أو ثلاثة ، ولعلها تموت ، أو تحارد ، فلا يدر لها شخب . ومن بيع لحم شاة مذبوحة لم تسلخ بعد ، فلا يدري أحد من خلق الله تعالى ما صفته - فهذا وأشباهه هو بيع الغرر المحرم ، وقد أجزتموه ، لا ما صح ملكه ، وعرفت صفاته . وقال بعضهم : إنما منعنا من ذلك بالنص الوارد فيه ؟ فقلنا : تلك آثار مكذوبة لا يحل الاحتجاج بها ، ولو صحت لكنا أبدر إلى الأخذ بها منكم . وهي كما روينا من طريق عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن جهضم بن عبد الله عن محمد بن زيد العبدي عن شهر بن حوشب الأشعري عن أبي سعيد الخدري { نهى رسول الله ﷺ عن بيع العبد وهو آبق ، وعن أن تباع المغانم قبل أن تقسم ، وعن بيع الصدقات قبل أن تقبض } . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حاتم بن إسماعيل عن جهضم بن عبد الله عن محمد بن إبراهيم الباهلي عن محمد بن زيد عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد { نهى رسول الله ﷺ عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ، وعن ما في ضروعها إلا بكيل ، وعن شراء العبد الآبق ، وعن شراء المغانم حتى تقسم ، وعن شراء الصدقات حتى تقبض ، وعن ضربة الغائص } . قال أبو محمد : جهضم ، ومحمد بن إبراهيم ، ومحمد بن زيد العبدي : مجهولون ، وشهر متروك - ثم لو صححوه فهو دمار عليهم ؛ لأنهم مخالفون لما فيه ، وكلهم - يعني الحاضرين من خصومنا - يجيزون بيع الأجنة في بطون الأمهات مع الأمهات . والمالكيون يجيزون بيع اللبن الذي لم يخلق بعد والذي في الضروع بغير كيل لكن شهرين أو نحو ذلك . ويجيزون شراء المغانم قبل أن تقسم بل هو الواجب عندهم والأولى ؟ والحنفيون يجيزون أخذ القيمة عن الصدقة الواجبة - وهذا هو بيع الصدقة قبل أن تقبض ، وهذا بيع الغرر حقا ؛ لأنه لا يدري ما باع ولا أيها باع ، ولا قيمة ماذا أخذ - : فهو أكل المال بالباطل حقا ، والغرر حقا ، والحرام حقا . واحتجوا بخبر فيه يزيد بن أبي زياد - وهو ضعيف - فيه النهي عن بيع السمك في الماء ، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه إنما يكون نهيا عن بيعه قبل أن يصاد - وهكذا نقول ، كما حملوا خبرهم في النهي عن بيع الآبق على أنه في حال إباقه : لا ، وهو مقدور عليه . ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بخبرهم أول مخالف له ، وحرموا به ما ليس فيه من بيع الجمل الشارد ؟ فإن قالوا : قسنا الجمل الشارد على العبد الآبق ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم نقول للحنفيين : هلا قستم الجمل الشارد في إيجاب الجعل فيه على الجعل في العبد الآبق ؟ فإن قالوا : لم يأت الأثر في الآبق ؟ قلنا : ولا جاء هذا الأثر الساقط - أيضا - إلا في الآبق ؟ قال علي : وروينا عن سنان بن سلمة ، وعكرمة : أنهما لم يجيزا بيع العبد الآبق ، قال عكرمة : ولا الجمل الشارد - وممن روينا عنه مثل قولنا - : ما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه اشترى بعيرا وهو شارد . قال علي : ما نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا إسناد في غاية الصحة والثقة ، وهم يعظمون خلاف مثل هذا إذا وافقهم ويجعلونه إجماعا ، وعهدنا بالحنفيين ، والمالكيين يقولون : إذا روى الصاحب خبرا وخالفه فهو أعلم بما روى ، وهو حجة في ترك الخبر . وقد روينا من طريق وكيع عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } . وقد صح عن ابن عمر : إباحة بيع الجمل الشارد - فلو كان عنده غررا ما خالف ما روى ، هذا لازم لهم على أصولهم ، وإلا فالتناقض حاصل ، وهذا أخف شيء عليهم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن المغيرة عن الشعبي عن شريح : أن رجلا أتاه فقال : إن لي عبدا آبقا ، وإن رجلا يساومني به ، أفأبيعه منه ؟ قال : نعم ، فإنك إذا رأيته فأنت بالخيار إن شئت أجزت البيع وإن شئت لم تجزه - قال الشعبي : إذا أعلمه منه ما كان يعلم منه جاز بيعه ولم يكن له خيار . ومن طريق حماد بن سلمة فإن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن رجلا أبق غلامه ، فقال له رجل : بعني غلامك ؟ فباعه منه ، ثم اختصما إلى شريح : فقال شريح : إن كان أعلمه مثل ما علم فهو جائز . ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني ، قال : أبق غلام لرجل فعلم مكانه رجل آخر فاشتراه منه ، فخاصمه إلى شريح بعد ذلك ، قال ابن سيرين : فسمعت شريحا يقول له : أكنت أعلمته مكانه ثم اشتريته ؟ فرد البيع ؛ لأنه لم يكن أعلمه . قال أبو محمد : وهذا صحيح ؛ لأن كتمانه مكانه وهو يعلمه ، أيهما علمه فكتمه غش وخديعة ، والغش ، والخديعة يرد منهما البيع . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين كان لا يرى بأسا بشراء العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا . ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو سعد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه : أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري الرجل الدابة الغائبة إذا كان قد رآها ، ويقول إن كانت صحيحة فهي لي ، ولم يخص غير شاردة من شاردة والشاردة غائبة . وممن أجاز بيع الجمل الشارد ، والعبد الآبق : عثمان البتي وأبو بكر بن داود ، وأصحابنا - وبالله تعالى التوفيق .

1424 - مسألة : وبيع المسك في نافجته مع النافجة ، والنوى في التمر مع التمر ، وما في داخل البيض مع البيض ، والجزر ، واللوز ، والفستق ، والصنوبر ، والبلوط ، والقسطل ، وكل ذي قشر مع قشره - كان عليه قشران أو واحد - والعسل مع الشمع في شمعه ، والشاة المذبوحة في جلدها مع جلدها : جائز كل ذلك . وهكذا كل ما خلقه الله تعالى كما هو مما يكون ما في داخله بعضا له . وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت ، والسمسم بما فيه من الدهن ، والإناث بما في ضروعها من اللبن ، والبر ، والعلس في أكمامه مع الأكمام ، وفي سنبله مع السنبل : كل ذلك جائز حسن . ولا يحل بيع شيء مغيب في غيره مما غيبه الناس إذا كان مما لم يره أحد - لا مع وعائه ولا دونه - فإن كان مما قد رئي : جاز بيعه على الصفة ، كالعسل ، والسمن في ظرفه ، واللبن كذلك ، والبر في وعائه ، وغير ذلك كله الجزر ، والبصل ، والكراث ، والسلجم ، والفجل ، قبل أن يقلع . وقال الشافعي : ما له قشران فلا يجوز بيعه حتى يزال القشر الأعلى . قال أبو محمد : كل جسم خلقه الله تعالى فله طول ، وعرض ، وعمق ، قال تعالى : { وأحل الله البيع } وكل ما ذكرنا فكذلك بيعه بنص القرآن جائز . وقد أجمعوا وصحت السنن المجمع عليها على جواز بيع التمر ، والعنب ، والزبيب ، وفيها النوى ، وأن النوى داخل في البيع . وأجمعوا على جواز بيع البيض كما هو ، وإنما الغرض منه ما في داخله ، ودخل القشر في البيع بلا خلاف من أحد . وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت ، والسمسم بما فيه من الدهن ، والشاة المذبوحة كما هي - فليت شعري : ما الفرق بين ذلك وبين ما اختلفوا فيه ، المسك في نافجته مع النافجة ، والعسل في شمعه مع الشمع ؟ ولا سبيل إلى فرق لا في قرآن ، ولا في سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا تابع ولا قياس ، ولا معقول ، ولا رأي يصح ، وكل ذلك بيع قد أباحه الله تعالى ولم يخص منه شيئا ، وقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } لو كان حراما لفصله الله تعالى لنا ، فإذ لم يفصله فهو منصوص على تحليله . فإن قالوا : هو غرر ؟ قلنا : أو ليس على قولكم هذا سائر ما ذكرنا غررا أيضا ؟ وإلا فما الفرق ، وأما الحق فإنه ليس شيء منه غررا ؛ لأنه جسم واحد خلقه الله عز وجل كما هو وكل ما في داخله بعض لجملته . وأما قول الشافعي فظاهر الفساد ؛ لأنه لا فرق في مغيب المعرفة بصفة ما في القشر - بين كونه في قشر واحد ، وبين كونه في قشرين ، أو أكثر - وهو قد أجاز بيع البيض في غلافين بالعيان ، إحداهما : القشر الظاهر ، وهو القيض ، والثاني : الغرقئ ، ولا غرض للمشتري إلا فيما فيهما ، لا فيهما - مع أنه قول لا نعلمه عن أحد قبله . فإن قيل : إن ما قدرنا على إزالته من الغرر فعلينا أن نزيله ؟ قلنا : وإنكم لقادرون على إزالة القشر الثاني فأزيلوه ولا بد ، لأنه غرر - . فإن قالوا : لا ذلك ضرر على اللوز ، والجوز ، والقسطل ، والبلوط ؟ قلنا : لا ، ما فيه ضرر على البلوط ، ولا على القسطل ، ولا على اللوز - في الأكثر - . وأيضا : فلا ضرر على التمر في إزالة نواه . وأيضا : فما علمنا حراما يحله خوف ضرر على فاكهة لو خيف عليها ، ولو أن امرءا له رطب لا ييبس ولم يجد من يشتريه منه إلا بتمر يابس لما حل له بيعه خوف الضرر . وكذلك لو أن امرءا خاف عدوا ظالما على ثمرته ولم يكن بدا صلاحها لم يحل بيعها خوف الضرر عليها ؟

1425 - مسألة : ومن هذا بيع الحامل بحملها إذا كانت حاملا من غير سيدها ، لأن الحمل خلقه الله عز وجل من مني الرجل ومني المرأة ودمها ، فهو بعض أعضائها وحشوتها ، ما لم ينفخ فيه الروح ، قال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } فبيعها بحملها كما هي جائز ، وهي وحملها للمشتري . فإذا نفخ فيه الروح ، فقد اختلف أهل العلم ؟ فقالت طائفة : هو بعد ذلك غيرها ؛ لأنها أنثى ، وقد يكون الجنين ذكرا وهي فردة وقد يكون في بطنها اثنان ، وقد تكون هي كافرة وما في بطنها مؤمنا ، وقد يموت أحدهما ويعيش الآخر ، ويكون أحدهما معيبا والآخر صحيحا ، ويكون أحدهما أسود والآخر أبيض - ولو وجب عليها قتل لم تقتل هي حتى تلد . فصح أنه غيرها ، فلا يجوز دخوله في بيعها - وهكذا في إناث سائر الحيوان - حاش اختلاف الدين فقط ، أو القتل فقط . فقال آخرون : هو كذلك إلا أنه حتى الآن مما خلقه الله تعالى فيها وولده منها ، ولم يزايلها بعد ، فحكمه في البيع كما كان حتى يزايلها - وليس كونه غيرها ، وكون اسمه غير اسمها ، وصفاته غير صفاتها - : بمخرج له عما كان له من الحكم إلا بنص وارد في ذلك . وهذا النوى هو بلا شك غير التمر ، وإنما يقال : نوى التمر ، وصفاته غير صفات التمر ، واسمه غير اسم التمر - وكذلك قشر البيض أيضا . وكذلك بيض ذات البيض قبل أن تبيضه ، وكل ذلك جائز بيعه كما هو لأن الله تعالى خلق كل ذلك كما هو وما زال الناس على عهد رسول الله ﷺ وبعلمه يبيعون التمر ، ويتواهبونه . ويبيعون البيض ويتهادونه من بيض الدجاج ، والضباب ، والنعام . ويتبايعون العسل ويتهادونه ، كما يشترونه في شمعه . ويتبايعون إناث الضأن ، والبقر ، والخيل ، والمعز ، والإبل ، والإماء والظباء - حوامل وغير حوامل - ويغنمون كل ذلك ويقتسمونهن ، ويتوارثونهن ويقتسمونهن كما هن ، فما جاء قط نص بأن للأولاد حكما آخر قبل الوضع ، فبيع الحامل بحملها جائز كما هو ما لم تضعه . قال علي : وهذا هو الصواب عندنا وبه نقول ؛ لأنه كله باب واحد ، وعمل واحد - وبالله تعالى التوفيق .

1426 - مسألة : وليس كذلك ما تولى المرء وضعه في الشيء كالبذر يزرع ، والنوى يغرس ، فإن هذا شيء أودعه المرء في شيء آخر مباين له ، بل هذا ووضعه الدراهم والدنانير في الكيس ، والبر في الوعاء ، والسمن في الإناء سواء ، ولا يدخل حكم أحدهما في الآخر . ومن باع من ماله شيئا لم يلزمه بيع شيء آخر غيره ، وإن كان مقرونا معه ، ومضافا إليه . فمن باع أرضا فيه بذر مزروع ونوى مغروس - ظهرا أو لم يظهرا - فكل ذلك للبائع ولا يدخل في البيع لما ذكرنا . وقال مالك : أما ما يظهر نباته فلا يدخل في البيع من الزرع خاصة ، وأما ما لم يظهر فهو في البيع . قال أبو محمد : وهذا فرق فاسد ؛ لأنه لا دليل على صحته لا من قرآن ، ولا من سنة ولا من رواية سقيمة ، ولا من قياس ، ولا من قول أحد من السلف ، ولا من احتياط ، ولا من رأي له وجه ، بل القرآن يبطل هذا بقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } . ووجدنا البذر ، والنوى : مالا للبائع بلا شك ، فلا يحل لغيره أخذه إلا بالرضا الذي ملكه له - وبالله تعالى التوفيق .



1427 - مسألة : ولا يحل بيع شيء من المغيبات المذكورة كلها دون ما عليها أصلا - : لا يحل بيع النوى - أي نوى كان - قبل إخراجه وإظهاره دون ما عليه . ولا بيع المسك دون النافجة قبل إخراجه من النافجة . ولا بيع البيض دون القشر قبل إخراجه عنه . ولا بيع حب الجوز ، واللوز ، والفستق ، والصنوبر ، والبلوط ، والقسطل ، والجلوز ، وكل ذي قشرة دون قشره قبل إخراجه من قشره . ولا بيع العسل دون شمعه قبل إخراجه من شمعه . ولا لحم شاة مذبوحة دون جلدها قبل سلخها . ولا بيع زيت دون الزيتون قبل عصره . ولا بيع شيء من الأدهان دون ما هو فيه قبل إخراجه منها . ولا بيع حب البر دون أكمامه قبل إخراجه منها . ولا بيع سمن من لبن قبل إخراجه ، ولا بيع لبن قبل حلبه أصلا . ولا بيع الجزر ، والبصل ، والكراث ، والفجل قبل قلعه - لا مع الأرض ولا دونها - لأن كل ذلك بيع غرر ، لا يدرى مقداره ولا صفته ولا رآه أحد فيصفه . وهو أيضا أكل مال بالباطل ، قال الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } . وبالضرورة يدري كل أحد أنه لا يمكن ألبتة وجود الرضا على مجهول وإنما يقع التراضي على ما علم وعرف ، فإذ لا سبيل إلى معرفة صفات كل ما ذكرنا ولا مقداره فلا سبيل إلى التراضي به ، وإذ لا سبيل إلى التراضي به فلا يحل بيعه ، وهو أكل مال بالباطل . وأما الجزر ، والبصل ، والكراث ، والفجل ، فكل ذلك شيء لم يره قط أحد ، ولا تدرى صفته : فهو بيع غرر ، وأكل مال بالباطل - إذا بيع وحده - وأما بيعه بالأرض معا فليس مما ابتدأ الله تعالى خلقه في الأرض فيكون بعضها ، وإنما هو شيء من مال الزارع لها ، أودعه في الأرض كما لو أودع فيها شيئا من سائر ماله ولا فرق ، فما لم يستحل البذر عن هيئته فبيعه جائز مع الأرض ودونها لأنه شيء موصوف معروف القدر ، وقد رآه بائعه أو من وصفه له ، فبيعه جائز ؛ لأن التراضي به ممكن وأما إذا استحال عن حاله فقد بطل أن يعرف كيف هو وما صفته ، وليس هو من الأرض ، ولكنه شيء مضاف إليها ، فهو مجهول الصفة جملة ، ولا يحل بيع مجهول الصفة بوجه من الوجوه ؛ لأنه بيع غرر حتى يقلع ويرى - وبالله تعالى التوفيق . وممن أبطل بيع هذه المغيبات في الأرض : الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو سليمان . وقد تناقض الحاضرون من مخالفينا في كثير مما ذكرنا - : فأجاز أبو حنيفة بيع لحم الشاة مذبوحة قبل السلخ وأوجب السلخ على البائع . وأجاز بيع البر دون التبن والأكمام قبل أن يدرس ويصفى ، وجعل الدرس والتصفية على البائع . وأجاز بيع الجزر ، والبصل ، وغير ذلك مغيبا في الأرض . وأوجب على البائع أن يقلع منه أنموذجا قدر ما يريه المشتري فإن رضيه كان على المشتري قلع سائره - فلو أن المشتري يتولى بنفسه قلع أنموذج منه فلم يرضه لم يلزمه البيع - فلو قلع منه أكثر من أنموذج فقد لزمه البيع أحب أم كره . وقال أبو يوسف : لا أجيز البائع ولا المشتري على قلع شيء من ذلك فإن تشاحا أبطلت البيع . فإن قلع المشتري منه أقل ما يقع في المكاييل فله الخيار في إمضاء أو فسخ ، فإن قلع أكثر من ذلك فقد لزمه البيع كله . قال أبو محمد : إن في هذا لعجبا ، ليت شعري من أين وجب أن يجبر البائع على الدرس ، والتصفية ، والسلخ ، ولا يجبر على قلع الجزر ، والبصل والكراث ، والفجل ؟ وهل سمع بأسخف من هذا التقسيم ؟ وليت شعري ما هذا " الأنموذج " الذي لا هو لفظة عربية من اللغة التي بها نزل القرآن وخاطبنا بها رسول الله ﷺ ولا لفظة شرعية ، ثم صار يشرع بها أبو حنيفة الشرائع فيحرم ويحلل ، فعلى " الأنموذج " العفاء ، وصفع القفاء ، وعلى كل شريعة تشرع بالأنموذج . ثم تحديد أبي يوسف ذلك بأقل ما يقع لا المكاييل ؛ وقد يتخذ الباعة مكاييل صغارا جدا ، وما عهدنا بالجزر ، ولا الفجل : يقعان في الكيل ، فمن أين خرج له تحديد هذه الشريعة بهذا الحد الفاسد - ونحمد الله تعالى على السلامة ؟ وليت شعري من أين وقع لهم جواز بيع هذه المغيبات دون الأرض ؟ ومنعوا من بيع الجنين دون أمه ، وكلا الأمرين سواء لا فرق بين شيء منهما ، وكلاهما غرر وبيع مجهول . ثم أطرف من هذا كله : منعهم من بيع الصوف على ظهور الغنم ، وذراع محدودة من هذا الطرف من هذا الثوب من أوله إلى آخره ، أو ذراع محدود إلى طرفه من خشبة حاضرة ، وحلية هذا السيف دون جفنه ونصله ؟ ورأوا هذا غررا وعملا مشترطا يفسد البيع - وكذبوا في ذلك . ولم يروا الدرس ، والتصفية ، والسلخ غررا ، ولا عملا مشترطا يفسد البيع ؟ فهل لأصحاب هذه الأقوال المتخاذلة حظ من العلم ؟ ثم أجازوا بيع القصيل على القطع والثمرة التي لم يبد صلاحها على القطع . وأجازوا بيع جذل نخلة على ظهر الأرض ؛ ولم يروا قطعه غررا ، ولا عملا مشترطا يفسد البيع ؟ وهل يشك ذو مسكة من عقل في أن إدخال الجلم إلى حاشية محدودة من ثوب وقطعه ، وقلع حلية على غمد سيف لا يتعذر على غلام مراهق : أسهل وأخف من درس ألف كر وتصفيتها ومن سلخ ناقة ؟ ولكن هذا مقدار نظرهم وفقههم . وقال بعضهم : الصوف ينمى ولا يدرى أين يقع القطع منه ومن الثوب ؟ فقلنا : والجذل ينمى ولا يدرى أين يقع القطع منه ولا فرق . فإن قالوا : قد صح عن ابن عباس المنع من بيع الصوف على ظهور الغنم ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ؟ قلنا : وقد صح عن ابن عمر ما أدركت الصفقة مجموعا حيا فمن البائع ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة فخالفتموه ، فما الذي جعل أحدهما أولى من الآخر ؟ وقالوا : لو أن أرضا تكسيرها معلوم مائة ذراع في مثلها ، أو دارا كذلك : فباع صاحبها منها عشرة أذرع في مثلها مشاعا في جميعها لم يجز ذلك . فلو باع منها عشرة أسهم من مائة سهم مشاعا في جميعها جاز ذلك - . وهذا تخليط ناهيك به ، وتحريم شيء وإباحته بعينه ، وكلا الأمرين إنما هو بيع العشر مشاعا . ولم يجيزوا بيع نصل السيف وحمائله ونصف حليته مشاعا ، وقالوا : هذا ضرر - فليت شعري أي ضرر في هذا ؟ وأما المالكيون فأجازوا بيع الصوف على ظهور الغنم ، ووفقوا في ذلك ، إلا أنهم قالوا : إن أخذ في جزازه وإلا فلا . وأجازوا بيع لبن الغنم الكثيرة شهرين فأقل - . وهذا قول ظاهر الفساد ، أنه بيع شيء لم يخلق ، وبيع غرر . ومنعوا من بيع لبن شاة واحدة كله ، وقالوا : هذا غرر وقد تموت ؟ فقلنا : وقد تموت الكثيرة أو يموت بعضها . ونسألهم عن بيع لبن شاتين كذلك ؟ فإن منعوا من ذلك سألناهم عن لبن ثلاث شياه ؟ ولا نزال نزيدهم واحدة فواحدة حتى يحدوا ما يحرمون مما يحللون ، ثم نسألهم عن الفرق ؟ وذلك ما لا سبيل إليه . وأجازوا بيع بطون المقاثي ، والياسمين ، وجزات القصيل قبل أن يخلق الله تعالى ذلك كله ، ولم يروه غررا ، ورأوا بيع العبد الآبق ، والجمل الشارد والمال المغصوب : غررا ، فيا لهذه العجائب . وأجازوا بيع لحم الشاة وهي حية دون جلدها . وأجازوا استثناء أرطال يسيرة من لحمها للبائع الثلث فأقل . ومنعوا من استثناء أكثر - فليت شعري من أي أعضائها تكون تلك الأرطال وهي مختلفة الصفات والقيم ؟ قالوا : فإن استثنى الفخذ ، أو الكبد ، أو البطن لم يجز . فإن استثنى الرأس والسواقط ؟ قال : إن كان مسافرا جاز ، وإن كان غير مسافر لم يجز - فكانت هذه أعاجيب ، لا نعلم تقسيمها عن أحد قبله ، وأقوالا متناقضة لا يعضدها قرآن ، ولا سنة ، ولا قول متقدم ، ولا قياس . وأجازوا بيع الجزر ، والبصل ، والفجل : المغيبة في الأرض ؟ قال أبو محمد : واحتج بعضهم علي في ذلك بقول الله تعالى : { يؤمنون بالغيب } فقلت : فأبح بهذه الآية بيع الجنين في بطن أمه دون أمه ؛ لأنه من الإيمان بالغيب - وهذا احتجاج نسأل الله السلامة من مثله في تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه إلى ما ليس فيه منه شيء ؟ روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا تشتروا الصوف على ظهور الغنم ولا اللبن في ضروعها . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا ملازم بن عمرو نا زفر بن يزيد بن عبد الرحمن عن أبيه وكان من جلساء أبي هريرة قال : سألت أبا هريرة عن بيع اللبن في ضروع الغنم ؟ فقال لا خير فيه - وسألته عن الشاة بالشاتين إلى أجل ؟ فقال : لا إلا يدا بيد . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يشترى اللبن في ضروع الشاة - وكرهه مجاهد ، وطاوس - وروي عن طاوس أنه أجازه بالكيل فقط . وروي عن سعيد بن جبير إجازة بيع اللبن في الضروع ، والصوف على ظهور الغنم - وروي عن الحسن أنه أجاز بيع لبن الشاة جملة أشهر . ولم يجزه أبو حنيفة ، ولا الشافعي ، ولا أحمد ، ولا إسحاق ، ولا أبو سليمان - فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف أصلا ، وإبراهيم يذكر ذلك عمن أدرك ، وهما أكابر التابعين ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم . واحتجوا في هذا بجواز إجارة الظئر للرضاع ؟ فقلنا : أفي إجارة تكلمنا معكم أم في بيع ؟ والإجارة غير البيع ؛ لأننا نؤاجر الحرة للرضاع ولم نبتع منها لبنها أصلا . ثم أغرب شيء احتجاجهم في هذا بما ذكرنا من إجارة الظئر ، وهم يحرمون بيع لبن الشاة الواحدة ، والبقرة الواحدة والناقة الواحدة ، وهذا أشبه بإجارة الظئر الواحدة ، وإنما يجيزون ذلك في الغنم الكثيرة - فاعجبوا لسخافة هذا القياس وشدة تناقضه ، إذ حرموا ما يشبه ما قاسوا على إباحته ، وأباحوا قياسا عليه ما لا يشبهه . قال أبو محمد : فإن زاد الصوف ؟ فهما متداعيان ، والقول قول البائع مع يمينه إن كانت الغنم معروفة له أو في يده ، فإن لم تكن معروفة له وكانت في يد الآخر ، فالقول قول الآخر مع يمينه . فإن كانت في أيديهما ، أو في غير أيديهما معا ، فحكمهما حكم المتداعيين في الشيء يكون بأيديهما ، أو بغير أيديهما على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - في التداعي في الأقضية - وبالله تعالى التوفيق .

1428 - مسألة : وأما بيع الظاهر دون المغيب فيها فحلال ، إلا أن يمنع من شيء منه نص ، فجائز بيع الثمرة واستثناء نواها ، وبيع جلد النافجة دون المسك الذي فيها ، والجراب ، والظروف كلها دون ما فيها ، وقشر البيض ، واللوز ، والجوز ، والجلوز ، والفستق ، والبلوط ، والقسطل ، وكل قشر لا تحاشي شيئا دون ما تحتها ، وبيع الشمع دون العسل الذي فيه ، وبيع التبن دون الحب الذي فيه ، وجلد الحيوان المذبوح أو المنحور دون لحمه ، أو دون عضو مسمى منها ، وبيع الأرض دون ما فيها من بذر ، أو خضراوات مغيبة أو ظاهرة ، ودون الزرع الذي فيها ، ودون الشجر الذي فيها ، والحيوان اللبون دون لبنه الذي اجتمع في ضروعه ، ولا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ولا اجتمع في ضروعه . ويجوز بيع الحامل دون حملها سواء نفخ فيه الروح أو لم ينفخ . ولا يحل بيع حيوان حي واستثناء عضو منه أصلا . ويجوز بيع عصارة الزيتون ، والسمسم ، دون الدهن قبل عصره . ولا يحل بيع جلد حيوان حي دون لحمه ، ولا دون عضو مسمى منه أصلا . ولا يجوز بيع مخيض لبن قبل أن يمخض ، ولا الميش قبل أن يخرج . برهان كل ما ذكرنا - : قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } . وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . فكل بيع لم يأت في القرآن ، ولا في السنة تحريمه باسمه مفصلا فهو حلال بنص كلام الله تعالى - وكل ما ذكرنا فمال للبائع وملك له يبيع منه ما شاء فهو من ماله ويمسك منه ما شاء فهو من ماله ، فما ظهر من ماله ورئي ، أو وصفه من رآه : فبيعه جائز - ويمسك ما لم يره هو ولا غيره ، لأنه لا يحل بيع المجهول - كما قدمنا - أو لأنه لا يريد بيعه فذلك له ، وإن كان مرئيا حاضرا أو موصوفا غائبا . وأما قولنا : لا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ، فلأنه إنما يحدث إذا أحدثه الله تعالى في مال غيره فلا يحل له أن يشترط من مال غيره شيئا إلا أن يكون الثمن فيما باع فقط ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل - وإنما منعنا من بيع حيوان إلا عضوا مسمى منه . وأجزنا بيع الحامل دون حملها ، فإن ذلك الحيوان لا يخلو من أن يكون من بني آدم ، أو من سائر الحيوان ، فإن كان من سائر الحيوان فاستثناء العضو المعين منه : أكل مال بالباطل ؛ لأنه لا ينتفع به إلا بذبحه ، ففي هذا البيع اشتراط ذبح ذلك الحيوان على بائع العضو منه ، أو على بائعه إلا عضوا منه ، وهذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كان ذلك الحيوان من بني آدم فكذلك أيضا ، وهو إضاعة للمال جملة ، وهذا مما يوافقنا [ عليه ] الحاضرون كلهم من خصومنا . وأما الحمل ، والصوف ، والوبر ، والشعر ، وقرن الإبل ، وكل ما يزايل الحيوان بغير مثلة ولا تعذيب ، فكما قدمنا أنه مال لبائعه يبيع من ماله ما شاء ويمسك ما شاء إلا أن يكون في ذلك إضاعة مال ، أو مثلة بحيوان أو إضرار به فلا يحل لصحة النهي عن المثلة ، وعن تعذيب الحيوان - وبالله تعالى التوفيق . وأما منعنا من بيع المخيض دون السمن قبل المخض ، ومن بيع الميش دون الجبن قبل عصره ، فلأنه لا يرى ، ولا يتميز ، ولا يعرف مقداره ، فقد يخرج المخض والعصير قليلا ، وقد يخرج كثيرا - وهذا بخلاف بيع عصارة الزيتون ، والسمسم ، دون الدهن قبل العصر ؛ لأن الزيتون ، والسمسم ، واللوز ، والجوز كل ذلك مرئي معروف ، وإنما الخافي فهو الدهن فقط ، ويحل بيعه قبل ظهوره - ويجوز استثناؤه ؛ لأنه إبقاء له في ملك مالكه - وهذا مباح حسن - وبالله تعالى التوفيق . وقد جاءت في هذا آثار - : روينا من طريق سعيد بن منصور نا حبان بن علي نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } . ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن إدريس - هو عبد الله - عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } . وقد أباحه بعض السلف - كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن شريح أنه كان لا يرى بأسا ببيع الغرر إذا كان علمهما فيه سواء . وكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية - هو إسماعيل بن إبراهيم - عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال : لا أعلم ببيع الغرر بأسا . ومن طريق سعيد بن منصور نا حبان بن علي نا المغيرة عن إبراهيم قال : من الغرر ما يجوز ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز فشراء السلعة المريضة ، وأما ما لا يجوز فشراء السمك في الماء . وقد روينا إجازة بيع السمك في الماء قبل أن يتصيد عن عمر بن عبد العزيز وبه يقول ابن أبي ليلى . قال أبو محمد : لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ والذي ذكر إبراهيم ليس شيء منه غررا ، أما المريضة فكل الناس يمرض ويموت ، وقد يموت الصحيح فجأة ، ويبرأ المريض المدنف ، فلا غرر ههنا أصلا . وأما السمك في الماء فإن كان قد ملك قبل فليس بيعه غررا بل هو بيع صحيح ، وقد وافقنا الحاضرون من خصومنا على أن بركة في دار لإنسان صغيرة صاد صاحبها سمكة ورماها فيها حية ، فإن بيعها فيها جائز ، وأما ما لم يملك من السمك بعد فلم يجز بيعه ؛ لأنه غرر ، حتى ولو كانت السمكة مقدورا عليها بالضمان ما حل بيعها ، وإنما حرم لأنه بيع ما ليس له وهذا أكل مال بالباطل . وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا قرة بن سليمان عن محمد بن فضيل عن أبيه عن ابن عمر فيمن باع أمة واستثنى ما في بطنها ؟ قال : له ثنياه - وقد صح هذا أيضا عن ابن عمر في العتق . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : من باع حبلى ، أو أعتقها واستثنى ما في بطنها ؟ فله ثنياه فيما قد استبان خلقه ، فإن لم يستبن خلقه فلا شيء له . قال علي : سواء استبان خلقه ، أو لم يستبن ؟ له ثنياه لما قد ذكرناه من أنه ماله يستثنيه إن شاء فلا يبيعه ، أو يدخل في صفقة أمه ؛ لأنه بعضها ما لم ينفخ فيه الروح ، ومن جملتها بعد نفخ الروح فيه ، ولكن من استثنى حمل الحامل الذي باع كما ذكرنا فما ولدت إن كانت من بني آدم إلى تسعة أشهر غير ساعة ، فهو له إلا أن يوقن أن حملها به كان بعد البيع فلا شيء له ؛ لأنه حدث في مال غيره وينظر في سائر الحيوان كذلك ، فما ولدت لأقصى ما يلد له ذلك الحيوان فهو للذي استثناه ، وما ولدت لأكثر فليس له لما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن يونس عن الحسن البصري : أنه كان يجيز ثنيا الحمل في البيع ، ولا يجيزه في العتق - وهو قول أبي سليمان ، وأبي ثور في البيع والعتق ، وهو كما أوردنا قول صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم . وروينا : من طريق ابن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي نا عباد بن حبيب بن المهلب - ثقة مأمون - عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر قال : أعتق ابن عمر أمة له واستثنى ما في بطنها - وبه يقول عبيد الله بن عمر . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها فقال : له - ثنياه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن يمان عن سفيان - هو الثوري - عن جابر ، ومنصور بن المعتمر ، وابن جريج ، قال جابر : عن الشعبي ، وقال منصور : عن إبراهيم ، وقال ابن جريج عن عطاء - ثم اتفق الشعبي وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، قالوا كلهم : إذا أعتقها واستثنى ما في بطنها : فله ثنياه . وبه إلى ابن أبي شيب نا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة عن شعبة قال : سألت الحكم ، وحماد بن أبي سليمان عن ذلك - يعني من أعتق أمته واستثنى ما في بطنها - فقالا جميعا : ذلك له . نا حمام نا عبد الله بن علي الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا أسباط نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من كاتب أمته واستثنى ما في بطنها فلا بأس بذلك . وبه يقول أبو ثور ، وأحمد بن حنبل في العتق ، والبيع . وبه يقول أيضا إسحاق ، وأبو سليمان . فهؤلاء جمهور التابعين - : الحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم ، والشعبي ، وعطاء ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، بعضهم في البيع ، وبعضهم في العتق ، وبعضهم في الأمرين معا - وما نعلم الآن مخالفا لهم إلا الزهري ؛ وقال بقولنا هذا من الفقهاء كما ذكرنا - : عبيد الله بن عمر ، وأحمد ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وأبو سليمان ، وغيرهم ، وليت شعري أين هم عن حجتهم بالمسلمين عند شروطهم ؟ وأما استثناء الجلد ، والسواقط : فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي نا أصبغ عن ابن وهب عن الليث بن سعد عن عمارة بن غزية عن عروة بن الزبير { أن رسول الله ﷺ لما خرج هو وأبو بكر مهاجرين ، إلى المدينة اشتريا من راعي غنم شاة وشرطا له إهابها } . قال أبو محمد : هذا باطل - عبد الملك هالك ، وعمارة ضعيف - ثم هو مرسل ، ثم لو صح لكان منسوخا ، لأنه كما ترى قبل الهجرة ، وقد جاء النهي عن بيع الغرر بعد ذلك ، وبيع لحم شاة حية غرر ؛ لأنه لا يدري أهزيل أم سمين . أو ذو عاهة أم سالم ، ثم من أين لهم أن ذلك إنما جاز لأجل السفر ، فإن هذا ظن لا يصح . فإن قالوا : كان في سفر ؟ قلنا : وكان في طريق المدينة لا تجيزوه في غيره . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن زيد بن ثابت أن رجلا باع بقرة واشترط رأسها ثم بدا له فأمسكها فقضى له زيد بشروى رأسها ، قال سفيان : نحن نقول : البيع فاسد . ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد الأشجعي أن رجلا باع بختية واشترط ثنياها فبرئت فرغب فيها فاختصما إلى عمر بن الخطاب ؟ فقال : اذهبا إلى علي ، فقال علي : اذهب بها إلى السوق فإذا بلغت أفضل ثمنها ، فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها . وريناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد أن رجلا باع بعيرا مريضا واستثنى جلده فبرأ البعير ؟ فقال علي : يقوم البعير في السوق ، ثم يكون له شراؤه . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني أصبغ عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش اشترى رجل رأس جمل ونقد ثمنه واشترى آخر بقيته ونقد ثمنه لينحراه فعاش الجمل وصلح ؟ فقال مشتري الجمل لمشتري الرأس : إنما لك ثمن الرأس ؟ فاختصما إلى شريح ، فقال شريح : هو شريكك فيه بحصة ما نقد وبحكم شريح هذا يأخذ عثمان البتي ، وأحمد ، وإسحاق . ولم يجز مالك استثناء الجلد والرأس إلا في السفر ، لا في الحضر ، فخالف كل من ذكرنا - ولم يجزه أبو حنيفة ، ولا الشافعي أصلا . وأجاز الأوزاعي استثناء اليد أو الرأس أو الجلد عند الذبح خاصة ، وكرهه إن تأخر الذبح - والحنفيون - والمالكيون يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف منهم - وخالفوا ههنا : زيد بن ثابت ، وعمر بن الخطاب ، ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف . وأما المالكيون : فإنهم رأوا فيمن باع بعيرا واستثنى جلده ، فاستحياه الذي اشتراه : أن له شروى جلده أو قيمته - هذا في السفر خاصة ، وهذا خلاف حكم عمر ، وعلي ، وزيد ؛ لأنهم حكموا بذلك مطلقا ، لم يخصوا سفرا من حضر ؛ وروينا مثل قولنا عن بعض السلف - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن أبي حمزة قلت لإبراهيم : أبيع الشاة وأستثني بعضها ؟ قال : لا ، ولكن قل : أبيعك نصفها - قال ابن أبي شيبة : نا عبد الصمد بن أبي الجارود سألت جابر بن زيد عمن باع بيعا واستثنى بعضه ؟ قال : لا يصح ذلك .



1429 - مسألة : ومن باع ممن ذكرنا الظاهر دون المغيب ، أو باع مغيبا : يجوز بيعه بصفة ، كالصوف في الفراش ، والعسل في الظرف ، والثوب في الجراب ، فإنه إن كان المكان للبائع فعليه تمكين المشتري من أخذ ما اشترى ولا بد ، وإلا كان غاصبا مانع حق ، وعلى المشتري إزالة ماله عن مكان غيره ، وإلا كان غاصبا للمكان مانع حق ؛ فإن كان المكان للمشتري فعلى البائع نزع ماله عن مكان غيره ، وإلا كان ظالما مانع حق ، فإن كان المكان لهما جميعا فأيهما أراد تعجيل انتفاعه بمتاعه فعليه أخذه ، ولا يجبر الآخر على ما لا يريد تعجيله من أخذ متاعه . فإن كان المكان لغيرهما فعليهما جميعا أن ينزع كل واحد منهما ماله من مكان غيره ، وإلا فهو ظالم مانع حق ، لقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . { ولقوله ﷺ إذ قال سلمان لأبي الدرداء أعط كل ذي حق حقه ، فصدقه عليه السلام ، وصوب قوله } . فمن باع تمرا دون نواها ، فأخذ التمرة وتخليصها من النوى على المشتري لأنه مأمور بأخذ متاعه ونقله وترك النوى مكانه - إن كان المكان للبائع - فإن أبى أجبر ، واستؤجر عليه من يزيل التمر عن النوى ، ولا يكلف البائع ذلك إلا أن يشاء ؛ لأنه لا يلزمه فتح ثمرة غيره ، ولا أن يعمل له فيه عملا . فإن كان المكان للمشتري ، فإن أراد المشتري قلع ثمرته فله ذلك ، ولا يترك غيره يؤثر له فيها أثرا لا يريده ، فإن أبى المشتري من ذلك فعلى البائع إخراج نواه ونقله على ألطف ما يمكن ، ولا شيء عليه فإن تعدى ضمن مقدار تعديه في إفساد الثمرة . فإن كان المكان لهما ؟ فكما قلنا : أيهما أراد تعجيل أخذ متاعه فله أخذه ، فإن أراد ذلك الذي له النوى كان له إخراج نواه بألطف ما يمكن ، إذ لا بد له من ذلك ، ولا شيء عليه ؛ لأنه فعل مباحا له ، فإن تعدى ضمن . فإن كان المكان لغيرهما أجبرا جميعا على العمل معا في تخليص كل واحد منهما ماله . وهكذا القول في نافجة المسك ، والظروف دون ما فيها ، والقشور دون ما فيها ، والشمع دون العسل ، والتبن دون الحب ، وجلد الحيوان المذبوح أو المنحور ، ولحمة الزيتون ، والسمسم ، وكل ذي دهن . وأما من باع الأرض دون البذر ، أو دون الزرع ، أو دون الشجر ، أو دون البناء ، فالحصاد على الذي له الزرع ، والقلع على الذي له الشجر ، والبناء والقطع أيضا عليه ؛ لأن فرضا عليه إزالة ماله عن أرض غيره . ومن باع الحيوان دون اللبن ، أو دون الحمل ، فالحلب على الذي له اللبن ولا بد - وأجرة القابلة عليه أيضا ؛ لأن واجبا عليه إزالة لبنه عن ضرع حيوان غيره ، وليس على صاحب الحيوان إلا إمكانه من ذلك فقط ، لا خدمته في حلب لبنه . وكذلك على الذي له ملك الولد : العمل في العون في أخذ مملوكه ، أو مملوكته في بطن أمة غيره بما أبيح له من ذلك . ومن باع سارية خشب ، أو حجر في بناء فعلى المشتري قلع ذلك بألطف ما يقدر عليه من التدعيم لما حول السارية من البناء ، وهدم ما حواليها مما لا بد له من هدمه ، ولا شيء عليه في ذلك ؛ لأن له أخذ متاعه كما يقدر . ومن هو مأمور بشيء ، ويعمل في شيء فلا ضمان عليه ؛ لأنه يفعل ما يفعل من ذلك : محسن ، وقد قال الله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } ، { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } فإن تعدى ضمن لما ذكرنا .

1430 - مسألة : ومن باع صوفا ، أو وبرا ، أو شعرا على الحيوان فالجز على الذي له الصوف ، والشعر ، والوبر ؛ لأن عليه إزالة ماله عن مال غيره ، ومكان الشعر ، والوبر ، والصوف - وهو جلد الحيوان - فعلى الذي له كل ذلك إزالة ماله عن مكان غيره ، وعلى الذي له المكان أن يمكنه من ذلك فقط . وكذلك من اشترى خابية في بيت فعليه إخراجها ، وله أن يهدم من باب البيت ما لا بد له من هدمه لإخراج الخابية - ولا ضمان عليه في ذلك ، إذ لا سبيل له إلى عمل ما كلف إلا بذلك - وبالله تعالى التوفيق .

1431 - مسألة : ولا يحل بيع تراب الصاغة أصلا بوجه من الوجوه لأنه إنما يقصد المشتري ما فيه من قطع الفضة والذهب - وهو مجهول لا يعرف - فهو غرر ، وقد { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } .

1432 - مسألة : وكل ما نخله الغبارون من التراب ، أو استخرجه غسالوا الطين من الطين ، أو استخرج من تراب الصاغة ، فهو لقطة ما أمكن أن يعرف ، كالفص ، أو الدينار ، أو الدرهم ، فما زاد فتعريفه كما ذكرنا في اللقطة ثم هو للملتقط مضمونا لصاحبه إن جاء - وما كان منه لا يمكن أن يعرف صاحبه أبدا من قطعة أو غير ذلك : فهو حلال لواجده على ما ذكرنا في " كتاب اللقطة " وبالله تعالى التوفيق .

1433 - مسألة : وأما تراب المعادن : فما كان منه معدن ذهب فلا يحل بيعه ألبتة بوجه من الوجوه ، لأن الذهب فيه مخلوق في خلاله مجهول المقدار . فلو كان الذهب الذي فيه مرئيا كله محاطا به : جاز بيعه بما يجوز به بيع الذهب - على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى . وما كان منه تراب معدن فضة : جاز بيعه بدراهم وبذهب نقدا ، وإلى أجل وإلى غير أجل ، وبالعرض نقدا ، وجاز السلم فيه . وكذلك تراب سائر المعادن ؛ لأنه ليس فيه شيء من الفضة أصلا ، وإنما هو تراب محض ، لا يصير فضة إلا بمعاناة وطبخ ، فيستحيل بعضه فضة كما يستحيل الماء ملحا ، والبيض فراريج ، والنوى شجرا - ولا فرق .

1434 - مسألة : وبيع القصيل قبل أن يسنبل : جائز وللبائع أن يتطوع للمشتري بتركه ما شاء إلى أن يرعاه ، أو إلى أن يحصده ، أو إلى أن - ييبس بغير شرط ، فإن غفل عنه حتى زاد فيه أولادا من أصله لم تكن ظاهرة إذا اشتراه فاختصما فيها : فأيهما أقام البينة بمقدار المبيع : قضي بها ، ولم يكن للمشتري إلا القدر الذي اشترى ، وكانت الزيادة من الأولاد للبائع ، فإن لم تكن له بينة : حلفا ، وقسمت الزيادة التي يتداعيانها بينهما . وأما السنبل ، والخروب ، والحب : فللمشتري على كل حال ، وكذلك ما زاد في طوله ، فإذا سنبل الزرع لم يحل بيعه أصلا - لا على القطع ولا على الترك - إلا حتى يشتد ، فإذا اشتد : حل بيعها حينئذ . برهان صحة بيع القصيل قبل أن يسنبل - : قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } . وقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فالبيع كله حلال ، إلا بيعا منع منه نص قرآن أو سنة ، ولم يأت في منع بيع الزرع مذ ينبت إلى أن يسنبل : نص أصلا . وبرهان تحريم بيعه إذا سنبل إلى أن يشتد - : ما رويناه من طريق مسلم نا علي بن حجر ، وزهير بن حرب ، قالا جميعا : نا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال { إن رسول الله ﷺ نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة - نهى البائع والمشتري } . ومن طريق أبي داود نا الحسن بن علي نا أبو الوليد - هو الطيالسي - عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس " أن النبي ﷺ { نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد } ولا يصح غير هذا أصلا . وهكذا روينا عن جمهور السلف - : روينا من طريق وكيع نا إسرائيل بن يونس عن جابر عن الشعبي عن مسروق عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، قالا جميعا : لا يباع النخل حتى يحمر ، ولا السنبل حتى يصفر . ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال : نهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وعن السنبل حتى يبيض . ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن عاصم عن ابن سيرين قال : لا يشترى السنبل حتى يبيض . ومن طريق وكيع نا الربيع - هو ابن صبيح - عن الحسن أنه كره بيع السنبل حتى يبيض . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني ، قال : سألت عكرمة عن بيع القصيل ؟ فقال : لا بأس ، فقلت : إنه يسنبل ؟ فكرهه - وهذا هو نفس قولنا ، فلم يستثن رسول الله ﷺ إذ منع من بيع السنبل حتى يشتد ، أو يبيض : جواز بيعه على الحصاد { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، { وما كان ربك نسيا } . وكذلك عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، لا مخالف لهما نعلمه من الصحابة رضي الله عنهم . قال أبو محمد : فإن حصاد السنبل رطبا لم يجز بيعه أيضا ؛ لأنه سنبل يمكن فيه بعد أن يشتد ويبيض - وكذلك إن صفي فصار حبا ولا فرق ، للنهي عن ذلك أيضا . فإن كان إن ترك لم ييبس ، ولكن يفسد : جاز بيعه ؛ لأنه قد خرج عن الصفة التي جاء النهي عن بيع ما هي فيه . والسنبل في لغة العرب معروف وهو في القمح والشعير ، والعلس ، والدخن ، والسلت ، وسائر ما يسمى في اللغة " سنبلا "

1435 - مسألة : وأما بيع القصيل قبل أن يسنبل على القطع فجائز ؛ لأن فرضا على كل أحد أن يزيل ماله عن أرض غيره ، وأن لا يشغلها به ، فهذا شرط واجب ، مفترض ، فإن تطوع له رب الأرض بالترك من غير شرط : فحسن ؛ لأن لكل أحد إباحة أرضه لمن شاء ، ولما شاء ، مما لم ينه عنه ، فإن زاد فلصاحب المال أن يتطوع له بالزيادة ؛ لأنه ماله يهبه لمن شاء ما لم يمنعه قرآن ، أو سنة ، والهبة فعل خير وفضل ، قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } ، وقال تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } . فإن أبى فالبينة ، فإن لم تكن بينة فهما متداعيان في الزيادة - وهي بأيديهما معا - فكل واحد يقول : هي لي ، فيحلفان ، لأن كل واحد منهما مدعى عليه ، ثم يبقى لكل أحد ما بيده لبراءته من دعوى خصمه بيمينه - وبالله تعالى التوفيق . ومنع أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، من بيع القصيل حتى يصير حبا يابسا ، ولم يأت بهذا نص أصلا - ثم تناقضوا ، فأجازوا بيعه على القطع - . وكل هذا بلا برهان أصلا لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ، ولا دليل لهم على ما منعوا من ذلك ، ولا على ما أباحوا منه . وقال سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى : لا يجوز بيع القصيل لا على القطع ولا على الترك - وقول هؤلاء أطرد وأصح في السنبل قبل أن يشتد . واختلفوا إن ترك الزرع فزاد ؟ فقال مالك : ينفسخ البيع جملة . وقال أبو حنيفة : للمشتري المقدار الذي اشترى ويتصدق بالزيادة - ويروى عنه أنه رجع فقال : للمشتري المقدار الذي اشترى ، وأما الزيادة فللبائع . وقال الشافعي : البائع مخير بين أن يدع له الزيادة فيجوز البيع والهبة معا أو يفسخ البيع - وقال أبو سليمان : الزيادة للمشتري مع ما اشترى . قال أبو محمد : أما فسخ مالك للبيع فقول لا دليل على صحته أصلا ، ولأي معنى يفسخ بيعا وقع على صحة بإقراره ؟ هذا ما لا يجوز إلا بقرآن ، أو سنة . وأما أول قولي أبي حنيفة فخطأ ؛ لأن الزيادة إذ جعلها للمشتري فلأي شيء يأمره بالصدقة بها دون أن يأمره بأن يتصدق بالقدر الذي اشترى وكلاهما له - وأما القول الذي رجع إليه من أن الزيادة للبائع : فصحيح ، إذا قامت البينة بها وبمقدار ما اشترى . وأما قول الشافعي فظاهر الخطأ ؛ لأنه إذ جعل الزيادة للبائع ؛ فلأي معنى أجبره على هبتها للمشتري أو فسخ البيع ؟ ولأي دليل منعه من طلب حقه والخصام فيه والبقاء عليه ؟ فهذه آراء القوم كما ترى في التحليل والتحريم . وأما قول أبي سليمان : إن الزيادة للمشتري فخطأ ؛ لأن المشتري إنما اشترى قدرا معلوما فله ما حدث في العين الذي اشترى ، وللبائع ما زاد فيما استبقى لنفسه ولم يبعه من المشتري ، فالزيادة في طول الساق للبائع لما ذكرنا لأنه ليس للمشتري إلا زرع ما اشترى فقط ، وإنما تأتي الزيادة من الأصل . وأما السنبل ، والحب ، والنور ، والورق ، والتبن ، والخروب فللمشتري لأنه في عين ماله حدث - وقد جاء في هذا عن بعض التابعين - : ما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال : لا بأس ببيع الشعير للعلف قبل أن يبدو صلاحه إذا كان يحصده من مكانه ، فإن غفل عنه حتى يصير طعاما فلا بأس به .

1436 - مسألة : ويجوز بيع ما ظهر من المقاثي - وإن كان صغيرا جدا - لأنه يؤكل - ولا يحل بيع ما لم يظهر بعد من المقاثي ، والياسمين ، والنور ، وغير ذلك ، ولا جزة ثانية من القصيل ؛ لأن كل ذلك بيع ما لم يخلق - ولعله لا يخلق - وإن خلق فلا يدري أحد غير الله تعالى ما كميته ، ولا ما صفاته : فهو حرام بكل وجه ، وبيع غرر ، وأكل مال بالباطل . وأجاز مالك كل ذلك وما نعلم له في تخصيص هذه الأشياء سلفا ، ولا أحد قاله غيره قبله ، ولا حجة . واحتج بعضهم باستئجار الظئر - وهذا تحريف لكلام الله تعالى عن موضعه وأين الاستئجار من البيع ، ثم أين اللبن المرتضع من القثاء ، والياسمين ؟ وهم يحرمون بيع لبن شاة قبل حلبه ، ولا يقيسونه على الظئر ثم يقيسون عليه بيع القثاء ، والنور ، والياسمين قبل أن يخلق - : روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا يونس بن عبيد عن الحسن أنه كره بيع الرطاب جزتين جزتين . وروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا شريك عن المغيرة عن إبراهيم النخعي والشعبي ، قالا جميعا : لا بأس ببيع الرطاب جزة جزة . ومن طريق وكيع عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن بيع الرطبة جزتين ؟ فقال : لا تصلح إلا جزة . ومن طريق وكيع عن محمد بن مسلم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كره بيع القضب ، والحناء ، إلا جزة - وكره بيع الخيار والخربز إلا جنية . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر عن ابن أشوع ، والقاسم : أنهما كرها بيع الرطاب إلا جزة - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي سليمان ، وغيرهم .

1437 - مسألة : فلو باعه المقثأة بأصولها ، والموز بأصوله ، وتطوع له إبقاء كل ذلك في أرضه بغير شرط جاز ذلك - فإذا ملك ما ابتاع كان له كل ما تولد فيه ؛ لأنه تولد في ماله ، وله أخذه بقلع كل ذلك متى شاء لأنه أملك بماله . ولا يحل له اشتراط إبقاء ذلك في أرضه مدة مسماة أو غير مسماة ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل - فإن احتجوا ب " المسلمون عند شروطهم " ، قلنا : هذا لا يصح ، وأنتم تصححونه ، فأين أنتم عنه في منعكم جواز بيع القصيل على شرط الترك ، وإباحتكم بيعه بشرط القطع ، وكلاهما شرط مجرد لم يأت به نص قرآن ، ولا سنة أصلا ، ففرقتم بلا دليل - وبالله تعالى التوفيق .

1438 - مسألة : وبيع الأمة ، وبيان أنها حامل من غير سيدها ، لكن من زوج ، أو زنى ، أو إكراه - : بيع صحيح ، سواء كانت رائعة أو وخشا كان البيع في أول الحمل أو في وسطه أو في آخره . وقال مالك : يجوز في الوخش ولا يجوز في الرائعة - وهذا قول لا دليل عليه صلا ، وما نعلم أحدا سبقه إليه أصلا ، وقال تعالى { وأحل الله البيع } وما خص حاملا من حائل ، ولا رائعة من وخش ، ولا امرأة من سائر إناث الحيوان { وما كان ربك نسيا } .

1439 - مسألة : وبيع السيف دون غمده جائز . وبيع الغمد دون النصل جائز . وبيع الحلية دونهما جائز - وبيع نصفها مشاع ، أو ثلثها ، أو عشرها ، أو شيء منها بعينه : كل ذلك جائز { وأحل الله البيع } . ومنع أبو حنيفة من بعض ذلك - وما نعلم أحدا قاله قبله ، وما نعلم له دليلا أصلا - وبالله تعالى التوفيق . وكذلك بيع قطع من ثوب أو من خشبة معينة محدودة : جائز { وأحل الله البيع } .

1440 - مسألة : وبيع حلقة الخاتم دون الفص جائز ، وقلع الفص حينئذ على البائع ، وبيع الفص دون الحلقة جائز ، وقلع الفص حينئذ على المشتري ؛ لأن رسول الله ﷺ يقول : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } والفص في الحلقة فهي مكان للفص ، ففرض على الذي له الفص إخراج الفص من مال غيره وليس له أن يشغل مال غيره بغير إذنه ، وليس على صاحب الحلقة إلا إمكانه من ذلك فقط ، وأن لا يحول بينه وبين ماله . ولمتولي إخراج الفص توسيع الحلقة بما لا بد منه في استخراج متاعه ، ولا ضمان عليه ، لأنه فعل ما هو مأمور بفعله ، فإن تعدى ضمن . وهكذا القول في الجذع يباع دون الحائط ، أو الحائط يباع دونه والشجرة دون الأرض ، أو الأرض دون الشجرة ولا فرق وبالله تعالى التوفيق .

1441 - مسألة : ومن باع شيئا فقال المشتري : لا أدفع الثمن حتى أقبض ما ابتعت ؟ وقال البائع : لا أدفع حتى أقبض : أجبرا معا على دفع المبيع والثمن معا ؛ لأنه ليس أحدهما أحق بالإنصاف والانتصاف من الآخر وبيد كل واحد منهما حق للآخر ، وفرض على كل واحد منهما أن يعطي الآخر حقه ، فلا يجوز أن يخص أحدهما بالتقدم ، وفعل ذلك جور ، وحيف ، وظلم - وهذا قول أصحابنا ، وعبيد الله بن الحسن .

1442 - مسألة : فإن أبى المشتري من أن يدفع الثمن من قبضه لما اشترى وقال : لا أدفع الثمن إلا بعد أن أقبض ما اشتريت ؟ فللبائع أن يحبس ما باع حتى ينتصف وينصف معا ، فإن تلف عنده من غير تعد منه فهو من مصيبة المشتري وعليه دفع الثمن ، ولا ضمان على البائع فيما هلك عنده من غير تعديه ؛ لأنه احتبس بحق ؟ قال الله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } إلا أن يكون في بعض ما حبس وفاء بالثمن ، فإنه يضمن ما زاد على هذا المقدار ، لأنه متعد باحتباسه أكثر مما تعدى عليه فيه الآخر - هذا إن كان مما يمكن أن ينقسم ، فإن كان مما لا يمكن قسمته إلا بفساده ، أو حط ثمنه فلا ضمان عليه أصلا . فلو قال البائع : لا أدفع إلا بعد قبض الثمن ، ودعاه المشتري إلى أن يقبض ويدفع معا فأبى ، فهو ههنا ضامن ؛ لأنه متعد باحتباسه ما حبس ، وقد دعي إلى الإنصاف فأبى - وبالله تعالى التوفيق .

1443 - مسألة : ومن قال حين يبيع أو يبتاع : لا خلابة ؟ فله الخيار ثلاث ليال بما في خلالهن من الأيام ، إن شاء رد بعيب أو بغير عيب ، أو بخديعة أو بغير خديعة ، وبغبن أو بغير غبن ، وإن شاء أمسك - : فإذا انقضت الليالي الثلاث بطل خياره ولزمه البيع ، ولا رد له ، إلا من عيب إن وجد والليالي الثلاث مستأنفة من حين العقد ، فإن بايع قبل غروب الشمس - بقليل أو كثير ولو من حين طلوعها - : فإنه يستأنف الثلاث مبتدئة وله الخيار أيضا في يومه ذلك . وإن بايع بعد غروب الشمس فله الخيار من حينئذ إلى مثل ذلك الوقت من الليلة الرابعة - : حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال { : إن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه ، فكان إذا بايع خدع في البيع فقال له رسول الله ﷺ : بايع وقل : لا خلابة ثم أنت بالخيار } . نا أحمد بن قاسم أنا أبو قاسم بن محمد بن قاسم أنا جدي قاسم بن أصبغ أنا محمد بن وضاح نا حامد بن يحيى البلخي نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال { : إن منقذا سفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع فقال له رسول الله ﷺ : بع ، وقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك } . قال ابن عمر : فسمعته يقول إذا بايع : لا خلابة لا خلابة .

1444 - . مسألة : فإن لم يقدر على أن يقول " لا خلابة " قالها كما يقدر لآفة بلسانه أو لعجمة ، فإن عجز جملة قال بلغته ما يوافق معنى " لا خلابة " وله الخيار المذكور ، أحب البائع أم كره . برهان ذلك - : { أن رسول الله ﷺ أمر منقذا أن يقولها ، وقد علم أنه لا يقول إلا : لا خذابة } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .

1445 - مسألة : فإن رضي في الثلاث وأسقط خياره لزمه البيع ، وذلك أن رسول الله ﷺ جعل له الخيار ثلاثا ، فلو كان لا يلزمه الرضا إن رضي في الثلاث لكان إنما جعل له عليه السلام الخيار في الرد فقط لا في الرضا - وهذا باطل ؛ لأن رسول الله ﷺ أجمل له الخيار فكان عموما لكل ما يختار من رضا أو رد . ولو كان الخيار لا ينقطع بإسقاطه إياه وإقراره بالرضا لوجب أيضا ضرورة أن لا ينقطع خياره وإن رد البيع حتى ينقضي الثلاث وهذا محال - : فظاهر اللفظ ومعناه : أن له الخيار مدة الثلاث إن شاء رد فيبطل البيع ولا رضا له بعد الرد ، وإن شاء رضي فيصح البيع ولا رد له بعد الرضا - : لا يحتمل أمره عليه السلام غير هذا أصلا فإن لم يلفظ بالرضا ولا بالرد : لم يجز أن يجبر على شيء من ذلك ، وبقي على خياره إلى انقضاء الثلاث - إن شاء رد وإن شاء أمسك - فإن انقضت الثلاث ولم يرد فقد لزمه البيع ؛ لأنه بيع صحيح جعل له الخيار في رده ثلاثا ، لا أكثر - فإن لم يبطله فلا إبطال له بعد الثلاث ، إلا من عيب كسائر البيوع ، وبقي البيع بصحته لم يبطل - وبالله تعالى التوفيق .

1446 - . مسألة : فإن قال لفظا غير " لا خلابة " لكن أن يقول : لا خديعة ، أو لا غش ، أو لا كيد ، أو لا غبن ، أو لا مكر ، أو لا عيب ، أو لا ضرر ، أو على السلامة ، أو لا داء ، ولا غائلة ، أو لا خبث ، أو نحو هذا - : لم يكن له الخيار المجعول لمن قال : لا خلابة ، لكن إن وجد شيئا مما بايع على أن لا يعقد بيعه عليه : بطل البيع ، وإن لم يجده لزمه البيع . برهان ذلك - : أن رسول الله ﷺ إذا أمر في الديانة بأمر ، ونص فيه بلفظ ما : لم يجز تعدي ذلك اللفظ إلى غيره - وسواء كان في معناه أو لم يكن - ما دام قادرا على ذلك اللفظ ، إلا بنص آخر يبين أن له ذلك ؛ لأنه عليه السلام قد حد في ذلك حدا فلا يحل تعديه ؟ قال الله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } . وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } ولو جاز غير هذا لجاز الأذان بأن يقول : العزيز أجل ، أنت لنا رب إلا الرحمن ، أنت ابن عبد الله بن عبد المطلب مبعوث من الرحمن ، هلموا [ إلى ] نحو الظهر ، هلموا نحو البقاء ، العزيز أعظم ، ليس لنا رب إلا الرحيم . قال أبو محمد : من أذن هكذا فحقه أن يستتاب ؟ فإن تاب وإلا قتل ؛ لأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل متعد لحدود الله . ولا فرق بين ما ذكرناه وبين ما أمر به عليه السلام في ألفاظ الصلاة ، والأذان ، والإقامة ، والتلبية ، والنكاح ، والطلاق ، وسائر الشريعة ، وعلى المفرق الدليل ؟ وإلا فهو مبطل . وأما من أجاز مخالفة الألفاظ المحدودة من رسول الله ﷺ في الأذان والإقامة ، وأجاز تنكيسها ، وقراءة القرآن في الصلاة بالأعجمية - وهو فصيح بالقرآن - : فما عليه أن يقول بتنكيس الصلاة ؟ فيبدؤها بالتسليم ، ثم بالقعود ، والتشهد ، ثم بالسجود ، ثم بالركوع ، ثم بالقيام ، ثم بالتكبير ويقرأ في الجلوس ، ويتشهد في القيام ، وأن يصوم الليل في رمضان ، ويفطر النهار ، ويحيل الحج ، ويبدل ألفاظ القرآن بغيرها مما هو في معناها ، ويقدم ألفاظه ويؤخرها ما لم يفسد المعنى ، ويكتب المصحف كذلك ، ويقرأ في الصلاة كذلك ، ويقرئ الناس كذلك ، ويبدل الشرائع - ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ذلك ، ومن أن نتعدى شيئا مما حده لنا رسول الله ﷺ إلينا ، لا علم لنا إلا ما علمنا - ونحمد الله كثيرا على ذلك . وقد وافقنا كثير من مخالفينا أن لفظ " البيع " لا ينوب عن لفظ " السلم " وهذا " منقذ " المأمور باللفظ المذكور لم ير أن يتعداه إلى غيره ، وإن كان في معناه - بل قاله كما أمر ، وكما قدر ، وكما كلف . ونسأل المخالف لنا في هذا عن الفرق بين الألفاظ المأمور بها في الأحكام وبين الأوقات المأمور بها في الأحكام ، وبين المواضع المأمور بها في الأحكام ، وبين الأحوال والأعمال المأمور بها في الأحكام ، ولا سبيل له إلى فرق أصلا ، فإن سوى بين الجميع في الإيجاب وفق - وهو قولنا - وإن سوى بين الجميع في جواز التبديل - : كفر ، بلا خلاف ، وبدل الدين كله ، وخرج عنه . وقد { علم النبي ﷺ البراء بن عازب دعاء يقوله ، وفيه آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت فذهب البراء يستذكره فقال : وبرسولك الذي أرسلت ؟ فقال له ﷺ ونبيك الذي أرسلت } فلم يدعه أن يبدل لفظة مكان التي أمره بها ، والمعنى واحد . ومن أعجب وأضل ممن يجيز تبديل لفظ أمر به رسول الله ﷺ ثم يقول : إن قال الشاهد : أخبرك أو أعلمك بأني أعلم أن لهذا عند هذا دينارا : أنها ليست شهادة ، ولا يحكم بها حتى يقول : أشهد ، فاعجبوا لعكس هؤلاء القوم للحقائق ؟ وأما الألفاظ الأخر فهي ألفاظ معروفة المعاني بايع عليها فله ما بايع عليه إن وجده كذلك ؛ لأنه مما تراضيا عليه ، كما قال الله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فإن وجد غير ما تراضيا به في بيعه ، فلم يجد ما باع ولا ما ابتاع ، وليس له غير ذلك ، فلا يحل له من مال غيره ما لم يبايعه فيه عن تراض منهما ، وهذا بين - وبالله تعالى التوفيق .



1447 - مسألة : وكل شرط وقع في بيع منهما ، أو من أحدهما ، برضا الآخر فإنهما إن عقداه قبل عقد البيع أو بعد تمام البيع بالتفرق بالأبدان ، أو بالتخيير ، أو في أحد الوقتين - يعني قبل العقد أو بعده - ولم يذكراه في حين عقد البيع ، فالبيع صحيح تام ، والشرط باطل لا يلزم . فإن ذكرا ذلك الشرط في حال عقد البيع فالبيع باطل مفسوخ ، والشرط باطل - أي شرط كان لا تحاش شيئا - إلا سبعة شروط فقط ، فإنها لازمة ، والبيع صحيح ، إن اشترطت في البيع - وهي : اشتراط الرهن فيما تبايعاه إلى أجل مسمى . واشتراط تأخير الثمن إن كان دنانير أو دراهم إلى أجل مسمى . واشتراط أداء الثمن إلى الميسرة - وإن لم يذكرا أجلا . واشتراط صفات المبيع التي يتراضيانها معا ويتبايعان ذلك الشيء على أنه بتلك الصفة . واشتراط أن لا خلابة . وبيع العبد ، أو الأمة ، فيشترط المشتري مالهما أو بعضه مسمى معينا ، أو جزءا منسوبا مشاعا في جميعه ، سواء كان مالهما مجهولا كله ، أو معلوما كله ، أو معلوما بعضه ، مجهولا بعضه . أو بيع أصول نخل فيها ثمرة قد أبرت قبل الطيب أو بعده ، فيشترط المشتري الثمرة لنفسه أو جزءا معينا منها أو مسمى مشاعا في جميعها . فهذه ولا مزيد ، وسائرها باطل كما قدمنا - : كمن باع مملوكا بشرط العتق ، أو أمة بشرط الإيلاد ، أو دابة واشترط ركوبها مدة مسماة - قلت أو كثرت - أو إلى مكان مسمى قريب أو بعيد . أو دارا واشترط سكناها ساعة فما فوقها ، أو غير ذلك من الشروط كلها . برهان ذلك - : ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج أنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني أنا أبو أسامة - هو حماد بن أسامة - أنا هشام بن عروة عن أبيه قال : أخبرتني عائشة أم المؤمنين فذكرت حديثا قالت فيه { إن رسول الله ﷺ خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } وذكر باقي الخبر . ومن طريق أبي داود حدثنا القعنبي ، وقتيبة بن سعيد قالا جميعا : نا الليث هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير قال : إن عائشة أم المؤمنين أخبرته { أن رسول الله ﷺ قام فقال : ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة ، شرط الله أحق وأوثق } . فهذا الأثر كالشمس صحة وبيانا يرفع الإشكال كله . فلما كانت الشروط كلها باطلة - غير ما ذكرنا - كان كل عقد من بيع أو غيره : عقد على شرط باطل باطلا ولا بد ؛ لأنه عقد على أنه لا يصح إلا بصحة الشرط ، والشرط لا صحة له ، فلا صحة لما عقد بأن لا صحة له إلا بصحة ما لا يصح . قال أبو محمد : وأما تصحيحنا الشروط السبعة التي ذكرنا ، فإنها منصوص على صحتها ، وكل ما نص رسول الله ﷺ عليه فهو في كتاب الله عز وجل قال تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } . وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } . وقال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . فأما اشتراط الرهن في البيع إلى أجل مسمى فلقوله تعالى : { ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } . وأما اشتراط الثمن إلى أجل مسمى فلقول الله تعالى : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } . وأما اشتراط " أن لا خلابة " فقد ذكرنا الخبر في ذلك قبل هذا المكان بنحو أربع مسائل . وأما اشتراط الصفات التي يتبايعان عليها من السلامة ، أو من أن لا خديعة ، ومن صناعة العبد ، أو الأمة ، أو سائر صفات المبيع ، فلقول الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فنص تعالى على التراضي منهما والتراضي لا يكون إلا على صفات المبيع ، وصفات الثمن ضرورة . وأما اشتراط الثمن إلى الميسرة فلقول الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } . وروينا من طريق شعبة أخبرني عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ بعث إلى يهودي قدمت عليه ثياب : ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة } وذكر باقي الخبر . وأما مال العبد ، أو الأمة واشتراطه ، واشتراط ثمر النخل المؤبر - : فلما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " أن رسول الله ﷺ قال : { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع } ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع . قال أبو محمد : ولو وجدنا خبرا يصح في غير هذه الشروط باقيا غير منسوخ لقلنا به ولم نخالفه ، وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم هذين الشرطين إذ قد ذكرنا غيرهما - والحمد لله رب العالمين - وقد ذكرنا رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : كل بيع فيه شرط فليس بيعا . قال علي : فإن احتج معارض لنا بقول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } وقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } . وبما روي { المسلمون عند شروطهم } . قلنا : [ وبالله تعالى التوفيق ] أما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود : لا يختلف اثنان في أنه ليس على عمومه ولا على ظاهره ، وقد جاء القرآن بأن نجتنب نواهي الله تعالى ومعاصيه ، فمن عقد على معصية فحرام عليه الوفاء بها ، فإذ لا شك في هذا فقد صح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، والباطل محرم ، فكل محرم فلا يحل الوفاء به . وكذلك قوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } فلا يعلم ما هو عهد الله إلا بنص وارد فيه ، وقد علمنا أن كل عهد نهى الله عنه فليس هو عهد الله تعالى ، بل هو عهد الشيطان فلا يحل الوفاء به ، وقد نص رسول الله ﷺ على أن { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } ، والباطل لا يحل الوفاء به . وأما الأثر في ذلك - : فإننا رويناه من طريق ابن وهب حدثني سليمان بن بلال أنا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { المسلمون عند شروطهم } . ورويناه أيضا من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني الحزامي عن محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز قال : قال رسول الله ﷺ { المسلمون على شروطهم } . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا يحيى بن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء : بلغنا أن النبي ﷺ قال : { المسلمون عند شروطهم } . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن الحجاج بن أرطاة عن خالد بن محمد عن شيخ من بني كنانة سمعت عمر يقول : المسلم عند شرطه . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال عمر بن الخطاب " إن مقاطع الحقوق ، عند الشروط " . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال : " المسلمون عند شروطهم " . قال أبو محمد : كثير بن زيد هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن زيد - هالك متروك باتفاق - والوليد بن رباح - مجهول - والآخر عبد الملك بن حبيب - هالك - ومحمد بن عمر - هو الواقدي مذكور بالكذب - وعبد الرحمن بن محمد - مجهول لا يعرف - ومرسل أيضا ، والثالث مرسل أيضا ، والذي من طريق عمر فيه الحجاج بن أرطاة - وهو هالك - وخالد بن محمد - مجهول - وشيخ من بني كنانة - والآخر فيه إسماعيل بن عبيد الله ولا أعرفه . وخبر علي مرسل - ثم لو صح كل ما ذكرنا لكان حجة لنا وغير مخالف ` لقولنا ، لأن شروط المسلمين هي الشروط التي أباحها الله لهم ، لا التي نهاهم عنها ، وأما التي نهوا عنها فليست شروط المسلمين . وقد نص رسول الله ﷺ على أن { كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كانت مائة شرط ، أو اشترط مائة مرة } وأنه لا يصح لمن اشترطه - : فصح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فباطل ، فليس هو من شروط المسلمين ، فصح قولنا بيقين . ثم إن الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، أشد الناس اضطرابا وتناقضا في ذلك ؛ لأنهم يجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء في أنها باطل ليست في كتاب الله عز وجل ، ويجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء في أنها حق ؛ لأنها في كتاب الله تعالى . فالحنفيون ، والشافعيون يمنعون اشتراط المبتاع مال العبد ، وثمرة النخل المؤبر ، ولا يجيزون له ذلك ألبتة إلا بالشراء على حكم البيوع . والمالكيون ، والحنفيون ، والشافعيون : لا يجيزون البيع إلى الميسرة ، ولا شرط قول : لا خلابة ، عند البيع ، وكلاهما في كتاب الله عز وجل ، لأمر النبي ﷺ بهما ، وينسون ههنا " المسلمون عند شروطهم " . وكلهم يجيز بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها بشرط القطع ، وهو شرط ليس في كتاب الله تعالى ، بل قد صح النهي عن هذا البيع جملة ، ومثل هذا كثير . قال أبو محمد : ولا يخلو كل شرط اشترط في بيع أو غيره من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها - : إما إباحة مال لم يجب في العقد ، وإما إيجاب عمل ، وإما المنع من عمل ، والعمل يكون بالبشرة ، أو بالمال فقط - وكل ذلك حرام بالنص قال رسول الله ﷺ { إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام } . وأما المنع من العمل فإن الله تعالى يقول : { لم تحرم ما أحل الله لك } . فصح بطلان كل شرط جملة إلا شرطا جاء النص من القرآن أو السنة بإباحته - وههنا أخبار نذكرها ، ونبينها - إن شاء الله تعالى - لئلا يعترض بها جاهل أو مشغب . حدثني محمد بن إسماعيل العذري القاضي بسرقسطة أنا محمد بن علي الرازي المطوعي نا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري أنا جعفر بن محمد الخلدي أنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير أنا محمد بن سليمان الذهلي أنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، فسألت أبا حنيفة عمن باع بيعا واشترط شرطا ؟ فقال : البيع باطل والشرط باطل ثم سألت ابن أبي ليلى عن ذلك ؟ فقال البيع جائز والشرط باطل ثم سألت ابن شبرمة عن ذلك ؟ فقال : البيع جائز والشرط جائز ؟ فرجعت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا - حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ { نهى عن بيع وشرط } البيع باطل والشرط باطل ؟ فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا - حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : { اشتري بريرة واشترطي لهم الولاء } البيع جائز والشرط باطل فأتيت ابن شبرمة فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا ؟ أنا مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله { أنه باع من رسول الله ﷺ جملا واشترط ظهره إلى المدينة } البيع جائز والشرط جائز . وههنا خبر رابع - : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا زياد بن أيوب أنا ابن علية نا أيوب السختياني أنا عمرو بن شعيب حدثني أبي عن أبيه عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ { لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن } . وبه يأخذ أحمد بن حنبل فيبطل البيع إذا كان فيه شرطان ، ويجيزه إذا كان فيه شرط واحد - وذهب أبو ثور إلى الأخذ بهذه الأحاديث كلها فقال : إن اشترط البائع بعض ملكه كسكنى الدار مدة مسماة ، أو دهره كله أو خدمة العبد كذلك ، أو ركوب الدابة كذلك ، أو لباس الثوب كذلك : جاز البيع والشرط ؛ لأن الأصل له ، والمنافع له ، فباع ما شاء وأمسك ما شاء ، وكل بيع اشترط فيه ما يحدث في ملك المشتري فالبيع جائز والشرط باطل ، كالولاء ونحوه ، وكل بيع اشترط فيه عمل أو مال على البائع أو عمل المشتري فالبيع والشرط باطلان معا . قال أبو محمد : هذا خطأ من أبي ثور ، لأن منافع ما باع البائع من دار ، أو عبد ، أو دابة ، أو ثوب ، أو غير ذلك ، فإنما هي له ما دام كل ذلك في ملكه ، فإذا خرج عن ملكه فمن الباطل والمحال أن يملك ما لم يخلقه الله تعالى بعد ، من منافع ما باع ، فإذا أحدثها الله تعالى ، فإنما أحدثها الله تعالى في ملك غيره ، فهي ملك لمن حدثت [ عنده ] في ملكه - فبطل توجيه أبي ثور ، وكذلك باقي تقسيمه ؛ لأنه دعوى بلا برهان . وأما قول أحمد : فخطأ أيضا : لأن تحريم رسول الله ﷺ الشرطين في بيع ليس مبيحا لشرط واحد ولا محرما له ، لكنه مسكوت عنه في هذا الخبر ، فوجب طلب حكمه في غيره ، فوجدنا قوله ﷺ { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } . فبطل الشرط الواحد ، وكل ما لم يعقد إلا به - وبالله تعالى التوفيق . وبقي حديث بريرة ، وجابر في الجمل ، فنقول - وبالله تعالى التوفيق . إننا روينا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات نا محمد بن أحمد بن مفرج أنا عبد الله بن جعفر بن الورد أنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف أنا يحيى بن بكير أنا الليث بن سعد عن هشام بن عروة عن عروة عن { عائشة قالت جاءتني بريرة فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ؟ فقالت عائشة : إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة ، ويكون لي ولاؤك فعلت ؟ فعرضتها عليهم ، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع رسول الله ﷺ ذلك ، فسألها ، فأخبرته ، فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت ، فقام رسول الله ﷺ عشية في الناس ، فحمد الله عز وجل ، ثم قال : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل - وإن كان مائة شرط - قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق } وذكر باقي الخبر " .

ومن طريق البخاري أنا أبو نعيم أنا عبد الواحد بن أيمن أنا أبي قال : { دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت : دخلت بريرة - وهي مكاتبة - وقالت : اشتريني وأعتقيني ؟ قالت : نعم ، قالت : لا تبيعوني حتى يشترطوا ولائي ؟ فقالت عائشة : لا حاجة لي بذلك ؟ فقال لها رسول الله ﷺ اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطوا ما شاءوا ؟ فاشترتها عائشة فأعتقتها ، واشترط أهلها الولاء ؟ فقال رسول الله ﷺ الولاء لمن أعتق وإن كان مائة شرط } . قال أبو محمد : فالقول في هذا الخبر هو على ظاهره دون تزيد ، ولا ظن كاذب ، مضاف إلى رسول الله ﷺ ولا تحريف اللفظ ، وهو إن اشترط الولاء على المشتري في المبيع للعتق كان لا يضر البيع شيئا ، وكان البيع على هذا الشرط جائزا حسنا مباحا ، وإن كان الولاء مع ذلك للمعتق ، وكان اشتراط البائع الولاء لنفسه مباحا غير منهي عنه ، ثم نسخ الله عز وجل ذلك وأبطله ، إذ خطب رسول الله ﷺ بذلك - كما ذكرنا - فحينئذ حرم أن يشترط هذا الشرط أو غيره جملة ، إلا شرطا في كتاب الله تعالى ، لا قبل ذلك أصلا - وقد قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } . وقال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } برهان ذلك - : أنه عليه السلام قد أباح ذلك ، وهو عليه السلام لا يبيح الباطل ، ولا يغر أحدا ولا يخدعه - فإن قيل : فهلا أجزتم البيع بشرط العتق في هذا الحديث ؟ قلنا : ليس فيه اشتراطهم عتقها أصلا ولو كان لقلنا به ، وقد يمكن أنهم اشترطوا ولاءها إن أعتقت يوما ما ، أو إن أعتقتها ، إذ إنما في الحديث أنهم اشترطوا ولاءها لأنفسهم فقط ، ولا يحل أن يزاد في الأخبار شيء ، لا لفظا ولا معنى ، فيكون من فعل ذلك كاذبا ، إلا أننا نقطع ونبت أن البيع بشرط العتق لو كان جائزا لنص رسول الله ﷺ عليه وبينه ، فإذ لم يفعل فهو شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، ولا فرق بين البيع بشرط العتق وبين بيعه بشرط الصدقة ، أو بشرط الهبة ؛ أو بشرط التدبير - وكل ذلك لا يجوز . وأما حديث جابر : فإننا رويناه من طريق البخاري أنا أبو نعيم أنا زكريا سمعت عامرا الشعبي يقول : حدثني { جابر بن عبد الله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فمر النبي ﷺ فضربه ، فدعا له ، فسار سيرا ليس يسير مثله ، ثم قال : بعنيه بأوقية ؟ قلت : لا ، ثم قال : بعنيه بأوقية ؟ فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي - فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على إثري ، فقال : ما كنت لآخذ جملك ، فخذ جملك ذلك ، فهو مالك } . ومن طريق مسلم أنا ابن نمير أنا أبي أنا زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن عامر الشعبي حدثني جابر بن عبد الله فذكر هذا الخبر وفيه { أن رسول الله ﷺ قال له : بعنيه ؟ فبعته بأوقية ، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي - فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ، ثم رجعت فأرسل في إثري ، فقال : أتراني ماكستك لآخذ جملك ، خذ جملك ودراهمك ، فهو لك } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن العلاء أنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله فذكر هذا الخبر ، وفيه { أن رسول الله ﷺ قال له : ما فعل الجمل بعنيه ؟ قلت : يا رسول الله بل هو لك قال : لا ، بل بعنيه ؟ قلت : لا ، بل هو لك ؟ قال لا ، بل بعنيه ، قد أخذته بأوقية ، اركبه ، فإذا قدمت المدينة فأتنا به ؟ فلما قدمت المدينة جئته به ، فقال لبلال يا بلال زن له أوقية وزده قيراطا } . هكذا رويناه من طريق عطاء بن جابر . قال أبو محمد : روي هذا أن ركوب جابر الجمل كان تطوعا من رسول الله ﷺ واختلف فيه على الشعبي ، وأبي الزبير فروي عنهما عن جابر ، أنه كان شرطا من جابر - وروي عنهما أنه كان تطوعا من رسول الله ﷺ . فنحن نسلم لهم أنه كان شرطا ، ثم نقول لهم - وبالله تعالى التوفيق - : إنه قد صح أن رسول الله ﷺ قال : { قد أخذته بأوقية } . وصح عنه عليه السلام أنه قال : { أتراني ماكستك لآخذ جملك ؟ ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك ، فهو مالك } كما أوردنا آنفا . صح يقينا أنهما أخذان : أحدهما فعله رسول الله ﷺ والآخر لم يفعله ، بل انتفى عنه ، ومن جعل كل ذلك أخذا واحدا فقد كذب رسول الله ﷺ في كلامه ، وهذا كفر محض ، فإذ لا بد من أنهما أخذان ؛ لأن الأخذ الذي أخبر به عليه السلام عن نفسه هو بلا شك غير الأخذ الذي انتفى عنه ألبتة ، فلا سبيل إلى غير ما يحمل عليه ظاهر الخبر ، وهو إنه عليه السلام أخذه وابتاعه ، ثم تخير قبل التفرق ترك أخذه . وصح أن في حال المماكسة كان ذلك أيضا في نفسه عليه السلام ؛ لأنه عليه السلام أخبره أنه لم يماكسه ليأخذ جمله - . فصح أن البيع لم يتم فيه قط ، فإنما اشترط جابر ركوب جمل نفسه فقط ، وهذا هو مقتضى لفظ الأخبار ، إذا جمعت ألفاظها . فإذ قد صح أن ذلك البيع لم يتم ولم يوجد في شيء من ألفاظ ذلك الخبر أصلا : أن البيع تم بذلك الشرط ، فقد بطل أن يكون في هذا الخبر : حجة في جواز بيع الدابة واستثناء ركوبها أصلا - وبالله تعالى التوفيق . فأما الحنفيون ، والشافعيون : فلا يقولون بجواز هذا الشرط أصلا ، فإنما الكلام بيننا وبين المالكيين فيه فقط ، وليس في هذا الخبر تحديد يوم ، ولا مسافة قليلة من كثيرة ، ومن ادعى ذلك فقد كذب ، فمن أين خرج لهم تحديد مقدار دون مقدار ؟ ويلزمهم إذ لم يجيزوا بيع الدابة على شرط ركوبها شهرا - ولا عشرة أيام - وأبطلوا هذا الشرط ، وأجازوا بيعها ، واشتراط ركوبها مسافة يسيرة : أن يحدوا المقدار الذي يحرم به ما حرموه من ذلك المقدار الذي حللوه ، هذا فرض عليهم ، وإلا فقد تركوا من اتبعهم في سخنة عينه ، وفي ما لا يدري لعله يأتي حراما أو يمنع حلالا ، وهذا ضلال مبين ، فإن حدوا في ذلك مقدارا ما ، سئلوا عن البرهان في ذلك إن كانوا صادقين ؟ فلاح فساد هذا القول بيقين لا شك فيه . ومن الباطل المتيقن أن يحرم الله تعالى علينا ما لا يفصله لنا من أوله لآخره لنجتنبه ونأتي ما سواه ، إذا كان تعالى يكلفنا ما ليس في وسعنا ، من أن نعلم الغيب وقد أمننا الله تعالى من ذلك . فإن قالوا : إن في بعض ألفاظ الخبر : أن ذلك كان حين دنوا من المدينة ؟ قلنا : الدنو يختلف ، ولا يكون إلا بالإضافة ، فمن أتى من تبوك فكان من المدينة على ست مراحل أو خمس فقد دنا منها ، ويكون الدنو أيضا على ربع ميل - وأقل أو أكثر - فالسؤال باق عليكم بحسبه . وأيضا : فإن هذه اللفظة إنما هي في رواية سالم بن أبي الجعد ، وهو إنما روى : أن ركوب جابر كان تطوعا من النبي ﷺ وشرطا . وفي رواية المغيرة عن الشعبي عن جابر دليل على أن ذلك كان في مسيرهم مع النبي ﷺ إلى غزاة - وأيضا فليس فيه أن النبي ﷺ منع من ذلك الشرط إلا في مثل تلك المسافة ، فإذ لم يقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات فلا تقيسوا على تلك الطريق سائر الطرق ولا تقيسوا على اشتراط ذلك في ركوب جمل سائر الدواب ، وإلا فأنتم متناقضون متحكمون بالباطل . وإذ قستم على تلك الطريق سائر الطرق ، وعلى الجمل سائر الدواب فقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات ؟ كما فعلتم في صلاته عليه السلام راكبا متوجها إلى خيبر إلى غير القبلة : فقستم على تلك المسافة سائر المسافات : فلاح أنهم لا متعلق لهم في هذا الخبر أصلا - وبالله تعالى التوفيق . وقد جاءت عن الصحابة رضي الله عنهم آثار في الشروط في البيع خالفوها ، فمن ذلك - : ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال . قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وددنا لو أن عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، قد تبايعا حتى ننظر أيهما أعظم جدا في التجارة ، فاشترى عبد الرحمن بن عوف من عثمان فرسا بأرض أخرى بأربعين ألفا أو نحوها إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ، ثم أجاز قليلا ، ثم رجع فقال : أزيدك ستة آلاف إن وجدها رسولي سالمة ؟ قال نعم ، فوجدها رسول عبد الرحمن قد هلكت ، وخرج منها بالشرط الآخر . قيل للزهري : فإن لم يشترط قال : فهي من البائع . فهذا عمل عثمان ، وعبد الرحمن بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، وعلمهم لا مخالف لهم يعرف منهم ، ولم ينكر ذلك سعيد ، وصوبه الزهري . فخالف الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : كل هذا ، وقالوا : لعل الرسول يخطئ أو يبطئ أو يعرضه عارض ، فلا يدري متى يصل ، وهم يشنعون مثل هذا إذا خالف تقليدهم . ومن طريق وكيع أنا محمد بن قيس الأسدي عن عون بن عبد الله عن عتبة بن مسعود قال : إن تميما الداري باع داره واشترط سكناها حياته وقال : إنما مثلي مثل أم موسى رد عليها ولدها ، وأعطيت أجر رضاعها . ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن مرة بن شراحيل قال : باع صهيب داره من عثمان واشترط سكناها - وبه يأخذ أبو ثور ، فخالفوه ، ولا مخالف لذلك من الصحابة ممن يجيز الشرط في البيع . وقد ذكرنا قبل ابتياع نافع بن عبد الحارث دارا بمكة للسجن من صفوان بأربعة آلاف على إن رضي عمر فالبيع تام ، فإن لم يرض فلصفوان أربعمائة - : فخالفوهم كلهم . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر : أنه اشترى بعيرا بأربعة أبعرة على أن يوفوه إياها بالربذة - وليس فيه وقت ذكر الإيفاء - : فخالفوه . ومن طريق حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد قال : أصاب عمار بن ياسر مغنما فقسم بعضه وكتب إلى عمر يشاوره ؟ فتبايع الناس إلى قدوم الراكب - وهذا عمل عمار والناس بحضرته - : فخالفوه . وأما نحن فلا حجة عندنا في أحد دون رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق ؛ وحكم علي بشرط الخلاص ، وللحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين : تناقض عظيم فيما أجازوه من الشروط في البيع وما منعوا منه فيها ، قد ذكرنا بعضه ونذكر في مكان آخر - إن شاء الله تعالى - ما يسر الله تعالى لذكره ؛ لأن الأمر أكثر من ذلك - وبالله تعالى التوفيق .



1448 - مسألة : وكل من باع بيعا فاسدا فهو باطل ، ولا يملكه المشتري ، وهو باق على ملك البائع ، وهو مضمون على المشتري إن قبضه ضمان الغصب سواء سواء ، والثمن مضمون على البائع إن قبضه - : ولا يصححه طول الأزمان ، ولا تغير الأسواق ، ولا فساد السلعة ، ولا ذهابها ، ولا موت المتبايعين أصلا . وقال أبو حنيفة في بعض ذلك كما قلنا ، وقال في بعض ذلك : من باع بيعا فاسدا فقبضه المشتري فقد ملكه ملكا فاسدا ، وأجاز عتقه فيه . وقال مالك في بعض ذلك : كما قلنا ، وقال في بعض ذلك : إن من البيوع الفاسدة بيوعا تفسخ إلا أن يطول الأمر ، أو تتغير الأسواق : فتصح حينئذ . قال أبو محمد : وهذان قولان لا خفاء بفسادهما على من نصح نفسه ، أما قول أبي حنيفة : فقد ملكه ملكا فاسدا - فكلام في غاية الفساد ، وما علم أحد قط في دين الله تعالى ملكا فاسدا ، إنما هو ملك فهو صحيح ، أو لا ملك فليس صحيحا ، وما عدا هذا فلا يعقل . وإذ أقروا أن الملك فاسد فقد قال تعالى : { والله لا يحب الفساد } فلا يحل لأحد أن يحكم بإنفاذ ما لا يحبه الله عز وجل . وقال تعالى : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } . فمن أجاز شيئا نص الله تعالى على أنه لا يصلحه فقد عارض الله تعالى في حكمه ، وهذا عظيم جدا ، وقد احتج بعضهم في هذا بحديث بريرة . قال أبو محمد : هذا احتجاج فاسد الدين ، ونبرأ إلى الله تعالى ممن نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أنفذ الباطل ، وأجاز الفاسد - والله ما تقر على هذا نفس مسلم . واحتج بعضهم بأن البائع سلطه عليه . قال أبو محمد : ليس لأحد أن يسلط غيره على شيء من ماله بما لم يأذن الله تعالى فيه ، فليجيزوا على هذا أن يسلطه على وطء أم ولده وأمته ، وهذه ملاعب وضلال لا خفاء به . وأما قول مالك : فأول ما يقال لمن قلده : حدوا لنا المدة التي إذا مضت صح البيع الفاسد عندكم بمضيها ، وإلا فقد ضللتم وأضللتم . وحدوا لنا تغير الأسواق الذي أبحتم به المحرمات ، فإن زيادة نصف درهم وحبة ، ونقصان ذلك تغير سوق بلا شك . فإن أجازوا صحة الفاسد بهذا المقدار فقد صح كل بيع فاسد ؛ لأنه لا بد من تقلب القيم بمثل هذا أو شبهه في كل يوم . ثم نسألهم الدليل على ما قالوه من ذلك ؟ ولا سبيل إليه ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد يعرف قبله ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ، بل هو إباحة أكل المال بالباطل . فإن ذكروا في ذلك حديث النعمان بن بشير عن النبي ﷺ { الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما سواه أترك ، واستبرأ لدينه وعرضه } أو كلاما هذا معناه ؟ قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الخبر ؛ لأنكم إن قلتم : إنكم إنما حكمتم بهذين الحكمين فيما اشتبه عليكم تحريمه من تحليله ؟ قال : إما كذبتم ، وإما صدقتم ، فإن كنتم كذبتم : فالكذب حرام ومعصية وجرحة ، وإن كنتم صدقتم فما أخذتم بما في الحديث الذي احتججتم به : من اجتناب القول والحكم فيما اشتبه عليكم ، بل جسرتم أشنع الجسر ، فنقلتم الأملاك المحرمة ، وأبحتم الأموال المحظورة فيما أقررتم بألسنتكم : أنه لم يتبين لكم تحريمه من تحليله ، فخالفتم ما في ذلك الخبر جملة . وإن قلتم : حكمنا بذلك حيث ظننا أنه حرام ولم نقطع بذلك ؟ قلنا : قد حرم الله تعالى ورسوله ﷺ هذا عليكم ، قال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } . وذم قوما حكموا فيما ظنوه ولم يستيقنوه . وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } والفرض على من ظن ولم يستيقن أن يمسك : فلا يحكم ولا يتسرع فيما لا يقين عنده فيه ، فإذا تيقن حكم حينئذ . وقال أبو محمد : قال الله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وقال تعالى : { تبيانا لكل شيء } وقال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } وقال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا موسى الأشعري قال : لا ينبغي لقاض أن يقضي حتى يتبين له الحق كما يتبين الليل من النهار ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال : صدق أبو موسى . قال علي : المفتي قاض ؛ لأنه قد قضى بوجوب ما أوجب ، وتحريم ما حرم ، أو إباحة ما أباح ، فمن أيقن تحريم شيء بنص من القرآن أو من رسول الله ﷺ ثابت فليحرمه وليبطله أبدا . ومن أيقن بإباحته بنص كما ذكرنا فليبحه ولينفذه أبدا . ومن أيقن بوجوب شيء بنص كما ذكرنا فليوجبه ولينفذه أبدا ، وليس في الدين قسم رابع أصلا ، وما لم يتبين له حكمه من النص المذكور فليمسك عنه وليقل كما قالت الملائكة : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } وما عدا هذا فضلال نعوذ بالله منه . قال تعالى : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } .

1449 - مسألة : ومن ابتاع عبدا أو أمة لهما مال فمالهما للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون له ، ولا حصة له من الثمن - كثر أو قل - ولا له حكم البيع أصلا . فإن كان في مال العبد أو الأمة : ذهب كثير أو قليل ، وقد ابتاع الأمة أو العبد بذهب أقل من ذلك الذهب أو مثله أو أكثر : نقدا أو حالا في الذمة ، أو إلى أجل - : جاز كل ذلك - وكذلك إن كان فيه فضة ولا فرق . فإن اطلع على عيب في العبد أو الأمة : رده أو ردها والمال له لا يرده معه . فإن وجد بالمال عيبا : لا يرد العبد من أجل ذلك ، ولا الأمة . فإن باع نصف عبده أو نصف أمته أو جزءا مسمى مشاعا فيهما منهما : جاز ذلك ، ولا يجوز هنا اشتراط المال أصلا . وكذلك لو باع نصيبه من عبد بينه وبين آخر ولا فرق . فلو باع اثنان عبدا بينهما : جاز للمشتري اشتراط المال ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ذلك بلفظ الاشتراط كما قدمنا والاشتراط غير البيع فليس له حكم البيع ، ولم يخص عليه السلام معلوما من مجهول ولا مقدارا من مقدار ، ولا مالا من مال : فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك وقد ملك المال بالشرط الصحيح ، وليس مما دخل في صفقة الرد فليس عليه رده بعيب فيه ولا بعيب في المبيع . ومن باع نصف عبد مشاع أو نصف عبده فلم يشتر المشتري عبدا وإنما جعل عليه السلام اشتراط المال لمن اشترى عبدا وإذا اشترى عبدا من اثنين فقد ابتاع عبدا فله اشتراط المال . وهذا كله قول أصحابنا ، وقال مالك كقولنا في اشتراط الذهب ، والفضة ، والمجهول ، والكثير ، والقليل . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجوز ذلك إلا بحكم البيوع - وهذا خلاف للحديث مجرد ، فردوا ما أباح الله تعالى من الشروط ، وأجازوا ما أبطل الله تعالى منها . ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو الأحوص أنا أشعث بن أبي الشعثاء قال : باع رجل غلامه ولم يشترط واحد منهما ماله ، فوجد للغلام مال فقضى به شريح للبائع . ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا يونس ، ومغيرة ، وأبو إسحاق الشيباني ، وبعض أصحابنا عن الشعبي عن شريح ، قال يونس : عن الحسن ، وقال مغيرة : عن إبراهيم ، وقال الشيباني : عن الشعبي عن شريح ، وقال بعض أصحابنا : عن الشعبي ، ثم اتفقوا كلهم : الحسن ، والنخعي ، وشريح ، والشعبي : على أن من باع عبدا وله مال فماله للمشتري ، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وبالله تعالى التوفيق .

1450 - . مسألة : وللمبتاع أن يشترط شيئا مسمى بعينه من مال العبد أو الأمة ، وله أن يشترط ثلثا أو ربعا ، أو نحو ذلك - ومنع من ذلك : مالك ، وأبو سليمان ، وقالا : لا يجوز أن يشترط إلا الجميع أو يدع . قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل فماله للبائع إلا أن يشترط كله المبتاع - وبعض المال مال - فهو داخل في نص مقتضى لفظه عليه السلام - وبالله تعالى التوفيق .

1451 - . مسألة : فإن قيل : إنما جاء النص في العبد فمن أين قلتم بذلك في الأمة ؟ قلنا : لفظة " العبد " تقع في اللغة العربية على جنس العبيد والإماء لأن العرب تقول عبد وعبدة ، و " العبد " اسم جنس كما تقول : الإنسان والفرس والحمار - وبالله تعالى التوفيق . وإن أحق الناس بأن يعكس عليه هذا الاعتراض ، ويلزم هذا السؤال من فرق بين العبد ، والأمة في الحكم فرأى الزنى في الأمة عيبا يجب به الرد ، ولم يره في العبد الذكر عيبا يجب به الرد من الحنفيين . ومن رأى أن للرجل أن يجبر أمته على النكاح ولا يجبر العبد الذكر على النكاح من المالكيين ، فإن كانت الأمة في استثناء مالها في البيع إنما وجب قياسا على العبد ، فليقيسوها عليه في الرد بالعيب ، وفي الإكراه في النكاح ، وإلا فقد تحكموا .

1452 - مسألة : ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، والتأبير في النخل : هو أن يشقق الطلع ، ويذر فيه دقيق الفحال وأما قبل الإبار فالطلع للمبتاع ، ولا يجوز في ثمرة النخل إلا الاشتراط فقط ، وأما البيع فلا حتى يصير زهوا ، فإذا أزهى جاز فيه الاشتراط مع الأصول ، وجاز فيها البيع مع الأصول ودون الأصول ، وليس هذا الحكم إلا في النخل المأبور وحده كما جاء النص ، ولو ظهرت ثمرة النخل بغير إبار لم يحل اشتراطها أصلا ؛ لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ . وأما سائر الثمار فإن من باع الأصول وفيها ثمرة قد ظهرت أو لم يبد صلاحها ، فالثمرة - ضرورة ولا بد - للبائع ، لا يحل بيعها إلا مع الأصول ولا دونها ، ولا اشتراطها أصلا . ولا يجوز لمشتري الأصول أن يلزم البائع قلع الثمرة أصلا ، إلا حتى يبدو صلاحها ، فإذا بدا صلاحها فله أن يلزمه أخذ ما يمكن النفع فيه بوجه ما من الوجوه ، ولا يلزمه أخذ ما لا يمكن الانتفاع به بوجه من الوجوه . وأما تخصيص النخل بما ذكرنا ، فلأن النص لم يرد إلا فيها فقط ، مع وجود الإبار والقياس باطل - والتعليل بظهور الثمرة باطل ؛ لأنه دعوى كاذبة بلا دليل . وأما قولنا : لا يجوز في ثمرة النخل إلا الاشتراط فقط ما لم تزه ، فلما ذكرنا قبل من { نهي النبي ﷺ عن بيع الثمرة حتى تزهي وتحمر } ، فلا يجوز بيعها قبل أن تزهي أصلا ، وأباح عليه السلام اشتراطها ، فيجوز ما أجازه عليه السلام ويحرم ما نهى عنه : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وقاس الشافعيون ، والمالكيون : سائر الثمار على النخل ، وأجازوا هم ، والحنفيون : بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وقبل أن تزهي على القطع أو مع الأصول - وهذا خلاف نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإباحة ما حرم ، وما عجز عليه السلام قط عن أن يقول إلا على القطع ، أو مع الأصول ، وما قاله عليه السلام قط ، فهو شرع لم يأذن به الله تعالى . وممن منع بيع الثمرة قبل بدو صلاحها جملة لا بشرط القطع ولا بغيره : سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى - : روينا من طريق مسلم أنا يحيى بن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال { إن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، نهى البائع والمشتري } . ورويناه أيضا من طريق أيوب ، وعبيد الله بن عمر ، وموسى بن عقبة ، ويحيى بن سعيد ، كلهم عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ . ورويناه أيضا من طريق إسماعيل بن جعفر ، وشعبة ، كلاهما عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه } . ورويناه أيضا من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي ﷺ . ومن طريق أبي الزبير ، وعمرو بن دينار ، كلاهما عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومن طريق سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فصار نقل تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الصحابة ، وإلى التابعين ، وفيمن دونهم . فإن قطع شيء من الثمرة ، فإن كان إن ترك أزهى إن كان بلحا أو بسرا ، أو ظهر فيه الطيب إن كان من سائر الثمار - : لم يحل بيعه حتى يصير في الحال التي أباح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعه فيها - فإن كان إن ترك لم يزه أبدا ، ولا ظهر فيه الطيب أبدا - : حل بيعه بعد القطع لا قبله ؛ لأنه حينئذ قد خرج عن الصفة التي أحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جواز بيعه إليها . وبيقين يدري كل ذي فهم وتمييز أن نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع ثمرة النخل حتى تزهي ، وعن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها : إنما هو بلا شك فيما إن ترك أزهى أو ظهر صلاحه لا يمكن غير ذلك ، وأما ما لا يمكن أن يصير إلى الإزهاء أبدا ، ولا أن يبدو صلاحه أبدا ، فليس هو الذي نهى عليه السلام عن بيعه حتى يزهي أو حتى يبدو صلاحه ، فإذ ليس هو المنهي عن بيعه فقد قال الله تعالى : { وأحل الله البيع } . وأما قولنا : لا يجوز لمشتري الأصول أن يأخذ البائع بقلع ثمرته قبل أن يمكنه الانتفاع بها ، فالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق المغيرة بن شعبة أنه عليه السلام : { نهى عن إضاعة المال } والبائع لم يتعد في كون ثمرته في أصولها فيكون هو المضيع لماله . وكذلك القول فيمن باع أرضا وفيها بذر له ونوى ولم يبع البذر ولا النوى ، فليس لمشتري الأرض أخذه بقلع ذلك إلا حتى يصير النبات في أول حدود الانتفاع به في وجه ما ، فليس له حينئذ أن يغل أرض غيره ، ولا شجر غيره ، بمتاعه بغير إذن صاحب الأصل ، وبالله تعالى التوفيق .

1453 - . مسألة : وأما بعد ظهور الطيب في ثمرة النخل فإنه يجوز فيها الاشتراط إن بيعت الأصول ، ويجوز فيها البيع مع الأصول ودونها - أما الاشتراط فلوقوع الصفة عليها وهي قوله عليه السلام : { قد أبرت } فهذه ثمرة قد أبرت - وأما جواز بيعها مع الأصول ودونها لإباحة رسول الله ﷺ بيعها إذا أزهت - وبالله تعالى التوفيق .

1454 - مسألة : ومن باع أصول نخل وفيها ثمرة قد أبرت فللمشتري أن يشترط جميعهما إن شاء أو نصفها أو ثلثها أو جزءا كذلك مسمى مشاعا في جميعها ، أو شيئا منها معينا . فإن وجد بالنخل عيبا ردها ولم يلزمه رد الثمرة ؛ لأن بعض الثمرة ثمرة ، وقوله عليه السلام : { وفيها ثمرة قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع } يقع على كل ما كان منها يسمى ثمرة للنخل - والاشتراط غير البيع ، فلا يرد ما اشترط من أجل رده لما اشترى ، إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ، ولا سنة . فلو اشترى ثمرة النخل بعد ظهور الطيب ، أو ثمر أشجار غير النخل ، ثم وجد ظهور الطيب ، أو ثمر أشجار غير النخل ، ثم وجد بالأصول عيبا فردها ، أو وجد بالثمرة عيبا فردها . فإن كان اشترى الثمرة مع الأصول صفقة واحدة رد الجميع ولا بد ، أو أمسك الجميع ولا بد ؛ لأنها صفقة واحدة . فلو كان اشترى الثمرة في صفقة أخرى لم يردها - إن رد الأصول بعيب - ولا يرد الأصول إلا إن رد الثمرة بعيب . فلو اشترى الأصول من النخل واشترط الثمرة أو بعضها فوجد البيع فاسدا فوجب رده رد الثمرة ولا بد ، وضمنها إن كان أتلفها أو تلفت ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبح الاشتراط إلا للمبتاع ، ولا يكون مبتاعا إلا من قد صح بيعه ، وأما من لم يصح بيعه فليس هو الذي جعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتراط الثمر ، فإذ ليس هو ذلك فحرام عليه ما اشترطه بخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متعد ، قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }

1455 - مسألة : ومن باع نخلة أو نخلتين وفيها ثمر قد أبر لم يجز للمبتاع اشتراط ثمرتها أصلا ، ولا يجوز ذلك إلا في ثلاثة فصاعدا . ومن باع حصة له مشاعة في نخل ، فإن كان يقع له في حصته منها - لو قسمت - : ثلاث نخلات فصاعدا ، جاز للمبتاع اشتراط الثمرة ، وإلا فلا - والثمرة في كل ما قلنا للبائع ولا بد ، لقول رسول الله ﷺ : { من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع } فلم يحكم عليه السلام بذلك إلا في نخل . وأقل ما يقع عليه اسم " نخل " ثلاث فصاعدا ؛ لأن لفظ التثنية الواقع على اثنين معروف في اللغة التي بها نزل القرآن ، وخاطبنا بها رسول الله ﷺ وأول لفظ الجمع إنما يقع على الثلاث فصاعدا . فإن ذكروا قول الله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } . قلنا : المعروف عند العرب : أن كل اثنين من اثنين فإنه يخبر عنه بلفظ الجمع ، وقد قال الراجز : ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين فإن قيل : الجمع ضم شيء إلى شيء فالاثنان جمع ؟ قلنا : هذا باطل ، ولو كان كما قلتم لجاز أن نخبر عن الواحد بلفظ الجمع فيقال : زيد قاموا ، والرجل قتلوا ؛ لأن الواحد أيضا أجزاء مجموع بعضها إلى بعض - وبالله تعالى التوفيق .

1456 - مسألة : ولا يحل بيع سلعة على أن يوفيه الثمن في مكان مسمى ولا على أن يوفيه السلعة في مكان مسمى ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ، لكن يأخذه البائع بإيفائه الثمن حيث هما ، أو حيث وجده هو أو وكيله من بلاد الله تعالى ، إن كان الثمن حالا لأمر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإعطاء كل ذي حق حقه - وليس على البائع إلا أن لا يحول بين المشتري وبين ما باع منه فقط . وبالله تعالى التوفيق .

1457 - مسألة : ولا يحل بيع جارية بشرط أن توضع على يدي عدل حتى تحيض - رائعة كانت أو غير رائعة - والبيع بهذا الشرط فاسد ، فإن غلب على ذلك فبيعه تام - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان . وأوجبه مالك في الرائعة ، ولم يوجبه في غير الرائعة - : وهذا أول التناقض ، وفساد القول ، لأن غير الرائعة توطأ كما توطأ الرائعة ، وتحمل كما تحمل الرائعة . ثم أعظم التناقض قولهم : إن الحيض لا يكون براءة من الحمل ، وإن الحامل قد تحيض ؟ فقلنا لهم : يا هؤلاء فلأي معنى أوجبتم منع المشتري من جاريته ، وأوجبتم هذا الشرط الفاسد الذي لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا تورع ، ولا رأي يعقل ؟ وأنتم تقولون : إنها إذا حاضت أسلمت إليه ، وحل له التلذذ منها فيما فوق المئزر ، وحل له وطؤها بعد الطهر ، وممكن - عندكم - أن تكون حاملا من البائع حينئذ ، فأي فرق بين ما أبحتم له الآن ، وبين ما منعتموه منه قبل أن تحيض ، وخوف الحمل - : وفساد المبيع موجود في كلتا الحالتين ؟ فأي عجب أعجب من هذا ولا خلاف بيننا وبينكم في أنه إن ظهر بها حمل بعد الحيض ، وبعد إباحتكم له وطأها ، فولدته لأقل من ستة أشهر - : فإن البيع مفسوخ ، وهي مردودة إلى البائع وولدها به لاحق ، إن كان قد أقر بوطئها ولم يدع استبراء - فأي منفعة للمواضعة ، أو أي معنى لها ؟ فإن قالوا : إنما اتبعنا النص الوارد : { لا توطأ حائل حتى تحيض } ؟ قلنا : كلا ، بل خالفتم هذا النص بعينه ؛ لأنكم فرقتم بين الرائعة وغير الرائعة ، وليس هذا في الخبر ، ولا قاله أحد نعلمه قبلكم ، وفرقتم بين البكر وغير البكر ، وليس ذلك في الخبر ، وليس لكم أن تدعوا ههنا إجماعا ، فإن الحنفيين يقولون : إن البكر وغير البكر سواء ، لا توطأ واحدة منهما حتى تحيض ، أو حتى تستبرئ بما تستبرئ به التي لا تحيض - : وهذا خبر لم يصح ولو صح لقلنا به - لكنا نقول : لا يبيعها حتى يستبرئها بحيضة ، ولا يطؤها المشتري حتى يستبرئها كذلك احتياطا خوف الحمل فقط ، فإن أيقنا أن بها حملا من البائع فالبيع حرام إن كانت أم ولده ، وإن كان الحمل من غيره فالبيع حلال ، والوطء حرام حتى تضع وتطهر . وهو مؤتمن على ذلك كائتمانه على ما حرم عليه من وطء الحائض ، والنفساء ولا فرق ، إذ لم يأت نص بغير ذلك ، ولا فرق بين ائتمانه على التي اشترى وبين ائتمانكم من تضعونها عنده لذلك . وأنتم لا تفرقون بين الثقة وبين غير الثقة ههنا ، وفرقتم بين الرائعة وغير الرائعة - وهذا تخليط وتناقض . وأما الحكم فيها إن ظهر بها حمل فسنذكره إن شاء الله تعالى في " كتاب الاستبراء " ببرهانه - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

1458 - مسألة : ولا يحل بيع عبد أو أمة على أن يعطيهما البائع كسوة - قلت أو كثرت - ولا بيع دابة على أن يعطيها البائع إكافها ، أو رسنها ، أو بردعتها ، والبيع بهذا الشرط باطل مفسوخ لا يحل فمن قضي عليه بذلك قسرا فهو ظلم لحقه والبيع جائز . برهان ذلك : أنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ، وقال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال رسول الله ﷺ { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فسمى الله تعالى أخذ المرء مال غيره من غير تراض بالتجارة : باطلا ، وحرمه ، إذ نهى عنه ، وعلى لسان رسوله عليه السلام أيضا . والكسوة مال البائع ولم يبعها برضا منه ، فلا يحل أخذها منه أصلا - وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم . وقال مالك يجبر على كسوة مثلها للشتاء إن بيعت في الشتاء ، وعلى كسوة مثلها في الصيف إن بيعت في الصيف - كسوة تجوز الصلاة في مثلها - فكانت هذه شريعة لم يأت بها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد ، ولا قول أحد نعلمه قبله - نعني بهذا التقسيم - . وقد روي عن ابن عمر : كل حلي وكسوة على الأمة عرضت فيها للبيع فهي داخلة في البيع - وهم لا يقولون بهذا . فإن قالوا : كسوتها من مالها ؟ قلنا : تناقضتم ههنا في موضعين : أحدهما - أنها إن كانت من مالها فقد أجزتم اشتراط بعض مالها ، وهذا حرام عندكم ، والثاني - أن نقول لكم : كيف هي من مالها وأنتم تجبرون البائع على إحضارها - أحب أم كره - من حيث شاء ؟ ثم هبكم أن الكسوة من مال الأمة ، أترون البرذعة والرسن من مال الحمار والبغل ؟ إذ قلتم : لا يباع إلا ومعه برذعة ورسن ؟ ثم من أين لم تقولوا بهذا في السرج ، واللجام ؟ وهذه أعاجيب وشنع لا ندري من أين خرجت ؟ وهلا أوجبتم عليه نفقة شهر أو شهرين تصحبها إياها كما أوجبتم عليه كسوة عام أو نصف عام ؟ وما [ ندري ] الفرق بين الكسوة والنفقة ، بل النفقة أوكد ؛ لأنها لا تعيش دونها . فإن قالوا : مشتريها ينفق عليها ؟ قلنا : ومشتريها يكسوها أيضا ، كما يلزمه أن يكسو زوجته ، ولا يلزم أباها ولا أخاها الذي يزوجها كسوتها مذ تتزوج . فإن قالوا : أيبيعها عريانة ؟ قلنا : أيبيعها جائعة - ولا فرق ؟ وقال بعضهم : الكسوة ركن من أركانها ؟ فقلنا : هذا كذب وحمق معا ، وما علمنا للإنسان أركانا تكون الكسوة بعضها . فإن ادعوا عمل أهل المدينة ؟ قلنا : كذب من قال هذا ، ومن الباطل المتيقن أن تكون هذه الشريعة عند أهل المدينة ثم يكتمها عمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، والحسن ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم حتى لا يدريها أحد إلا مالك ومن قلده - وبالله تعالى التوفيق .

1459 - مسألة : ولا يحل بيع سلعة لآخر بثمن يحده له صاحبها فما استزاد على ذلك الثمن فلمتولي البيع . روينا من طريق ابن أبي شيبة أنا هشيم عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل الرجل الثوب فيقول : بعه بكذا فما ازددت فلك ، ولا يعرف له من الصحابة في ذلك مخالف . وأجازه شريح ، والحكم ، والشعبي ، والزهري ، وعطاء . وقد روينا من طريق محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل الرجل الثوب أو الشيء فيقول له : ما ازددت على كذا أو كذا فهو لك . وبه إلى عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ، وسفيان الثوري ، كلاهما عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي : أنه كره ذلك ، وكرهه الحسن ، وطاوس . قال أبو محمد : هذا شرط ليس في كتاب الله تعالى [ فهو باطل ] فإن باعه المأمور على هذا الشرط فالبيع باطل لأنها وكالة فاسدة ، ولا يجوز بيع شيء إلا بتولي صاحبه ، أو بوكالة صحيحة - وإلا فهو عمل فاسد . فلو قال له : بعه بكذا وكذا ، فإن أخذت أكثر فهو لك ؟ فليس شرطا والبيع صحيح ، وهي عدة لا تلزم ، ولا يقضى بها ؛ لأنه لا يحل مال أخذ بغير رضاه ، والرضا لا يكون إلا بمعلوم ، وقد يبيعه بزيادة كثيرة لا تطيب بها نفس صاحب السلعة إذا علم مقدارها - وبالله تعالى التوفيق .

1460 - مسألة : ولا يحل بيع شيء غير معين من جملة مجتمعة ، لا بعدد ، ولا بوزن ، ولا بكيل - كمن باع رطلا ، أو قفيزا ، أو صاعا ، أو مديا أو أوقية من هذه الجملة من التمر ، أو البر ، أو اللحم ، أو الدقيق ، أو كل مكيل في العالم ، أو موزون كذلك . وكمن باع ثلاثة من هذه البيض أو أربعة ، أو أي عدد كان ، أو من كل ما يعد ، أو كمن باع ذراعا أو ذراعين ، أو نحو ذلك من كل ما يذرع سواء استوت أبعاض كل ذلك أو لم تستو ، وإنما تجب أولا المساومة ، فإذا تراضيا : كال أو وزن ، أو ذرع ، أو عد . فإذا تم ذلك تعاقد البيع حينئذ على تلك العين المكيلة أو الموزونة ، أو المذروعة ، أو المعدودة ، ثم بقي التخيير من أحدهما للآخر فيمضي ، أو يرد ، أو يتفرقا بأبدانهما - بزوال أحدهما عن الآخر - كما قدمنا قبل . فلو تعاقدا البيع قبل ما ذكرنا من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ، أو الذرع : لم يكن بيعا - وليس بشيء - وأجازه المالكيون فيما استوت أبعاضه : كالدقيق واللحم ، والتمر ، والزبيب ، ونحو ذلك ، ولم يجيزوه فيما اختلفت أبعاضه : كالبطيخ ، والقثاء ، والبيض ، والجواري ، والحيتان ، وسائر الحيوان والجوهر ، ونحو ذلك . وأجاز أبو حنيفة بيع ثوب بغير عينه من ثوبين أو من ثلاثة يختاره المشتري ، ولم يجزه من أربعة أثواب - وهذا تخليط ناهيك به ؟ برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فحرم الله تعالى أخذ المرء مال غيره بغير تراض منهما وسماه باطلا . وبضرورة الحس يدري كل أحد أن التراضي لا يمكن ألبتة إلا في معلوم متميز ، وكيف إن قال البائع : أعطيك من هذه الجهة ، وقال المشتري : بل من هذه الأخرى كيف العمل ؟ ومن جعل أحدهما بالإجبار على ما يكره من ذلك أولى من الآخر ، وهذا ظلم لا خفاء به . وبرهان آخر - وهو { نهي رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } ، ولا غرر أكثر من أن لا يدري البائع أي شيء هو الذي باع ولا يدري المشتري أي شيء اشترى ، وهذا حرام بلا شك . وبرهان ثالث - : وهو أنهم كلهم مجمعون معنا فيمن عقد مع آخر بيعا على هذه الجهة ، أو هذه الأخرى ، أو اشترى منه أما هذه الجهات ، أو هذه الأخرى - : فإنه بيع باطل مفسوخ لا يحل ، وهذا نفسه هو الذي أجازوا ههنا ، لا نقول : إنه تشبيه ، بل نقول : هو نفسه ولا بد . وبرهان رابع - : وهو أن السلم عند أبي حنيفة ، ومالك لا يجوز حالا ، والسلم عندهم إنما هو يعقد على ذرع ما ، أو عدد ما ، أو كيل ما ، أو وزن ما ، ولا يجوز عندهم ، ولا عند الشافعيين في بعض صبرة بعينها ، وهذا هو نفسه الذي منعوا منه - وقولنا ههنا : هو قول أبي سليمان ، وأصحابنا ، وما نعلم للمخالفين حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا نذكره الآن ، من قول متقدم ، ولا من قياس ، ولا من تورع أصلا . ومن عجائب الدنيا - : إجازة الحنفيين هذا البيع ، ومنعهم من بيع ذراع من هذا الثوب ، محدود هذه الجهة ، إما في ذراع ، وإما في عرض الثوب ، أو في طوله : فأجازوا المجهول ، والمنكر ، ومنعوا المعروف - وبالله تعالى التوفيق . 
==========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1وط2.كتاب : الأمثال المؤلف : أبو عبيد ابن سلام

  ج1وج2.كتاب  الأمثال أبو عبيد ابن سلام المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمّد وآله رأيت في أوّل نسخة الشيخ الإمام أبي...